المدارس الكاثوليكية بمواجهة المدرسة الرسمية: معركة الخمسينيات بثلاثة اسئلة


2017-10-17    |   

المدارس الكاثوليكية بمواجهة المدرسة الرسمية: معركة الخمسينيات بثلاثة اسئلة

لعب التجاذب الحاصل بين الدولة وبخاصة النخب فيها والمدارس الكاثوليكية في لبنان دوراً مفصلياً في تحديد معالم السياسات التربوية اليوم. في هذا السياق، سألت المفكرة الباحث في سوسيولوجيا القانون وأحد مؤسسيها سامر غمرون، ثلاثة اسئلة في هذا الخصوص، ويذكر أن غمرون كان وثق هذه المرحلة ضمن مقالين نشرا في عددي المفكرة القانونية رقمي 44 و45.

1- كيف حصل الربط بين رواتب أساتذة المدارس الخاصة والرسمية في الخمسينيات وفي أي ظرف سياسي؟

كان الوضع القانونيّ لأساتذة التعليم الرسميّ قد عرف تحسّناً كبيراً خلال الأربعينيّات، ما دفع بأساتذة التعليم الخاصّ في العامين 1950 – 1951  للمطالبة بمعاملةٍ مماثلة. وقد أدّى هذا الحراك إلى إصدار قانون 27 آذار 1951 الذي شكّل إحدى أولى محاولات دولة ما بعد الاستقلال للتدخّل في شؤون المدارس الخاصّة عبر السعي لحماية حقوق أساتذتها. وكرّس هذا النصّ مبدأ المساواة بين أساتذة التعليم الخاصّ وزملائهم في التعليم الرسميّ، إلا أن هذا المبدأ لم يخلق مشكلةً إلا عندما أُقِرَّت مجموعة مراسيم تشريعيّة عام 1953 حسّنت ظروف معلمي المدارس الرسمية بدرجةٍ كبيرة. وهذا ما فرض تحسين وضع معلمي المدارس الخاصة بنفس الطريقة، ما خلق أزمة مالية وسياسية بفعل المنافسة الحادة آنذاك بين المدارس الخاصة والرسمية.

2- ما هي أهم محطات الصراع بين الدولة والمدارس الكاثوليكية في الخمسينيات.

من الأدق التكلم عن صراع بين المدارس الكاثوليكية وبعض النخب الفكرية والإدارية وتصورهم للدولة آنذاك. فبعد أن كان خطاب المعلمين في البداية مطلبيّاً إجتماعيا لا تسوده المسألة التربوية، بدّل النقاش النيابيّ تدريجياً مضمون هذا التوصيف، فتحوّلت مسألة المعلمين إلى مشكلة تحديد هوية لبنان التربويّة ودور الدولة في هذا الصدد. وفيما كانت المسألة ذات طابع مالي في المراحل الأولى (العبء الذي ستتحمله المدارس الخاصة وحجم مساعدة الدولة)، كبرت الأزمة إلى أن تسببت بسقوط حكومة رشيد كرامي في آذار ١٩٥٦. وترافق إضراب المدارس الكاثوليكية بعد ذلك مع اقتراح حكومة عبد الله اليافي فكرة تأميم التعليم الابتدائي الذي أعطى الأزمة بعدا جديدا. ودخل إلى حلبة الصراع بشكل مباشر البطريرك الماروني بولس المعوشي والأساقفة كما الرئيس كميل شمعون والزعماء السياسيين الآخرين مثل كمال جنبلاط. وانتهت الأزمة باقتراح تقديم مساعدات محدودة للمدارس الخاصة، دون حسم الإشكالية التربوية السياسية حينذاك.

3- الى أي درجة ترى أن الدولة كان لها قدرة على فرض خياراتها على المدارس الخاصة في ذلك الوقت وبأي أسلحة؟

من المؤكد أن النقاش حول السياسة التربوية في الأربعينات والخمسينات كان جدياً بشكل يصعب تخيله اليوم، إذ كان مشروع بسط سلطة “الدولة” على التعليم الخاص محمولاً من قبل نخب إدارية وسياسية لم نعد نسمعها بعد نصف قرن. وحتى إن لم يكن مشروع تأميم المدارس واقعيا آنذاك، إلا أن فكرة تنظيم التعليم الخاص ومراقبته جوبهت بشراسة من قبل المدارس الخاصة الكاثوليكية ورعاتها الدينيين- السياسيين حتى من داخل الدولة ومؤسساتها، وهي معركة منسية ما زلنا نعيش نتائجها اليوم على الصعيد التربوي. ومن الملفت أن اتهامات “الدولة ضمن الدولة” و”الدويلات داخل الدولة” التي نسمعها الآن في الموضوع الأمني أو العسكري كانت تستعمل هي ذاتها في الخمسينيات لوصف المدارس الخاصة والطائفية وجهودها الهادفة إلى وقف تدخل الدولة في شؤونها…

نشر هذا المقال في العدد 51 من مجلة المفكرة القانونية

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني