المحكمة الادارية ترسم حدود الفصل بين السلطات في تونس: لا حصانة للتأسيسي ولا وصاية عليه


2013-06-11    |   

المحكمة الادارية ترسم حدود الفصل بين السلطات في تونس: لا حصانة للتأسيسي ولا وصاية عليه

بتاريخ 06 جوان 2013، أصدرت الدائرة الابتدائية الخامسة بالمحكمة الإدارية حكمها في القضية التي رفعها رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الانسان طعنا في مبادرة عدد من الكتل النيابية بالمجلس الوطني التأسيسي الى تقديم مشروع قانون التحصين السياسي للثورة.
كان الحكم برفض الدعوى لعدم الاختصاص الحكمي بنظر موضوعها اذ اعتبرت المحكمة أنها لا تختص حكميا بالنظر في الأعمال التشريعية للمجلس الوطني التأسيسي احتراما لمبدأ الفصل بين السلط. وقد تزامن التصريح بالحكم في القضية مع حدثين هامين: أولهما، اعلان 23 نائبا من أعضاء المجلس الوطني التأسيسي عن رفعهم لقضية بالمحكمة الادارية بغاية ايقاف تنفيذ نتائج أعمال لجنة الصياغة والتنسيق بالمجلس الوطني التأسيسي، وثانيهما حالة الامتعاض التي عبر عنها عدد من السياسيين من أحكام المحكمة الادارية التي تعلقت بأعمال ادارية للمجلس الوطني التأسيسي. يعطي التزامن بين الحكم والأحداث الطارئة السالف ذكرها للقرار القضائي قيمة مضافة رغم أنه يبدو في منطوقه حكما عاديا لا يتضمن ارساء لمبادئ فقه قضائية جديدة، اذ يجعله كاشفا لتصور المحكمة الادارية لدورها في المرحلة الانتقالية في مقابل الاحتجاجات المتواترة على تصديها للقرارات الادارية التي تخرق الشرعية وفي مواجهة سعي السياسيين الى جرها الى حلبة صراعاتهم.
فقد أكدت المحكمة في قرارها على مسألتين أولهما صريحة، وتمثلت في تمسكها برفض الانحراف عن دورها القانوني استجابة لرغبة الأطراف السياسية التي تسعى الى استغلال جرأتها واستقلاليتها لتحويل التهديد بالالتجاء اليها الى ورقة للضغط السياسي. وهذا الموقف انما يعكس في الآن نفسه موقفا مبدئيا للمحكمة من النزاع الذي طرحه عليها نواب المجلس التأسيسي بخصوص أعمال لجنة الصياغة والتنسيق المشار اليها أعلاه في إطار حرب المواقع التي يخوضونها صلب مجلسهم وفي إطار أعبائهم التأسيسية.  وثانيهما ضمنية، ويستشف من مستندات الحكم ومؤداها أن تدخل المحكمة في الكرات السابقة لم يكن الا تطبيقا لاختصاصها بمراقبة شرعية القرارات الادارية بما ينفي تماما فكرة الحصانة الكاملة لأعمال المجلس التأسيسي عن الرقابة القضائية ويبين في الآن نفسه حدود هذه الرقابة.
ويمكن بالتالي اعتبار حكم المحكمة الادارية في قضية مشروع قانون التحصين السياسي للثورة حكما مبدئيا يكشف لكافة الأطراف المعنية تصور المحكمة لحدود ولايتها القضائية على أعمال السلطة التأسيسية. فبعد أن تمسكت المحكمة الادارية في نزاعات سابقة بصلاحياتها القانونية في اجراء رقابة الشرعية على الأعمال الادارية للمجلس التأسيسي فأبطلت قرار رئيس المجلس الوطني التأسيسي اقرار زيادات أجور النواب بشكل يخالف القوانين السارية وعادت لتوقف أعمال لجنة فرز الترشحات لعضوية الهيئة المستقلة للانتخابات لخرقها للقانون وارسائها لقواعد غير شفافة، عادت المحكمة لتؤكد أنها لا تسعى الى فرض سلطتها على المجلس الوطني التأسيسي كما ادعى بعض أعضائه. فقد أكدت المحكمة الادارية في حكمها على مبادئ أساسية تنظم عملها وقد يساعد ذلك النخبة السياسية التي ما زالت ترفض استقلال القضاء بدعوى الخشية من تسلط القضاة على فهم أهمية التأسيس لدولة القانون، فالقضاء المستقل ليس ذلك الذي يسعى الى السيطرة على المشهد العام بل هو القضاء الذي يدافع عن سيادة القانون في مختلف دواليب الدولة بما في ذلك القضاء ذاته.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني