العاملات المهاجرات في مسيرتهن: لا لنظام الكفالة…نعم للحرية


2018-06-26    |   

العاملات المهاجرات في مسيرتهن: لا لنظام الكفالة…نعم للحرية

تسع سنوات مرت على الخروج الأول للعاملات والعمال المهاجرين في لبنان في تظاهرة مطلبية وثقافية وإجتماعية. تسع سنوات وحناجر العاملات والعمال ومناصرين ومناصرات لحقوق الإنسان عامة، ولقضية العمالة المهاجرة خاصة، بحت في رفع الأصوات المطالبة بإنصافهم، وإلغاء نظام الكفالة بالدرجة الأولى، من دون جدوى تذكر.

طبعاً حصل بعض التقدم نتيجة تراكم النضال وتوسع شريحة الحقوقيين والحراكات المطلبية التي عقدت شراكات عدة مع فئات مهمشة، ومن بينها المعنيين بالعمالة المهاجرة، وعلى رأسه إخراج بعض معاناة العاملات المنزليات من خلف الأبواب الموصدة إلى الفضاء العام.  لكن التغييرات على أرض الواقع لم تصل إلى الجوهر الذي من شأنه وضع حد للتمييز السلبي الحاصل ضدهن، ولا لوقف الإنتهاكات الواسعة التي تعود بمعظمها لتطبيق نظام الكفالة.

وعليه، خرج بتاريخ 24/6/2018 وللسنة التاسعة على التوالي،  المئات من عاملات المنازل المهاجرات وناشطون حقوقيون، وممثلون عن منظمات مؤيّدة لحقوقهن ، للسير في تظاهرة مطلبيةً بمناسبة عيد العمّال (ا أيار)  واليوم العالمي لعاملات المنازل (16 حزيران) .

انطلقت  المسيرة من ساحة الدورة في بيروت وصولاً الى حديقة “السيدة” في سن الفيل، ورُفعت خلالها لافتات  تعبر عن المطلب الرئيسي وهو “الحرية”، التي لا تتحقق إلا بإلغاء نظام الكفالة الذي يشرع كل الممارسات الاستعبادية   بحق غالبيتهن من قبل صاحب العمل.

 وتحولت الشوارع التي جابتها المسيرة في الدورة وسن الفيل وبرج حمود إلى ما يشبه الموزاييك الثقافي والفني والإجتماعي والحقوقي. لبست المشاركات أزيائهن الفولكلورية وألوانهن المفضلة، فيما صدحت الموسيقى الإفريقية احتفالاً.

تسع سنوات مرّت والمطالب هي نفسها، لا تشهد أي تغيير  جدّي في الاستجابة لها، تحديدا على صعيد نظام  الكفالة. في المقابل، تتوثق يومياً العديد من الإنتهاكات بحقهن، وأخرها الفيديو الذي سجّل الإعتداء على عاملتين مهاجرتين من كينيا بالضرب المبرح لمجرد استنكارهما لما بدا محاولة دهسهما من قبل عنصر عسكري.

انطلقت المسيرة عند الساعة الثالثة من بعد ظهر الأحد ، على وقع شعارات العاملات اللواتي رفعن الصوت يروين أوجاعهن ومعاناتهن. رفعنا شعارات تجدد التذكير بمطالبهن:”نحو تحالف واسع للاجئين وعاملات المنازل والعمال المهاجرين”، كفى عنصرية أسود أو أبيض كلنا لدينا نفس الحقوق”. ولفتن الى أن”75% من العاملات المنزليات لا يحصلن على يوم عطلة واحد” منددات بأن “بيروت باتت عاصمة التمييز والعنصرية”.

ولم يغب عن بال العاملات والناشطين  رفع صورة  شريكتهن في المعاناة العاملة الاثيوبية “لينسا” التي وثقت بالفيديو تعرضها للتعذيب فيما تعرضت لضغوطات كثيرة  للتراجع عن إفادتها. و صور حليمة، العاملة التي عملت في لبنان لمدة عشر سنوات ثم عادت الى بلادها من دون أن تقبض  دولاراً واحداً.

ولادة قيصرية

على أن قيام هذه المسيرة لم يكن بالأمر السهل، فقد واجه المنظمون صعوبات حقيقية من قبل الجهات المعنية وصلت الى حد محاولة إلغاءها. يقول الناشط والمسرحي هاشم عدنان :”تم اختيار منطقة الدورة كونها  ملتقى دائم للعمال والعاملات الأجانب، وكذلك الحال في منطقة برج حمود والنبعة  وسن الفيل جاراتها، واخترنا أن نسير  في شوارع يتواجد فيها عمال وعاملات اجانب ليروا  أن قضيتهم حاضرة في لبنان  وأن هناك مناصرون يساندونهن. لكن عندما تقدمنا بالعلم والخبر، طلب إلينا تغيير مسار المظاهرة وتوقيتها، بحجة زحمة السير التي يمكن أن تتشكل في منطقة الدورة، وحفاظاً على أمن المتظاهرين.

 استمر التفاوض لفترة طويلة حاول المنظمون خلالها إقناع المعنيين أن الطريق التي اخترناها والتي تدخل في الأحياء الداخلية لبرج حمود الى سن الفيل “هي أفضل وأكثر أمناً على المستويات كافة، لكن دون جدوى”، وفق هاشم. أرادت السلطات المعنية أن تسير التظاهرة  عند الساعة التاسعة صباحا، “ولكن في النهاية وصلنا إلى الإتفاق على إبقائها عند الثالثة، والسير من الدورة باتجاه جادة ميرنا الشالوحي وصولا الى حديقة “السيدة””. واعتبر هاشم أن هذا المسير يشكل   خطراً كبيراً على أرواح الناس حيث تقاسم المشاركون  الطريق مع سيارات تسير بسرعة 90 إلى 100 كيلومتر في الساعة، محملاً المسؤولية الى محافظ جبل لبنان وقائد الشرطة فيفي المحافظة”.

توقيف عاملة بتهمة صورة

قبل الوصول الى جادة ميرنا الشالوحي، اقتحمت سيارة من قوى الأمن الداخلي التظاهرة، وأوقفت  احدى العاملات المتظاهرات في سياراتها نحو خمس دقائق،بحجة وأثناء توثيقها للمسيرة، التقطت صوراً لعدد من عناصر قوى الأمن الداخلي، وربما لبعض الآليات العائدة  لهم. عندها توقفت المسيرة وجلس المتظاهرون أرضاً وقطعوا الطريق بانتظار إعادتها. وخلال دقائق عادت العاملة وتم إكمال المظاهرة. مصدر أمني راى أن هذا التدبير عادي، وممكن القيام به في حال اشتبه الضابط المسؤول بشيء ما. لكن هاشم يرى في  الخطوة انعكاساً “لعقلية ذكورية أبوية غير محترفة تحكم  بعض بعض العناصر الأمنية”.

أهداف ثابتة على مر السنوات

من جهتها، ، وفي إطار حديثها عن أهداف المسيرة، ترى  فرح سلقا من حركة مناهضة العنصرية أنه:”منذ نحو تسع سنوات الى اليوم تنزل العاملات للمطالبة بحقوقهن، في  مقابل صفر إرادة سياسية للمضي في حصول أي تقدم  على صعيد أوضاع العاملات المهاجرات”. “لا يوجد قوانين عادلة، وهناك  نظام الكفالة المميت،  كما تنتحر عاملة منزلية على الاقل في الإسبوع ولا أحد يسأل عن السبب، ولا  عن وضعها قبل الإقدام على إنهاء حياتها، وإن كانت تقبض راتبها، أو تتصل بأهلها”، وفق سلقا، التي ترى أن
“هذا النوع من التحقيق غير موجود”.

وتلخص سلقا مطالب العاملات ب”إلغاء نظام الكفالة واستبداله بنظام هجرة عادل يسمح للعاملة بالمجيء الى لبنان بكامل احترام وبإرادتها وفقا لتأشيرة دخول محددةتمكنها من اتخاذ قرار  مع من تريد العمل وما هي شروط العمل، وأن تكون هذه الشروط مكتوبة بلغة تفهمها،  وإن كانت تريد أن تعمل داخل المنزل أو خارجه، وأن يكون لديها الخيار لا أن تُترك لمصيرها وللحظ بأن تعمل لدى شخص جيد أم لا، ويمنحها عطلتها الاسبوعية او يحرمها منها”.

ومن بين المطالب “أن يتم شمل العاملات المنزليات لبنانيات أم أجنبيات  بقانون العمل اللبناني وان يتمتعن بأبسط الحقوق التي ينص عليها قانون العمل من عدد محدد لساعات العمل الى العطلة الأسبوعية والسنوية، وعطلة الامومة وغيرها”.

وتطالب العاملات أيضاً، كما تقول سلقا، ب”أن يصدق لبنان إتفاقية منظمة العمل الدولية الرقم 189 والعمل بروحيتها، كما وضع حد للإتقال التعسفي في نظارات الأمن العام المليئة بالعديد من العمال الذين لا احد يسأل عنهم والمعاملة سيئة، وأن يتم تحسين بعض الأمور في مراكز الاحتجاز، إلا أن النظام القائم لايزال كما هو”.

ولفتت إلى أن :”الناس لن تتعب من التظاهر بل على العكس ترتفع أعداد المشاركين عاماً بعد عام، وكلما كان هناك إستغلال أكبر من قبل الدولة سيقابله المزيد من المقاومة والتصدي”. وختمت بأنه “من المهم ان يكون هناك المزيد من التوحد بين جميع العاملين على هذه القضية، والسعي لأن يكون العاملات المنزليات في الواجهة في أي تحرك وضمن أي عمل يتعلق بهن وأن يجري العمل يدا بيد وهذا أمر مهم جدا”.

الكفالة مشكلة العامل ورب العمل في آن

وبحسب المستشارة القانونية لحركة مناهضة العنصرية نرمين سباعي فإننا “وطالما لم نتخلص من العنصرية، لن يتقبل كثيرون أن يُطبق على العاملات المنزليات قانون العمل وسيبقى نظام الكفالة قائم”.

وشددت سباعي على أن”نظام الكفالة” يعود بالمشاكل على البنانيين كما العاملات الأجنبيات، مؤكدة “أن الحل يكمن بخضوع العاملات لقانون العمل الذي يحرر صاحب العمل، كما يحد من العنصرية والإنتهاكات التي تتعرض لها العاملة  جراء نظام الكفالة”.

آراء المشاركين

يعتبر شادي الأيوبي (إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني)، أنه يشارك “انطلاقا من أهداف يطالب بها الإتحاد  ويسعى الى تحقيقها ومنها مناهضة العنصرية ورفض أي شكل من أشكال الإستغلال من أي جهة، ورفض نظام الكفالة الذي تحاول السلطة السياسية من خلاله قوننة عملية الاستغلال والاتجار بالبشر والعنصرية والتمييز وتحديدا تجاه العمال الأجانب والمطالبة بقوانين تحمي هؤلاء العمال وحقوقهم وتعطيهم ضمانات إن كانت صحية أو إجتماعية الخ..”.

ويرى انيس شريف علمي:”أن  المظاهرة   فهي تعبر عن ضرورة أن تقوم الدولة بتحسين ظروف العمل للعمال الأجانب من دون أن يؤثر ذلك على الاستقرار الاقتصادي”.

ويضم أدهم حسنية، من حملة لحقي،صوته الى “مطالب العاملات وأهمها إلغاء نظام الكفالة، وإشراك العمال والعاملات الأجانب في قانون العمل اللبناني”. ورأى ضرورة وضع قانون واضح وصريح يحدد إطار العلاقة بين العامل وصاحب  العمل، ولا يترك الأمر لأهواء الأخير”.

ويعتبر علاء الصايغ، من كلنا وطني، أنقضية العاملات تظهر ركاكة هذا النظام ومدى هشاشته، وأنه لا يقدّر القيم الانسانية على المستويات كافة”. وقال:”هناك ظلم كبير بحق العمال الأجانب، وفيما نحن نسافر لنطالب الدول بمعاملة اللبنانيين بالإغتراب معاملة انسانية، وفقا للقوانين الدولية واحترام الشرائع الدولية، نرى الأمر مختلف هنا”. ورأى أن “هذا الأمر مؤسف، ويستفز أي شخص لديه حس إنساني وأخلاقي للمشاركة، والقول إن نظام الكفالة هو نظام عنصري ولا إنساني وحجز جواز سفر أي عاملة هو لا إنساني أيضاً”. ورأى أن “المسؤولية لا تقع على عاتق المواطنين وحسب، بل هذه مسؤولية الدولة بالدرجة الأولى، الدولة التي نتضرر من سياساتها مواطنين ووافدين.”

مقالات ذات صلة:

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، لا مساواة وتمييز وتهميش



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني