المساواة في الإرث أولا: قراءة في مبادرة السبسي المتجددة


2018-08-15    |   

المساواة في الإرث أولا: قراءة في مبادرة السبسي المتجددة

في مستهلّ الكلمة التي ألقاها يوم 13-08-2018 في إطار الاحتفال الرسمي ب “عيد المرأة التونسية”، أشاد رئيس الجمهورية التونسية باجي قايد السبسي بمخرجات عمل لجنة الحقوق والحريات التي سبق وكلفها قبل سنة بإعداد تقرير حول الإصلاحات التشريعية الواجب إجراؤها لتحقيق المساواة الكاملة بين الجنسين والضمان الكامل للحريات الفردية.  وقد لاحظ السبسي لاحقا أن مدنية الدولة التي كانت ما دفعه لأن يطلب من لجنته تصور مشروع قانون لحماية الحريات الفردية وتحقيق المساواة بين الجنسية لا يجب أن تمنعه من الاستماع للأصوات المعارضة لخطوته والتي تتمسك بأن المجتمع التونسي “مجتمع مسلم” والعمل في هذا الإطار على تحقيق توازن بين المبادئ الدستورية والواقع الاجتماعي.

وعد الرئيس في إطار بحثه عما ادعى من موازنة بتقديم مبادرة تشريعية موضوعها مشروع قانون “يحقق المساواة  بين الجنسين في الإرث” ولكنه يجيز في ذات الحين لمن يرفض هذه المساواة لاعتبارات دينية أن يوصي في قائم حياته “بتطبيق الشريعة فيما تعلق بتقسيم تركته بين ورثته”. كما التزم بإرجاء كل حديث عن بقية مقترحات اللجنة لحين إجراء حوار مجتمعي معمق في شأنها ينهي ما برز من خلاف بين أفراد المجتمع وقواه السياسية.

ودعا الرئيس في هذا السياق حزب حركة النهضة التي وصفها بالقوة على مستوى المجلس التشريعي لإنجاح هذه المبادرة. وذلك بعد أن كان قد ذكر أن رئيس تلك الحركة راشد الغنوشي وجه له مراسلة كتابية بتاريخ 09-08-2018 ضمنها ترحيبه بجانب كبير من عمل لجنة الحقوق والحريات واحتراز حركته على جانب منه يتمثل أساسا في دعوتها للمساواة في الإرث بين الجنسين داعيا إياه لتأجيل طرح المبادرة في هذا الشأن لحين تعميق الحوار.

حقق الرئيس في ظاهر كلمته جانبا من مطالبات “الشارع الحقوقي” الذي أبدى حماسة كبيرة لعمل لجنة الحقوق والحريات ولكنه ضحىَ بجانب من مطالبات هذا الشارع بدعوى احترام رأي ومشاعر “المجتمع المسلم”. وفي الجهة المقابلة، اختار الرئيس أن يضمن في نص مبادرته “المسألة الخلافية” التي ترفضها حركة النهضة -الفاعل السياسي ذي المرجعية الدينية- وأن يتجاهل بالمقابل ما قبلته من مقترحات لجنة الحقوق والحريات على أهميتها. كما اختار لوعيه بعدم احتكامه على أغلبية نيابية مساندة له أن يحمل تلك الحركة مسؤولية تمرير نص مبادرته التشريعية.

من جهة الأصل، يكشف تعميق النظر في مبادرة الرئيس حسب ما برز من كلمته أنها وإن كانت تقترح مساواة في الميراث بدعوى تحقيق شعار مدنية الدولة فإنها ستؤول في جانب منها لفرض “حكم الشريعة” في مسائل الميراث. إذ تضمنت أن من يرفض الميراث المدني يمكنه طلب إعمال قواعد الشريعة بما سيطرح السؤال حول المقصود بالشريعة أولا وحول حق غير المسلمين في إطار المساواة أن يطلبوا بدورهم التمتع بذات الامتياز وحول من سيحكم بالقواعد الشرعية في صورة النزاع هل سيكون القضاء المدني أو غيره من المختصين في أحكام الشرع؟

فرض الصراع السياسي بين رئيس الجمهورية والنهضة أن يختار الأول أن يكون هدف مبادرته إحراج حركة النهضة أكثر منه تحقيق إصلاح تشريعي. وهو أمر تأكد لاحقا في تصريح للناطقة الرسمية باسمه سعيدة قراش التي ذكرت أن خطابه كان خطابا لتحميل المسؤولية أراد من خلاله أن يحمل جميع الأطراف السياسية مسؤوليتها في الحفاظ على الدستور من عدمه[1]. وأدى الارتجال في تصور هذا الهجوم الحقوقي على الخصم السياسي إلى أن ينذر حديث الرئيس عن مدنية أحكام المواريث بخطر عودة الأحكام الشرعية صراحة ودون مواربة لنظام تشريعي تونسي من مفاخره أن كل تشريعاته مدنية وأن كان من مصادرها الشريعة الإسلامية وأن قضاءه مدني وموحد لا يطبق إلا النصوص التشريعية.

مقالات ذات صلة:

  • “تونس” وضعت تقريرا مميزا حول الحريات الفردية والمساواة: أي حريّات للجمهورية الثانية في ظل “التوجّهات المعاصرة لحقوق الإنسان”؟
  • لماذا نغفل ما يجمعنا في تقرير لجنة الحريات الفردية والمساواة؟

 


[1]   تصريح سعيدة قراش لإذاعة جوهرة اف أم  بتاريخ 14-08-2018

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني