“الوصول إلى المعلومات” وإلى قاعة المحكمة: حقان يثيرهما المتضامنون مع الصحافي “محمد زبيب”


2018-01-23    |   

“الوصول إلى المعلومات” وإلى قاعة المحكمة: حقان يثيرهما المتضامنون مع الصحافي “محمد زبيب”

مثل في 22 كانون الثاني 2018 الصحافي في جريدة الأخبار محمد زبيب أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، الرئيسة ضياء مشيمش. وهو يواجه تهم القدح والذم والتحقير، وذلك على خلفية نشر زبيب، عام 2015، على صفحته على الفايسبوك صورة شك صادر عن بنك المدينة باسم وزير الداخلية نهاد المشنوق قيمته تقارب المليون دولار. وقد استعمل زبيب الصورة كدليل على ضلوع المشنوق في عام 2002، في العمليات غير المشروعة التي حصلت في البنك المذكور والتي أدت إلى انهياره وإحالة ملفاته إلى القضاء. بالتزامن مع الجلسة، تجمع عدد من الناشطين/ات والصحافيين/ات والمحامين/ات أمام مبنى قصر العدل، للتضامن مع زبيب والتأكيد على رفضهم لملاحقة كاشفي الفساد، والتدخل بالقضاء، ولأي شكل من أشكال قمع الحريات.

الدعوة إلى التضامن بدأت عبر مواقع التواصل الإجتماعي، وجاء فيها أن "ما قام به الصحافي محمد زبيب، كان في إطار المواجهة السياسية الجارية بيننا (المواطنين الذين تظاهروا في اطار الحراك المدني عام 2015) وبين السلطة، فضلا عن أنه كان واجباً مهنيا عليه وحقا لنا بالمعرفة والوصول الى المعلومات.   لذلك نعتبر أنفسنا معنيين باستكمال هذه المواجهة، ونعلن رفضنا المطلق لمواصلة ملاحقته أمام القضاء، وإصرارنا على حماية كاشفي الفساد من أي تعسف أو اجراءات تنطوي على مجاملة مرفوضة لاصحاب النفوذ".

 

 الحق بالوصول إلى قاعة المحكمة

"الحق بالوصول الى المعلومات" كان واحداً من مطالب المعتصمين، كما بات واضحاً. وهم عندما رفعوا هذا المطلب لم يتوقعوا أن يكون حقهم الطبيعي بالوصول إلى قاعة المحكمة، حيث تكون المحاكمات علنية، قابلاً للتقييد من خارج ما ينص عليه القانون. فوفقاً للقانون، المحاكمات علنية، ما لم يقرر القاضي أن يجعلها سرية في حالات خاصة لمصلحة أطراف الدعوى و لحمايتهم. 

إذن، تقرر إحدى الصحافيات المتضامنات الدخول لحضور الجلسة. عند الباب تعلم الصحافية عناصر الأمن المسؤولين عن تفتيش المواطنين وتسجيل هوياتهم، أنها متجهة إلى القاضي المنفرد الجزائي. ولكن يبدو أن قيام حركة تضامنية مع زبيب، دفع عناصر الأمن إلى تكثيف أسئلتهم للأشخاص الذين سيحضرون مجريات الجلسات أمام القضاة المنفردين الجزائيين. "أي قاض تحديداً؟" سألها عنصر الأمن، ليتأكد إذا كانت تقصد حضور الدعوى المقامة بوجه زبيب، مع العلم أن هذا التفصيل لا يتم السؤال عنه عادةً. عندها عرّفت الصحافية عن نفسها بصفتها المهنية، وهو ما يفترض به أن يسهل وصولها إلى الجلسة، أولاً كون القضية تعني الصحافيين وحرياتهم، وثانياً لتسهيل مهمتها في حال كانت تنوي كتابة تقرير. خلافاً لذلك، طلب منها الإنتظار قليلاً "لأن الصحافيين ممنوع يفوتو هيك، وهم بحاجة لإذن من القضاء" وفقاً لتعبير العنصر. بعد 10 دقائق من الانتظار طلب من الصحافية الخروج خارج مبنى قصر العدل ريثما "نعرف إذا بحقلك الدخول أم لا".

بتدخل من محامين لمعرفة سبب المنع، تم التوضيح أن: "السبب أمني، وتتخذ هذه الإجراءات في حال كان المتوجهون إلى الجلسة نفسها أكثر من عشرة". كما أوضحوا أنهم في هذه الحالة، يتعين على عناصر الأمن الحصول على إذن رئيس مجلس القضاء الأعلى أو رئيس محكمة التمييز، بالإضافة إلى الحصول على موافقة القاضي الذي تعرض الدعوى أمامه". وعليه تم إعلام الصحافيين أنه يمكنهم الدخول من دون كاميرات، وما داموا أقل من عشرة. إلا أن مجموعة الصحافيات اللواتي دخلن عاودن الانتظار من جديد حتى وصول القاضية، وموافقتها على دخولهن.

إلى ذلك، فإن هذا المنع، مثل انتهاكات كثيرة تصيب حقوق المواطنين، يتم تحت عنوان "أسباب أمنية". في حين أن قصر العدل بمفهومه الأساسي هو مساحة عامة يفترض أن يتاح دخول الأفراد إليها بحرية مطلقة ومن دون قيود، لضمان وصولهم إلى العدالة وتمكنهم من مراقبة سير المحاكمات التي تصدر في نهايتها الأحكام باسمه. من هذا المنطلق، لا بد أن تحظى الصحافة بالمزيد من التسهيلات لحضور المحاكمات، كوسيلة لإتاحة المعلومات القضائية للمواطنين وإدخالهم في النقاش الحقوقي. لكن، يبدو أنه يتم التعامل مع الدخول إلى قاعة المحكمة، كما الأماكن العامة في موضوع التجمع. فهل بات حضور مجموعة إلى قاعة محكمة لمراقبة مجرياتها يخضع لنظام الترخيص أيضاً؟ وهل يفترض بالمواطنين أن يتقدموا بعلم وخبر سابق على حضورهم إلى قاعة المحكمة في كل مرة يكون عددهم فيها أكثر من عشرة أشخاص؟ أم أن خصوصية الدعوى والخصم النافذ فيها، تستدعي ترك المتضامنين تحت وطأة الشعور بكونهم رهن المراقبة والقيود؟

على العكس من ذلك، جاء التشدد على دخول الصحافيين في سياق مثول زميلهم أمام القاضي الجزائي على خلفية قيامه بعمله المهني بكشف الفساد.

 

مجريات الجلسة

تقدم وكيل زبيب المحامي نزار صاغية بمذكرة دفوع شكلية، طلب فيها رد الدعوى شكلاً، مع طلب الاحتفاظ بحق الجهة المدعى عليها كاملاً بالمرافعة. وقد إستند في طلبه رد الدعوى شكلاً إلى السببين الآتيين:

         مباشرة الدعوى من قبل جهة غير ذي صفة.

 فقد تمت "مباشرة الدعوى من  قبل النيابة العامة فيما هي تتعلق بصفقة عقارية أجراها وزير الداخلية قبل توليه الوزارة. ولا يمكن مباشرة دعوى عامة في خصوص الجرم المدعى به (القدح والذم والتشهير) ما لم يتقدم بها المتضرر نفسه. لا سيما أن الفعل موضوع الذم لا يتصل بالوظيفة العامة، حتى إن اتصل بشخصية عامة من حق الناس أن يعرفوا مدى مصداقيتها وتجريدها وكفاءتها في إدارة الشأن العام". هذا وتؤكد المذكرة أنه "لا يرد على هذه المسألة أن الوزير سبق أن تقدم بشكوى إلى النيابة العامة التمييزية، طالما أن هذه الشكوى سقطت برد الدعوى أمام محكمة المطبوعات، ولم يعد وزير الداخلية ليجدد دعواه مذ ذاك".

         غياب عناصر جرم التحقير

في هذا السياق تشير المذكرة إلى أن "التحقير يفترض أن يتصل بتوجيه عبارات تحط من قدر الشخص في إطار ممارسته وظيفة عامة او معرض قيامه بها". غير أن "عناصر هذا الجرم غير متوفرة في القضية، لكون التصريح المدعى به تناول أفعالا قام بها الوزير قبل توليه الوزارة".

وقد أوضح صاغية أن للدفوع الشكلية أهمية خاصة إذ أنها تتصل بدور النيابة العامة والتي يفترض بها أن تقوم أولا بالدفاع عن الصالح العام، وليس الدفاع عن سياسي قد يتعرض لانتقادات بمعزل عن صحتها. 

 

زبيب: هذه معركة حقوق

بعد خروجه من المحكمة تحدث زبيب عن أهمية هذه "المعركة" من وجهة نظره. ذلك أنه يخوضها وهو "مقتنع أن هذه القضية أساسها ثابت ومتين ولا بد من كسبها حتى نثبت أن حقنا بالوصول إلى المعلومات ونشرها وتعميمها وبالتالي كشف كل فساد من أجل تحقيق المصلحة العامة". أما عن دور النيابة العامة البارز في هذه القضية، فيعبر زبيب عن ارتيابه "من الإجراءات التي قامت بها النيابة العامة التمييزية بالادعاء مجدداً أمام القاضي المنفرد الجزائي من دون أن يكون هناك شكوى جديدة ممن يعتبر نفسه متضرراً (أي المشنوق)". في هذا السياق ينتهي زبيب إلى طرح تساؤلات حول هذا دور هذه الجهة القضائية: "هل النيابة العامة قررت أن تكون حارس النافذين والسياسيين وبالتالي تقوم بأدوار هؤلاء من دون أن يكونوا مضطرين هم للدفاع عن أنفسهم؟".

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني