رئيس محكمة بيروت الشرعية للموحدين الدروز: مع القانون الذي يحمي الطفل ولو طبقه قاضي الأحداث


2017-12-15    |   

رئيس محكمة بيروت الشرعية للموحدين الدروز: مع القانون الذي يحمي الطفل ولو طبقه قاضي الأحداث

عادةً ما يتم البحث، مع كل تعديل قانوني، عن مصادر التطوير المرجو فيه. ومن ضمن ما يدقق فيه، اجتهادات القضاة وتفسيراتهم للنص القديم. هذا الدور للاجتهاد، يتقلص في المحاكم الدينية، لأسباب عديدة تتعلق في أساسها بقدسية النص وتعامل القضاة معه من هذه الزاوية حصراً، مع فصله عن أي قانون مدني وضعي. هذا بالإضافة إلى هيمنة واسعة للمنظومة الذكورية ضمن هذه المحاكم.

خلافاً لهذا النمط، يبرز رئيس محكمة بيروت الشرعية لطائفة الموحدين الدروز القاضي نصوح حيدر كـ “مشاكس ونصير للعدالة” كما يصف نفسه. استلم حيدر مركزه هذا منذ 20 سنة، وقد كان له اجتهادات ومواقف داعمة لمطالب المرأة الدرزية، التي تمكنت في النهاية من تعديل قانون الأحوال الشخصية لطائفة الدروز.

المفكرة قابلت حيدر، واستمعت إلى رأيه حول تعديل قانون الأحوال الشخصية وحول دور القاضي الشرعي الدرزي في إقرار هذا التعديل.

المفكرة: ما هو الدور الذي لعبه القضاة الشرعيون في طائفة الموحدين الدروز بالنسبة لتعديل القانون؟

حيدر: منذ 25 سنة بدأت أسمع أن النساء والأطفال يشتكون من واقع القانون الشخصي وصدور الأحكام التي تحرمهم من بعض الحقوق. وكان ذلك قبل توليّ المحكمة بخمس سنوات. خلال ندوة دُعيت إليها وقتها، أعربت رئيسة جمعية التوعية الإجتماعية الخيرية مي أبو حمدان عن قلقها مما تتعرض له المرأة من إجحاف. خلال هذه الفترة، كان هناك اجتهادات تدعم حقوق النساء، وهي على الرغم من ضآلتها، شجعت النساء على رفع الصوت. ولكن بالمقابل، هذه المطالبات والاجتهادات على حد سواء جوبهت بمعارضة كبيرة. ما لا يمكن فهمه، ما الذي يمنع أن يعدل أو يقترح قانون كل يوم؟ فالإنسان يضع القوانين الوضعية، أما القوانين السماوية فلا تأخذ بها الجمهورية اللبنانية، لأنها دولة مدنية. صحيح أن الدستور أعطى الطوائف حرية النظر بشؤون العائلة، لكنه- أي الدستور- يقر بحرية التطور وحرية وجود الإنسان وحقوقه.

التعديل تطرق إلى مواضيع عديدة، منها المهر، وأيضاً إرث الفتاة، وتعديلات أخرى كلها تمت ببساطة. التعديل الوحيد الذي اعتبرنه النساء انتصارا هو سن الحضانة. وبالعودة إلى دور المحكمة، وخلال الفترة السابقة للتعديل، صدرت اجتهادات عديدة خالفت الاتجاه السائد، وساهمت في تحقيقه. وكانت في مواضيع مختلفة:

المهر

يقال أن القاضي المذهبي في بيروت هو نصير المرأة وأنا أقول صححوا كلامكم، أنا نصير الحق والعدالة. ولكن ماذا أفعل إن كانت المرأة جناحاً مكسوراً وضعيفة الشأن لا تستطيع أن تدافع عن نفسها وأن تجابه واقعنا هذا. في محكمتي، خالفت الاتجاه المؤيد لتخفيض مؤخر المهر. حيث أن المهر ضمانة مالية للمرأة يلتزم بها الرجل عند الزواج.

الحضانة

قبل تعديل القانون، كان عمر حضانة الصبي من أمه سبع سنوات، والفتاة تسعة. وكان أول ما يفعله الزوج عند وقوع خلاف تهديدها بانتزاع الأولاد منها. وعادةً ما كانت النساء تتنازل للزوج عن كامل حقوقها منه، مقابل أن تحتفظ بحضانة أولادها. حتى كن يتنازلن عن النفقة الواجبة للأولاد. النساء كن يأتين باكيات إلى المحكمة.

هنا برز دور الاجتهاد. من جهتي كنت أقف بوجه هذه الظاهرة. ففي إحدى القضايا التي اختطف فيها الأب إبنه إلى الكويت، قلت ضمن تعليل القرار أن “المعروف قانوناً وفقها واجتهادا أن الحضانة هي ليست حقاً مقتصراً على المحضون للتدريب على القيام بخدمة ذاته بل هو حق محفوظ للأم الصالحة المتوفرة فيها كامل الأهلية بإقامة أواصر الأمومة وتعزيز علاقتها بابنها وزرع الاطمئنان في روحه وهذا الأمر ينعكس على منطقة في فهم أمور الحياة”.  وقد ذهبت في العديد من القرارات إلى تمديد سن الحضانة حتى 15 أو سن الرشد القانوني.

قانوننا الشخصي يشير إلى إمكانية اللجوء إلى المذهب الحنفي بالنسبة لأي شأن لا يتطرق له النص القانوني.  والأحناف يجيزون “تمديد سن الحضانة بالنظر إلى حال المحضون والمحضونة ومصلحتهم. فلو رأى القاضي أن مصلحة الصغير تستوجب بقاءه في يد حاضنته قرر تمديد هذه المدة حتى يبلغ الصغير سن التاسعة وتبلغ الصغيرة سن الحادية عشرة”. أيضاً يقر الأحناف بمبدأ تمديد سن الحضانة إلى سن البلوغ أي عمر الخامسة عشر بحسب الشريعة الإسلامية .إذن كنا نأخذ بهذه الاجتهادات ونقف بوجه من يريد أن يستغل المرأة والزوجة بالتنكيل بها والتشهير بها ومحاولة إخضاعها بأولادها.

هذه القرارات كانت تفسخ في الإستئناف، ويؤخذ عليّ أني اجتهدت في معرض النص.

على أهمية كل النضال والاجتهاد، لا بد من القول أنه لم يكن هناك مجال لتعديل هذا القانون لو لم يتدخل أحد الزعماء السياسيين هو وليد بيك جنبلاط وزوجته نورا. فقد بقيت النساء تطالب طيلة 25 سنة، إلى أن اجتمعوا به وأعطاهم وعدا.

المفكرة: ما رأيك بمعيار العمر لتحديد سن الحضانة، وكيف يتفق هذا المعيار مع معيار مصلحة الطفل الوارد في الأسباب الموجبة للقانون؟

حيدر: العمر تحديد فقهي، مبني على الفهم الاجتماعي الذكوري لفكرة البنوة. وهذا التحديد يستند إلى أن الصبي يصبح في سن السابعة قادراً على الاستغناء عن والدته في الطعام والنظافة. وعندها يستطيع أن يقف إلى جانب والده ليستعمله في المعركة أو يعمل معه في الحقل أي لاستغلاله. أما الفتاة، يستند هذا الاتجاه إلى أنها بعمر التسع سنوات تصبح قابلة للزواج. هذا حرام وألف حرام. يجب أن تبلغ سن الرشد أقله. إلى ذلك، الحديث النبوي الشريف نفسه لم يحدد مدة لتسليم الولد إلى أبيه بل قال للأم التي استنجدت به عند تطليق زوجها لها، أنها الحاضنة “ما لم تتزوجي”.

البحث عن العدالة يقتضي أن  لا نبحث في صدد مسألة الحضانة عن الإستمرار البيولوجي للطفل. فأي سن محدد بشكل ثابت في هذا المجال يبقينا مخطئين. فالطفل ليس مجرد امتدادا بيولوجيا لعائلته، ولا هو منتج بيولوجي لوالديه. فإذا كان الطفل يفضل الذهاب إلى  أمه أو إلى أبيه ليعيش باستقرار، لماذا نضعه بين أخصائي اجتماعي يحدد أين استقراره. فلو كان عمره 15 سنة واستقراره إلى جانب أمه، فليبقى معها. تحديد السن أمر متخلف فهو بيولوجي. على الرغم من ذلك، فإن عمر الـ 12 و14 يشكلان انتصارا مهما جداً للأم والمرأة وهذا الأمر لم نكن نتوقع أن يتم تعديله بوجه الصراخ المتعالي من البعض الرافض له.

المفكرة: كيف يحدد الإجتهاد معيار الأم الصالحة؟

حيدر: الأم الصالحة هي الأم الرصينة المتزنة العاقلة الأمينة على الأموال وعلى حياتها وحسنة التربية والسلوك والتي لا شوائب على تصرفاتها وأقوالها في المجتمع. والأم الصالحة ليس بالضرورة الأم المؤمنة. أنا لا يعنيني أمر إيمانها. فهي طالما تخضع لهذا القانون تكون بالطبع من أبناء طائفة الموحدين الدروز. ولكن هل يشترط أن تكون مؤمنة بالتعاليم والاجتهادات الدينية؟ نحن لا نقيم وزناً للطقوس والمرأة المتزنة حتى لو لم تكن مؤمنة بالتعاليم قد تكون أفضل من امرأة مؤمنة وتظهر إيمانها ولكن مجحفة بحق أبنائها.

المفكرة: الأسباب الموجبة للقانون تنشئ رابطا بينه وبين الدستور اللبناني، وهي سابقة فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية الطائفية. هل تعتقد أنه من المقبول بالنسبة للمحاكم الشرعية أن تلجأ إلى الاتفاقيات الدولية المذكورة في الدستور لحماية حقوق المتقاضين؟  

حيدر: أنا أؤيد أي قانون يحمي الطفل ويعدل معه. فنحن نحترم القوانين والمعاهدات الدولية. ولا مانع أن يكون هناك جسور امتداد وتعاون بينه وبين القوانين الأخرى لتحقيق العدالة. في هذا السياق لدي توجه يعارضني زملائي بشأنه. فعندما أرى نفسي عاجزاً عن حماية الطفل ضمن إطار قانون الأحوال الشخصية، لا أمانع أن يذهب الطفل إلى قاضي الأحداث (القاضي المدني) المختص بحمايته.

يجب أن نسعى جميعاً لإعطاء الإنسان حرية التفكير وانتزاعه من الاستعباد ومن الأفكار والمواقف المسبقة. يجب أن يكون لكل قضية شأنها فلماذا أسوق كل القضايا على نفس النمط؟ فكل ولد له حياته. وكل امرأة لها تربيتها. وكل رجل له تربيته. الإنسان هو نور الله، متى احترمنا الإنسان احترمنا الله.

نشر هذا المقال في العدد | 52|كانون الأول 2017، من مجلة المفكرة القانونية | لبنان |. لقراءة العدد اضغطوا على الرابط أدناه :

“قوانين الطوائف في مغازل النساء”

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني