لقاء مع عماد الحزقي رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة: تلقينا 228 قضية، فصلنا 95 منها


2018-09-11    |   

لقاء مع عماد الحزقي رئيس هيئة النفاذ إلى المعلومة: تلقينا 228 قضية، فصلنا 95 منها

مرّت سنة على تركيز هيئة النفاذ إلى المعلومة في تونس، وهي الهيئة المعنية بالنظر في الشكاوى المتصلة برفض الأشخاص الملزمين بإعطاء المعلومة. وبالنظر إلى أهمية هذه التجربة في تونس، رأت “المفكرة القانونية” ضرورة إجراء حوار مع رئيس الهيئة القاضي عماد الحزقي حول أهم منجزاتها وأبرز التحديات التي واجهتها. وقد أجرت المقابلة الصحفية أمل مكي في شهري يوليوز وأوت 2018.

المفكرة: مرّت سنة منذ انتخاب أعضاء الهيئة، كيف تقيّمون هذا العام من حيث الأشواط المقطوعة والتحديات التي واجهتموها إن وجدت؟

عماد الحزقي: اسمحي لي أوّلا أن أذكّر بأنّه قد تمّ انتخاب أعضاء الهيئة في جويلية 2017. وصدر الأمر المتعلق بتسميتنا في أوت، ثمّ قمنا بأداء اليمين أمام رئيس الجمهورية في 20 سبتمبر 2017. يعني من الناحية القانونية، لم يقع استكمال مسار التكوين سوى في سبتمبر 2017. مباشرة إثر ذلك، انطلقنا في إعداد مشروع ميزانية تقديرية أولية تمكّننا من توفير مقرّ وتهيئته للعمل. وقد دخلنا في مفاوضات مع وزارة المالية وتحصّلنا على تسبقة مالية أولى في نهاية أكتوبر 2017. الأمر الّذي مكّننا من الحصول على مقرّ في وقت وجيز نسبيّا. ونحن نتسوّغه على وجه الكراء بالطّبع لأنه ليس للدولة الإمكانيات الكافية وكان الأمثل لو تمّ تخصيص مقرّ للهيئة.

إذا كما قلت، إجراءات الحصول على المقرّ وتجهيزه تطلّبت أشهرا، ولم نبدأ في العمل الفعليّ إلاّ في شهر جانفي 2018. ولكن يبقى هذا وقتا قياسيا مقارنة بهيئات ومجالس وطنية أخرى على غرار المجلس الأعلى للقضاء التي تطلّبت سنة أو أكثر للقيام بهذه الإجراءات. فنحن محظوظون فضلا عن ذلك، فإننا لم نبقَ مكتوفي الأيدي خلال تلك الأشهر، بل قمنا بتنظيم أنشطة تحسيسية وتوعوية عديدة وربط علاقات تعاون مع منظمات أجنبية. حيث قمنا بزيارة إلى إيطاليا مع منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) مكّنتنا من التعرف على تجارب مقارنة والتعريف بالتجربة التونسية التي تعدّ ذات خصوصية ورائدة في العالم العربي وإفريقيا على مستوى النفاذ إلى المعلومة. كما شاركنا في اليوم العالمي للنفاذ إلى المعلومة في نهاية سبتمبر 2017 بالتعاون مع اليونسكو وكانت فرصة إعلامية للتعريف بالهيئة. وكان لي شخصيّا حضور إعلامي مكثف في وسائل الإعلام للتعريف بمهامّ الهيئة والحق في النفاذ إلى المعلومة. وقد نظّمنا سلسلة من اللقاءات التحسيسية  باعتبار تنوّع مهامّنا بين القضائي والرقابي التقييمي والتحسيسي التوعوي.

كما أذكر أن من أهداف الهيئة ومهامّها التعريف بالحق في النفاذ إلى المعلومة ونشر ثقافته، وينصّ القانون المنظّم له على وجوب التنسيق مع الهياكل العمومية ومنظمات المجتمع المدني بهذا الخصوص. وعليه، فنحن على تواصل مع كل منظمة تعمل في هذا المجال أو نلمس فيها رغبة في نشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة.

القضايا: من يقدمها؟ وضد من؟

المفكرة: بخصوص القضايا التي تلقّيتموها، وبناء على الفترة المنصرمة، أيّهما كان صاحب أكثر قضايا مقدّمة لديكم: عموم المواطنين أم الجمعيات وسائر الذوات المعنوية؟

الحزقي: تبلغ جملة القضايا التي تلقّيناها 228 قضية. تتوزع هذه القضايا من حيث مقدميها مناصفة بين عموم المواطنين والجمعيات وسائر الذوات المعنوية. المفاجئ هو أننا لم نتلقّ حتى الآن أيّ قضية رفعها صحفي. وهذا شيء مثير للاستغراب لأنه ينم عن غياب الإحساس بأهمية القانون لدى الصحفيين. بينما في تحارب مقارنة، وكما أخبرني مؤخّرا مثلا مسؤولون إسبان أنّ أكثر من 75% من مطالب النفاذ هناك تقدّم بها صحفيون.

لذلك، ندعو الصحفيين للتعامل أكثر مع الهيئة واستخدام حقهم في النفاذ للمعلومة ونعتبر إقناعهم جزءا من دورنا في تعزيز ثقافة الوصول إلى المعلومة.

المفكرة: ضد من قدمت هذه القضايا؟ وهل من إدارة أو وزارة بعينها كان لها النصيب الأكبر؟

الحزقي: من أصل 228 قضية التي تلقيناها، هنالك 99 قضية مرفوعة ضدّ وزارات و30 ضدّ مؤسسات ومنشآت عمومية، وتقريبا 30 قضية أخرى ضد بلديات. كما أنّنا تلقّينا قضايا ضدّ جامعات وأحزاب سياسية.

وقد توزعت الشكاوى ضد جميع الوزارات من دون أن يكون لأي منها نصيب أكبر.  فتقريبا كلّ الوزارات شملتها القضايا ورئاسة الحكومة كذلك.

وبخصوص الأحزاب، قدمت جمعية “أنا يقظ”  قضايا ضدّها رغبة منها في الحصول على الحسابات المالية لهذه الأخيرة، وضدّ وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان باعتبار أنّ الحسابات المذكورة مودعة لديها. واللافت أن الأحزاب المعنية قد أجابت بأنها غير معنية بالقانون كونها لا تخضع للمالية العمومية. وقد رفضت الهيئة الدعاوى الموجّهة ضدّ بعض هذه الأحزاب السياسية على أساس عدم خضوعها لأحكام قانون النفاذ إلى المعلومة وعدم ثبوت انتفاعها كأحزاب بالتمويلات العمومية. لكنّ الهيئة قبلت الدعوى المرفوعة من نفس المنظمة ضدّ رئاسة الحكومة ووزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان بخصوص النفاذ إلى قائمة الأحزاب التي رفعت تقارير مراقبي الحسابات الخاصّة بقوائمها المالية السنوية بين سنوات 2011 و2017 وتلك التي لم تتولّ احترام هذا الإجراء، كالنفاذ إلى نسخ من هذه التقارير.

القرارات والاستثناءات على الحق بالمعلومة: الضرر بالأمن العام والمعطيات الشخصية

المفكرة: كم قضية فصلتم فيها منذ فيفري الماضي؟ وهل أنتم راضون عن سرعة البت فيها؟

الحزقي: إلى غاية اليوم، فصلنا في 95 قضية. القانون ينصّ على وجوب الاجتماع مرّة على الأقلّ كلّ 15 يوما، لكنّننا نلتقي فعليّا مرّة كلّ أسبوع. وذلك لأن حجم العمل والانتظارات كبيران. فبمجرّد علم المواطنين بتركيز الهيئة تهاطلت علينا القضايا حيث نعدّ اليوم 228 قضية في ظرف أشهر معدودة.

أما بخصوص الآجال، فهي مرتبطة أساسا بالتحقيق في القضية. فنظريا، يحدّد القانون أجل 45 يوم للفصل فيها. لكن لا يمكننا دائما احترام ذلك لأنه تصلنا أحيانا من قبل المنظمات أو المواطنين ملفّات خالية من الوثائق الداعمة. فعندما تكون الوثائق متوفرة وجاهزة تمرّ مباشرة إلى مجلس الهيئة ونفصل فيها، لكن التحقيق يتعطّل أحيانا فنضطرّ إلى إرسال تنبيه إلى الجهات المعنية أو طلب وساطة أطراف أخرى للحصول على الوثائق المطلوبة.

المفكرة: ينصّ قانون النفاذ إلى المعلومة على وجود استثناءات أبرزها إمكانية إلحاق ضرر بالأمن العامّ، فهل تلقّيتم قضايا من هذا النّوع، وبخاصة بما يتصل بوزارة الداخلية؟

الحزقي: نعم، تلقّت الهيئة بالفعل عددا من القضايا، من قبل منظمات ومواطنين، تتعلّق برفض وزارة الداخلية توفير معطيات استنادا إلى كونها تهمّ الأمن العامّ. ونحن بصدد النظر فيها وسنبتّ قريبا في شأنها.

المفكرة: ماهي المعايير التي تستندون إليها في تقدير الضرر للبتّ في وجوب رفع الاستثناء من عدمه؟

الحزقي: نحن نقوم بادئ الأمر بتحقيق في القضية حيث نراسل الجهة المعنية لطلب الوثائق موضوع الدعوى. ويقوم الهيكل المعني في أغلب الحالات بتمكيننا منها، فندرسها على مستوى الهيئة ونرى هل أنّ هذه المعطيات قابلة للنّفاذ آليا أم أنها تدخل تحت بند الاستثناءات. وحتى وإن كانت هذه المعطيات تعدّ من الاستثناءات، فإنّنا ننظر أيضا فيما إذا كانت المصلحة في الكشف عن المعلومة أهمّ من الضرر الذي قد يترتّب عن ذلك أم لا وهو ما يصطلح على تسميته باختبار المصلحة والضّرر.

فمثلا، في قضية مرفوعة لدينا ضد ولاية تونس تعلّق الأمر برفض تمكين المدّعي من تقرير رقابة قامت به المصالح التفقدية بولاية تونس بخصوص جملة من شبهات الفساد فيما يتعلق بالتصرف في المقابر الإسلامية. وفي إثر التحقيق، تبين لنا أن التقرير يحتوي بالفعل على معطيات شخصية لكن الكشف عن حالات الفساد أهم من الضّرر الذي قد ينجرّ عن كشف المعطيات الشخصية.

المفكرة: هذا يجعلنا في إطار الجدلية  القائمة بين الحق في النفاذ إلى المعلومة وحماية المعطيات الشخصية، واللذين يبدو الخيط الفاصل بينهما رفيعا. فلو تشرحون لنا مجال الالتقاء بينهما وحدود كليهما، خاصّة وأنه سبق لكم التحفّظ على قانون حماية المعطيات الشخصية؟

الحزقي: هذه بالفعل مسألة هامّة جدّا لأنه من المفروض أن تقع استشارتنا بخصوص مشروع القانون باعتباره في علاقة مباشرة مع النفاذ إلى المعلومة والشفافية. لكن ذلك لم يتمّ، وقد أصدرنا بلاغا مباشرا إثر تلقّينا علما بإحالة المشروع على مجلس النواب مع استعجال النظر من قبل الحكومة. ونشرنا تحفّظاتنا وطالبنا بالاستماع إلينا من قبل لجنة الحقوق والحريات، الأمر الّذي تمّ. وقد ساند عدد من منظمات المجتمع المدني موقف الهيئة واعتبروا أنّ مشروع القانون من شأنه المسّ بعدّة مكاسب. وفي الواقع، ينبني تخوّفنا على كون حماية المعطيات الشخصية في الأصل استثناء للحق في النفاذ للمعلومة ويخشى أن يقع استعمال هذا الاستثناء من قبل الهياكل العمومية من أجل حجب المعلومة والتعتيم عليها وعدم تمكين الهياكل والأفراد من حقهم. ونعلم جيدا أنّ أغلب الوثائق العمومية لا بد أن تتضمّن بعض المعطيات الشخصية.

المفكرة: هل لديكم إحصائيات عن عدد القرارات التي تمّ تنفيذها من قبل الهياكل المعنيّة؟  

الحزقي: في الحقيقة لا، لا يمكنني مدّك بأرقام وإحصائيات لأنها لا تتوفّر لدينا بعد. نحن نحاول بالفعل متابعة تنفيذ القرارات الصادرة عن الهيئة لكنّنا فعليا لا نعلم إذا لم يتمّ تنفيذها إلاّ عندما يعود الطرف المعني إلينا ليقول إنه أعلم الجهة المعنية بالنفاذ إلى المعلومة بالحكم ولم تنفّذه. وهنا أضرب مثلا قضية “بلدية طبربة” والتي أصدرنا في شأنها حكما يقضي بمدّ الطرف الراغب في النفاذ إلى المعلومة بمحاضر جلسات البلدية ولكنها لم تفعل واستأنفت القرار.

المفكرة: هنا لنا أن نتساءل إذن عن مدى قدرة هيئة النفاذ إلى المعلومة على إلزام الهياكل العمومية باحترام قراراتها والحق في النفاذ إلى المعلومة؟

الحزقي: للأسف، لا يقدّم قانون النفاذ إلى المعلومة الشيء الكثير على صعيد الإلزام باحترام قرارات الهيئة. فهو أساسا ينصّ على تسليط عقوبات مالية على من يتعمّد تعطيل النفاذ إلى المعلومة، لكنه في المقابل لا يوضّح الجهة المخوّل لها تسليط هذه العقوبات. يمكننا أيضا في حالات عدم احترام القرارات أن نلجأ إلى النيابة العمومية، لكنّنا كثيرا ما نلجأ إلى الإعلام لفضح تعطيل الهيكل المعنيّ للحق في النفاذ إلى المعلومة. وعادة ما يأتي ذلك بنتيجة إيجابية. فالإعلام هو سلاحنا الأكثر جدوى من العقوبات لأنها قد تبقى دون تنفيذ.

الدور الرقابي للهيئة

المفكرة: كيف تمارسون دوركم الرقابي؟

الحزقي: دورنا الرقابي هامّ جدا لأنه سيحقق أكثر من غيره هدف تكريس حق النفاذ للمعلومة ويطور من عمل الإدارة وسائر الهياكل العمومية. لكنه يتطلب إمكانيات كبيرة لا نتمتع بها إلى اليوم. لأن مجال تطبيق النفاذ إلى المعلومة يشمل آلاف الهياكل، فكيف لنا حاليا أن نراقبها جميعا ونراقب حسن التزامها بالقانون ونشر المعلومة؟ نحن نحاول القيام بذلك بما لدينا من إمكانيات وموارد متواضعة. وقد اخترنا بداية الاشتغال على  أهداف محدّدة مثل رئاسة الجمهورية ومجلس النوّاب وكل الوزارات والبلديات والمنشآت العمومية الكبرى. كما أنّنا بصدد البحث في سبل تدعيم دورنا بالتعاون مع هيئات ومنظمات أخرى.

هذه الهياكل وغيرها مطالبة بنشر كمّ هائل من المعلومات عبر موقعها. ولكن نجد ان كثيرا منها لا يملك موقعا رسميا بالأساس. وسأفاجئك في هذا الصّدد بالقول إنّ رئاسة الجمهورية هي آخر الهياكل العمومية الكبرى التي أنشأت موقعا رسميا، وكان ذلك في جزء منه بفضل الهيئة حيث راسلنا الرئاسة ونبّهناها إلى أنه من غير المعقول أن يتعامل هيكل رسمي مع المواطنين عن طريق موقع الفايسبوك فقط. أيضا بالنسبة للوزارات، وزارة العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، والتي يمكن أن تلغى، هي الوحيدة التي لا تملك موقعا رسميا. كذلك بالنسبة للبلديات التي تمّ إحداثها مؤخّرا ولا يمكن أن نلومها باعتبارها حديثة العهد ولا تتوفر على الموارد اللازمة. فحاليا نحن نشتغل بالأساس على الهياكل الكبرى ونتابع مواقعها لتذكيرها بوجوب تحيين المعطيات.

المفكرة: في علاقة بالمواقع الرسمية، هيئة النفاذ إلى المعلومة أيضا ليس لديها موقع.

الحزقي: هذا صحيح، وهو بصدد الإنشاء. الأمر مرتبط طبعا بالميزانية. وقد أطلقنا الاستشارة اللازمة وقمنا باختيار الشركة ومناقشة مكوّنات الموقع. ونرجو أن يكون جاهزا في سبتمبر المقبل.

خطوات ضرورية لتعزيز عمل الهيئة إداريا ووظيفيا وماليا

المفكرة: بالرجوع إلى الهيئة، من الظاهر أن هناك تأخيرا حاصلا في إصدار بعض النصوص الترتيبية المتعلّقة بالقانون المنظم للنفاذ إلى المعلومة، فما هي هذه النصوص؟ وأي أهمية لها؟ وهل لديكم فكرة عن الحيّز الزمني الذي تتطلّبه للصدور؟

الحزقي: فعلا، كان قد صدر منشور تفسيري للقانون في 18 ماي 2018، بكثير من التأخير، وهو يتعلق بتفسير وبيان القانون وموجّه لكافة الهياكل العمومية. لكن هناك نصّ آخر يتعلّق بضبط إجراءات إحداث الهيكل الاستشاري الذي سيتولّى تنظيم مسألة النفاذ إلى المعلومة صلب الهياكل العمومية. والمكلفون بالنفاذ على مستوى الهياكل العمومية ينتظرون صدور هذا النصّ لتنظيم عملهم وإعطائهم حافزا أكبر للقيام بمهامهم باعتبار ما لهم من دور في إنجاح أحكام القانون وكونهم حلقة الربط بين هيئة النفاذ إلى المعلومة من جهة وسائر الهياكل العمومية من جهة ثانية. ولذلك، نطالب من جهتنا الحكومة بالإسراع في إصدار هذا النصّ. كما يوجد نصّ ترتيبي آخر يتعلق بضبط معاليم النفاذ إلى المعلومة، وتأخّر صدوره ليس مصدر قلق حاليا كونه لا يمثّل عائقا أمام ممارسة الحق في النفاذ إلى المعلومة. عدا عن كونه يطرح بعض الإشكاليات لأن القانون لم يوضّح الجهة المعنية به ممّا جعل وزارة المالية نفسها أمام مأزق قانوني. فالأولوية إذن، كما أسلفت للنص السابق.

وبالتوازي مع كلّ ذلك، هناك تحديات أخرى مطروحة أمامنا منها ما هو قانوني، على غرار وجود بعض النصوص المتعارضة مع حق النفاذ إلى المعلومة والتي يجب مراجعتها. هناك مثلا واجب التحفّظ أو الكتمان في قانون الوظيفة العمومية والّذي لم يعد يتماشى مع التطوّر الحاصل على مستوى العالم الكل في مجال الشفافية والنفاذ إلى المعلومة. كما توجد نقاط لبس في قانون الأرشيف وجب توضيحها، عدا عمّا ذكرته من التهديدات التي يمكن أن يشكّلها مشروع حماية المعطيات الشخصية. ولذلك، علينا كهيئة أن نبقى دائما يقظين.

المفكرة: لنتحدّث عن الأمور المالية إذن، خاصّة وأنكم لم تلحقوا بميزانية 2018.

الحزقي: تحصّلنا على تسبقة لتأمين كراء المقرّ واقتناء الأثاث والمعدّات الإعلامية في سنة 2018. يعني لا بأس عموما. وكما تعلمين نحن نخضع للمالية العمومية وقد قدّمنا بالفعل مشروع ميزانية تقديرية بالنسبة لعام 2019 ونحن بصدد مناقشتها مع وزارة المالية ونرجو ألاّ ينقصوا منها الكثير. في الواقع، نحن نعوّل في جزء كبير على التعاون الدولي في أنشطة التحسيس والتوعية، أمّا الدولة فهي تقوم أساسا بخلاص أجور الموظّفين وهم أساسا ملحقون أي لا يمثّلون تكاليف إضافية.

المفكرة: عديد الهيئات الوطنية والدستورية تشكو ممّا تعتبره تهميشا وعزلا وتضييقا في الموارد من قبل الدولة، فما رأيكم بالخصوص؟

الحزقي: الثابت لدينا أنّ للهيئات دورا محوريا وأساسيا في دعم الديمقراطية وإنجاحها وترسيخ ثقافة الحقوق والحريات وديمومة المسار الديمقراطي وبالتالي لا يجب قطعا المساس بها. لكننا نسمح أحيانا أصواتا حتى من داخل السلطة السياسية نفسها تشكّك في جدوى الهيئات وفاعليتها. وعلينا أن نكون واضحين في دعمنا لهذا الدور. بالنسبة لنا لم يحدث أن تعرّضنا لمشاكل داخلية ولا مع الحكومة ونرجو أن يتواصل ذلك. كما أنّنا لم نداهن أي شخص ولا أي جهة. لكن تبقى الإمكانيات مشكلة كبيرة، لأنه لا يكفي أن توكل للهيئة عدّة مهامّ بل يجب أن توفّر لها الموارد اللازمة للقيام بتلك المهامّ. وسنحاول مستبقلا الحصول على تمويلات أكثر تخوّل لنا القيام بمهامّنا على أكمل وجه.

وقد كنا قد اجتمعنا مؤخرا مع سائر الهيئات الوطنية والدستورية واتفقنا على إنشاء تنسيقية وتنظيم ندوة وطنية من أجل مزيد التحسيس بأدوارنا من جهة وجعل الهيئات أكثر وزنا في مجابهة كل الأطراف التي تحاول التشكيك في جدوى عملها والتصدي ليها أو تهميشها من جهة أخرى.

ثمة أشخاص يفكّرون وفق عقلية قديمة لم تستوعب بعد التحولات السياسية والثقافية التي حدثت في البلاد ومازالوا يعتبرون أنّ كل شيء يجب أن يكون حكرا على السلطة السياسية كالإعلام والانتخابات. سياسيون لا يتقبّلون حقيقة تغيّر العالم من حولنا وفي بلادنا ويستغلّون كلّ مرّة ما يحدث داخل الهيئات من أزمات للتشكيك في الجدوى من عملها ووجودها.

التعاون الدولي و”التمويل الأجنبي”

المفكرة: الحديث عن التعاون الدولي يحيلنا على موضوع التمويل الأجنبي الّذي يطرح دائما التساؤل عن مدى القدرة على المحافظة على الاستقلالية.

الحزقي: على العكس، هذا من شأنه مزيد تدعيم الاستقلالية طالما كانت المنظمات الشريكة مؤمنة بالشفافية وأهداف الهيئات العمومية المستقلّة ودورها في ترسيخ الديمقراطية في تونس. ونحن من نقوم بضبط برامجنا واحتياجاتنا. ومنظمات ك “الفصل 19” مهتمّة بحرية التعبير والصحافة ودعم حق النفاذ إلى المعلومة واشتغلت كثيرا في هذا المجال خاصّة في مرحلة وضع القانون، وكذلك منظمة “تقرير عن الديمقراطية” و”منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية” واليونسكو، نتعاون معها جميعا من أجل تكريس النفاذ إلى المعلومة ودعم الديمقراطية.

المفكرة: لكن لا يمكننا التغافل عن أنّ هذه الملحوظة كثيرا ما تعود في علاقة بالمجتمع المدني والهيئات الوطنية وهي أنّ المموّلين لا يدعمون برنامجا إلاّ إذا وافق توجّهاتهم.

الحزقي: طالما كان هناك التقاء بين الطرفين فأين المشكل؟ ما دمنا من جهتنا نعرف جيدا أنّ نشاطنا يخدم الأهداف التي نصّ عليها القانون المنظم للهيئة وهي تعزيز الشفافية والمساءلة وتنمية ثقافة المواطنة ودعم مشاركة العموم في الحياة العامّة، فلا أرى إشكالا في ذلك.

المفكرة: ما هي إذن أبرز الاتفاقيات التي أبرمتها الهيئة ؟

الحزقي: هناك اتفاقية أبرمناها مؤخرا مع مركز التكوين ودعم اللامركزية في علاقة بالانتخابات البلدية. حيث ندرك أنّ كثيرا من المنتخبين حديثا لم يمارسوا العمل البلدي سابقا ولا يتمتّعون بتكوين في الإدارة والتصرّف في الأموال العمومية.  ولذلك ارتأينا أن يكون لدينا دور في تكوين الإطارات المنتخبة فيما يخص النفاذ إلى المعلومة والديمقراطية التشاركية.

كما لدينا اتفاقيات مع عدد من المنظمات على غرار “الفصل 19″، وكذلك مشروع اتفاقية مع وزارة التربية حول نشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة في المؤسسات التربية، وهي قد تنصهر ضمن مشروع الإصلاح الإداري.

كما لدينا مشاريع تعاون مع جامعات مثل كلية العلوم القانونية بتونس وكلية الحقوق في صفاقس لربط أواصر التعاون من أجل إدماج مادة النفاذ إلى المعلومة والشفافية في ماجستير خاصّ.

ثقافة النفاذ إلى المعلومة

المفكرة: تتحدثون عن ثقافة النفاذ إلى المعلومة. هل ترون أن المواطن التونسي أصبح أكثر وعيا بحقه في النفاذ؟ وما مدى مراهنتكم على الإعلام التقليدي أو غير التقليدي؟

الحزقي: هي مسألة ثقافة بالأساس وأعتقد أننا قمنا بمجهود في هذا الاتّجاه. حيث أن المواطنين أصبحوا اليوم أكثر وعيا بممارسة الحق ومعرفة بعمل الهيئة. إلا أنّ العمل يجب أن يكون متواصلا ومتنوّعا. وفي هذا الصّدد، لدينا مشروع فيديو تحسيسي بالشراكة مع “تقرير حول الديمقراطية” سيعرض في القنوات التلفزية والإذاعية لمزيد التعريف بالهيئة. كما لدينا برنامج تعاون مع الجمعية التونسية للإذاعات الجمعياتية.

نحن منفتحون على الجميع، لكننا نعوّل على الإذاعات الجمعياتية، باعتبار دورها غير التجاري بل الثقافي، لنشر ثقافة النفاذ إلى المعلومة في الجهات خاصة النائية منها والتي في أمسّ الحاجة لمن يشتغل عليها من قرب.

المفكرة: عمليا، كيف يساعد الإعلام الهيئة في أداء مهامّها؟ وأيّ دور له برأيكم؟

الحزقي: نظريا، لا يمكن للإعلام إلاّ أن يكون داعما لعمل الهيئة لأنّ الحق في النفاذ للمعلومة يهم الإعلاميين والصحفيين بالأساس، وبخاصة على مستوى الصحافة الاستقصائية، لأن قانون النفاذ ربما لا يناسب الصحفي الذي يشتغل على الأخبار السريعة والمستجدّات اليومية لكنه يوفّر كمّا كبيرا من المعلومات بالنسبة للصحفيين الاستقصائيين. يعني، عندما تلاحظين المعلومات التي تتحصّل عليها جمعيات ك “أنا يقظ” ستجدين أن حجمها كبير جدّا.

فعليّا، لا يمكننا للإعلام الحديث عن تصدّي للفساد في غياب نظام يسمح بتدفّق المعلومة وسهولة الوصول إليها، وبالتالي فالعلاقة بين عملنا ومحاربة الفساد واضحة ومتينة. وذلك لأن وعي الإدارة والهياكل العمومية بكون كلّ الوثائق التي تنتجها قابلة للاطّلاع عليها يجعلها تتجنّب الانزلاق ممّا يقلّص حجم الفساد.

الدور الاستشاري للهيئة

المفكرة: بقي أن نتحدث عن دوركم الاستشاري. كيف تمارسونه؟ وما هي أهم مواقفكم إزاء تمرير قانون المصالحة واقتراح مشروع قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح واللذين بينا إرادة متراجعة في مكافحة الفساد؟

الحزقي: للأسف ظاهرة متفشّية. من جهتنا نقوم بدورنا لكن هناك الكثير للقيام به بعد ويتطلّب تضافر كل الجهود وإرادة سياسية قوية… وهي قد تتواجدفي أحيان  لتختفي في أحيان أخرى.

وبالعودة إلى سؤالكم، قانون المصالحة حاليا تجاوزته الأحداث، لكن أعتقد أنّه كان من الأجدر أن توكل المهام الأساسية في هذا الصدد إلى هيئة الحقيقة والكرامة ويترك الملف للعدالة بما يحفظ مصالح الدولة ويحقق الغايات المرجوّة منه. أمّا بالنسبة لقانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح فقد أصدرنا في شأنه بيانا شديد اللهجة وطلبنا الاستماع بخصوصه، لكن كما تعلمين تمّ سحبه لاحقا. كذلك الأمر بخصوص القانون المنظم للمجلس الوطني للإحصاء فقد تمّت مشاورتنا في شأنه وقدّمنا ملاحظاتنا حوله. فبالتالي، الهيئة تحاول القيام بدورها الاستشاري لكن يبقى ذلك رهين إرادة استشارتنا وتعاون الحكومة.

بالمقابل، قانون التصريح بالمكتسبات هو من بين القوانين الهامّة التي من شأنها تعزيز ترسانة مكافحة الفساد وفيه الكثير من التطورات الإيجابية مقارنة بقانون 1987 المتعلق بالتصريح بالمكتسبات. نرجو فقط أن يتم احترامه على مستوى التطبيق.

  • نشر هذا المقال في العدد | 12 | أغسطس 2018، من مجلة المفكرة القانونية | تونس |. لقراءة العدد انقر/ي على الرابط ادناه:

العدالة المشوّشة بصراع الإيديولوجيات: ذاكرة فئوية لغد فئوي؟

  • للإطلاع على النص مترجما الى اللغة الإنكليزية يمكنك/ي الضغط هنا

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني