قضية غابات الأمازون في كولومبيا: محكمة العدل العليا تكرّس حق الأجيال القادمة بالحياة السليمة


2018-06-11    |   

قضية غابات الأمازون في كولومبيا: محكمة العدل العليا تكرّس حق الأجيال القادمة بالحياة السليمة

بتاريخ 5 نيسان 2018، أصدرت محكمة العدل العليا في كولومبيا قرارًا تاريخياً يقضي بحماية الأمازون من خطر إزالة الغابات (Deforestation)، وذلك تبعاً لدعوى[1] أقامتها مجموعة مؤلفة من 25 طفلة وشابة [2][3] ضد الحكومة الكولومبيّة، بدعم من منظَمةDejusticia[4] .

بموجب هذا القرار، بات أمام الحكومة الكولومبية أربعة أشهر لتقديم خطة عمل للحد من ظاهرة إزالة الغابات في منطقة الأمازون، باعتبار أن هذه الظاهرة هي المصدر الرئيسي لانبعاثات الغازات الدفيئة[5] Greenhouse gases التي تؤدي إلى تغّير المناخ في البلاد. وقد طلبت المحكمة من الرئيس والوزراء المعنيين إنشاء ميثاق يعنى بحياة الأمازون في كولومبيا وذلك بمشاركة الجهات المعنيَة من الفريق المدعي في الدعوى موضوع النقاش، الباحثين، المجتمعات المتأثرة، المؤسسات العلمية، الخ.

والجدير بالذكر أن المحكمة لم تكتفِ بالموافقة على النقاط القانونيَة المطروحة من قبل الأطراف المدّعية، بل أكَدت أيضاً على عدم فاعلية السياسات الحكومية المعتمدة لجهة الحدّ من خطر الاحتباس الحراري كنتيجة لظاهرة إزالة الغابات. وقد أضاف القرار أن الاحتباس الحراري يؤدي بدوره إلى انعكاسات سلبية على النظم البيئية، خاصة لناحية التأثير على موارد المياه. ومن الأمثلة على هذه التغُيرات، واقعة تبخُر أجزاء من الأنهار والبحور في كولومبيا، كبحر تيرا بومباTierra bomba في كارتاهينا وسانتا مارتا (Santa Marta) وبورتو كولومبيا (Puerto Colombia)[6]. وقد استندت المحكمة في قرارها إلى قرار المحكمة الدستورية الكولومبيّة[7] المتعلق بنهر "اتراتو" للاعتراف بالأمازون "ككيان موضوع حقوق" (entity subject of rights)، مما يعني أنه على الدّولة موجب حماية الغابة والحفاظ عليها وصيانتها.

تُبيّن هذه القضية تطور أساليب التقاضي تبعا لتطور المعرفة العلمية. فقد استندت الدعوى القضائية المذكورة إلى أحدث التطورات في علم المناخ، والتي بات يمكن بفضلها أن نحدّد، بشكل أكثر دقة ،الأسباب المحتملة للتغيرات المناخية غير الطبيعية، لا سيما الأمطار الغزيرة وموجات الحرارة.

وقد أكَدت هذه الدعوى أن إزالة الغابات في الأمازون والارتفاع الملحوظ في معدلات الحرارة في كولومبيا هما عاملان يهددان حق الأطفال بالعيش في بيئة سليمة وصحيّة، بالإضافة إلى حقهم في الحياة والطعام والماء والصحة. فبالرغم من التزامات كولومبيا الدولية للحد من تدمير الغابات، تشير الإحصاءات أن إزالة الغابات قد ازدادت بنسبة 44%  بين عامي 2015 و2016.

لذا، إلى جانب مطالبة الحكومة بإيقاف عملية إزالة الغابات، طالب المدعون بتأمين المشاركة العامة في إعداد خطة على المدى الطويل للوصول إلى هذا الهدف، خاصة أن الأجيال القادمة هي الضحيّة الأكبر للنتائج الخطيرة التي تسببها ظاهرة التغيُر المناخي.

ولعل أبرز النقاط القانونية المثارة في الدعوى موضوع النقاش هي تلك المتعلقة بأهمية حماية حقوق الأجيال القادمة المتأثرة، إلى حد أقصى، بنتائج إزالة الغابات والاحتباس الحراري. هذه الحقوق تشمل الحق في الحياة والصحة. ومن الأدلة على ذلك في الدعوى، ما قدمه أكسكوان غواريرو، الطفل البالغ من العمر 7 سنوات، عن وضعه الصحي. شرح الطفل للمحكمة أنه يعاني من حالة مرضية تمنعه من التنفس في حالة ارتفاع معدل درجة الحرارة بنسبة 1.5 درجة مئوية في كولومبيا. وقد أظهرت الدراسات أن معدل درجة الحرارة في كولومبيا ارتفع حوالي 0.8 درجة مئوية بين عامي 1971 و[8]2015، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة الى حوالي 2 درجة مئوية قبل بلوغ  أكسكوان سن 30. الأمر الذي يظهر أن ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن ظاهرة التغير المناخي يهدد حياة وصحة هذا الطفل وغيره من الأطفال.  

وقد اعتبر سيزار غارا فيتو، المدير التنفيذي لمنظمة  Dejusticia   ووكيل الطرف المدّعي في القضيّة، أن لهذا القرار أهمية كبيرة على الصعيدين المحلي والدولي: فعلى الصعيد المحلي، كرّس القرار صراحةً حقوق الأجيال القادمة وطلب من الدّولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الكوكب الذي سيعيشون فيه. أما على الصعيد الدولي، فقد أنشأ القرار سابقة قانونية يمكن للمحاكم الأخرى الارتكاز عليها في الدعاوى المتعلّقة بالنتائج الضاَرَة للتغير المناخي، إضافة إلى الاعتراف بالأمازون "ككيان موضوع حقوق" وبالتالي أمر الحكومة بالتصدي إلى التعدِيات على هذا الكيان لمواجهة التغير المناخي.

هذه الدعوى هي الأولى من نوعها في أميركا اللاتينية، إلا أنها واحدة من أكثر من 800 دعوى عن التغير المناخي في العالم. فقد اتجه البعض ، مثل قضية "أورجيندا" في هولندا[9]، إلى مقاضاة الحكومة فنتج عن الدعوى صدور حكم يُلزم الحكومة بالوفاء بالتزامها بالتقيد بمعدل خفض انبعاثات الكربون. أما آخرون، مثل القضايا التي رفعها عمدة نيويورك وسان فرانسيسكو[10]، فقد اختاروا مقاضاة شركات النفط الكبرى، بهدف الاستحصال على تعويض مادي عن الأضرار. بدوره، يخدم هذا التعويض تغطية تحسينات البنية التحتية المصممة لحماية المدن من مخاطر ظاهرة الاحتباس الحراري،  كارتفاع مستوى مياه البحار. 

أخيرا، رغم أن حق الأجيال القادمة في الحياة والصحة مكرّس في القانونين المحلي والدولي وفي إعلان ريو لعام 1992، الذي اعتبر هذا الحق جزءاً من التنمية المستدامة،  إلا أنَ هذا الحكم يحفّز الدولة على اتخاذ خطوات عملية، جديّة، وفعّالة لضمان هذا الحق.

 

إن هذه المقالة مأخوذة بشكل رئيسي (بتصرف) عن مقالتين منشورتين على موقع Dejusticia، بموجب التعاون القائم بين هذه المؤسسة والمفكرة القانونية.

المقالتان هما:

 


[1] للإطلاع على مضمون الدعوى المقدمة من قبل Dejusticia، الرجاء اتباع الرابط التالي:  https://www.dejusticia.org/wp-content/uploads/2018/01/TutelaCambioClim%C3%A1tico.pdf?x54537&x54537&x54537&x54537

[2]  يعتمد هذا المقال أسلوب الحيادية الجندرية بحيث تقرأ كل طفلة وشابة على أنها تشمل الذكور واالإناث.

[3] للمزيد من المعلومات عن أسماء وخلفيات الأطفال والشباب المشاركين في تشكيل فريق الادعاء في الدعوى موضوع النقاش، الرجاء اتباع الرابط التالي:
https://www.dejusticia.org/en/25-voices-against-deforestation/ 

[4] منظمة أبحاث ومناصرة، تأسست عام 2005 مقرها كولومبيا، مكرسة لتعزيز سيادة القانون والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في كولومبيا وعالم الجنوب. تقوم المنظمة بتشجع التغيير الاجتماعي الإيجابي من خلال إنتاج دراسات دقيقة ومقترحات سياسة قائمة على الحقائق؛ تنفيذ حملات مناصرة فعالة أو التقاضي في أكثر المنتديات تأثيرًا؛ وتصميم وتنفيذ برامج التعليم وبناء القدرات. للمزيد من المعلومات: https://www.dejusticia.org/en/about/    

[5] الغازات الدفيئة "Greenhouse gases"  هي غازات توجد في الغلاف الجوي, وتكمن وظيفتها  بامتصاص الاشعة التي تفقدها الأرض وبذلك تقلل من نسبة ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء، الأمر الذي يساعد على تسخين جو الأرض. وبالتالي، إذا ارتفعت نسبة تواجد هذه الغازات في الجو عن حد معيّن,  تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري والاحترار العالمي. مثال على هذه الغازات هو غاز ثاني أوكسيد الكاربون "CO2"

Qiancheng Ma, “Greenhouse Gases: Refining the Role of Carbon Dioxide”, NASA, March 1998, available at: https://www.giss.nasa.gov/research/briefs/ma_01/

[6] للمزيد من المعلومات ، الرجاء اتباع الرابط التالي:

 https://www.youtube.com/watch?v=6X1HRbS2g-Q

[7] للإطلاع على الحكم الأساسي للمحكمة الدستورية في كولومبيا، الرجاء اتباع الرابط التالي: https://justiciaambientalcolombia.org/2017/05/07/sentencia-rio-atrato/

 

مقالات إضافيَة حول الموضوع:

Mongabay, "Colombia’s constitutional court grants rights to the Atrato River and orders the government to clean up its waters", May 22- 2017, available at:   https://news.mongabay.com/2017/05/colombias-constitutional-court-grants-rights-to-the-atrato-river-and-orders-the-government-to-clean-up-its-waters/

[8] Adriaan Alsema, “Climate change to raise Colombia’s average temperature with more than 2°C: study”, Colombia Reports,September 13, 2017, available at:

 https://colombiareports.com/climate-change-raise-colombias-average-temperature-2c/

[9] Arthur Neslen, " Dutch government ordered to cut carbon emissions in landmark ruling", The Guardian,  June 24-2015, available at:

https://www.theguardian.com/environment/2015/jun/24/dutch-government-ordered-cut-carbon-emissions-landmark-ruling

[10] Mooni and Grandoni, "New York City sues Shell, ExxonMobil and other oil companies over climate change", The Washington Post, January 10-2018, available at: https://www.washingtonpost.com/news/energy-environment/wp/2018/01/10/new-york-city-sues-shell-exxonmobil-and-other-oil-majors-over-climate-change/?noredirect=on&utm_term=.692d53c8749c

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني