نساء فيمن وأغنية راب ضد أعوان الأمن: حرية التعبير في موازين الانقسام السياسي


2013-06-24    |   

نساء فيمن وأغنية راب ضد أعوان الأمن: حرية التعبير في موازين الانقسام السياسي

تعهد القضاء التونسي خلال الفترة الماضية بعدد من القضايا الجزائية التي أثارت الجدل لعلاقتها بحرية التعبير وكانت أولى القضايا تلك التي تعلقت بناشطات جمعية فيمن اللواتي تعمدن تعرية صدورهن في تظاهرات احتجاجية وتلتها محاكمة مغني تونسي أصدر أغنية بعنوان "البوليسية كلاب" تضمنت دعوات صريحة لقتل أعوان الأمن.
انتهى القضاء التونسي في أحكامه التي ما زالت ابتدائية قابلة للاستئناف الى اثبات الادانة في حق المتهمين في جملة القضايا بعد أن اعتبر ما تم اقترافه من أفعال يتجاوز نطاق حرية التعبير ليكون الأركان القانونية لأفعال مجرمة. وان كان القضاء بسجن ناشطات فيمن لم يواجه بردة فعل داخلية من الأوساط الحقوقية فانه عد من قبل عدد من المنظمات الحقوقية الأجنبية ومن أوساط ديبلوماسية حكما يقيد حرية التعبير. وفي مقابل ذلك، اتخذت الأوساط الحقوقية التونسية موقفا صريحا من الحكم في قضية المغني "ولد الكانز" صريحا حين عدته جزءا من الأحكام القضائية التي تضيق حرية التعبير. كما اعتبر عدد من المتدخلين أن القضاء بسجن مغن مدة سنتين من أجل تعبيره عن رأيه بشكل فني مقابل القضاء بتمتيع من اتهموا باقتحام السفارة الامريكية بأحكام مخففة دليلا على ضعف اداء القضاء ومؤشرا يؤكد تواصل التدخل في أحكامه. وجد القضاء التونسي نفسه مجددا جراء المحاكمات التي باشرها في خانة الاتهام بعدم الاستقلالية والمعاداة لحرية التعبير وأضحى الفضاء الاعلامي مجالا مفتوحا لمحاكمة القضاء في ظل غياب شبه كامل للصوت القضائي.
وبصرف النظر عن القضايا الجارية التي لم تصدر في شأنها بعد أحكام نهائية، فان قدسية حرية التعبير في دولة عانت طويلا من فقدانها يستدعي السؤال حول جواز الحديث عن حرية مطلقة للتعبير ولو كان أسلوب التعبير خادشا للحياء العام أو كان التعبير أداة تحريض على العنف والكراهية.
اذ يوحي الخطاب العام السائد بأن حرية التعبير المطلوبة هي مطلقة من كل قيد وأن تدخل القضاء مرفوض متى كان أساس التهمة أو الدافع اليها هو التعبير عن موقف، فان مراجعة الخطاب في عمقه يكشف أن شعار الحرية المطلقة ليس تعبيرا عن موقف مبدئي بقدر ما هو جزء من حركة الصراع السياسي.
فحدة الاصطفاف السياسي جعلت الفئة التي تطالب بتطبيق القانون المجرم لدعوات التحريض على الكراهية والعنف التي تطلق من حين الى آخر من قبل إسلاميين راديكاليين يتمسك باعتبار المحاكمات التي تتم في قضايا أخرى كقضية مغني الراب مثلا محاكمات للرأي في تجاهل كامل لمعاني الرأي والرسائل التي يرشح عنها. فيما تتجاهل الفئة الأخرى الخطر الذي ينجم عن الخطاب الراديكالي الداعي للعنف على أساس أن معاقبة أفعالهم ليست الحل بل الجدال معهم هو الوسيلة التي يجب انتهاجها، وهي في مقابل ذلك تتمسك بصرامة تتبع وسائل التعبير التي تتجاوز حدود النقد برأيهم كالتعري في قضية نساء فيمن أو التحريض ضد أعوان الأمن في قضية مغني الراب.
كانت حرية التعبير المكتسب الحقيقي الذي تحقق للمواطن التونسي بفعل الثورة في ظل التعثرات الحاصلة في تحقيق بقية استحقاقاتها، ويخشى أن يؤدي التناحر السياسي الى تغييب شروط حماية المكتسب بما قد يؤدي الى تحولها الى مظهر من مظاهر الانفلات يستغله أعداؤها في صناعة خطاب يناوئها. وربما كانت الحاجة اليوم ملحة الى ضبط مفهوم الحرية وبيان آليات حمايتها وهو أمر لم يتحقق بعد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني