حملة لتنظيم الدفاع عن منى المذبوح: عقاب لا يتناسب مع خطورة الفعل، والدولة اللبنانية تعرج في الدفاع عن مواطنيها


2018-09-06    |   

حملة لتنظيم الدفاع عن منى المذبوح: عقاب لا يتناسب مع خطورة الفعل، والدولة اللبنانية تعرج في الدفاع عن مواطنيها

في التاسع من الشهر الجاري أيلول/سبتمبر ستنظر محكمة الاستئناف في القاهرة بقضية الشابة اللبنانية منى المذبوح، وذلك بعدما تم تأجيل الجلسة بتاريخ 29/7/2018، وقد قيل حينها أن السبب هو “إفساح في المجال أكثر لدراسة المستندات المقدمة، المتعلقة بحالتها الصحية والتي قد تسهم في التخفيف من الحكم الذي سبق أن صدر بحق الفتاة”.

وللتذكير، فإنه في أواخر شهر أيار/مايو 2018 انتشر فيديو تظهر فيها الفتاة منى المذبوح وهي تروي ما حصل معها خلال إقامتها في مصر، حيث تعرضت للمضايقات في أماكن عدة تخللها سرقات وتحرش جنسي. وقد روت منى ما حصل معها بالتفصيل الممل الذي تضمن كل ما تيسر لها من الفاظٍ نابية وشتائم توجهت بها إلى كل من تسبب لها بالإزعاج هناك.

انتشر الفيديو كما النار في الهشيم. وقد تلقت منى على إثر ذلك كيلاً فائضاً من السباب والإهانات التي لم تقف عندها بل امتدت لتطال اللبنانيين عموماً واللبنانيات على وجه الخصوص. لكن في اليوم التالي أطلت منى بفيديو آخر تعتذر فيه لجموع المصريين وتوضح فيه ملابسات ما جرى معها وتؤكد أن الفيديو السابق تمت سرقته من صفحتها وأنه كان محصوراً بعدة أشخاص وأنها ستلاحق من فعل ذلك قضائياً، واعترفت بأنها اعتمدت أسلوباً إنفعالياً نتيجة كل المواقف البشعة التي تعرضت لها، وشددت على أنها لم تتوجه الى عموم الشعب المصري بكلامها بل لمن تعرضوا لها وحسب، وأنها لم تتحدث بالسياسة مطلقاً وأن تنقلها في الكلام بين اللهجتين اللبنانية والمصرية جعل تعابيرها تخونها ولكنها لم تقصد بأي شكل من الأشكال إهانة المصريين.

بعد عدة أيام على نشر الفيديو تم استدعاء منى إلى إحدى مخافر الشرطة بعد أن تقدم المحامي عمرو عبد السلام  ببلاغ للنائب العام ضدها، يتهمها فيه بنشر أحد الفيديوهات المصورة عبر حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ويتضمن “عبارات وألفاظًا مهينة لعموم الشعب المصري برجاله ونسائه، ورئيس الدولة”.

وكانت محكمة مصرية قد قضت بتاريخ 7/7/2018 بمعاقبة منى بالحبس إحدى عشر عاماً مع الشغل بتهمة “نشر فيديو خادش للحياء وازدراء الأديان والتطاول على الشعب المصري”، تم تخفيضها لاحقاً الى ثماني سنوات مع غرامة 40 ألف جنيه مصري، بعدما فحصت المحكمة شهادة طبية مقدمة من وكيلها المحامي المصري عماد كمال، تؤكد هذه الوكالة أنها تعاني مرضاً في المخ، يؤدى إلى إصابتها باضطرابات عصبية ونفسية بين الحين والآخر.

ثماني سنوات سجن من أجل فعلٍ لا يتجاوز “القدح والذم”، فيما أحداً لم يسع الى ما قد تكون تعرضت له من سرقة وتحرش، أو من تهديد ووعيد إزاء ما تلقته بعد انتشار هذا الفيديو. وهذا الأمر دفع بمجموعة من الناشطين من حقوقيين وصحفيين وناشطين في المجتمع المدني اللبناني إلى التحرك من خلال حملة خلقت مجموعة لها عبر تطبيق “واتساب” بعنوان “العدالة لمنى المذبوح”، وبدأت بالتحرك على الصعيد المحلي في لبنان حتى لا يتم طمس ملف الفتاة أسوة بغيرها من اللبنانيين في الخارج. أما المطلب الأساس لهذه الحملة فهو ترحيل منى ومحاكمتها في لبنان أسوة بما يحصل مع غيرها من الأجانب الذين يرتكبون جرائم أكثر خطورة لكن يتم الإفراج عنهم بكفالة أو يتم ترحيلهم إلى بلادهم ليحاكموا فيها. ومن الأمثلة التي تشير إليها الحملة، السائح الإيطالي “إيفان باسكال” الذي أقدم على قتل مهندس مصري في منطقة مرسى علم في مصر ثم أخلي سبيله وفق الحملة بكفالة قدرها 100 ألف جنيه.

وفي سياق التحركات المتابعة لقضية منى، عقدت الحملة مؤتمراً صحافياً لها بتاريخ 3/9/2018 عند الساعة الواحدة ظهراً في نادي الصحافة –منطقة فرن الشباك، تم خلاله استعراض أبرز التطورات في هذه القضية والتحركات التي تجري قبل أيام من موعد جلسة الاستئناف.

من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر

خلال المؤتمر الصحافي تحدث والد منى علي المذبوح عن صحة ابنته النفسية والعقلية وقال:”هذه الفتاة تعاني من انفصام في الشخصية و لديها خلل في دماغها نتيجة عملية قمنا بإجرائها لها في الماضي وتم وضع ست قطع “كويز” في شرايين دماغها. والانفصام الذي تعاني منه يجعلها تتقلب من الإنفعال الشديد إلى الضحك والمزاح خلال ثوانٍ. لقد تعرضت ابنتي للتحرش الجنسي والسرقة في مصر الأمر الذي جعلها تنفعل وهي في منزلي عندما تغضب أو تنفعل تقوم بتحطيم الزجاج، فكيف إذا ما تعرضت للتحرش؟ اعتبروا أنها أخطأت ولكن الخطيئة باتت خطايا وكما قال الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس “إن الخطيئة لا تولد معنا ولكن المجتمع يدفعنا إليها”، وهي اندفعت من خلال التحرش الذي تعرضت له بأبشع الألفاظ  النابية “من الزنار ونازل”، لذا من منكم بلا خطيئة فليرجم هذه الفتاة بحجر”.

وأعرب والد منى عن خوفه على مصير ابنته قائلاً: “أرسلوا إليها شخص لا تعرفه يحمل “جلابية” عباءة متسخة وقال لها هذه هدية لك. والمجال مفتوح أمام زيارتها من أيٍّ كان وأخشى أن يقوم أحد بإيذائها. أنا كئيب أشعر بالخوف على ابنتي وأنا متمسك بها لآخر لحظة في حياتي”.

فريق قانوني من لبنان للدفاع عن منى

في لبنان كلفت عائلة منى، المحامي  حسن بزي بالمرافعة عنها في مصر فشكل فريقاً قانونياً مع المحامية سهى اسماعيل من أجل ذلك. وفي حديث له مع “المفكرة القانونية” قال: “تقدمنا عبر زميل مصري بطلب للحصول على إذن من نقابة المحامين في القاهرة  للمرافعة هناك. وتقدمنا بطلب الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر “الفيزا” وسوف نذهب إلى هناك في حال سارت الأمور كما يجب”.

ولفت بزي إلى أنه تقدم “منذ حوالي الأسبوع بطلب من وزارة الخارجية اللبنانية لإعطاءنا كتاب تسهيل مهمة أمام المراجع الأمنية والقضائية في مصر. فهذه قضية رأي عام ولا نريد أن يتم التعامل معنا بشكل عنيف أو غير محترم يعرقلنا من أداء مهمتنا، ولا نزال إلى غاية تاريخه بانتظار ردّ وزارة الخارجية اللبنانية”.

وأشار بزي إلى أنه في حال لم يتم الحصول على الموافقة من نقابة المحامين في مصر للدفاع عن منى هناك فمعنى ذلك أن”كل التحركات التي تمت في لبنان ستكون من دون فائدة، سوى من لقاء وكيلها في مصر الأستاذ عماد كمال والنقاش معه في السبل الآيلة لإخلاء سبيلها وهذا الأمر برأيي لن يتم إلاّ بتدخل السلطة السياسية”.

ونفى بزي أي حديث عن تنحي وكيلها بمصر وشدد على”ضرورة التعاون قبل صدور الحكم النهائي لأنه في حال تم التصديق على الحكم الأول، فهذا يعني أنه سيتم سجن منى نحو 96 شهراً من أجل لحظة غضب نتجت عنها مجرد جنحة وليست جناية”.

وختم قائلاً:”إنه من غير المقبول في القضاء المصري أن يتم إخلاء سبيل  من ارتكب جريمة  قتل فيما يجري الحكم على  مواطنة لبنانية تمثل فئة الفقراء جل ذنبها أنه لا يوجد ظهر يحميها”.

المجتمع المدني:صمٌّ بكمٌ عميٌّ

وعن التحركات التي قامت بها حملة “العدالة لمنى المذبوح” تحدثت الناشطة نعمت بدر الدين قائلةً: بدأنا تحركاتنا منطلقين من أن منى صبية عمرها أربعة وعشرين عاماً لا تملك سنداً لها في الحياة، فيما تشكل قضيتها نموذجاً لما يعانيه اللبنانيون خارج لبنان، فمنذ فترة تمّ إعدام لبناني في السعودية ولم تتمكن أسرته من استرداد الجثمان لدفنه. وقد قمنا بزيارة إلى رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون وكان متعاوناً جداً، ووعدنا بمتابعة الملف. كذلك كان الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. كما سلمنا كتاباً الى مدير عام الامن العام اللواء عباس ابراهيم، وطلبنا موعدا من مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان. و طلبنا موعداً من السفارة المصرية وقد توجه الوالد لرؤيتهم”

 تابعت: “نحن لجنة متطوعة تضم ناشطين وحقوقيين وصحافيين فضلاً عن والد منى ونحاول جاهدين الضغط لمتابعة هذا الملف، وإلاً فإن هذه الفتاة ستظلم ولن تجد من ينظر إليها وسيؤدي ذلك إلى تدمير عائلة من جرّاء ذلك”.

وأسفت بدرالدين إلى”عدم التجاوب من قبل منظمات حقوق الإنسان وجمعيات المجتمع المدني في هذه القضية”.

ولفتت إلى أن “المشكلة في قضية منى ليس في التواصل مع المعنيين والجهات الرسمية وإنما في آلية المتابعة”.

وختمت بالقول:”نحن نرفع الصوت ونحن والشعب المصري أخوة، ونحن ليس لدينا شيء ضد الشعب المصري ولا ضد السلطات المصرية، إنما لدينا مواطنة لبنانية في مصر ونطالب كمواطنين في هذا البلد أن يجري ترحيلها إلى لبنان وباستطاعة الدولة اللبنانية أن تقوم بهذا الأمر. نناشد رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة ووزارة الخارجية، المساعدة في هذا الأسبوع فلم يعد هناك أسبوع آخر وإلاّ سيحكم عليها”.

هذا وقد أطلقت الحملة بعد المؤتمر هاشتاغ بعنوان “#ترحيل_منى_المذبوح عبر مواقع التواصل الإجتماعي. وقد تم بعد المؤتمر التواصل مع سفير لبنان في مصر علي الحلبي الذي أعلم الناشطين في الحملة بأن السفارة قد أرسلت القنصل عدة مرات لزيارة منى داخل السجن وحضر التحقيق معها مرة وجعلها تتصل بأهلها. كما أن السفارة طلبت من الخارجية اللبنانية موازنة لتكليف محامٍ لها وقد جاءت الموافقة على ذلك، لكن كانت العائلة قد عينت محاميا. وكذلك أشار بأن الخارجية اللبنانية طلبت الموافقة على حصول المحامين على فيزا للسفر إلى مصر، وأن السفارة ستتولى استقبالهم وتسيير أمورهم. كما تسعى إلى إثارة قضية القاتل الإيطالي ليجري التعامل في قضية منى بالمثل.

إن ما تلفظت به منى المذبوح من ألفاظ بحق المصريين هو لا شك أمر مرفوض كلياً ومدان ولكن بالمقابل فإنها نالت نصيبها من وابل الشتائم والإهانات فهل تحرك أحد للدفاع عن حقوقها؟ كلا.  في الواقع إن القضية لا تحتاج تدخلات سياسية لإثبات بأن ثماني سنوات هو حكم جائر وغير منصف لمجرد جنحة اقترفت بساعة غضب. وبعد، على  القضاء المصري اليوم  التعالي عن ضغط الرأي العام السائد في مصر الغاضب على فتاة كانت ضحية سلوكيات بعض المصريين المنفرة، وهو مطالب بإصدار حكمٍ عادلٍ ليس إنصافاً لمنى المذبوح وحسب وإنما إثباتاً وحفاظاً على مصداقيته وشفافيته.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني