قضية زياد عيتاني: المهنية الضائعة بين الإعلام والأمن


2018-02-19    |   

قضية زياد عيتاني: المهنية الضائعة بين الإعلام والأمن

لم يشهد لبنان، أقلّه في السنوات الأخيرة، هذا التسريب الفاضح لمحاضر تحقيق، كما حصل في قضية توقيف الممثل زياد عيتاني بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي. في 23 تشرين الثاني 2017، أوقف الممثل المسرحي والناشط السياسي المعروف في بيروت وسرّب الخبر إلى وسائل الإعلام في اليوم التالي. وسرعان ما بدأت المعلومات بالتدفق على الرأي العام. عيتاني في قبضة المديرية العامة لأمن الدولة في عملية وضعت سريعاً في خانة “الإنجاز”. وقد جندته سيّدة شقراء جميلة تدعى كوليت فيانفي وهي ضابطة في جهاز الإستخبارات الإسرائيلي. بتنا أمام فيلم مشوّق: هل تعامل عيتاني مع العدو لأنه كان بحاجة للمال؟ أم لأن الضابطة ابتزته بفيديوهات جنسية له؟ هل هي جميلة؟ هل كانت فعلاً ستزور لبنان؟ هل التقاها في تركيا؟ هل كان يخطط لتنفيذ اغتيالات؟ هل هناك أسماء أخرى متورطة في الملف؟ وعد الصحافيون المشاهدين بتطورات شيّقة “في الحلقات القادمة” ولم يخيّبوا الآمال.

إلى السبق الإعلامي در

اقتصرت التسريبات الأمنية بعد كشف خبر توقيف عيتاني على تلك التي وصلت للصحافي رضوان مرتضى في جريدة “الأخبار”. نقل مرتضى معلوماته وتلاها في اليوم عينه البيان الأول للمديرية العامة لأمن الدولة حول القضية. ثمّ بدأ السباق بين التلفزيونات المحلية، خاصة بين ما يسمّى بـ “برامج الإثنين”.

ريما كركي، مقدمة برنامج “للنشر” على “الجديد” كانت واضحة منذ البداية. همّها تحقيق السبق فقط. قالتها بالفم الملآن: “المعلومات التي سنوردها الليلة ستكتب الصحف عنها غداً. وأتمنى أن يذكروا أن المصدر كان برنامج للنشر”. هنا يكمن هدفها إذاً، الحصول على أحقية السبق والحفاظ على حقوق الناشر. أما مضمون المعلومات وتعريض سمعة بعض الإعلاميين للخطر فلا يندرج ضمن سلّم الأولويات. وعدت كركي المشاهدين بفقرة خاصة للإجابة على جميع أسئلتهم مع الصحافي رضوان مرتضى. كان واضحاً أن هذا الأخير يقتبس عن المحققين. لجأ إلى عبارات مثل “قال المحققون” و”حسب محاضر التحقيق” و”لم يتعرض للضرب” و”زياد أعطى إفادات غير مطابقة ولكنها جميعها موثقة بالصوت والصورة”. وتفاخر بأنه “الوحيد الذي نشر قصة زياد عيتاني كاملة بناء على محاضر التحقيق”. وعد مرتضى المشاهدين بالمزيد من المفاجآت في عدد “الأخبار” في اليوم التالي. وصف الأمر على أنه “دعاية ببلاش”. أصرّت كركي على الحصول على جميع المعلومات. “لا لا. سوف تعطيني كل المعلومات التي بحوزتك”. وكأن الموضوع هو مسابقة والرابح هو من يتمكن من كشف الكمّ الأكبر من المعلومات عبر وسيلته الإعلامية. أصرّت كركي على معرفة أسماء الصحافيين المذكورين في التحقيق والذين قيل أن عيتاني حاول تجنيدهم. “مين هني؟ شو الأسماء؟” رضخ مرتضى وأعطاها بعض الأسماء. “كان على زياد تجنيد صحافيين ليبراليين ضد الممانعة يدعون للسلام في الشرق الأوسط والتطبيع مع اسرائيل”. ثم استدرك الأمر موضحاً بأن “لا علاقة لأي من الصحافيين الذين ذكرهم زياد بما فعل. بإمكانهم حتى الادعاء عليه. أنا سمّيت كم إسم يمكن كانوا ما بيحبوا ينذكروا”. لا يهمّ الآن. حصلت كركي على ما أرادت. حاولت أن تعرف إن كان عيتاني نادماً. طمأنها مرتضى بأنه نادم “بس من بعد شو؟”. ختمت الحلقة طالبة منه هدية. “ما رح إنهي قبل ما أخد شغلة وحدة بعد. نقيها إنتَ”. أهداها النشر الحصري للرسم التشبيهي الذي وضعته المديرية للضابطة الإسرائيلية. بعدما طمأن المشاهدين بأن “كوليت فيانفي، الجميلة ذات العينين الخضراوين، اتضح أنها ليست فاتنة”.

وكما وعد مرتضى المشاهدين، نشر في صباح اليوم التالي مقالاً مفصلاً عن اعترافات عيتاني “الثانية”، بعدما كان هذا الأخير قد غيّر إفادته. وذكر عدداً كبيراً من أسماء الصحافيين الذين أعطى عيتاني إفادات عنهم في التحقيق. واستند هذه المرة على “مصادر أمنية وقضائية”، فأوحى أن التسريبات لم تعد محصورة فقط في مديرية أمن الدولة.

ولم يكن مرتضى الوحيد الذي كشف عن وضع رسم تشبيهي للضابطة الإسرائيلية في تلك الليلة. فبموازاة عرض “للنشر”، كان جو معلوف عبر “هوا الحرية” على شاشة “أل.بي.سي” يطلع المشاهدين على هذا الخبر أيضاً، بعدما قرأ مباشرة على الهواء ولحوالي 20 دقيقة محاضر التحقيق مع عيتاني. استشهد هو أيضاً بـ “المصادر الأمنية”. المفارقة بين معلوف وزملائه بأن هذا الأخير كان على إطلاع أيضاً على تسلسل الأحداث بين عيتاني والضابطة الإسرائيلية. “عام 2015 كشفت كوليت لعيتاني بأنها يهودية، صارحته عام 2016 بأنها ضابط في المخابرات الاسرائيلية. اتصلت كوليت بعيتاني في 17 تشرين الأول 2017 عبر الواتساب كول”. ذكر جميع الأسماء التي وردته من التحقيقات، أي حوالي 20 إسماً. لكنه أوضح للمشاهدين “بأن هذه الأسماء وردت على لسان عيتاني وأن هؤلاء الأشخاص ليسوا متهمين”.

الخطير أيضاً أن جميع الذين نقلوا المعلومات المسربة اعتبروا أن هذا واجبهم أو على الأقل بأن الأمر طبيعي. المحامي جوزيف أبو فاضل رأى في مقابلته مع برنامج “العين بالعين” عبر “الجديد” أنه لا يجوز وصف الأمر بالـ “فضيحة”. وطلب من المعنيين التوجه إلى القضاء إذا ثبت أن التسريبات خاطئة. اعتبر أن من حقه نقل ما ورده بحجة أن الملف أصبح في عهدة القضاء، علما أن الملف كان ما يزال عالقا أمام قضاة التحقيق العسكري،  الذي تشمل السرية أعماله. واستهجن أبو فاضل ردات الفعل الشاجبة وسأل الضيوف المشاركين في الحلقة “لماذا لم يعترض أحد على تسريب فيديوهات ميشال سماحة فيما الجميع يعترض اليوم على تسريب محاضر التحقيق؟”

كشف أبو فاضل، بأنه بعد إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، كانت الضابطة الاسرائيلية تتصل بعيتاني “كلّ يوم بين خمس وست مرات وتشتمه وتصرخ”. أعطى وصفاً دقيقاً للقاء الأول الذي جمع بين عيتاني والضابطة. “اتصلت به كوليت عبر الفيديو كول وسألته إن كان المكان الذي سهر فيه مع زوجته في اسطنبول قد أعجبه، وطلبت منه لقائها. مرضت زوجته ونامت. في اليوم التالي، غادر زياد عيتاني الفندق، مشى 15 متر سيراً على الأقدام ووجد سيارة بانتظاره الساعة السادسة صباحاً، تماماً كما قالت له. فتحت له الباب وطلبت منه دخول السيارة. هناك تعرّف عليها واجتمعوا. وقالت له: “شو هالتياب اللي لابسهم؟ هيدي 5000$ لتزبط حالك”. هذا السرد لا يشير فقط إلى تسريب معلومات من التحقيق بل إنه دليل على أن أبو فاضل قرأ المحاضر بالتفصيل. وقد حسم الأمر من خلال تأكيده في سياق الحلقة أن جميع معلوماته “موجودة في الملف”.

اللافت هنا أن أبو فاضل جزم بأن جهاز أمن الدولة قام بـ “خطف” عيتاني، لا توقيفه، لكي يتمكن من إلقاء القبض على الضابطة الإسرائيلية التي كانت تنوي زيارة لبنان. والزيارة أكدّها أيضاً معلوف. هذا الأخير كان على إطلاع على تاريخ وصولها المرتقب في 2 كانون الأول 2017. في حين نفى مرتضى أن يكون “لدى أمن الدولة معطيات عن مجيء كوليت إلى لبنان”. كما أكد مرتضى بأن عيتاني لم يلتقِ كوليت في اسطنبول. الأمر الذي ناقضه أبو فاضل عندما استرسل في وصف لحظة لقاء عيتاني بها بالإضافة إلى معلوف الذي كشف بأن كوليت تتكلم العربية “ولكن بلهجة خليجية”. أبو فاضل ومعلوف قالا أن كوليت أعطت عيتاني مبلغ 5000$ في العاصمة التركية. مرتضى كشف أنه لم يتلقَ أي مبلغ مالي منها طوال فترة “التعامل”. فيما معلوف كشف بانه “اعترف أن المبالغ التي تلقاها وصلت إلى نحو 10.000 دولار”. اتفق الثلاثة على أمرين: أن كوليت كانت تعامل عيتاني “بفوقية” وكانت “تشتمه” وأن المعلومات الأمنية التي أعطاها حول وزير الداخلية نهاد المشنوق والوزير السابق عبد الرحيم مراد كان “يمكن أن تستخدم لاحقاً لتنفيذ اغتيالات”.

ماذا عن دور المديرية العامة لأمن الدولة؟

لكن هذه الفضيحة تتحمّلها المديرية العامة لأمن الدولة بقدر ما يتحمّلها الإعلام. فهذا الأخير يسعى دائماً للحصول على السبق وقد وصله هذه المرة على طبق من فضة. كان واضحاً أن أحداً من الصحافيين الذين سرّبوا المعلومات على مدى أسبوع لم يبذل جهدا استثنائيا للحصول عليها. فهي كانت ترد للبنانيين على مدار الساعة، في الصحف، على التلفزيون وعلى المواقع الالكترونية. مدى صحتها ودقتها لا يهمّ في هذه الحالة. المهمّ أن ممثلاً معروفاً قد أوقف بتهمة التعامل مع إسرائيل وقد أوقفه جهاز كان يعاني ليستمر قبل حوالي سنة. وهنا جوهر القضية، إذ استفاد أمن الدولة من البلبلة التي تسبب بها الخبر، فقرر تحويله إلى مادة دسمة بواسطة الإعلام، بهدف إثبات فعاليته ومكانته بين الأجهزة الأمنية اللبنانية.

وهو ما قاله على العلن المحامي جوزيف أبو فاضل في مقابلة ضمن برنامج “العين بالعين”. “هناك صراع أجهزة في البلد. جهاز أمن الدولة جهاز جديد مع قائد جديد ونائب جديد وضباط يريدون الحصول على مكانتهم الأمنية…رضوان مرتضى حصل على معلوماته من جهاز أمن الدولة”. وهو ما طرحته الإعلامية بولا يعقوبيان في الحلقة أيضاً إذ سألت “لماذا هذا التسريب للتحقيقات وكـأن أحدهم يسعى إلى تفعيل شعبيته؟”  لكن هذه المكانة التي تحدث عنها أبو فاضل اهتزت بعد تناقل وسائل الإعلام معلومات مغلوطة حول القضية، ما استدعى الجهاز إلى إصدار بيانين توضيحيين اختلفا كثيراً في المضمون. كما وُعد اللبنانيين بمؤتمر صحافي لرئيس المديرية العامة لأمن الدولة اللواء طوني صليبا لشرح خلفيات ما حصل. وما زال اللبنانيون، أو من يتذكر منهم، في انتظار هذه اللحظة.

وبالإضافة إلى ذلك، هل يمكن للمديرية تبرير تسريب هذه المعلومات بهدف خدمة المصلحة العامة؟. يحق للبنانيين أولاً أن يفهموا ماهية المصلحة المدعى بها لتبرير ذلك. أتسمح هذه المصلحة بفضح خصوصيات المشتبه به في حين لم تتمّ إدانته بعد؟ هل تكمن في فضح أسماء الإعلاميين الذين حاول عيتاني التواصل معهم، “لأن كتاباتهم ملفتة وتتلاءم مع فكرة السلام والتطبيع مع اسرائيل؟”، كما ذكر معلوف في حلقة “هوا الحرية”؟ هل من المقبول إعلان أسماء هؤلاء على شاشات التلفزة وفي الصحف دون ترّقب عواقب هذا الأمر؟ خاصة بعدما سيق بأنه يمكن استدراجهم جميعهم للتطبيع مع اسرائيل، وهي تهمة في غاية الخطورة حتى وإن برر ناقلو الخبر بأنّ هذه التصريحات جاءت على لسان عيتاني ولا يتحمّلون مسؤوليتها.

وقد حمّل الصحافي طوني أبي نجم الجهات الأمنية مسؤولية تسريب هذه المحاضر في اتصال مع برنامج “العين بالعين” أيضاً وطالب بمعاقبة المسربين. “الذي حصل في ملف زياد عيتاني فعلاً مخجل ومؤسف. لا يحق لأي جهاز لبناني تسريب أسماء ومعلومات. هذه مخالفة للقانون اللبناني. هذه الممارسات تذكرنا بأسوأ أيام ممارسات النظام الأمني السابق. أتوجه إلى وزير الداخلية ووزير العدل والمدعي العام التمييزي للمباشرة بعملية تحقيق مع جميع المسؤولين بجهاز أمن الدولة وجميع الضباط والعناصر الذين حققوا مع عيتاني لمعرفة من سرّب هذه الأسماء. لأن هذا التسريب تسبب بضرر مباشر لجميع الأشخاص الذين وردت أسماؤهم”.

لكن المستشارة الإعلامية للمديرية العامة لأمن الدولة ريما صيرفي رفضت تصوير الجهاز بأنه المسؤول عن التسريبات في إتصال مع خليفة خلال الحلقة. واعتبرت بأن “هناك إشكالية كبيرة جداً بين الإفصاح والسرية. واجب الإعلامي أن يكشف ويفصح للناس وللرأي العام بشكل سريع ليحقق السبق الإعلامي. بينما أحد أبرز مهام الأمن هو حجب وإخفاء المعلومات إلى أن يصبح جاهزاً لكشفها. الكشف والحجب هو الإشكالية هنا، وعلى الإعلام احترام هذا الموضوع”. أصرّ خليفة على أن التسريبات خرجت من الجهاز، في حين أكدت صيرفي بأن البيانين الرسميين الصادرين عن أمن الدولة هما فقط المعلومات الصادرة عن المديرية وبأن هذه الأخيرة غير مسؤولة عن ذكر أي أسماء. وتجدر الإشارة بأنه لم يصدر أي بيان عن النيابة العامة التمييزية أو مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس حول القضية.

هناك أيضاً من رفع الصوت

لم يسلم السلوك التطبيعي للإعلام مع التسريبات الأمنية من الإنتقادات، إن كان من جهات إعلامية أم من بعض المعنيين في هذه الملفات. وصف الصحافي منير الربيع في “المدن” ما جرى بالـ “التسربات الأمنية”. انتقد المديرية العامة لأمن الدولة لتسريبها المعلومات أولاً، ثم تصحيحها بعد تغيير عيتاني إفادته الأولى. “وهو ما يضرّ بسمعة التحقيق والمحققين، الذين كان الأجدر بهم تسريب الخبر بعد انتهاء التحقيق وإحالة الموقوف إلى القضاء المختص”، حسب الربيع. ولام وسائل الإعلام لأنها سعت خلف “السبق” دون التأكد من صحة المعلومات. واعتبر الربيع أن تسريب أسماء بعض الإعلاميين المنتمين إلى خط سياسي معارض هدفه “تدجينهم وتركيعهم”.

بموازاة ذلك، رأى الخبير القانوني عمر نشابة في مقال في “الأخبار” بأن ما حصل شكل إخفاقاً مهنياً على المستويين الإعلامي والأمني. فالإعلام بالنسبة لنشابة، راح ينشر ما توّفر له من معلومات دون التأكد من صحتها. فيما كان همّ أمن الدولة تسجيل “إنجاز” له وبالتالي إثبات خروجه من الأزمات التي كان يتخبط بها. لكن نشابة وجه اللوم الأكبر للقضاء، “الشبه الغائب” عن القضية. وتمنى لو أن القضاء توّلى “الإشراف الكامل على كل الملف بما في ذلك ما يتم الإفصاح عنه للعموم، بعد دراسة كافة جوانب الموضوع”. ومن هذا المنطلق، حمّل نشابه المسؤولية لكلّ من الصحافي والضابط والقاضي.

بدوره انتقد برنامج “بلا طول سيرة” على شاشة “المستقبل” التسريبات الإعلامية. وقد صرح فيه أحد المتدخلين أن أمن الدولة أراد “أن يثبت أنه عاد إلى العمل وارتأى أن يسرّب هذه المعلومات كدليل على ذلك”. وألقى اللوم على النيابة العامة التي لم تتدخل لوقف التسريبات ومحاسبة المرتكبين. “يمكن للنيابة العامة إصدار بيان حول مسار التحقيق كونها المشرفة عليه. وعليها فقط أن تنشر ما يعتبر مفيداً للمصلحة العامة”.

من جهته، رأى المحامي نبيل الحلبي في حلقة “للنشر” بأن “عيتاني قد تمّت إدانته في الإعلام” بعد تعرّضه لحملة تشهير عنيفة. وبأن “قرينة البراءة أصبحت غير موجودة”.

ولفت أيضاً موقف مقدم برنامج “العين بالعين” طوني خليفة الذي أشار مراراً إلى رفضه تسريب المعلومات الواردة في التحقيق. اتهم ضيفه المحامي أبو فاضل بكسر هيبة القضاء وبزعزعة ثقة المواطن به. أصرّ على معرفة هوية مسربي محاضر التحقيق أكثر من مضمونه. من جهته، اتهم ضيفه رئيس المحكمة العسكرية الأسبق العميد المتقاعد خليل إبراهيم الإعلام بالتدخل في شؤون القضاء وبإصدار الأحكام قبل البدء حتى بالمحاكمة. ورفض تبرير أبو فاضل بأن الملف أصبح في عهدة القضاء. فأوضح بأنه يمكن نشر المعلومات بعد صدور القرار الاتهامي. وسانده الصحافي حبيب يونس فانتقد انتهاك سرية التحقيق ورأى أن “هناك مسار بدأ سابقاً ولا يزال مستمراً”. لم يوجه اللوم إلى الصحافي الذي نشر معلومة وصلته، بل تساءل عن طريقة وصولها مثلاً إلى أبو فاضل.

يمكن إذاً وصف المشهد بالسوريالي. أولاً، لأن المشتبه به ممثل معروف وناشط سياسي. وثانياً، لأن المعلومات الواردة من التحقيق معه والتي بدأت ترد تباعاً لوسائل الإعلام تخطت المعقول. اعتاد اللبنانيون على كسر وسائل الإعلام للمحظور، إن من جهة انتهاك الخصوصية أو قرينة البراءة أو حتى تحويل منابرها لمحاكم علنية تطلق فيها الأحكام قبل وصول الملف إلى القضاء. حتى باتت هذه الانتهاكات تصوّر على أنها طبيعية وبأن الاعتراض عليها مبالغ به أو ليس حتى في مكانه. وهنا تكمن خطورة الأمر. فالنقاش اليوم حول العلاقة بين الإعلام والقضاء يجب أن يطال أيضاً أداء الإعلام تجاه بعض الملفات القضائية. فهل يحق للإعلاميين/ات نشر المعلومات التي تردهم بهدف تحقيق السبق دون الأخذ بعين الاعتبار أي من المعايير المهنية الأخرى؟ هل من المقبول استباحة خصوصية الأفراد، حتى إن كان مشتبها بهم في أخطر الجرائم؟ ثم ما الذي يؤكد أن المعلومات الواردة صحيحة، طالما أنها ترد من طرف واحد؟ هذه الأسئلة بحاجة إلى مناقشة جدية، إلى الدعوة ربما لوضع شرعة عمل بين الإعلام والقضاء والأجهزة الأمنية.

فالتطبيع مع مبدأ التسريب والنشر أمر في غاية الخطورة. ولا يكفي رفضه أو إنتقاده من الآن فصاعداً. في ملف زياد عيتاني، خرجت الأمور عن السيطرة. سيتكرر هذا الأمر في المستقبل، وسترمى المسؤوليات في جميع الاتجاهات ولن يحاسب أحد. تماماً كما حصل في هذه القضية. لذا حان الوقت لكي تتحرك النيابة العامة التمييزية وتحاسب المسؤولين عن التسريب، ولتكن هذه الخطوة بداية جدية لضبط ما يجري داخل غرف التحقيق. ولتكن فرصة أيضاً للتفكير جدياً بأطر تنظيمية فعالة وبناءة بين الإعلام والقضاء والأجهزة الأمنية.

نشر في العدد 53 من مجلة المفكرة القانونية، للاطلاع على العدد انقر/ي هنا “الإعلام والقضاء وحروب النرجسيات المهنية”

 ريما كركي. برنامج للنشر. قناة الجديد، 27 تشرين الثاني 2017   http://bit.ly/2CTLYwi

 ريما كركي. برنامج للنشر. قناة الجديد، 27 تشرين الثاني 2017

 ريما كركي. المرجع المذكور أعلاه.

 المرجع المذكور أعلاه.

 ريما كركي. برنامج للنشر. قناة الجديد، 27 تشرين الثاني 2017

 رضوان مرتضى. زياد عيتاني يعدّل إفادته: تعاملتُ مع العدو مجاناً! جريدة الأخبار، 28 تشرين الثاني 2018

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

 المرجع المذكور أعلاه.

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017  http://bit.ly/2CGlUAH

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

 جو معلوف. هوا الحرية. قناة أل.بي.سي.، 27 تشرين الثاني 2017

 ريما كركي. برنامج للنشر. قناة الجديد، 27 تشرين الثاني 2017

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

 المرجع المذكور أعلاه

 جو معلوف. هوا الحرية. قناة أل.بي.سي.، 27 تشرين الثاني 2017

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

 منير الربيع. التسريبات في قضية زياد عيتاني.. لتدجين الصحافيين! جريدة المدن، 29 تشرين الثاني 2017

 منير الربيع. المرجع المذكور أعلاه.

 عمر نشابة. ملاحقة عملاء إسرائيل في لبنان: إخفاق مهني… أمنياً وإعلامياً. جريدة الأخبار، 30 تشرين الثاني 2017

 زافين قيومجيان. بلا طول سيرة. قناة المستقبل، 2 كانون الأول 2017 http://bit.ly/2Ensix3

 ريما كركي. برنامج للنشر. قناة الجديد، 27 تشرين الثاني 2017

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

 العين بالعين: حلقة التعامل والعملاء. قناة الجديد، 30 تشرين الثاني 2017

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني