لماذا وقفة #موش_بالسيف[1] في تونس؟


2018-05-29    |   

لماذا وقفة #موش_بالسيف[1] في تونس؟

مواصلة للتحرّكات التي تقودها منظمات المجتمع المدني والتي تنادي بضرورة احترام سياسة الدولة لأحكام الدستور والحقوق والحريات المضمّنة به[2]، نظّمت جمعية المفكرين الأحرار، يوم 27 ماي 2018، وقفة احتجاجية طالبت فيها الحكومة ممثلة في وزير الداخلية بإلغاء قرار منع الإفطار العلني نهارا بشهر رمضان. فكلّ سنة تقريبا، يكون عديد الأشخاص ضحايا لهذا القرار. ونذكر من ذلك عملية إيقاف أربعة أشخاص في 31 ماي 2017 بتهمة "التجاهر بالإفطار" والحكم عليهم بالسجن لمدّة شهر وكذلك عملية الغلق النهائي، يوم 25 ماي 2018، لمقهى، بجهة أريانة، قام بتقديم المشروبات لزبائنه خلال النهار.   

إضافة إلى ذلك، فقد حصل التحرّك ردّا على التصريحات الأخيرة لوزير الداخلية بضرورة احترام الأقلية لمشاعر وقوانين الأغلبية[3] واحترام الفصل السادس من الدستور الذي ينص على أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية" وذلك فيما يتعلّق مباشرة بممارسة بحريتي المعتقد والضمير والتي تم تكريسها أيضا من خلال الفصل 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنيّة والسياسية لسنة 1966[4] الذي يؤكّد هذا الحقّ.

فالحدّ من الحريات وحرمان الأشخاص من ممارستها لا يمكن أن يكون إلاّ إذا استجاب لعدد من الضوابط التي وردت بالفصل 49 من الدستور التونسي الذي ينص على أنه: "يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير، أو لمقتضيات الأمن العام، أو الدفاع الوطني، أو الصحة العامة، أو الآداب العامة، وذلك مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها". ففيما يتعلّق بحريتي الضمير والمعتقد، لا يمكن الحدّ منهما إلا من خلال الحدّ من ممارستها لكونها في الأصل قناعات لا يمكن معاينتها إلا من خلال تصرّفات تعبّر عنها[5]. ولا يكون المساس بالحقوق مبرّرا إلا في إطار دولة مدنية ديمقراطية وكذلك الشأن أيضا بالنسبة إلى الأهداف التي يراد تحقيقها من خلال الحدّ منها[6]

علاوة على ذلك، فإنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الحدّ من الحقوق إلا بنصّ تشريعي. والحال أن الحق في الإفطار في رمضان والذي يعتبر ممارسة لحريتي الضمير والمعتقد لم يتمّ الحدّ منهما بواسطة نصّ تشريعي بل من خلال منشور صادر في 1981 عن رئيس الوزراء حينها. فليس للمنشور، الذي لا يمثّل سوى وثيقة إدارية داخلية الهدف منها تفسير أحكام قانونية أو ترتيبية، أن يمسّ بالوضعيات القانونية للمواطنين خاصة فيما يتعلّق بمجال الحقوق والحريات.

وعلى هذا الأساس، فقد كان المطلب الأساسي لوقفة "موش بالسيف" هو ضرورة إلغاء هذا المنشور المعروف بمنشور "مزالي" نسبة إلى الوزير الأول محمد مزالي الذي شغل هذه الخطة بين سنتي 1980 و1986. ومنذ ذلك الحين تقوم وزارة الداخلية بمنع المقاهي والمطاعم بفتح أبوابها لغير الصائمين نهارا بشهر رمضان.

ولنا أيضا أن نتساءل حتّى عن وجود هذا المنشور من عدمه. فهذا المنشور لم ينشر بالرائد الرسمي. كما أنه بالرجوع إلى قرار إغلاق المقهى الذي تمت الإشارة إليه، لم يتم تأسيسه على هذا المنشور بالتحديد وإنما استندت السلطات عند اتخاذه إلى قواعد قانونية أخرى لا تتعلّق مباشرة بمسألة غلق المقاهي والمطاعم نهارا بشهر رمضان. ولذلك فلا بدّ اليوم، في إطار تركيز دولة مدنية ديمقراطية، إلغاء هذه القرارات التعسفيّة، التي تم اتخاذها في زمن لم يعترف بالحقوق والحريات، وتطبيق أحكام الدستور من خلال السماح للمقاهي والمطاعم بأن تختار بنفسها فتح أبوابها لغير الصائمين من عدمه دون أن تتدخّل وزارة الداخلية في ذلك.

 

 


[1]  "موش بالسيف" هي عبارة باللهجة التونسية وتعني "ليس بالغصب" وتعني في هذا السياق أنه لا يجب إجبار الأشخاص على صيام رمضان.  

[2]  من أبرز التحرّكات في هذا الإطار نذكر، على سبيل الذكر لا الحصر، التحركات التي نظّمتها مجموعة "زواولة" التي طالبت بضمان حرية التعبير وكذلك التحركات التي تم تنظيمها في إطار حملة "مانيش مسامح" التي تعمل على دعم مسار العدالة الانتقالية.  

[3]  تصريح وزير الداخلية خلال جلسة استماع له بمجلس نواب الشعب بتاريخ 18 ماي 2018.

[4]  الذي صادقت عليه تونس في 18 مارس 1969.

[5]  إقبال بن موسى، "الدين في الدستور التونسي"، المفكرة القانونية، عدد 11، ماي 2018، ص. 6.

[6]  خالد الماجري، ضوابط الحقوق والحريات، المؤسسة الدولية للديمقراطية ، ص. 80 وما يليها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني