“النهار” أمام القضاء: لست بحاجة لإنذار موظفين يعلمون بضائقتي المالية


2017-12-15    |   

“النهار” أمام القضاء: لست بحاجة لإنذار موظفين يعلمون بضائقتي المالية

عرفت الصحافة المكتوبة اللبنانية، أزمة كبيرة عام 2017. ومن بين أبرز تجليات هذه الأزمة كانت قضية موظفي جريدة النهار. فقد انتشر خلال شهر كانون الأول 2016 خبر مفاده صرف مئة موظف من الجريدة، بعد أن امتنعت الأخيرة  لما يزيد عن السنة عن تسديد رواتبهم. الصرف تم بشكل مقنّع، حيث ألزمتهم بموجب كتاب وجهته إليهم بعدم الحضور إلى مكاتبهم على أن يحتسب غيابهم من ضمن عطلتهم السنوية. وقد بررت الإدارة طلبها بـ “استمرار شركة النهار بالبحث عن كيفية معالجة الأزمة المالية التي تعاني منها منذ فترة طويلة”. خلافاً لمضمون الكتاب الذي أشار إلى الموظفين أن لا يفهموه بأي شكل على أنه قرار بصرفهم، تلقوا جميعهم عرضاً بالحصول على رواتبهم مقابل عدم المطالبة بحقوقهم أمام القضاء. أمام هذا العرض انقسم الموظفون للمرة الأولى، تحت وطأة الأعباء المادية المتراكمة عليهم، وقبلت الأغلبية. 29 موظف رفضوا هذه المساومة مفضلين التوجه إلى وزارة العمل. هناك دارت مفاوضات بين الموظفين ممثلين بالمحامي أكرم عازوري، وإدارة الجريدة. انتهت المفاوضات إلى قبول 20 منهم بتسوية مفادها قبض رواتبهم بالإضافة إلى تعويض أشهر الإنذار مقابل التنازل عن المطالبة بتعويضات أخرى بوجه النهار. بالنتيجة، بقيت مجموعة من 9 موظفين تمسكوا بحقهم بالحصول على رواتبهم المتأخرة فقط، محتفظين بحقهم بمراجعة القضاء بالنسبة لبدل الإنذار وتعويض الصرف التعسفي.

وعليه، انتقل الموظفون التسعة إلى القضاء المختص- مجلس العمل التحكيمي- في شهر شباط 2017. حيث انحصر موضوع الدعوى بالمطالبة ببدل الإنذار وتعويض الصرف التعسفي، من دون الرواتب المتأخرة التي تعهدت النهار بدفعها في إطار الوساطة. وبما أن الدعوى الجماعية غير ممكنة أمام مجلس العمل التحكيمي، انقسمت ملفات الدعوى بين غرفتين، تستمران بالنظر في القضية، حيث أحيلت الملفات مؤخراً لمطالعة مفوض الحكومة. وقد أرجئت المحاكمة في القضايا المختلفة إلى تاريخ 21 كانون الأول 2017 و23 كانون ثاني 2018.

مجريات القضية

إذن تقدم الموظفون الـ 29 بتاريخ 4 كانون ثاني 2017 بشكوى إلى وزارة العمل تضمنت طلبهم اتخاذ التدابير اللازمة لقبض رواتبهم المتراكمة. ويتبين من استحضار الدعاوى القضائية التي رفعها الموظفون بتاريخ 23 شباط 2017 أن شركة النهار عادت اتخذت مجموعة من الاجراءات إثر شكوى الموظفين أمام وزارة العمل، أهمها إعلان نيتها بالصرف الاقتصادي للعاملين بتاريخ 10 كانون الثاني 2017 على أساس المادة 50 (و) من قانون العمل. ويهدف هذا الإجراء إلى التنصل من مسؤولية تسديد تعويضات صرف تعسفي على أساس أن الصرف حصل لأسباب اقتصادية. إلا أن الشركة عادت وقبل انتهاء مهلة شهر (وهي مهلة للتشاور مع وزارة العمل بشأن الصرف الاقتصادي)، بتاريخ 1 شباط 2017 وأبلغت مؤسسة الضمان الإجتماعي بانتهاء العقود مع موظفيها لشطبهم.

صرف اقتصادي أم مقنع؟

فيما يطالب الموظفون بتسديد تعويضات عن صرفهم تعسفياً، تتمسك النهار بانطباق شروط الصرف الاقتصادي على حالتها.

وتعتبر الجهة المدعية أن النهار” وضعت نفسها بنفسها خارج أحكام الصرف الاقتصادي”، وذلك عندما “لم تنتظر مهلة الشهر الإلزامية على كتابها التشاوري إلى وزارة العمل، بل أقدمت على تنفيذ مناورة غش تمثلت بالصرف من العمل من دون التقيد بفترة الإنذار المسبق، ومن دون إعلام الجهة المدعية عن انتهاء مفاعيل عقد عملها، واستمرت بعد الصرف السرّي بالتشاور العلني على الصرف بعد حصوله”. وبذلك، تكون النهار قد أخلت بشرط جوهري – وهو القيام بالإجراءات المحددة في المادة 50 و من قانون العمل – يمنعها وفق اجتهاد ثابت عن التذرع بهذه المادة للتنصل من تسديد تعويضات الصرف التعسفي.  وهو ما وصفته الجهة المدعية أيضاً بأنه “محاولة ملتوية حرمان العاملين من حقهم بمراجعة القضاء بهدف إثبات صرفهم تعسفياً، ومنعهم من المطالبة بالتعويضات”.  كما تقدم الجهة المدعية بدورها الإثبات على عدم صحة “البيانات المالية” التي أبرزتها النهار. فهي وفقاً لما تضمنته لوائح هذه الجهة، “مبنية على تخمين غير دقيق لأصول الشركة”. فيتبين على سبيل المثال أن “سعر الكيلو متر المربع بالنسبة للعقارات المقدر ثمنها مخفض”. فقد “احتسبت قيمة الأبنية في الميزانيات على أساس أن سعر المتر المربع هو 2.700 دولار أمريكي، في حين أن سعرر المتر المربع في وسط بيروت لا يقل عن 8000 دولار أمريكي كحد ادنى”. كما أن “بعض البيانات المتعلقة بأموال مملوكة من قبل شركة النهار غير واردة في مستند البيانات المالية للمؤسسة”. هذا بالإضافة إلى أن حجة الكساد لا تنطبق على حالة النهار حيث أن “إيرادات المبيعات والاشتراكات والإعلانات لم تتراجع، بالمقارنة بين حساب الأرباح والخسائر للعامين 2014 و2015″، كما أن “شركة النهار تقوم بتوظيفات جديدة” وفقاً لما ورد في اللوائح الجوابية للجهة المدعية. بالنتيجة يطلب الموظفين من مجلس العمل التحكيمي “الحكم بأقصى تعويض للموظفين، نظراً لسوء نية شركة النهار عبر لجوئها إلى الصرف المقنع.

هذا ويتبين من لائحة النهار الجوابية أن وزارة العمل كانت قد “وافقت على إنهاء عقد عمل المدعي وزملائه نافياً أن يكون صرفاً تعسفياً”. كما اعتبر التقرير “أن شروط المادة 50 من قانون العمل وفقرتها (و) منطبقة على الشركة المستدعية”. وقد استندت الوزارة، عند اتخاذها هذا القرار “إلى الميزانيات المبرزة”. كما إلى “معاناة معظم الصحافة الورقية في لبنان من الكساد ومن الخسائر التي يمكن ملاحظتها”. اللافت في دفاع النهار عن نفسها، بالإضافة إلى ما تقدم، أنها تستند إلى عدم تنفيذها لواجباتها التعاقدية تجاه موظفيها كحجة ضدهم.  فهي تعتبر أنها لم تكن بحاجة إلى “إنذار عمالها قبل مهلة من صرفهم كونهم كانوا على علم ويقين بوضع الجهة المدعى عليها المالي المتأزم بحكم عدم تسديد الرواتب”، وذلك خلال ما يزيد عن سنة، وعلى الرغم من ذلك لم يتقدموا بأية معاملات قضائية متاحة له بموجب قانون العمل اللبناني.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني