قضية الرملة البيضا: حق الناس بالشاطئ مرتبط بحقهم باللجوء إلى قضاء مستقل، عادل وفاعل


2018-05-30    |   

قضية الرملة البيضا: حق الناس بالشاطئ مرتبط بحقهم باللجوء إلى قضاء مستقل، عادل وفاعل

ألقيت هذه الكلمة في المؤتمر الصحافي المنعقد في مقر المفكرة القانونية بتاريخ 28 أيار 2018 حول قضية الرملة البيضا.

 

كثيرة هي الوثائق المتوفرة اليوم والتي توفر إثباتات دامغة على أمرين:

 

الأول، بطلان رخصة بناء الإيدن باي:

أن الرخصة التي أعطيت لتنفيذ مشروع الإيدن باي، سواء الرخصة الأصلية (2016) أو التعديلية (2017)، هي باطلة لاستنادها على عدد كبير من مخالفات البناء. وهذا ما أوضحه بشكل لا لبس فيه تقرير نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت والصادر في حزيران 2017. وقد بين التقرير ثماني مخالفات جد خطيرة، بما يؤكد ما كنا أثرناه  أمام مجلس شورى الدولة منذ تقديم الدعوى، وهي الآتية: أولاً، أن المشروع أقيم بغياب دراسة تقييم الأثر البيئي، علماً أن قانون حماية البيئة قد جعل من توفر هذه الدراسة شرطاً من الشروط الجوهرية لمنح رخصة البناء، وثانيا، أنه أقيم بما يتعارض مع مرسوم ترتيب الأراضي والذي يعتبر شاطئ الرملة البيضاء منطقة محمية لا يجوز إشادة أي بناء عليه، وثالثا، أن الرخصة أعطيت على أساس غش تمثل في إبراز إفادة شقلات خاطئة، ورابعاً، في إخفاء معلومات عن بلدية بيروت لجهة إزالة الوحدة العقارية، وخامساً، في تضمّن رخصة البناء أعمالاً خارج حدود العقار وضمن الأملاك العامة البحرية، فضلا عن مخالفات أخرى ثابتة في تقرير نقيب المهندسين ولا مجال لتعدادها في هذا المحل، أبرزها عدم قانونية ضمّ العقارات (3689، 3690 3691 و3692) التي يقوم البناء عليها وإزالة إشارة  منع  البناء عنها بطرق غير قانونية.

 

الثاني، مخالفة شروط رخصة بناء الإيدن باي:

أن المبنى الذي تم تشييده أتى مخالفا لمضمون الرخصة وشروطها. فالشركة التي استطاعت أن تحصل على رخصة خلافا لواقع العقار وللقانون وفي مخالفة للقرارات القضائية جهارا، استشعرت أنها أقوى من الدولة وأنها قادرة تاليا على إحراز مكاسب إضافية عن طريق ارتكاب مخالفات إضافية في تنفيذ الرخصة.

وهذا ما يظهر بوضوح في تقرير مصلحة الهندسة في بلدية بيروت والذي أوصى بعدم منحها رخصة الاشغال على خلفية ارتكاب مخالفات كثيرة في تنفيذ رخصة البناء. ومن أبرز هذه المخالفات، هو تقدّم الشركة بخرائط غير مطابقة للواقع، تحوّر فيها في وجهة استعمال الطابق السفلي الأوّل والسطح الأخير للبناء المنفّذ خلافاً للرخصة. فضلاً عن كل ذلك، أكّد تقرير النقيب تابت تعدّي البناء قيد التنفيذ على الشاطئ وعلى الأملاك العامة، لقيام الشركة بأعمال حفر وردم وبناء ضمن الأملاك العامة البحرية. 

****

منذ البداية، اتخذ الخط الأخضر والمفكرة القانونية قرارا باللجوء إلى القضاء لتصويب المسار

فالمسألة ليست مسألة معزولة بل هي جزء من ممارسات سلبية تطال ما تبقى من الشاطئ اللبناني. وتاليا، فإن معالجتها لا تتم من خلال تدخلات ظرفية أو تسويات مجتزأة، إنما من خلال تكريس ممارسات قضائية من شأنها حماية الشاطئ والبيئة وتكريس حق الجميع بالتمتع بهما.

وعليه، منذ اللحظة الأولى، أملنا من مجلس شورى الدولة أن يكون على مستوى الآمال المعقودة عليه، فينتصر للصالح العام وللناس، إيمانا منا بوظيفته كضابط للإدارة وموجه لها. إلا أن هذا المسعى اصطدم وما يزال يصطدم بسلسلة من المعطيات، التي رأينا من الضروري وضعها في رسم الرأي العام:

 

أولا، رجوع مجلس شورى الدولة غير المبرر عن قراري وقف تنفيذ الرخصة:

أن الغرفة الثالثة في مجلس شورى الدولة أصدرت قراري وقف تنفيذ للرخصة، الأمر الذي قابلناه بكثير من الترحاب والارتياح. لكن لم ينقض شهر حتى عاد المجلس عن هذين القرارين من دون مبرر، ورغم أننا عمدنا إلى إبراز مزيد من المستندات التي تشكل أدلة إضافية على بطلان الرخصة. الملفت في الموضوع هو أن الغرفة المذكورة عادت عن قرار وقف التنفيذ رغم تصرفات الشركة وتصريحاتها والتي عكست ازدراء علنيا بأحكام القضاء حيث وصفتها بالرعناء وعمدت جهارا على مخالفتها. وبذلك، تمكنت الشركة ذات الصوت العالي من إكمال مشروعها على الشاطئ.

 

ثانيا: إهمال تقرير نقيب المهندسين جاد تابت وطلب وقف تنفيذ الرخصة على أساسه:  

المشهد السريالي للمبنى في الرملة البيضا وما تخلله، دفع وزارة مكافحة الفساد بحث من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلى تكليف نقيب المهندسين النظر في مدى قانونية رخصة البناء. التقرير جاء قاطعا لا يحتمل أي لبس. إذ ذاك، طلبنا مجددا من الغرفة الثالثة في مجلس شورى الدولة وقف تنفيذ المشروع منذ شهر تموز 2017. أغفلت الغرفة النظر في هذا الطلب وكأنما تقرير نقيب المهندسين الصادر بتكليف من مرجع حكومي وبحث من رئيس الجمهورية مسألة غير هامة. وما تزال هذه الغرفة تمتنع عن النظر في طلب وقف التنفيذ رغم تكراره مرارا.

 

ثالثا: تعيين خبراء بأكلاف باهظة من دون تمكينهم من القيام بمهامهم

بعد صدور تقرير نقيب المهندسين، اكتفت الغرفة الثالثة بتعيين خبيرين مع مطالبتنا بتسديد أتعاب مرتفعة بلغت 6 ملايين ليرة لبنانية. تأمين المبلغ لم يكن سهلا: وما أن نجحنا في ذلك، حتى أصدرت الغرفة من تلقاء نفسها، ومن دون أن يطلب إليها أحد ذلك، تعيين مهندس مساح ثالث مكلفة إيانا بتسديد أتعاب إضافية بلغت مليون وخمسمائة ألف ليرة لبنانية. فعلنا ذلك بصمت أملا بأن يحصل في النهاية مجلس شورى الدولة على معطيات إضافية تسمح له بوضع حد للمخالفة من دون أي اعتراض جدي.

ورغم هذه الكلفة الباهظة، فإن الخبراء ما يزالون حتى اليوم (بعدما يزيد عن خمسة أشهر من تسديد أتعابهم) عاجزين عن القيام بها فيما تستمر الشركة في إنجاز أعمالها وتعمل للحصول على رخصة إشغال، بما يعطل العدالة. لماذا؟ لأن الشركة ببساطة منعتهم من الدخول إلى المبنى، بحجة أن المهمة التي حددها المجلس لا تنص صراحة على حقهم بالدخول إلى المبنى. ورغم مراجعة الخبراء مرارا بوجوب إتمام المهمة، جاء الجواب أنهم ما يزالون بانتظار قرار الغرفة.

 

رابعا: مواقف هيئة القضايا وبلدية بيروت الملتبسة:

ما يعيق الوصول إلى الحق هو أيضا المواقف الملتبسة لممثلي الدولة (هيئة القضايا) وبلدية بيروت في هذه القضية. فقد بدا هذان المرجعان وكأنهما يتمسكان بالرخصة، حتى ولو تم إصدارها خلافا للصالح العام وللقانون، وعلى أساس المعطيات المغلوطة التي أعطيت لهما، وأهمها وجود وحدة عقارية وإفادة الشقلات مغايرة للواقع.

وقد بدت الدولة في حال فصام مع ذاتها: فوزارة مكافحة الفساد تكلف بحث من رئيس الجمهورية نقيب المهندسين تقييم مدى قانون الرخصة. فإذا صدر وبيّن جسامة المخالفات، يبقى موقف هيئة القضايا على حاله.

لا بل أن موقف هذين المرجعين هو إنكار صفة الخط الأخضر لإقامة هذه الدعوى. فكأنما هذان المرجعان قررا ليس فقط التخلي عن مسؤولياتهما في الدفاع عن الصالح العام، بل أيضا منع أي كان من القيام بذلك.

 

أمام كل هذه المعطيات، وأملا بالعدالة ولو جاءت متأخرة، وأمام هذا الكمّ من التساؤلات المهمة حول وجود تدخلات لمنع تطبيق القانون، طلبنا من رئيس مجلس شورى الدولة هنري خوري أن يتدخل لنقل الدعوى إلى مجلس القضايا الذي يرأسه. ونحن ننتظر اليوم البت في طلب نقل الدعوى، الذي نرجو حصوله قريبا. فحق الناس بالتمتع بالشاطئ والبيئة يرتبطان كما لم يحصل يوما بحق الناس بقضاء مستقل وعادل وفعال. فنرجو أن يكون مجلس شورى الدولة على مستوى انتظارات الناس وطموحاتهم.

 

بقي أن نشير أن الشركة لجأت إلى كم الأفواه من خلال استصدار أوامر على عرائض تمنع وسائل الإعلام من التطرق إلى قضية الإيدن باي، أملا أن تحصل المخالفات تحت جنح الصمت. نأمل من جميع وسائل الإعلام الموجودة أن تعترض على الأوامر على العرائض متسلحة بآخر قرارات قضاء المستعجل (أبرزها القرار الصادر في قضية سكر الدكانة) والذي اعتبر أن على الدولة وتاليا القضاء تشجيع المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام على فضح المخالفات والفساد، وتاليا الامتناع عن أي عمل من شأنه إعاقة ذلك. وقد استندت في ذلك على المادة 13 من اتفاقية مكافحة الفساد وواجب حماية الصالح العام. فشكرا لمجيئكم لتغطية هذا المؤتمر رغم كل شيء.   

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني