فحوصات العذرية في المغرب: عادة مجتمعية قديمة لا تملك سندا قانونيا


2018-04-16    |   

فحوصات العذرية في المغرب:  عادة مجتمعية قديمة لا تملك سندا قانونيا

أعادت الجمعية المغربية للعلوم الجنسية، الجدل بخُصوص فحوصات العذرية في المغرب، إلى الواجهة، وذلك بعد إعلانها نيتها تقديم مشروع قانون يرمي أساساً إلى "إلغاء شهادة العذرية" قبيل إبرام عقد الزواج في المغرب.

 

عادة لا أصل قانوني لها

شاعت في المجتمع المغربي منذ عقود، وخاصة في البوادي، عادة مُتمثلة في إخضاع الفتاة المقبلة على الزواج لفحص طبي يُؤكد احتفاظها ببكارتها من عدمه، إذ يُستعمل التقرير الطبي لهذا الفحص لمواجهة أسرة الزوج إذا ما ادّعت أن البنت لم تكن بكراً ليلة الدخلة.

ويتم هذا الفحص أحيانا بطلب من الزوج أو أسرته، إلا أنه في أحيان كثيرة يتمّ بشكل إرادي من أسرة الزوجة.

وتحتفي مجموعة من الأسر المغربية بعملية افتضاض البكارة بعد الدخلة في أول أيام الزواج، إذ تشيع، خاصة في البوادي، عادة لدى النساء، إذ يقمن بوضع قطعة القماش الملطخة بدم البكارة في طبق والتجول بها في الأحياء المجاورة، مُستغرقات في الرقص والغناء، مُتباهيات بما يعتبرنه "دليل شرف" و"حسن تربية".

وعلى الرغم من تراجع هذه العادات لدى نسبة من الأسر المغربية، إلا أنها ما زالت شائعة في المدن الصغيرة والقروية، كما أن نسبة لا بأس بها من الزيجات لا تعرف طريقها نحو الاستمرار بسبب عدم نزول دم البكارة ليلة الدخلة.

في المقابل، لا ينص القانون المغربي على ضرورة الإدلاء بشهادة العذرية لإتمام عقد الزواج، لكنه في المقابل يربط الإذن بتوثيقه بإدلاء الطرفين بشهادة طبية تؤكد خلو الطرفين من الأمراض المعدية، وتثبت قدرتهم العقلية والجسدية على الدخول في علاقة زواج.

وفي هذا الصدد، أوضحت إيمان لعوينة، عضو المرصد الوطني للعنف ضد النساء، ومنظمة تجديد الوعي النسائي، في تصريح للمفكرة القانونية، أن شهادة السلامة من الأمراض هي الوثيقة الوحيدة التي يجب الإدلاء بها عند إبرام عقد الزواج، مشددة على أنها تهم الطرفين معاً ولا تستنثي أحدهما.

وأضافت "من الناحية القانونية، فشهادة العذرية غير ملزمة بتاتا للفتاة"، مُستدركة بالقول "إلا أن هناك من الأسر من تعتبرها دليل براءة وعفة للفتاة، خاصة في الأرياف".

بدورها، أرجعت عائشة الشنا، رئيسة جمعية التضامن النسائي، وأحد الوجوه الحقوقية البارزة في الساحة النسائية، وهي من المدافعات عن حقوق الأمهات العازبات، استمرار هذا الوضع، فيما يخص تعامل المجتمع مع موضوع البكارة، إلى "غياب الثقافة الجنسية"، سواء "في المقررات التعليمية، أو الحوارات الأسرية"، بالإضافة إلى "عدم توعية الإعلام والجمعيات بهذه المواضيع".

وحملت المتحدثة في تصريح للمفكرة القانونية، تفشي هذا الوضع، إلى كل من الأسرة والمدرسة، وأيضا المسؤولين والسياسيين، ما خلف لدينا "مجتمعاً منافقا فيما يخص العلاقات الجنسية وتبعاتها".

وزادت "من علامات هذا النفاق قبول الرجل لنفسه ممارسة الجنس بكل حرية قبل الزواج، ورفضه ذلك بالنسبة للمرأة"، مشيرة إلى أن "من الرجال من يرفض الارتباط بفتاة فقط لأن لها ماضٍ جنسي معه أو مع سواه".

وحملت المتحدثة المسؤولية للمرأة أيضا، وذلك على اعتبار أنها "قبلت بشكل أو بآخر بما يفرضه المجتمع عليها، ودخلت في دوامة هذا النفاق الاجتماعي"، معلقة بالقول "على المرأة أن تحدد نمط الحياة الجنسية التي تريد، فإما تعيش حياة جنسية حرة وتتحمل مسؤوليتها في حماية نفسها من حمل غير مرغوب فيه أو أمراض جنسية، وتواجه المجتمع وزوجها المستقبلي بالحقيقة".

واستغربت المتحدثة قبول بعض الفتيات الدخول في هذه اللعبة المجتمعية، أو التحايل عليها، من خلال العيش قبل الزواج في حياة جنسية كاملة الحرية، واللجوء إلى البكارة الاصطناعية قبيل الدخول في علاقة جنسية.

ووصفت الشنا هذا السلوك بـ "النفاق الاجتماعي" الذي "يتجاوز فظاعة الازدواجية التي تتميز بها العقلية الذكورية".

وربطت المتحدثة بين "زوال هذه العادة المتخلفة" و"ارتفاع نسبة الوعي المجتمعي، وخاصة تعلم الفتيات"، إذ قالت في هذا الصدد إن "السبب المباشر في تفشي هذه الظاهرة واستمرارها هو غياب الوعي وانتشار الأمية".

 

شهادة صحية وليس لـ"العذرية"..

بحسب المادة 65 من مدونة الأسرة في المغرب، وهي القانون المنظم لعملية الزواج والطلاق والإرث في المغرب، فإن من بين الإجراءات الإدارية والشكلية لإبرام عقد الزواج، تقديم شهادة طبية للطرفين، تاركة المجال لكل من وزارتي العدل والصحة لتحديد تفاصيلها في منشور لاحق. وفي سنة 2004، أصدر كل من وزيري العدل والصحة آنذاك، منشورا مشتركا، يحدد بموجبه مضمون وطريقة إصدار الشهادة الطبية التي تُمنح للخاطب والمخطوبة بغرض إبرام عقد الزواج.

وأورد المنشور في مادته الثالثة، بحسب ما عاينته المفكرة، أنه: "يقوم الطبيب بالفحص السريري لصاحب الطلب قبل إصدار الشهادة الطبية. وبإمكانه أن يأمر بإجراء فحوصات وتحاليل طبية تكميلية إذا ارتأى ذلك، وتبين له أن الحالة الصحية للمعني بالأمر تستدعيه".

ولم يُشر المنشور بأي شكل من الأشكال إلى فحص العذرية من عدمها. إلا أنه حينما أورد نموذجا لـ "شهادة طبية خاصة بإبرام عقد الزواج"، فقد أورد عبارة "وتبين بعد الفحص السريري أن المعني بالأمر لا تظهر عليه علامة لمرض معدٍ"، متبوعة بفضاء مخصص بـ"استنتاجات الطبيب"، وهو الشيء الذي يرى فيه حقوقيون أن الأمر يتعلق بشهادة صحية وليس للعذرية.

 

استهجان حقوقي ..

إلى ذلك، تستهجن جمعيات حقوقية إجبار فئة من الأسر المغربية لبناتهن على إجراء فحوصات العذرية هذه، معتبرة أنه "مذلة لكرامة النساء"، الشيء الذي دفعها لخوض معركة نضالية بغرض استصدار قانون يضع حداً لفحوصات العذرية، ولا يسمح بها إلا بموافقة المعنية بالأمر، وفي حالات معدودة أهمها القضايا المتعلقة بالاغتصاب والطب الشرعي.

وترجع الأخصائية النفسية، أمال شباش، تشبث فئة من المجتمع المغربي بموضوع العذرية، إلى العقلية الذكورية و"سكيزوفرينية الرجل".

ولفتت في تصريح لموقع "إلترا صوت"، أن "سكيزوفرينيا الرجل المغربي الذي يتخلى عن الفتاة التي سبق له أن ربطته بها علاقة جنسية، حينَ يهمّ بالزواج، ويبحث عن فتاة أخرى، لمْ يمّسسها رجل من قبل"، مفسرة ذلك "بنظرة هذا الرجل إلى المرأة "كشيء في ملكه الخاص لا يجب أن يقربه أحد"، متغافلاً عن كيانها كفرد مستقل له أحاسيس ووعي ذاتي".

 

مقترح قانون..

وفي سياق هذا الجدل المجتمعي، أعلنت الجمعية المغربية للعلوم الجنسية، عزمها تقديم مقترح قانون يجعل فحوص البكارة مقتصرة على حالات معدودة، لا يوجد الزواج من بينها.

وبحسب بيان سابق للجمعية، فإن "قضية العذرية هي شأن خاص بالمرأة وزوجها"، وبالتالي "لا يحق لأي طرف ثالث التدخل فيه، أياً كانت صفته التدخل فيه".

ولفتت إلى أن "مسألة البكارة أصبحت دون أي معنى خاصة مع انتشار عمليات ترميمها والتي ينفذها عدد من أطباء التجميع في العديد من المدن المغربية".

وينص مقترح القانون، على أن "منح شهادة العذرية يقتصر فقط على قضايا الاغتصاب أو الخبرة الطبية التي تكون بقرار من القضاء".

وفي هذا الصدد، أوضح، رشيد بوطيب، رئيس الجمعية، أن المشروع يهدف إلى تقنين عملية منح شهادة العذرية، مشيراً إلى هذه الأخيرة تُمنح "في حالات الطب الشرعي فقط، وفي قضايا التحرش والاعتداءات الجنسية"، بحسب المقترح.

وأضاف في تصريح للمفكرة، أنه "على الأطباء احترام أخلاقيات الطب، واحترام الحرية الشخصية، وقبل كل شيء احترام موافقة الفتاة على الكشف عن عذريتها من عدمه"، مشددا على أن المقترح سيلغي بشكل نهائي إمكانية توفير شهادة العذرية للفتاة المقبلة على الزواج.

 

مطالب بدخول النيابة العامة على الخط..

وسبق للمصطفى الرميد، وزير العدل والحريات السابق، أن قال في ندوة صحافية سنة 2013، إن "بعض الجمعيات الحقوقية طالبت خلال اجتماع لها به، بضرورة حضور النيابة العامة والسلطة ليلة الدخلة، على اعتبار أن فيها دموية وعُنف في حق المرأة".

ولم يبد الوزير اعجابه بالفكرة، إذ علق بالقول إن ليلة الزفاف والدخلة فيها نوع من الفرح بين الأسرتين، وبالتالي لا يمكن تنغيص هذه الفرحة بإحضار الشرطة وممثل النيابة العامة.

وزاد: "إن البعض يختار الحلول السّهلة في علاج بعض الإشكالات"، موضحاً أنه في هذه الحالة، يجب التنسيق مع المعنفات، وفتح باب الحوار من أجل التوعية بمثل هذه الأمور، في حين شدد على أن "المجتمع المغربي المحافظ لن يقبل الكثير من المطالب الحقوقية".

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني