أوضاع السجون المصرية: زيارات لجان حقوق الانسان وغياب النيابة العامة


2017-11-06    |   

أوضاع السجون المصرية: زيارات لجان حقوق الانسان وغياب النيابة العامة

"وقائع هذا الفيلم لا تمثل الحاضر". هذه هي الجملة الافتتاحية التي وضعها صانعو فيلم البريء إنتاج عام 1986[1]، في بداية عملهم الفني، في محاولة للهروب من مقص الرقيب آنذاك. ويبدو أن صناع العمل كان لديهم شعور خفي بأن وقائع هذا العمل ستستمر في المستقبل، فاكتفوا فقط بنفي وقوعها في وقت صناعه العمل.

الواقع أخصب من الخيال

مع تزايد الشكوى من أوضاع السجون المصرية وما تشهده من تكدس في أعداد المساجين وغياب الرعاية الصحية، ووجود اتهامات بانتهاج التعذيب داخل السجون وأماكن الاحتجاز، قامت لجنة مشكلة من المجلس القومي لحقوق الانسان في 2015 بزيارة سجن طرة شديد الحراسة المعروف إعلاميا بسجن العقرب، وتم تصوير الزيارة وإذاعتها تلفزيونا. وجاءت المقاطع المُذاعة تلفزيونياً مطابقة لمشاهد زيارة وفد حقوق الانسان لمعسكر الاعتقال بالفيلم، بداية من تذوق أحد أعضاء الوفد للأرز من القدر مباشرة، ومرورا بمطالعة المساجين للكتب بمكتبة السجن، وممارستهم الرياضة، ما أثار حينها عاصفة من النقد الساخر الموجهة لأعضاء المجلس وصلت إلى إعداد فيديو يوضح مدى تطابق الواقع مع خيال صانعي الفيلم[2]. ثم تكررت بعد ذلك زيارات أخرى للمجلس القومي لحقوق الانسان ولكن دون تسجيل أيّ منها تلفزيونا أو عرضها بعد اعتراض عدد من الأعضاء وقولهم بمخالفة ذلك للوائح المجلس[3].

بعد عامين من هذه الواقعة وفي أكتوبر 2017، قامت لجنة حقوق الانسان بالبرلمان بزيارة لسجن برج العرب. وجاءت المادة المصورة للزيارة أكثر هزلية من سابقتها، حيث أظهرت المساجين سعداء يتلقون الرعاية الصحية على أكمل وجه. وتظهر الصور التي تم نشرها الخدمات التي يتمتع بها المساجين، والتي تصل إلى درجة تعادل الخدمات الفندقية، حيث يقدم لهم في اليوم الواحد وجبات غذائية تتنوع بين السمك المشوي، واللحوم والدجاج والكشري وبعض أصناف الخضار والأرز وأشكال مختلفة من الخضروات والفاكهة الطازجة[4].

الداخلية تؤكد لا ندلل المساجين على حساب العدالة

أثارت المبالغة في تصوير حال السجون على النحو السابق حملة واسعة من الاستهجان والسخرية، عبر بعض المنابر الإعلامية وشبكات التواصل الاجتماعي. وقد اضطرت وزارة الداخلية على التأكيد على أن السجون لا تعد مكانا للترفيه وأنها تعمل وفقا للقواعد القانونية المقررة. فقال اللواء مصطفي الباز مساعد وزير الداخلية الأسبق لمصلحة السجون في تصريحات لبرنامج هنا القاهرة على فضائية القاهرة والناس[5] "مش عايزين نستفز الناس ونقول إن اللي بيدخل جوه بيدلع وبياخد أكتر من حقه، أو أنه بيتم استرضائه، أنا بطمن حضرتك والسادة المشاهدين أن ما يدور داخل السجون المصرية بيحكمه القوانين واللوائح لا فيه حد بيتجاوز بحق مسجون ولا حد بيدلع مسجون على حساب العدالة وعلى حساب العقاب والردع".

البرلمان على خطى مجلس حقوق الانسان

على مدى الأعوام الثلاث الماضية وفي ضوء الشكاوى التي يتلقاها المجلس القومي لحقوق الإنسان، وفي ظل الضغط الدولي والإعلامي، وجدت الدولة مخرجا لتحسين مظهرها عن طريق السماح للمجلس القومي بزيارة السجون. واستمر الوضع كذلك حتى تولى علاء عابد ضابط الشرطة السابق وعضو البرلمان الحالي رئاسة لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان واتخاذه طريقا واضحا للدفاع عن وزارة الداخلية وتجميل صورة النظام تحت قبة البرلمان. ورغما عن قيام اللجنة كما المجلس القومي بزيارة السجون والمساهمة في تجميل صورة وزارة الداخلية، فقد سجل تباين بين هاتين الجهتين من عدة أوجه:

الوجه الأول أسباب الزيارة: فبينما كان هناك دافع واضح لزيارات المجلس القومي لحقوق الانسان للسجون وهي فحص الشكاوى التي يتلقاها من ذوي المساجين، وذلك إعمالا لاختصاصاته المحددة في قانون إنشائه[6]، نجد أن زيارة لجنة حقوق الانسان بالبرلمان كانت بمبادرة من أعضائها حيث أُعلن عنها خلال المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة للرد على تقرير هيومان رايتس ووتش[7]، ما يؤكد أن سبب الزيارة الرئيسي هو الرد على التقرير ونفي ما حواه من وقائع موثقة للتعذيب عن وزارة الداخلية، وليس الرقابة على السجون.

الوجه الثاني نتائج الزيارة: فبينما يصدر المجلس بيانا بعد كل زيارة موضحا النقاط التي استجابت لها وزارة الداخلية والنقاط التي لم تستجِب لها،[8] إلا أن اللجنة لم تتحدث عن أي مخالفات بحق المساجين ولكنها كانت حريصة فقط على إظهار السجن كفندق أو أحد منتجعات الاستجمام والترفيه ولم تنتظر حتى تصدر بيانا بل سارع رئيس اللجنة إلى التسجيل مع إحدى الفضائيات من داخل سجن برج العرب مصرحا أن السجون ومقرات الاحتجاز خالية من التعذيب[9]. وقد قال: ""الحقيقة زرنا جميع المساجين هنا وأتأكدنا من ال…  وأتأكدنا تأني .. أنا متأكد بس بقول اتأكدنا تاني أن مافيش تعذيب داخل السجون وهفضل أقول مافيش تعذيب داخل السجون المصرية، السجون المصرية تبع وزارة الداخلية ووزارة الداخلية مؤسسة وطنية محترمة لا تقوم مع أبنائها حتى لو كانوا مسجونين أو محبوسين بمثل هذه المهاترات".

الوجه الثالث سرية الزيارة: روّجت لجنة حقوق الانسان بالبرلمان لزيارتها لسجن برج العرب وعدد من أقسام الشرطة باعتبارها زيارات مفاجئة. فطبقا لتصريحات رئيس اللجنة عقب زيارة سجن برج العرب "الحقيقة احنا لغاية اما وصلنا للباب هنا وزارة الداخلية كانت لا تعلم شيء عن الزيارة والحقيقة دخلنا لقينا منظومة محترمة جدا، الحقيقة لقينا مجموعه من المساجين بيلعبوا رياضة، مجموعه من المساجين داخل العيادة للكشف، ومجموعه أيضا في المكتبة". وكانت اللجنة قالت في اجتماع سابق لها أنها تستهدف زيارة الأقسام، وأشارت إلى أن زيارة الأقسام تختلف عن السجون، حيث الأولى لا تتطلب إذن نيابة، إنما يتم إخطار وزارة الداخلية بمجرد الوصول، وأوضح أن السجون المركزية وأماكن الاحتجاز يتطلب زياراتها إذنا من النيابة العامة.[10] وأعلنت اللجنة في وقت سابق عن زيارات مفاجئة لأقسام روض الفرج، وعين شمس، والشرابية، ودار السلام، والوراق، وإمبابة، والعمرانية[11] متناسية بذلك أن قانون السجون ولائحته لا تسمح لأي جهة بتفتيش السجون أو القيام بزيارتها بشكل مفاجئ سوى النيابة العامة حصرا، ما يطرح تساؤلا هاما حول غياب الاشراف القضائي على السجون.

غياب الاشراف القضائي على السجون

في الوقت الذي يتم فيه التسويق لزيارات كلا من المجلس القومي لحقوق الانسان ولجنة حقوق الانسان بالبرلمان على اعتبارهما رقابة كافية على معاملة السجون لنزلائها معاملة تتفق وصحيح القانون، ومحاولة إيهام الرأي العام بأن هذه الزيارات تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية وأنها تبدو كزيارات رقابية، لا نجد أي دور حقيقي من القضاء المصري الجهة الوحيدة المخولة بالإشراف على السجون طبقا للقانون.

نظم القانون عملية الإشراف على السجون وأماكن الاحتجاز وجعلها مقصورة على القضاء: فنص قانون السلطة القضائية في مادته 27 على تولي النيابة العامة الإشراف على السجون وغيرها من الأماكن التي تنفذ فيها الأحكام الجنائية، ويحيط النائب العام وزير العدل بما يبدو للنيابة العامة من ملاحظات في هذا الشأن. ثم توسع قانون تنظيم السجون فمنح حق الإشراف لكلا من وكلاء النيابة العامة ورؤساء ووكلاء محاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وقضاة التحقيق، للدخول للسجون الكائنة في دوائر اختصاص المحاكم التي يعملون بها.

وفي الوقت نفسه لم يكتفِ قانون الإجراءات الجنائية في منح الحق للمسجون في تقديم شكاوى للنيابة العامة ولكنه كفل هذا الحق لكل من علم بوجود شخص محبوس بصفة غير قانونية، أو في محل غير مخصص للحبس. وعلى أي من النيابة االعامة أو قضاة التحقيق بمجرد علمه أن ينتقل فورا إلى المحل الموجود به المحبوس، وأن يقوم بإجراء التحقيق، وأن يأمر بالإفراج عنه عند الاقتضاء. ورغما عن الدور الهام للنيابة العامة، بينت ورقة أصدرتها المبادرة المصرية للحقوق الشخصية أن النيابة العامة في خلال ـ٣٨ شهرًا أعلنت عن قيامها بـــ ٥ زيارات مفاجئة فقط، قامت بها للتفتيش على السجون في مصر، علما أنها لم تقم في أي من هذه الزيارات بإحاطة الرأي العام بنتائج تحقيقاتها.

خاتمة

في الوقت الذي تقوم فيه لجان حقوق الانسان سواء التابعة للمجلس القومي او للبرلمان بزيارات ميدانية للسجون، وتبذل قصارى جهدها في تجميل صورة وزارة الداخلية على النحو السابق بيانه، تشهد السجون ومقرات الاحتجاز أوضاعا متردية للغاية فيما يتعلق بالحقوق الأساسية لنزلائها[12]. فبالتزامن مع زيارة لجنة حقوق الانسان لسجن برج العرب، أعلن كلا من عصام سلطان وهشام جعفر دخولهما في إضراب جزئي عن الطعام احتجاجا منهما على أوضاعهم بالسجن. ولا يبقى أمامنا في النهاية إلا مناشدة القضاء للقيام بدوره ليس حفاظا على حقوق نزلاء السجون وحسب ولكن احتراما لما تبقى للسلطة القضائية من رصيد لدى المواطنين.

 


[1]  للمزيد عن فيلم البريء موقع السينما دوت كوم http://www.elcinema.com/work/1010306/
[2]  مقارنة بين زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان لسجن العقرب ومشهد من فيلم البريء https://www.youtube.com/watch?v=vU6Iv7nT2Kw
[3]  راجع أعضاء بـ«القومي لحقوق الإنسان»: زيارة سجن العقرب بها مخالفات – الشروق 2/9/2015
[4]  https://www.facebook.com/octoberhattgayer/posts/2027004047326144
[5]   مسئول سابق بالداخلية عن الترفيه : مش بندلع المسجون علي حساب العدالة – 19/10/2017 https://www.facebook.com/BassmaWahba/videos/869449673232801/
[6]  تنص المادة 3 بند 16 علي ان " زيارة السجون وسائر أماكن الاحتجاز والمؤسسات العلاجية والإصلاحية، والاستماع للسجناء ونزلاء الأماكن والمؤسسات المذكورة للتثبت من حسن معاملتهم ومدى تمتعهم بحقوقهم, ويعد المجلس تقريراً بشأن كل زيارة يقوم بها، يتضمن أهم الملاحظات والتوصيات بهدف الارتقاء بأوضاع السجناء ونزلاء الأماكن والمؤسسات المذكورة، ويقدم المجلس تقريره إلى كل من النائب العام ومجلس النواب." كأحد اختصاصات المجلس
[7]  راجع لجنة حقوق الإنسان ستضع خطة لزيارة السجون والأقسام – التحرير – 12/9/2017
[8]  راجع تفاصيل زيارة «القومي لحقوق الإنسان» سجن «العقرب» – الشروق 6/1/2016
[9]  لمشاهدة تصريحات رئيس اللجنة https://www.youtube.com/watch?v=kYMM4kxJK1c
[10]  راجع لجنة حقوق الإنسان ستضع خطة لزيارة السجون والأقسام – التحرير – 12/9/2017
[11]  راجع  لجنة حقوق الإنسان بـ"النواب" تنظم زيارة مفاجئة للسجون وأقسام الشرطة – مصراوي – 15/10/2017
[12]  راجع «المصري اليوم» تحقق في أوضاع المحتجزين داخل أقسام الشرطة (استقصائي بالفيديو) http://www.almasryalyoum.com/news/details/896490

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني