قراءات في الانتخابات البلدية في تونس (1): الانتخابات حق لسكان الأرياف والعسكريين أيضا


2018-04-24    |   

قراءات في الانتخابات البلدية في تونس (1): الانتخابات حق لسكان الأرياف والعسكريين أيضا

تولت السلطة السياسية التونسية مباشرة عقب ثورة 14-01-2011 حل المجالس البلدية التي انبثقت عن انتخابات 2010 المنازع في نزاهتها وكلفت نيابات خصوصية عينتها بالحلول محلها. استمرّت الإدارة المؤقتة للبلديات أكثر من سبع سنوات سجل فيها تردٍّ كبير في الخدمات البلدية يعود في جانب هام منه لضعف أداء المنصبين الذي لم تعالجه المراجعات المتعددة لقوائمهم. وتبدو عند هذا الحد الانتخابات البلدية التي انطلقت حملتها الانتخابية يوم 14-04-2018 وينتظر إعلان نتائجها الأولية بداية من يوم 07-05-2018 حدثا فارقا في تاريخ الديمقراطية التونسية لما تعد به من  إصلاح لبلديات أنهكتها إدارتها المؤقتة. ويبدو من المهم في إطار متابعة هذه الخطوة الهامة في تاريخ الديمقراطية التونسية الناشئة رصد المؤشرات التي رشحت عن محطات روزنامتها وهو أمر نتولاه على حلقات متتابعة (المحرر).

انتصر الدستور التونسي في الباب السابع منه للامركزية دون تحفظ فأسند للجماعات المحلية صفة “السلطة”، ومنحها صلاحية  إدارة  مناطقها وفق قواعد التدبير الحر الذي تتولاه مجالسها التي يتم اختيار أعضائها باعتماد الانتخاب الديمقراطي. وكان يتوقع تاليا أن تتوجه السلطة السياسية لإعطاء أولوية مطلقة لإرساء السلطة الجديدة بسن التشريعات اللازمة لتزيل تصورها الدستوري. خيب بطء عمل السلطة السياسية تلك التوقعات وفرض أن تصدر دعوة الناخبين لأول انتخابات بلدية بعد الثورة قبل أن يتم مجلس نواب الشعب مصادقته على مجلة الجماعات المحلية التي ستحقق حسب مشروعها جانبا هاما من التدبير الحر الموعود للبلديات.

تظهر عند هذا الحدّ الانتخابات البلدية التي ستجري بتاريخ 06-05-2018 غريبة عن روح دستور الجمهورية الثانية وهو مأزق أخلاقي ودستوري فرض على مجلس نواب الشعب التعهد بإتمام المصادقة على مشروع  مجلة الجماعات المحلية قبل يوم الاقتراع بما يضمن عمل المجالس البلدية وفق تشريعات تحترم نص الدستور وروحه. وبعيدا عن وعود المشرعين وعلى أمل أن يلتزموا بها، فإن هذه الالتباسات على مفصليتها لا يمكنها حجب منجزات تشريعية وترتيبية أخرى تحققت وفرضت أن تدور الانتخابات البلدية وفق قواعد تتعلق بشخوصها تنتصر لقيم المواطنة.

سيشارك في الانتخابات البلدية سكان المناطق التي كانت توصف بالريفية، والمشتغلون في القوات الحاملة للسلاح لأول مرة في تاريخ الفئتين في تطور ينتصر لقيم المساواة التي أقرّها الدستور وهو أمر يجب الوقوف عنده .

نهاية تمييز بين سكان المدن وسكان “الأرياف”

ارتبط تصور البلدية طيلة الجمهورية الأولى بالحياة الحضرية بما أدى لترادف بين حدود المدينة والمنطقة البلدية وبما انتهى لان يكون 32,3% من عموم سكان البلاد التونسية غير معنيين بكل انتخابات بلدية ترشيحا وانتخابا لإقامتهم بمناطق ريفية توصف بغير البلدية وحرمانهم بالتالي من خدمات البلديات دون تعويضهم عن ذلك بخدمات مماثلة[1] رغم كونهم يعمرون 29.07% من البلاد ويسكنون  28,9% من نسيجها  العمراني[2].

تفطنت السلطة التأسيسية لهذا الميز الذي عده أعضاؤها عامل تفاوت بين مناطق الجهة الواحدة وسكانها وفرضوا بمقتضى الفصل 131 من دستور الجمهورية الثانية أن تعتمد البلدية كوحدة أساسية في التقسيم الإداري للبلاد التونسية بما يؤدي لأن تغطي البلديات كل التراب التونسي وتساوي في خدماتها بالتالي بين كل سكانه.

وقد نجحت الإدارة التونسية في سياق تنزيل هذا التوجه في رسم خريطة إدارية جديدة للبلاد التونسية وسعت فيها من الرقعة الجغرافية لأغلب البلديات المائتين وأربعة ستين التي كانت قائمة قبل الثورة زيادة على تأسيسها لستة وثمانين بلدية جديدة في خطوة ضاعفت فيها مساحة المناطق البلدية عشر مرات دفعة واحدة[3] وانتهت بإعلان البلاد التونسية منطقة بلدية. ويمكن هذا التطور الهام وقد تجسد على أرض الواقع من تحقيق المساواة المنشودة بين عموم سكان البلاد التونسية في الاستفادة من خدمات مؤسسات الدولة ومن مواردها. وعند هذا الحدّ، كان ينتظر أن تتضمن البرامج الانتخابية لمختلف المتنافسين في الانتخابات البلدية وعودا انتخابية تبشر بما تخطط له الطبقة السياسية من عمل لتحقيق المنشود .

وخلافا للتوقعات، يتبين من الاطلاع على البيانات الانتخابية[4] لأهم الكتل السياسية أن الطامحين لعضوية المجالس البلدية تجاهلوا التطور الحاصل وربطوا في خطابهم الدعائي البلدية بالتجمعات السكانية الحضرية دون التفات منهم لغيرها من مظاهر العمران البشري وخصوصا منها المساكن الريفية المشتتة والتي ظلت محرومة من أهم المرافق الحضرية .

 ويعزى هذا التقصير فيما نظن لغياب تصورات جديدة لخدمات بلدية خارج التجمعات السكنية الحضرية. ونأمل بالتالي أن تكون تجربة العمل البلدي بجغرافيته الجديدة السبيل لتطوير الممارسة في اتجاه يحقق المساواة أمام المرفق البلدي بين كل المواطنين وان كانت الموضوعية تفرض الاعتراف بصعوبة المهمة. فمثل هذا الجهد يحتاج توفير امكانات أكبر لبلديات يمنعها عوزها المالي حاليا من تغطية حاجيات المدن ولا يمكنها بالتالي النظر خارجها .

الأمنيون والعسكريون لأول مرة ناخبون: الانتخاب حق.. منعه تعسف

أقر الفصل السادس مكرر من القانون الأساسي عدد 16 لسنة 2014 المؤرخ في 26 -05-2014 [5]والمتعلق بالانتخابات والاستفتاء لأول مرة في تاريخ الجمهورية التونسية[6] “بحق المنتسبين للقوات الحاملة للسلاح من أمنيين وعسكريين في ممارسة الانتخاب في الانتخابات البلدية والجهوية دون سواهما”. ويظهر هذا الإقرار وان كان محددا في مجاله  في انتخابات “الجماعات المحلية” خطوة أولى هامة في اتجاه تبديد مخاوف حكمت المزاج السياسي التونسي من ممارسة من يحملون السلاح النظامي لحق الانتخاب. و قد تؤسس هذه الخطوة متى كشفت زيف عوامل الخوف لتطورات هامة في اتجاه الإقرار الكامل بحق الانتخاب لهذه الفئة المهنية بما ينهي اعتداء على حق دستوري لا يجوز بصريح نص الدستور المس به[7].

على ارض الواقع لم تمنع أهمية الحدث في رمزيتها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من حجب المعطيات الإحصائية المتعلقة بعدد من رسم من القوات الحاملة للسلاح في قوائم الناخبين بدعوى عدم مسكها لها[8]. ويتعين بالتالي على المتتبعين انتظار تاريخ 30-04-2018 الذي سيخصص لتصويتهم  لتبين إن كانوا سيقبلون على ممارسة حقهم الانتخابي المكتسب أم أنه سيسجل عزوفا في صفوفهم عن ذلك وهو أمر يبدو أنه مرجح لسببين:

أولهما، أن النقابات الأمنية اختارت دعوة منظوريها لمقاطعة الانتخابات، بدعوى أنها تمثل خطرا سياسيا “يهدد المؤسستين الأمنية والسجنية[9].

وثانيهما، الغياب التام لاهتمام الفاعلين في العملية الانتخابية بهذه الفئة. فهيئة الانتخابات لم تتجه لصياغة برامج خصوصية لها  تحث من خلالها أفرادها على ممارسة حقهم  في الانتخاب باستقلالية. وذات التجاهل  برز في خطاب  المترشحين للانتخابات وفي بياناتهم الانتخابية.

ويخشى أن يؤدي عزوف الناخبين الجدد لو تحقق لوأد النفس الحقوقي الذي دافع عن حقهم  الانتخابي بما سيعيق تطور أدائه مستقبلا فيمنعه من البناء على المنجز لحشد الرأي العام لفائدة الاعتراف بحق الامنيين والعسكريين الانتخابي خارج الانتخابات المحلية من جهة، كما يمنعه من  صناعة جبهة تدافع عن حق الأجانب المقيمين في الاقتراع في الانتخابات البلدية والجهوية.

يتبع القراءة الثانية

  • القراءة الثانية : النساء ..الشباب…المعوقون ينافسون في البلديات  : خطوات نحو المساواة في الحياة السياسية

[1] كانت المناطق غير البلدية ترجع بالنظر للمجالس الجهوية فيما تعلق برخص البناء واشغال الملك العمومي وتولت السلطة السياسية استحداث مؤسسة ” المجالس القروية ” وهي تخص المناطق غير البلدية غير ان دورها استشاري ولا تتمتع بموارد بما حد من أثرها ” ينص الفصل 49 من القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1989 مؤرخ في 4 فيفرى 1989 الذي يتعلق بالمجالس الجهوية أنه يتم بالمناطق غير البلدية إحداث مجالس قروية استشارية تتولّى :* إبداء الرأي في المسائل المعروضة عليها والتي تهم مناطقها في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية.* التعريف بمشاغل المتساكنين ورغباتهم واقتراح الحلول الممكنة لها.* المساهمة في تنفيذ البرامج المتعلقة بالنظافة وحفظ الصحة. 

[2]  معطيات إحصائية تضمنها التعداد العام للسكان والسكنى المجرى من المعهد الوطني للإحصاء سنة 2014

[3]  الى حدود سنة 2014 كانت المناطق البلدية تمثل 9.9% من تراب البلاد التونسية حال ان المساحة المأهولة منه تبلغ  38,97%.

[4]  بالاطلاع على البيانات الانتخابية الوطنية لأحزاب النهضة ونداء تونس والتيار الديمقراطي والجبهة الشعبية و التي تعد من  أهم الجهات الحزبية المتنافسة  في الانتخابات البلدية  يتبين غياب كلي لتصورات تتعلق بمتساكني خارج المدن باستثناء ما ورد ببيان حركة النهضة من إشارة للقرى وهي إشارة لا تغطي بدورها ظواهر العمران الريفي .

[5]  كما تم تنقيحه وإتمامه بالقانون الأساسي عدد 7 لسنة 2017 المؤرخ في 14 -02- 2017

[6]  حول الجدل الذي سبق هذا التطور التشريعي ومهد له يراجع مقال ” إلى متى حرمان العسكريين والأمنيين من حقّهم في الإنتخاب ؟ ” أمين محفوظ –30-06-2016 – ليدرز العربية

[7]  ينص الفصل 34 من الدستور التونسي على أن ” حقوق الانتخاب والاقتراع والترشح مضمونة طبق ما يضبطه القانون ” فيما اقتضى الفصل 48 منه على أنه ” يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق الحريات المضمونة بهذا الدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها، ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية  حقوق الغير او لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني او الصحة العامة او الاداب العامة مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها،…” وقد اعتبر عدد من  أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ان حجب حق الانتخاب عموما عن الامنيين والعسكريين يتعارض مع الدستور الذي يمنع ان يؤدي ضبط الحقوق لمنع ممارستها . وتولوا للغرض الطعن في دستورية مشروع القانون الانتخابي  أمام  الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين لكن هذه الهيئة كشفت في قرارها عدد 01 لسنة 2015 انها لم تتوصل لقرار في الموضوع بما فوت حينها  فرصة بت القضاء الدستوري في الموضوع .

[8]  تصريح عضو الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عماد البرنيصي لوكالة تونس إفريقيا للأنباء بتاريخ 25-07-2017

[9]  تصريح الناطق باسم نقابة الامن الداخلي شكري حمادة لإذاعة موزاييك أف أم بتاريخ 25-02-2017 .

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني