النزاع على دستورية قانون المصالحة ينتهي من دون تعليل: وجه آخر للخلل المؤسساتي في تونس


2017-10-20    |   

النزاع على دستورية قانون المصالحة ينتهي من دون تعليل: وجه آخر للخلل المؤسساتي في تونس

استندت رئاسة الجمهورية إلى أحكام الفصل 62 من الدستور التونسي الذي يعطيها صلاحية المبادرة التشريعية، لتتقدم بتاريخ 16-07-2015 بمشروع القانون الأساسي عدد 49 لسنة 2015 المتعلق بالمصالحة الاقتصادية. وقد  تولّد عن خطوتها تلك انقسام في الشارع السياسي والحقوقي بين من عارضوا فكرة المشروع اعتبارا لكونها تمنع المحاسبة وتكرس ثقافة الإفلات من العقاب وبين من أيدوها بدعوى حاجة المجتمع التونسي لمصالحة تسمح له بالاستفادة من كفاءاته المتمثلة أساسا في إداريين ومسؤولين سياسيين سابقين تورطوا في قضايا فساد مالي بسبب تطبيقهم لتعليمات سياسية. بثّ هذا الاختلاف حيوية في الساحة السياسية والحقوقية ذكّرت إلى حد ما بحيوية الشارع التونسي بعد الثورة. وكانت دستورية مشروع القانون من أهم محركاتها وقد أثمرت حذف أجزاء هامة من مشروع القانون في صيغته الأصلية. وبعدما صادقت الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب على مشروع  القانون في صيغته المعدلة بتاريخ 13-09-2017، كان ينتظر أن تعقد  للمؤسسات الدستورية مسؤولية الحسم في دستوريته احتراما لثقافة دولة المؤسسات. وقد انفتح الباب لتحقيق ذلك بعدما تقدّم ثمانية وثلاثون من نواب الشعب بتاريخ 19-09-2017 بعريضة طعن في دستورية هذا القانون. إلا أنه مساء يوم 17-10-2017، تأكد عجز الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين في حسم النزاع الدستوري لعدم توفر النصاب القانوني، بعدما انقسم مجلسها المكون من ستة أعضاء إلى نصفين متساويين اختلفا في دستورية المسائل التي عرضت عليهم. وقد انتهى بالتالي نظر الهيئة لـتأبيد الاختلاف حول دستورية مشروع القانون بدل حسمه في سياق يذكر بما سبق لها من مواقف مماثلة في المشاريع التي عرضت عليها وكان للسؤال حول دستوريتها بعدٌ سياسيّ.

سرية المداولة تمنع حسم موضع الاختلاف

يفرض الفصل 7 من القانون المحدث للهيئة على أعضائها الالتزام بسرية المداولة. ويؤدي هذا الإلزام إلى إبقاء المسألة التي حصل الانقسام بشأنها غير معلومة، بما يقيم يؤشر الدليل على سلبية التنزيل المتحجر لمبدأ سرية المداولة في عمل هذه الهيئة المؤقتة ومختلف الهيئات القضائية التونسية، بما في ذلك المحكمة الدستورية التي لم تركز بعد. ويؤمل هنا أن تكون مراجعة القوانين الإجرائية مناسبة لتقييم هذه التجربة موضوعيا وللتفكير في تنسيب سرية المداولة بشكل يضمن شفافية الحكم ولن يتحقق هذا إلا باعتماد نظام الرأي المخالف.

ويرجح أن يكون موضع الجدل بين أعضاء الهيئة اتصل بإحدى مسألتين بقيتا من دون حل رغم أهميتهما:

الأولى، تتعلق بإجراءات عريضة الطعن. فبعد يوم واحد من إيداع العريضة لدى هيئة الرقابة على دستورية مشاريع القوانين، أدلى ثلاثة نواب وردت أسماؤهم في عريضة الطعن أنهم لم يمضوا عليها مستغربين ورود أسمائهم فيها. وقد طالبت على إثر ذلك الهيئة الطاعنين بتحديد مواقفهم من هذا المستجد.

الثانية، تتعلق بأساس الطعن وقوامه غياب الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للقضاء. وفي المجال، يجدر التذكير أن مجلس نواب الشعب تولى بتاريخ 20-07-2017 توجيه طلب استشارة للمجلس الأعلى للقضاء فيما تعلق بمشروع قانون المصالحة احتراما لمقتضيات الفصل 114 من الدستور الذي ينص على استشارة المجلس وجوبا في مشاريع القوانين التي تمس القضاء. طلب المجلس الأعلى للقضاء حينها من المجلس التشريعي إمهاله لتحديد موقفه، فما كان من الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب إلا أن قررت إرجاء النظر في مشروع القانون. وإذ توقع أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أن تكون المهلة الممنوحة لهم بداية الدورة البرلمانية الرابعة على اعتبار أن بدايتها تزامنت مع نهاية الدورة البرلمانية الثالثة، عقد مجلس نواب الشعب بشكل مفاجئ دورة برلمانية استثنائية منتصف الشهر التاسع من سنة 2017 ليتجاوز استشارة المجلس محملا إياه مسؤولية التأخر في الإدلاء برأيه.

شبهة التحزب: تهمة تطال أعضاء الهيئة

أثار إعلان الهيئة عن فشلها في اتخاذ القرار موجة انتقادات كان مصدرها الأساسي أنصار عريضة الطعن الذين اتهموا أعضاء الهيئة بالخضوع لحسابات السياسة. ويستحيل القول بصحة الاتهامات من عدمها. لكن في المقابل، يؤكد طرح الاتهام فشل الهيئة وهي تصل لنهاية عهدها في كسب الثقة العامة فيها، بما يدعو للتفكير في طرح السؤال حول السبل الكفيلة بضمان حيادية سياسية أكبر للهيئات الدستورية الدائمة.

تقدم بتاريخ 19-09-2017 ثمانية وثلاثون من اعضاء مجلس نواب الشعب بعريضة الطاعن في دستورية مشروع القانون الاساسي المتعلق بالمصالحة الادارية كما صادق عليه مجلس نواب الشعب بتاريخ 13-09-2017.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني