بتاريخ 8 كانون الثاني 2018، انعقدت جلسة مرافعة في قضية التخابر غير الشرعي التي تطال شركة ستوديو فيزيون التي يرأسها ميشال غبريال المر. وقد مثل المر إلى جانب وكيليه غسان زيدان وإيلي الفرزلي الموكل بالترافع في القضية، أمام القاضي المنفرد الجزائي في المتن منصور القاعي. ويشار إلى أن هذه الجلسة هي الثانية التي يعقدها القاضي القاعي بعدما كان القاضي ربيع معلوف يتولى النظر فيها سابقا، قبلما يتم نقله بموجب التشكيلات القضائية. ويلحظ أن الجلسة ما قبل الأخيرة خصصت للاستماع إلى مدير فني في هيئة أوجيرو، واكتفى القاعي بالاستجوابات التي قررها معلوف من دون استدعاء أي جهة أخرى لاستجوابها في هذا الملف. وعليه أرجئت الدعوى آنذاك للمرافعة في الجلسة الأخيرة.

وللتذكير، فإن ستوديو فيزيون تمثل منذ نحو السنة أمام القاضي المنفرد الجزائي في المتن، وذلك بعد ادعاء النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم في أيلول 2016 على الشركة بتهمة هدر المال العام. وقد ادعى إبراهيم حينها جراء شبهات طالت الشركة بإمكانية قيامها بتخابر دولي غير شرعي، بعدما حرّك القضية وزير الاتصالات السابق بطرس حرب بموجب تقرير قدمه لمجلس الوزراء في تموز 2016. وإذ جاء في التقرير أن “ستوديو فيزيون تقرصن 4000 مكالمة يومياً، فإن القرصنة كانت تتم وفقه من خلال استخدام الشركة لخطوط E1  التي تشكل وحدة قياس تعادل نحو 30 خطاً في الشبكة الثابتة كانت قد استحصلت عليها في العام 2012[1]“. وجاء في تقرير حرب أن شركة المر تقوم باتصالات كثيفة على مدار الساعة وفي ساعات متأخرة من الليل، الأمر الذي رجحته هيئة أوجيرو أنه تخابر غير شرعي. وقد رصدت تحقيقات أوجيرو أن شركة المر قامت باتصالات هائلة لشركات وفنادق وسفارات عدة خلال عامي 2014 و2015. وقد رجح تقرير حرب بأن شركة المر تقوم بتخابر غير شرعي عبر إنشاء منصة لتغيير منشأ حركة الاتصالات الدولية الواردة إلى لبنان. بالتالي يتم تمرير الاتصالات إلى المشتركين اللبنانيين عبر خطوط ستوديو فيزيون التي تتمتع بخدمة الكلير التي تخفي الرقم الهاتفي عن المتلقي. ويذكر أن المر كان قد أدلى في جلسات سابقة بحجتين: أن الاتصالات الكثيفة التي تجري على مدار الساعة هي عبارة عن عملية استطلاع رأي عن برامج تلفزيون الـ MTV بالتعاون مع ثلاث شركات إحصاء. وأن موظفيه يقومون باستعمال الهواتف بصورة حرة، مستخدماً هذا الأمر كتبرير للاتصالات المتكررة لجهات محددة خلال النهار وفي ساعات متأخرة من الليل. وهذا الأمر عززه الفرزلي في جلسة 24/2/2017 حيث ساق تبرير المر بجملة عبر فيها عن التهاون في السماح للموظفين باستعمال الهواتف إذ قال: إذا في واحد بالليل قاعد يحكي مع إحداهن 30 مرة أو 40 مرة ليش لأتحمل مسؤولية؟” وكان قد مثل أمام المحكمة ممثلو ثلاث شركات إحصاء كان قد تعاون معهم المر بهدف استطلاع الرأي، وأدلوا جميعهم أن عملية الإحصاء كانت تجري داخل مكاتب الشركة ويستعملون هواتفها. وأدلت شركتان بأنها أبرمتا عقوداً شفهية مع شركة المر مقابل توفير مساحة لهما على شاشة MTV بهدف القيام بالإعلانات. وأما المفوض بالتوقيع عن الشركة الثالثة كان قد أدلى بأنه قد عقد اتفاقا خطياً مع المر مقابل أرباح مادية.

مرافعة الفرزلي: “قضية ملفقة من حرب ويوسف على الشركة

وبالعودة إلى أحداث الجلسة، نلحظ أن محامي الدولة مصطفى قبلان قد تغيب عن الجلسة لأسباب صحية بحسب ما أدلى به ممثل عنه في المحكمة. وقد حاول ممثل قبلان أن يقنع القاضي بإرجاء موعد المرافعة إلى حين عودة قبلان، إلّا أن القاضي لم يجد ما يبرر غيابه بسبب عدم ثبوت الحالة الطبية بتقرير طبي وفقاً لما تفتضيه الأصول القانونية. وعليه، قرر القاضي المضي في المرافعة ومنح الدولة مهلة أسبوعين لتقديم مذكرة خطية قبل إصدار الحكم في هذه القضية، والذي حدد تاريخه في 5 شباط 2018. وقد ركز الفرزلي في مرافعته على أمرين أساسيين: أولاً صوب سهامه نحو وزير الاتصالات السابق بطرس حرب ورئيس هيئة أوجيرو السابق عبد المنعم يوسف. ثانياً، حول الموضوع إلى قضية “استهداف الإعلام نظيف الكف الذي يساهم في صناعة الرأي العام المتعلق بسيادة لبنان”.

قبل كل شيء، استهل الفرزلي مرافعته في إرسال سهام بدت وكأنها موجهة للقاضي معلوف دون أن يسميه بالاسم، فمعلوف كان القاضي الذي استلم ملف استديو فيزيون لدى ادعاء النيابة العامة عليها. وقد وجه الفرزلي ثناء للقاضي القاعي على البت بالمرافعة من أول جلسة عقدها بعد معلوف في هذه القضية. كما لمح في كلامه إلى ما اعتبره “مماطلة” في ملف ستوديو فيزيون، إذ قال: “مع كل الاحترام للجهد الذي بذله القاضي الذي سبق في هذه القضية، كيف جلس هذا الملف على هذه المنصة بادعاء من النيابة العامة المالية دون إجراء أي تحقيق كي يتم تكوين ملف حقيقي”. يُذكر أن القاضي معلوف كان قد خصص الجلسات السابقة لاستجواب أطراف عدة في هذه القضية، لا سيما ممثلين عن شركات الإحصاء التي تعاونت معهم ستوديو فيزيون بالإضافة إلى ممثلين عن عدة جهات كانوا قد تلقوا اتصالات من هواتف الشركة، وموظفين من هيئة أوجيرو (راجع المقال).

بالعودة إلى المرافعة، ذهبت سهام الفرزلي إلى استعادة ما كان يكرره في أغلب الجلسات، وهي الغاية الكيدية التي دفعت حرب ويوسف لتلفيق تهمة لستوديو فيزيون. إذ اعتبر أن قضية “ستوديو فيزيون هي تلفيق وافتراءات لتغطية ما ارتكبوه وكل ما تتهم به الشركة هو اتهام باطل”. كما أدلى الفرزلي أن “المحكمة استندت إلى تقرير أعده عبد المنعم يوسف والوزير حرب”، معتبراً أن يوسف “فار من وجه العدالة ومتهم بهدر المال العام وبأعمال أخرى منافية للقانون”. ثم انتقد الفرزلي تقرير حرب الذي جاء في مطلعه أنه “هناك شك في كمية المخابرات التي تقوم بها شركة ستوديو فيزيون، فبسبب تلك الشكوك قام معاليه بتحريك الملف”.

وتأكيدا على هذه الكيدية، ذكر الفرزلي بالحملة التي شنتها شاشة المر على وزارة الاتصالات حيث “كشفت من خلالها هدراً للمال العام يطال الوزير حرب ويوسف”. وحمّل الفرزلي وزارة الاتصالات ويوسف مسؤولية فساد قائم بالنسبة للخطوط الثابتة، إذ أشار إلى أن الشبكة الثابتة تحتوي على 900 ألف خط لا يستعمل منها إلا 500 ألف، والباقي عبارة عن 400 ألف خط استعملوا في السوق السوداء لمنفعة أشخاص لم يذكر أسماءهم. لذلك، استعاد الفرزلي تصريحا لوزير الاتصالات الحالي جمال الجراح في تاريخ 23 أيار 2017 والذي جاء خلفاً لحرب لجهة أن “قضية ستوديو فيزيون في ملف التخابر غير الشرعي تم تلفيقها للإلهاء عن قضية الإنترنت غير الشرعي[2]“. لذلك، اعتبر الفرزلي أن التهمة تم حبكها لستوديو فيزيون بعدما فشل حرب ويوسف في تلبيس الشركة تهمة مدّ إنترنت غير شرعي من قبرص عبر محطة في مركز الزعرور للتزلج[3]. كما أشار إلى أن “النيابة العامة قامت بحفظ الدعوى حينها وتبين أنه لا أساس لها من الصحة”[4].

ثم عاد الفرزلي إلى تبرير كثافة الاتصالات التي قامت بها ستوديو فيزيون بين العامين 2012 و2014 بعمليات الإحصاء، قائلا: “قامت ستوديو فيزيون في العام 2013 بطلب الحصول على خط هاتفي يتمتع بخدمة كلير لغاية القيام بعمليات الإحصاءات”. وقد قامت الشركة بهذه الخطوة وفقاً للفرزلي “بسبب شكوك بالتقارير التي تقوم بها شركة الإحصاء إيبسوس لصالح تلفزيونات أخرى إذ تظهر فيها هذا التلفزيون أفضل من ذاك”. من هذا المنطلق لفت الفرزلي إلى أنه “لو سلمنا جدلاً أن تخابراً غير شرعياً يحصل في ستوديو فيزيون، أليس من المفترض أن يتم مداهمة الشركة لكشف الأمر أثناء حدوثه؟”.

الإعلام المستهدف.. مادة شماعة تلصق في قضايا شبهات الفساد

وحيث أن كليشيه “الإعلام المستهدف” أصبح شماعة للصق في أغلب القضايا التي تطال صحافيين ومالكي وسائل إعلام وإن كانت قضايا شبهات فساد، تعمد الفرزلي ربط الموضوع بالتعرض للإعلام، بالإضافة إلى تعريض MTV لشتى أنواع “الاضطهاد” وفقاً لتعبيره. إذ قال “شاؤوا لهذه السلطة الإعلامية أن تسقط عبر اتهامها بسرقة المال العام”. ثم سأل: “كيف لوسيلة إعلامية أن تنطق بالإصلاح وهي متهمة بسرقة المال العام؟”.


[1] ستيديو فيجن: سرقة أموال الدولة بـ “العملة الصعبة”، فراس الشوفي، الخميس 5 كانون الثاني 2017، جريدة الأخبار العدد ،3072 https://goo.gl/CIpn1n.

[2]  الجراح يوضح بالفيديو قضية ستوديو فيزيون تم تلفيقها للتغطية على قضايا أخرى، MTV، 23 أيار 2017، https://goo.gl/vinXKM.

[3]  القضاء العسكري يثبت: محطة إنترنت غير شرعية في “الزعرور”، الأخبار، العدد 3036 الخميس 17 تشرين الثاني 2016، https://goo.gl/UbGVqf.

 [4]  المر: القضاء برأ الزعرور وصكت حرب مشبوه، MTV، 13 أيار 2017، https://goo.gl/JF56Nx.