نساء حزب الله: النحل الذي لا يقاسم على العسل


2018-05-04    |   

نساء حزب الله: النحل الذي لا يقاسم على العسل

 وقفت عضوة المكتب السياسي ل «حزب الله» ريما فخري وبجانبها رئيسة الهيئات النسائية في الحزب عفاف الحكيم تتلقيان التعازي مع عائلة أحد شبان الحزب حين همست فخري في أذن الحكيم: «لاحظت؟ كل هؤلاء النساء، من أمهات أو زوجات شهداء ومقاتلين، عبرن في الهيئات النسائية، وكن مواظبات على أنشطتها، عندما بدأنا العمل قبل نحو ثلاثين عاماً».

تقول الحادثة-المَثَل أن التزام بيئة الحزب بخطه وقراراته واحتضانه لا يأتي من عبث. لا أحد ينكر «كاريسما» الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، الذي نما الحزب وتطور خلال ولايته وصار قوة إقليمية، ومكانته بين جمهوره وناسه لها فعل «السحر». ولكن هناك أيضاً من يحيك سترتي الولاء والإحتضان بصبر محترفات التطريز بالصنارة، النساء المثابرات الساهرات في الزواريب والأحياء، والمالكات لمفاتيح الإلتزام والمناصرة وطبعا الإنتخاب، والعالمات بخبايا محيطهن بالتفاصيل. التفاصيل نفسها التي يبنى عليها الكثير في المجتمع كما في السياسة وتحصيلاً في الأمن.

هؤلاء النساء الملتزمات في «حزب الله» لا تقل نسبتهن عن 50% من عديد الحزب، وفق دراسة أعدها التجمع النسائي الديموقراطي عن «المشاركة السياسية للمرأة في الأحزاب والسلطة» قبل أربعة أعوام.

فخري، وهي المرأة الوحيدة التي وصلت إلى المكتب السياسي في الحزب منذ 11 عاماً وما زالت، توافق على الرقم اليوم «ع القليلة 50%». وهؤلاء هن أنفسهن الوحيدات، من بين نساء منتسبات وملتزمات في أحزاب وقوى أخرى تقليدية أو تغييرية في لبنان، لم يتم ترشيح أي منهن إلى الندوة البرلمانية على غرار ما حظيت به حزبيات أخريات، بما فيها الحليف الأول (حركة أمل) الذي رشح الوزيرة عناية عز الدين.

ماذا لو احتجّت نساء «حزب الله» على تمييزهن وقاطعن الانتخابات والعمل بها؟ «سيخسر الحزب ليس فقط نصف ناخبيه، وإنما معظم النصف الثاني الذي تأتي به الهيئات النسائية. فالنساء لا يحققن الحاصل لوحدهن فقط بل يرفعنه»، تقول فخري. «لكن نساء الحزب لن يعترضن»، تضيف. ولماذا؟ تبتسم فخري وبهدوء تجيب «نحن لا نعتبر النيابة مركزاً نتحسر عليه؟»

النحل الجيش

لمن يعرف نساء حزب الله اللواتي يتحركن تحت إطار الهيئات النسائية في المناطق كافة، يعرف أن العبر التي تشربنها على مقاعد الدراسة حول عمل خلايا النحل وعاملاته النشيطات لم تذهب هباء. هل يمكن توصيفهن أيضاً ب «الجيش الأسود من دون تنميط أو تمييز سلبي»؟ تبتسم فخري وتقول «نحن فعلاً نرتدي معظمنا اللباس الأسود، ونعم نحن بمثابة جيش أيضاً».

هذه الخلايا نفسها، والتي لا تهدأ والمستنفرة اليوم في زمن الانتخابات، لا تطلق طنينا واحداً احتجاجاً على استبعادها لدى توزيع عسل القفران الذي يصنعن معظمه بأنفسهن. لماذا؟ يكمن السر الأكبر في مكانة ذلك الرجل المعمم الذي يملك في يديه كل المفاتيح: مفاتيح الاعتراض والقبول لدى بني وبنات حزبه ومناصريه. ألا تقول إحدى اللافتات الانتخابية المرفوعة للأمين العام السيد حسن نصرالله «لو خضت البحر لما تركناك»؟ وها هو في مقابلته مع قناة الميادين في 3 كانون أول 2018 رسم الخطوط العريضة لدور المرأة «التي لا ينقصها شيء. لدينا مهندسات وطبيبات وأستاذات جامعيات ومثقفات». برر الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله عدم ترشيح امرأة لمجلس النواب باعتبار أن مفهوم عمل النائب مشوه حاليا في لبنان حيث يقضيها خدمات و»عزاوات»، ليقول أن تعيين امرأة وزيرة في الحكومة وارد، والتفكير في النساء للنيابة يكون «عندما يأتي يوم يكون النائب فيه عضو مجلس، عضو لجان، عضو تشريع، عضو قانون، عضو نقاش سياسي، جزءاً من مؤسسة سياسية حقيقية ولا يُحاسَب لأنه لم يوظف ابن فلان، أو لم يعبد الطريق الفلانية…».

«إذن رأي السيد وتبريره هو مصدر زهد نساء حزب الله بالنيابة؟»، نسأل فخري. تقول أنها شخصيا «مقتنعة برأي السيد». وماذا عن بقية النساء؟ «تقبلن بما يقوله السيد ويلتزمن به» ترد. اقتناع فخري برأي السيد لم يمنعها، ولدى الإسترسال في النقاش حول ضرورة تقديم نموذج عن قدرة المرأة في بيئة حزب الله على التنطح لمسؤوليات النيابة بطريقة مختلفة، لم يمنعها من القول «ربما ما زال ينقصنا بعض الجرأة». ولدى سؤالها إن كانت الجرأة تنقص نساء حزب الله، أوضحت «لا على صعيد قرار القيادة. لكن السيد حسن لا يمكنه التصرف إلاّ كعالم دين، ونحن حزب ديني محكوم بالقواعد الدينية».

ليس خافياً على أحد أن الحزب يسير على النهج الديني نفسه في إيران. هناك أشاد الرئيس حسن روحاني بوصول 17 امرأة إلى مجلس الشورى (البرلمان) وفاق عددهن عدد رجال الدين النواب (16) في انتخابات 2016، وإن لم تتجاوز نسبة النساء ال 6 % من عديد النواب البالغ 290 في المجلس (علماً أنه تم إلغاء نيابة المرأة ال 18 لأسباب لم تبد واضحة في حينه). تولي نساء مسؤوليات في «الشورى» ينسجم مع «فكر مرشد الثورة الإيرانية الإمام الخميني الذي قال لولا المرأة لما انتصرنا، وأن المرأة كالقرآن كلاهما أوكلت إليه مهمة صنع الرجال»، وفق ما تستشهد فخري. إذاً لماذا لا يحذو الحزب حذو إيران؟

في إيران، وفق فخري، كل المجتمع محافظ وليس كما عندنا في لبنان، ومهمة النائب مختلفة أيضاً، ومع ذلك «لا يمكن لحزب الله أن يغفل سلاح المرأة كونه نشأ على النهج الخميني، والمرأة في الحزب تساهم في صناعة هؤلاء الرجال». مع العلم أن الرئيس روحاني، والكلام هنا ليس لفخري، اضطر وإثر حراك نسوي ومدني بعد تشكيل الحكومة، إلى تعيين ثلاث نائبات له.

تعود المسؤولة الثقافية في الهيئات النسائية خديجة سلوم إلى الأرشيف لتقول «كان نصف الراكعين/ات أمام الدبابات اعتراضا على اتفاق 17 أيار من النساء». ترى سلوم التي تعمل مع الحزب منذ 27 عاماً أن «القناعة التي منعت حزب الله من ترشيح المرأة للوصول إلى النيابة هي الأمور التي تحدث عنها السيد حسن نصر الله وهو إنسان واضح وصريح ولا يخاف أن يعرض الأمور كما هي، والقرار لا يتمحور قطعاً حول الذكورية أو العنصرية، لأن وجود المرأة في الحزب منذ البداية يشكل أحد مرتكزات تأسيس الحزب».

إذن «يكفي أن يقول السيد ذلك» هي نفسها العبارة السحرية التي تسري خدرا في العلاقة مع المواقف والأفكار وحتى المعتقدات عند غالبية النساء الملتزمات بالحزب أو المناصرات له. تقول إحدى الطالبات الجامعيات أنها كانت تحضّر لبحث عن الزواج المبكر مع زميلتها المناصرة لحزب الله. تبنت الطالبتان توجه الأمم المتحدة الحقوقي الذي يحدد سن الطفولة ب 18 عاماً، وبالتالي، ربطتا سن الزواج به. عشية تقديم البحث أطل السيد نصرالله متحدثا عن الموضوع ليقول بجواز زواج الفتاة قبل سن 18 عاماً. اتصلت الطالبة المناصرة بصديقتها وطلبت منها تغيير رأيهما في البحث تحت وطأة الانسحاب منه. «السيد قال فيها تتزوج يعني فيها، بلا أمم متحدة وبلا بطيخ».

من هن نساء حزب الله؟ وكيف يتكوّن؟

تروي سيدة عملت لعشر سنوات في الهيئات النسائية لحزب الله كيف تنشأ امرأة الحزب التي تنخرط في أنشطة هيئاته على أنواعها منذ طفولتها، وكيف تؤثر في محيطها.

الإنضواء في أنشطة الحزب ليس إلزامياً بالطبع. يبدأ منذ عمر أربع أو خمس سنوات في كشاف المهدي، وطبعا في فوج الإناث». هنا غالبا ما يتم تحضير الفتاة للتكليف الشرعي، أي ارتداء الحجاب ومباشرة واجبي الصوم والصلاة. يجري التكليف في احتفال يُقدم خلاله للفتاة هدية هي عبارة عن كتاب القرآن أو ثوب صلاة أو غطاء (إشارب) للرأس وغيره.

من يفوتها الكشاف تعود الهيئات النسائية لتفتح المجال أمامها: «تعلن مسؤولة الحي نيتها تنظيم دورة تثقيف حول اللباس الشرعي أو احكام الصلاة، وتكون هذه الدورة خفيفة، لا نضغطهن وفيها بعض الترفيه، وفي نهايتها نسألهن: من تريد أن تتحجب؟».

تصير تنشئة الفتيات وفقا للمثل العليا المتمثلة ب «السيدات رقية وزينب وفاطمة الزهراء، رقية الإبنة النموذج، زينب الأخت، والزهراء الزوجة والأم، هؤلاء نساء أهل البيت ولنا بهن مثال ونربي بناتنا على صورهن».

هذه الأنشطة والمهام على سبيل المثال لا الحصر تقوم بها نساء الهيئات النسائية. يتم تقسيم المناطق إلى أحياء. تتولى كل امرأة مسؤولية حي «يستحسن ألا يزيد عدد بيوت الحي عن عشرين إلى ثلاثين بيتاً كحد أقصى». تعرف مسؤولة الحي بميول من يقعن تحت مسؤوليتها وظروفهن: «هناك المنتمية إلى الحزب، والمناصرة الصديقة، والمحايدة والمعارضة». لا تستثني نساء الحزب أيا من هذه الفئات «نتواصل مع الجميع بمنتهى السلاسة والصبر والاحترام، ونقدم المساعدة التي نقدر عليها وفق الاحتياج».

تبلّغ مسؤولية الحي بوجود عزاء أو فرح في منطقتها. تشكل الهيئات النسائية وفدا يزور للتعزية أو للتبريك. يحصل احتكاك تعارفي مع نساء البيت وتبدأ العلاقة «نحن نعرض دورات وأنشطة ثقافية للمرأة وفق الفئات العمرية كلها واحتياجاتها». تُرسل بطاقات دعوة بأسماء كل السيدات اللواتي ترفد مسؤولة الحي الهيئات النسائية بهن.

بعد التكليف الشرعي بالحجاب، تبدأ الدروس التي تعني الفتاة المراهقة وعلاقتها بنفسها ومحيطها كأنثى، علاقتها بالأهل: البنت المطيعة، ولها في رقية بنت السيد الحسين نموذجا، السيدة زينب: الأخت المساندة لأخيها وقائدها السيد الحسين، والسيدة فاطمة الزهراء التي تتكرس دروس «الزواج الناجح» في ذكرى زواجها من الإمام علي، وفيه مواصفات الزوجة الصالحة وحقوقها وواجباتها وفق الإسلام وتعاليمه.

«تأتي المسألة تلقائية» وفق المسؤولة الثقافية في الهيئات النسائية للحزب خديجة سلوم. بعد 27 عاماً من العمل مع الهيئات تقول سلوم «أن الأطفال يرضعون حب أهل البيت ويتربون على المجالس الحسينية، فمدرسة كربلاء مدرسة كبيرة جداً».

«نحن الجنديات على الأرض» تقول سيدة (لم ترغب بذكر اسمها) قضت جزءا كبيراً من عمرها في الهيئات النسائية: «صحيح أننا في أسفل سلم الرتب، لكن العمل يبدأ من عندنا. من عندنا تبدأ المعلومات حول كل شيء، يعني لمن بتفوتي ع البيت بتتعرفي بشكل عام وبتعرفي مين مؤيد ومين معارض، وفي ناس لا يؤيدون الحزب ونبقى على علاقات معهم «».

«هل تقولين إنكن، كنساء، مخابرات الحزب؟» نسألها. تضحك متنبهة «طبعا لسنا مخابرات، نحن نريد أن نعرف هموم مجتمعنا وبيئتنا لنساعد وفق المتاح، ولا نخفي أن هذا جزءً من الإستقطاب ونشر فكر حزبنا والإكثار من مؤيديه، وهو ما تفعله كل الأحزاب. وفي النهاية نحن لا نرغم أحداً على أي شيء». تقول السيدة نفسها «يجب أن نعرف عمن نتحدث ومع من نتعاطى، هناك نساء لم يخرجن حتى من ضيعهن في بعض المناطق. تقوم الهيئات النسائية بتنظيم رحلات ترفيهية وتعريفية بلبنان لهن، وهي منفذهن الوحيد أحياناً إلى العالم».

الأمر يتجاوز العلاقة مع الخارج ليدخل في التفاصيل: «حول الزواج الناجح وتتزامن دوراته مع ذكرى زواج الإمام علي والسيدة الزهراء، كيف يجب أن تتصرف المرأة في المجتمع، كيف تتعامل مع زوجها، وتربي الأبناء وتساعد في حلّ مشاكل من حولها. هناك كتاب معين بحلقات متسلسلة مثلا: كيف تربين مقاوما؟ كيف تكونين مقاومة؟ كيف تكونين أم شهيد وزوجة شهيد؟ كيف تمارسين دور الأم والأب معاً في غياب الأب أو في حال استشهاده؟…»

ولدى سؤال سلوم عن هذا العمل الدقيق لنساء الحزب، تشدد على أن الهدف الأساسي هو «هداية الإنسان لطاعة الله عز وجل، يتبلور ذلك بشكل مباشر فيما يخص الفتاة عند ارتدائها الحجاب والإقتداء بنساء أهل البيت، وبالتالي الكشافة أو حتى لجان الهيئات العاملة في المنازل وإلى ما هنالك لا يكون هدفها الأول والأساسي استقطاب الأطفال للتوجه إلى العمل الحزبي، بل لتكوين إنسان، رجلاً أم امرأة، سوي ومؤمن وملتزم بتعاليم الله، وهذا هو طموح الحزب».

إذن هل سنرى وزيرة من حزب الله في الحكومة المقبلة؟

تقول فخري أن السيد قال «الأمر وارد ربما»، لتشير إلى أن الحزب يناقش كل هذه الأمور و»يمكن أن تتغير قريبا وليس هناك شيئا نهائياً»، وفق ما قاله السيد.

وتشدد على عدم وجود مانع ديني أو حزبي: «لكن لدينا بعض القراءات التي تقول بعدم مشاركة النساء في السياسة، والتي نراها اليوم غير مناسبة نسبة للوضع الاجتماعي الحالي وللقانون النسبي ومتطلباته، وربما في الدورة النيابية المقبلة نرى أن الوضع مختلف فنرشح نساء».

«كل السر في النهج وروحه»، تقول فخري، «نحن كنساء نعرف دورنا جيدا وتأثيره، لدينا نساء لا يحصين قادرات على خوض غمار السياسة وتحدياتها بطريقة مختلفة. لكننا فعلاً نحن بطبيعتنا وتربيتنا ونهجنا لا نختلط إلا وفق الحاجة الضرورية». ولكن ألا تختلطين بأعضاء المكتب السياسي للحزب وأنت عضوة فيه؟ تضحك فخري وتقول «طبعاً، لا ينقص بعد إلا أن تظني أني أجلس في غرفة منعزلة وأشارك في الاجتماعات».

  • نشر هذا المقال في العدد | 54 |  نيسان 2018، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه: عرسٌ على حطام الديمقراطية

نشر هذا المقال في العدد الخاص بالانتخابات، للاطلاع على العدد انقر/ي هنا https://bit.ly/2pInvRS

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني