مع عودة الاحتجاجات الشعبية في إيران، هل سيحمي القانون الجديد السجناء السياسيين؟


2018-02-19    |   

مع عودة الاحتجاجات الشعبية في إيران، هل سيحمي القانون الجديد السجناء السياسيين؟

في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أي بعد مرور أكثر من عام على بدء نفاذ قانون الجرائم السياسية، أدت أول هيئة محلفين في إيران لمحاكمة “الجرائم السياسية” اليمين الدستورية في طهران. وفي بلد يمثل فيه العديد من الأشخاص أمام القضاء بتهم ينظر إليها على أنها ذات طابع سياسي، يبدو اعتماد هيئة محلفين في الإجراءات القضائية خطوة إيجابية. وقد أشار غلام حسين إسماعيلي، رئيس الهيئة القضائية في طهران، خلال حفل أداء هيئة المحلفين اليمين الدستورية، إلى أن إنشاء هذه الهيئة يؤشر إلى سعي نظام العدالة الإسلامية، في موازاة التزامه بالشريعة الإسلامية، إلى بذل قصارى جهده للأخذ بعين الاعتبار الضرورات الزمنية والإقليمية، فضلاً عن الالتزامات الدولية. [1]

في الواقع، ليست السلطات هي الوحيدة التي رحبت بهذه التطوّرات. وفيما أشار رئيس نقابة المحامين الإيرانيين، بهمن کشاورز، إلى بعض أوجه القصور في عملية اختيار هيئة المحلفين، فإنه أشاد بتشكيلها معتبرا إياه خطوة إيجابية وتطوراً بنّاء في النظام القضائي. [2]

لكن، هل سيثبت قانون العام 2016 المتعلق بالجرائم السياسية وشرط حضور هيئة المحلفين للمحاكمات السياسية أنه “تطور بنّاء في النظام القضائي”؟

تعريف “الجرائم السياسية”

بعد عقود من النقاشات ضمن البرلمان الإيراني، صدر قانون الجرائم السياسية في ماي/أيار 2016. وبعد فترة وجيزة، أعطى مجلس صيانة الدستور – وهو هيئة إشرافية مكونة من 12 عضواً، بما في ذلك ستة محامين وستة فقهاء إسلاميين – موافقته النهائية على القانون قبل دخوله رسمياً حيز التنفيذ في 17 جون/حزيران. [3]

يتصدى قانون الجرائم السياسية لثغرة قانونية كانت قائمة في المنظومة القانونية الوطنية منذ حوالي أربعة عقود. فالدستور الإيراني الصادر في العام 1979 يتناول صراحة الجرائم السياسية في مادته 168 التي تنص على أنه يتم التحقيق في هذه الجرائم “والمخالفات الصحفية في محاكم القضاء بصورة علنية وبحضور هيئة المحلفين. ويحدد القانون، وفقاً للمعايير الإسلامية، طريقة انتخاب هيئة المحلفين، والشروط اللازم توفرها في هذه الهيئة وصلاحياتها وكذلك تعريف الجرائم السياسية.” [4] إلا أنه ورغم وضوح هذا النصّ، فإن المقتضيات الإجرائية القانونية، مثل شرط حضور هيئة محلفين، قد ظلت فعلياً حبراً على ورق بسبب عدم وجود تعريف قانوني “للجرائم السياسية”. وربما يفسر هذا الفراغ طويل الأمد الأجواء الاحتفالية التي أعقبت اعتماد قانون جديد للجرائم السياسية.

إلا أنه على الرغم من هذه الأجواء المحيطة بهذه الخطوة، فإن القانون الذي تم إقراره حديثاً لا يساهم إلا بشكل ضئيل في تغيير الوضع الراهن بالنسبة لكل من يتجرّأ على تحدي السلطات ومعارضتها. فالمادة الأولى تعتبر، بطريقة خاطئة وملتوية، الجريمة “سياسية” عندما ترتكب ضد إدارة البلاد ومؤسساتها السياسية وسياساتها الداخلية والخارجية بنية إصلاح شؤون البلاد، على ألا يكون الدافع لدى الجاني إلحاق الضرر بأسس النظام”.

وبالتالي، فإن القانون صريح وواضح في تأكيده على أن نية المجرم السياسي يجب أن تكون “الإصلاح”، مما يوحي أن أي انتقاد لشؤون البلاد قد يعتبر جرما. وما يفاقم من خطورة الأمر هو أن الجريمة السياسية تتحقق ليس فقط في حال المسّ بمؤسسات الدولة، بل أيضاً بسياسات الدولة التي تشكل كياناً مبهماً وغير محدد. ومن شأن هذا الأمر أن يزيد من المخاوف من أن يكون القانون قد هدف إلى تجريم الانتقادات الموجهة لكيفية إدارة شؤون البلاد.

إلحاق الضرر بأسس النظام”

وفي صيغة أخرى لا تقل غموضاً، يستثنى من القانون المجرمون الذين يكون قصدهم الإضرار بـ “أسس النظام”. فهنا أيضا، لا ينصّ القانون على أي تعريف لماهية  “أسس النظام”. وقد يفترض المرء أن هذه “الأسس” تتمثل في “المبادئ التأسيسية” للجمهورية الإسلامية على النحو المنصوص عليه في المادة 2 من الدستور. ويشار أن هذه المادة تنص على أن نظام الجمهورية الإسلامية يقوم على على أساس الإيمان بالله الأحد وتفرده بالحاكمية والتشريع. كما تشمل هذه الأسس الإيمان بالوحي الإلهي وبيوم القيامة والاجتهاد المستمر للفقهاء المسلمين ودورهم في الحكم. بالإضافة إلى ذلك، تبعا لمراجعة سريعة لقضايا الأمن القومي، نتبين فيها إشارات عدة إلى اعتبار ولاية الفقيه ضمن أسس النظام السياسي الإيراني.

عليه، يتبدّى أن القانون الجديد لا ينص على معايير موضوعية لتحديد نوايا المتهم وما إذا كان الفعل المرتكب يندرج ضمن فئة “الجرائم السياسية”. وبذلك، يترك القانون الأمر للسلطة التقديرية للمدعي العام والمحكمة التي تحقق في الجريمة، الممنوحة لهما بموجب المادة 5 من القانون.

وبالعودة إلى تعريف القانون للجرائم السياسية، نرى أنه يستند إلى مبدأ اجتماع ركنين: الركن الأول يتمثل في دوافع المتهم ونواياه، والثاني في موضوع الفعل المرتكب منه. [5] وانطلاقا من ذلك، تتضمن المادة 2 قائمة من “الجرائم” المحددة التي قد تعتبر أو لا تعتبر “سياسية” تبعاً لدوافع الجاني. وهي تشمل: “إهانة أو تحقير رؤساء السلطات الثلاث [التنفيذية والقضائية والتشريعية]، ورئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، ونواب الرئيس، والوزراء، وأعضاء البرلمان، وأعضاء مجلس خبراء القيادة وأعضاء مجلس صيانة الدستور”؛ “إهانة رئيس دولة أجنبية أو ممثلها وهم على أراضي جمهورية إيران الإسلامية”؛ “انتهاك الحريات المشروعة للآخرين”؛ “التشهير وتشويه السمعة ونشر الشائعات”؛ و”نشر الأكاذيب”. [6] كما تم تضمين بعض انتهاكات قوانين الانتخاب ضمن نطاق هذه المادة.

وفيما ترقى بعض الجرائم المذكورة أعلاه (مثل الجرائم المتصلة بتزوير الانتخابات) إلى مستوى الجرائم المعترف بها دولياً، فإن بعضها الآخر يجرّم بشكل خطير أفعالا تندرج ضمن ممارسة مشروعة لأحد حقوق الإنسان والتي لا يجوز تجريمها. كما أن غالبية الجرائم الواردة في القانون هي فعلياً تكرار لجرائم قائمة بالفعل ومحددة بشكل مبهم ومطاط في قوانين أخرى، مثل قانون العقوبات الإسلامي الصادر في العام 2013 وقانون الصحافة.

وعليه، يفشل قانون الجرائم السياسية في تحقيق المواءمة بين التشريعات الإيرانية والقانون الدولي والمعايير الدولية، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي تعد إيران طرفاً فيه. كما أنه يعكس إخفاقاً آخر في التزام المشرع بمبدأ الدقة القانونية.

امتيازات أو حقوق أساسية؟

من أبرز ميز القانون المتعلق بالجرائم السياسية، تضمينه أصول معاملة مغايرة للمجرمين السياسيين بالنسبة إلى المجرمين العاديين. ويشار إلى هذه المعاملة المغايرة عموماً بتسمية “الامتيازات”. على سبيل المثال، في إحدى المقابلات التي أجريت في يناير/كانون الثاني 2016، أشار ذبیح الله خدائیان، النائب القانوني للسلطة القضائية، إلى “أن تأثير [اعتماد] الجريمة السياسية هو أن الجاني في مثل هذه الحالات، وبما أن دوافعه تكون شريفة، لا تنطبق عليه تداعيات الجرائم الاعتيادية… [كما] أنه قد يتمتع بسلسلة من الامتيازات أثناء قضاء فترة سجنه…”[7]

تستعرض المادة 6 من القانون هذه “الامتيازات”. ووفقاً لها، يقتضي فصل المتهمين بـ”جرائم سياسية” عن “الجناة العاديين” أثناء احتجازهم وحبسهم، ويجب ألا يرغموا على ارتداء زي السجن. كما تحظر هذه المادة تسليم المجرمين السياسيين إلى بلدان أخرى أو إخضاعهم للأنظمة التي ترعى تكرار ارتكاب الجرائم. وتضمن المادة أيضاً حقهم في تلقي زيارات من أقاربهم من الدرجة الأولى خلال فترة السجن وفي الوصول إلى الكتب والمنشورات [المجلات والصحف] وأجهزة الراديو والتلفزيون. بالإضافة إلى ذلك، تحظر المادة الحبس الانفرادي باستثناء الحالات التي تخشى فيها السلطة القضائية من خطر التآمر أو ترى أن [الحبس الانفرادي] ضروري لإنجاز التحقيقات. في جميع الأحوال، يجب ألا يتجاوز [الحبس الانفرادي] 15 يوماً.”

يرتكز قانون الجرائم السياسية إذن على نهج قديم هو في طور التلاشي في النظم القانونية الحديثة. فهو يميز بين دوافع المتهمين في قضايا الأمن والمتهمين العاديين – مقارنة بالمجرمين السياسيين – ويكافئ “النوايا الشريفة” لهؤلاء من خلال معاملتهم بطريقة أفضل. فمؤخرا، شهدت الأنظمة الحديثة تعزيزا لشروط المحاكمة العادلة بموجب القانون الدولي والمعايير الدولية، ولحماية الممارسة السلمية لحقوق الإنسان (مثل الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع)، مما أفقد الأحكام الخاصة ب “الجرائم السياسية” مبرر وجودها. [8]

إذا ما نظرنا بسرعة إلى “الامتيازات” الممنوحة بموجب قانون الجرائم السياسية، يتبين لنا أن غالبيتها هي في الواقع حقوق أساسية متعلقة بالمحاكمات العادلة وحقوق السجناء. فعلى سبيل المثال، ينبغي إتاحة زيارة أفراد الأسرة لجميع المحتجزين والسجناء بمعزل عن طبيعة التهم الموجهة إليهم. كما أن تحديد المدة القصوى للحبس الانفرادي ب 15 يوماً هو الحد الأدنى المطلوب بموجب التزامات إيران الدولية فيما يتعلق بحظر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.

حضور هيئة محلفين: مشاركة أكبر للمجتمع في الإجراءات القضائية؟

تمت الإشادة بشرط حضور هيئة محلفين في قضايا “الجرائم السياسية” على اعتبار أنه ضمانة أساسية لحقوق الأفراد الذين يواجهون هذه التهم. [9] إلا أن عملية اختيار هيئة المحلفين، فضلاً عن طرق عملها المتوقعة، تتعارضان مع مبررات اعتماد هيئات المحلفين في الإجراءات الجنائية.

ويشار هنا إلى أن الأنظمة التي ترعى عملية اختيار هيئة المحلفين وإدارتها تعود إلى التعديلات التي أدخلت في العام 2000 على قانون الصحافة – المادة 36 التي تنص على وجوب تعيين أعضاء هيئة المحلفين في طهران كل سنتين عقب اجتماع يحضره عدد من مسؤولي الدولة، بدعوة من وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي. ويتم اختيار أعضاء لجنة المحلفين (21 في طهران و14 في المحافظات الأخرى) من “فئات اجتماعية مختلفة”، بما في ذلك رجال دين وأساتذة جامعيين وأطباء ومحامين وعمال وفنانين وأعضاء في الباسيج [وهي قوات شبه عسكرية تتكون من متطوعين]. كما يجب أن يكونوا موضع ثقة الناس، علماً أنه لم يتم تقديم أي توضيح حول كيفية التأكد من توافر هذه الثقة. ويستمر أعضاء هيئة المحلفين المعينون على هذا الوجه في مناصبهم لمدة سنتين. ويخشى أن تؤدي عملية اختيار هيئة المحلفين التي لا تتبع قاعدة الانتقاء العشوائي، إنما يضطلع بها مسؤولو الدولة بدور كبير، إلى تشكيل هيئات محلفين ذات توجه سياسي موال للسلطات. فلا تستوفي الهيئة إذ ذاك “معايير الحياد”، ممّا يطيح بالهدف الأساسي من وجودها، أي تمثيل رأي المجتمع في القضية التي يتم النظر فيها. من جهة أخرى، فإن فترة تولي المنصب في هيئة المحلفين لمدة سنتين تحوّل الأعضاء فعلياً إلى “محترفين”، فلا يعود بالإمكان اعتبارهم كأقران للمتهمين.

في الختام، لا بد من الإشارة إلى أن طريقة صياغة القانون بشأن قوة قرار هيئة المحلفين لا يزال يشوبها الغموض. فبموجب المادة 43، يتعين على أعضاء هيئة المحلفين، بعد المداولات، تقديم حكمهم، خطياً، بشأن إدانة المتهم أو براءته، وما إذا كان ينبغي أن يستفيد المتهم من حكم أكثر تساهلاً. بعد تسلمه حكم هيئة المحلفين، يصدر القاضي حكمه بشأن إدانة المتهم أو براءته. في الحالات التي تتوصل فيها هيئة المحلفين إلى حكم بالإدانة، يجوز للقاضي رفض هذا الحكم وتبرئة المتهم. بالمقابل، لا يلحظ القانون الحالات التي تجد فيها هيئة المحلفين المتهم “غير مذنب”. لهذا السبب، فإن قرارات هيئة المحلفين غير ملزمة بشكل فعلي للمحكمة، وإنما هي مجرد رأي استشاري بالنسبة إليها.

مفيد من الناحية العملية على الرغم من شوائبه؟

لا شك أن قانون الجرائم السياسية يعاني من شوائب وأوجه قصور خطيرة، إلا أن السؤال  المطروح يظل كالتالي: في سياق تغيب فيه أي خطوات جدية متخذة من قبل السلطات الإيرانية نحو احترام حقوق الأفراد في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، هل يمكن لقانون العام 2016 المتعلق بالجرائم السياسية منح الأفراد ضمانات معززة لحمايتهم؟

ونظراً إلى أنه لم تتم محاكمة أي فرد حتى هذا التاريخ بموجب القانون الجديد، لا يمكن الرد على السؤال أعلاه سوى ببعض التكهنات. إلا أن نطاق القانون وموقف السلطات من “الجرائم السياسية” يشيران إلى عدم احتمال حدوث أي تغيّر كبير في الممارسة فيما يتصل بطريقة تعامل الدولة مع المتهمين بهذه الجرائم. ويخشى ألا يستفيد منه سوى عدد ضئيل من المتهمين. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى ملاحظتين.

أولاً، يستبعد القانون اندراج مجموعة واسعة من الجرائم تحت فئة “الجرائم السياسية”. وتشمل هذه الجرائم “إهانة الإمام الخميني والمرشد الأعلى”؛ “إهانة المقدسات الإسلامية”؛ “نشر دعاية ضد النظام”؛ و”التجمع والتواطؤ بهدف ارتكاب جرائم ضد الأمن القومي”. في الواقع، هذه هي التهم التي توجه عادة ضد المنشقين المسالمين. على عكس “الجرائم السياسية”، لا تزال محاكمة هذه الجرائم تتم في إطار المحاكم الثورية المختصة بالجرائم المرتكبة ضد الأمن القومي والتي لا تلتزم عادة بالقوانين والمعايير الدولية.

ثانياً، إن موقف السلطات الذي يتجلى في بياناتها ومقابلاتها الإعلامية يفاقم الشك في أي أثر إيجابي محتمل للقانون. فقد نفت السلطات الإيرانية نفياً قاطعاً وجود سجناء تنطبق عليهم صفة “السجناء السياسيين”. ويثير هذا الرفض القاطع لاستخدام صفة “السجين السياسي” التساؤل عن مدى استعداد السلطات لمقاضاة عدد كبير من المتهمين بموجب القانون الجديد بدلا من مقاضاتهم على أساس ارتكاب “جرائم أمنية” كما جرت عليه العادة حتى هذا التاريخ.[10]

بالإضافة إلى ذلك، تكشف بعض التصريحات الرسمية أن أحد الدوافع وراء اعتماد قانون الجرائم السياسية هو الحد من تبعة تشويه السمعة الناجمة عن طريقة تعامل إيران مع المنشقين. على سبيل المثال، ورداً على سؤال حول الأثر السلبي للفراغ القانوني فيما يتعلق بتعريف الجرائم السياسية، علّق ملکشاهی الهیار ، رئيس اللجنة القانونية والقضائية في مجلس الشورى الإسلامي، أن “عدم وجود تعريف لما يعتبر جريمة سياسية قد أدى إلى دعاية سيئة وبالتالي فرض تبعات [تشويه السمعة] على النظام”. وأضاف أن اعتماد مثل هذا القانون “سيمنع الدعاية السيئة من قبل بعض المتهمين”.[11]

تثير تصريحات مالكشاهي مخاوف جدية من أن يكون الهدف الأول من إقرار القانون أن يكون بمثابة واجهة للترويج لصورة حسنة عن الجمهورية الإسلامية ودحض المخاوف المتصلة بحقوق الإنسان بدلاً من توفير ضمانات فعلية فيما يتصل بخضوع الأفراد لمحاكمات عادلة.

لكن يبدو أن السلطات، في مساعيها لامتصاص الانتقادات، قد تغاضت عن حقيقة أن الاضطهاد وحبس الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم الإنسانية سلمياً، بغض النظر عن التسميات القانونية المستخدمة لوصفهم، سيظل يتعارض مع القوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان – ويثير بالتالي حفيظة جماعات حقوق الإنسان وإدانتها. كذلك الأمر بالنسبة إلى فشلها في التقيد، سواء في القانون أو الممارسة، بمعايير المحاكمة العادلة – مثل المحاكمات العلنية وإمكانية توكيل محام وحظر الحبس الانفرادي المطول – في القضايا الجنائية، بما في ذلك القضايا التي تنطوي على أفراد متهمين بجرائم معترف بها دولياً.

وخلاصة القول إن قانون الجرائم السياسية الصادر في العام 2016 قد يمنح بعض الأمل لعدد قليل من الأفراد الذين يتواجهون مع نظام العدالة الإيراني في تلقي معاملة أكثر تساهلاً على المدى القصير. إلا أنه لا يشكل خطوة إلى الأمام إذ يرجح أن يؤدي على المدى الطويل إلى استمرار ثقافة عدم التسامح تجاه المعارضة السياسية والتي لطالما اتسم بها نظام العدالة الجنائية في جمهورية إيران الإسلامية.

نشر في العدد 10 من مجلة المفكرة القانونية في تونس

[1] ميزانونلين، “رئيس الهيئة القضائية في طهران: انطلاق عمل هيئة المحلفين الأولى للجرائم السياسية”، 29 أكتوبر/تشرين الأول 2017، http://bit.ly/2mGxYve، تم الاطلاع على الرابط في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017

 [2] كيشافارز، بهمن، “هيئة المحلفية [بمحاكمة] الجرائم السياسية: تطور إيجابي”، 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017، جريدة إيران، https://goo.gl/xcB3ie، تم الاطلاع على الرابط في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017

 [3] أنشئ مجلس صيانة الدستور بموجب دستور الجمهورية الإسلامية؛ وهو مكلف بالنظر في جميع التشريعات التي يقرها البرلمان للتحقق من مدى توافقها مع الدستور والشريعة الإسلامية. يتألف المجلس من ستة محامين يتم تعيينهم من قبل رئيس السلطة القضائية (الذي يتم تعيينه بدوره من قبل المرشد الأعلى) وستة فقهاء في الشريعة الإسلامية يتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى مباشرة. بالإضافة إلى مراجعة وإقرار تشريعات البرلمان، يقوم المجلس بالتدقيق في المرشحين للانتخابات الرئيسية والموافقة عليهم، مثل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. فهو يتمتع بالتالي بنفوذ وسلطة كبيرين في المجالين القانوني والسياسي في البلد.

 [4] دستور جمهورية إيران الإسلامية، 1979، المادة 168.

[5] نايري، محمد ح.، “مشكلة الجرائم السياسية في القانون الإيراني”، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2014، مركز توثيق حقوق الإنسان في إيران، صفحة 4.

[6] تم تأسيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في العام 1987 إثر صدور مرسوم من المرشد الأعلى آنذاك آية الله الخميني، من أجل حل الخلافات بين البرلمان ومجلس الوصاية التي أدت إلى جمود عملية التصديق على التشريعات. وعقب التعديلات الدستورية في العام 1988، نص الدستور على تكليف المجلس بمجموعة واسعة من المسؤوليات شملت دوراً استشارياً للمرشد الأعلى.

[7] ميزانونلين، “الجوانب المختلفة للجرائم السياسية [الموضوعة] من قبل النائب القانوني للسلطة القضائية”، 29 يناير/كانون الثاني 2016،  http://www.mizanonline.ir/fa/print/127921، تم الاطلاع على الرابط في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

[8] نايري، محمد ح.، “مشكلة الجرائم السياسية في القانون الإيراني”، صفحة 16.

[9] المادة 302 (ه) من قانون أصول المحاكمات الجنائية الصادر في العام 2014.

[10] ما من تعريف عالمي “للسجناء السياسيين”. يستخدم البعض هذا المصطلح للدلالة على السجناء الذين تنطوي جرائمهم – سواء في الدوافع أو في الجرم نفسه – على عنصر سياسي بغض النظر عن سلمية السلوك. غير أن البعض الآخر يستخدم المصطلح للدلالة على “سجناء الرأي”. وفي قرار صدر في العام 2012، حددت الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا المعايير الواجب اعتمادها من أجل اعتبار السجين “سجيناً سياسياً”. بموجب هذا القرار، السجين السياسي هو الشخص الذي يحرم من حريته “لأسباب سياسية بحتة من دون أي صلة بأي جريمة”. علاوة على ذلك، يجب أن يكون الاحتجاز قد فرض في “انتهاك لإحدى الضمانات الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وبروتوكولاتها، لا سيما حرية الفكر والوجدان والدين، وحرية التعبير والإعلام، وحرية التجمع وتكوين الجمعيات”. يُرجى مراجعة:

http://assembly.coe.int/nw/xml/XRef/Xref-XML2HTML-en.asp?fileid=19150&lang=en، تم الاطلاع على الرابط في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017.

[11] صحيفة شرغ، “تحديد الأمثلة على الجرائم السياسية في بحرستان”، 14 يوليو/تموز 2013، http://bit.ly/2mI6HeN، تم الاطلاع على الرابط في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2017.

انشر المقال

متوفر من خلال:

آسيا ، مقالات ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني