التصنيف المهني للنواب 1920-2016: زواج السياسة والمال عبر المحامين


2017-09-14    |   

التصنيف المهني للنواب 1920-2016: زواج السياسة والمال عبر المحامين

أفرز الفيلسوفان أفلاطون (“الجمهورية”) وأرسطو (“السياسية”) في توصفيهما للأنظمة السياسية مساحةً لشرح “الأوليغارشية” أو حكم القلّة لصالح القلّة. وتنطبق الأوليغارشية على الأنظمة السياسية اللبنانية المتعاقبة (المتصرفية، دولة لبنان الكبير وجمهوريتي ال26 و”الطائف”). تتألّف الأوليغارشية اللبنانية من ثلاثة أضلع أساسية متشابكة فيما بينها هي الطبقة السياسية، المصارف والمصالح المالية والمؤسسات الدينية. لكلٍّ من هذه الأضلع مؤسسات بديلة عن الدولة في تقديم الخدمات العامة (صحة، تعليم، قضاء، أمن، أحوال شخصية، إرث، خدمات إجتماعية…)، وحصص في الإدارات العامة وتأثير كبير في إقرار القوانين وتوجيه السياسات الاقتصادية والعامة على أنواعها كما في الانتخابات والاقتصاد والاعلام والنقابات وميادين عدّة.

يتمحور هذا المقال حول الجزء الأكثر ظهوراً من الأضلع المثلثة للأوليغارشية وهو ضلع الطبقة السياسية التي يتكوّن الشقّ الأكبر والأكثر فعالية منها، وأكثر تحديداً مجلس النواب عبر تحليلٍ للبرلمانيين منذ أول إنتخابات عام 1920 إلى آخر إنتخابات جرت حتى اليوم، أي عام 2009. ويُظهر هذا التحليل جملة أمور منها، حضور ملّاكي الأراضي والحقوقيين في مجالس قبل الحرب مع حضورٍ غير مباشر لأصحاب الأعمال وللمصرفيين الذين تحوّل حضورهم إلى مباشر بعد الحرب مع ارتفاعٍ في حضور الأحزاب؛ إضافة إلى تغيّر في مفهوم “الزعامة” و”الزعيم”.

التصنيف المهني لنواب ما قبل الحرب

تناوب 425 نائب على 965 مقعدٍ نيابيٍ بين انتخابات العامين 1920 و1972 (آخر انتخابات قبل الحرب، دام مجلسها إلى “الطائف”)، بمعدّل 2.27 ولاية للنائب الواحد. وبصورة أدقّ، انتخب 198 نائباً لدورةٍ واحدةٍ (46%)، و101 نائباً لدورتين، و35 نائباً ل 3 دورات، و36 نائباً ل4 دورات، و23 نائباً ل5 دورات، و16 نائباً ل6 دورات، و8 نواب ل7 دورات و4 نواب ل8 دورات؛ فيما انتُخب نائبٌ 9 دورات وآخر 10 دورات وغيرهما 12 مرة. أما الرقم القياسي فهو 14 مرّة لرئيس المجلس النيابي الراحل صبري حمادة.[1]

  • الإرث والتشابك العائلي

ينتمي ال 425 نائب (بين 1920 و1972، من ضمنهم الفائزين بالفرعيات) إلى 245 عائلة إذا أُخذت فقط قرابة الدم بعين الإعتبار. فبين ال 425 نائب، يوجد 129 (أي 30%) بدون صلات قرابة مع غيرهم من النواب. بالمقابل 41 منهم (أي 10%)، هم أولاد نواب سابقين فيما 33 منهك (أي 7%) هم أشقاء نواب آخرين. ومع إضافة القرابة عبر النَسب إلى قرابة الدم، لا يتجاوز عدد العائلات التي دخلت البرلمان 200 عائلة[2]. والمقصود بقرابة النسب العلاقات الواضحة بين العائلات السياسية المختلفة كعائلات شيحا والخوري وفرعون. فالرئيس بشارة الخوري هو صهر المصرفي والنائب ميشال شيحا الذي هو زوج مرغريت ابنة فيليب فرعون وشقيقة الوزير هنري فرعون (عمّ النائب الحالي ميشال فرعون) (شيحا أيضاً هو خال الرئيس شارل حلو). هذا مع حصر الأمر بالنيابة ودون إضافة المصاهرات السياسة-الإقتصادية أي بين العائلات السياسة والأعمال قبل الحرب كآل دو فريج وكتانة والعريضة وحداد وعسيلي وضومط وبسترس وفاضل.

في الإطار العائلي ذاته، كانت المجالس تحتوي على فئة ثابتة (لأكثر من 4 دورات)، إذ يصبح المقعد النيابي من “التراث العائلي” وينتقل عبر الأجيال، وفئة أخرى متغيّرة، إذ يدخل ويخرج من وإلى المجلس عددٌ من النواب وفقاً لعوامل مالية وسياسية وعائلية وطائفية متعددة وأيضاً وفق تغيّر عدد المقاعد. فمعدّل نسبة التجديد taux moyen de renouvellement منذ 1920 إلى 1972 بلغ 45.90%. أما المعدل الصافي (دون أخذ زيادة المقاعد بعين الإعتبار) فبلغ 31.98%[3].

  • “الزعيم” التقليدي وملكية الأرض

قبل الحرب، كانت المجالس الأولى مؤلّفة من 76% إلى 67% من ملاكي الأراضي (1920 و1929)، ثم 40% (1929 و1960) ف 55% (1960). وقد ارتفعت هذه النسبة بفعل رفع عدد المقاعد من 66 إلى 99 بعد حرب ال 1958، مما سمح لعدد من أغنياء وملّاكي البقاع والجنوب بدخول المجلس. وقد انخفض العدد إلى 13% (1968) ثم 10% (1972).[4] ويعكس انخفاضُ نسبةِ النوابَ ممن صفتهم الأولى والأساسية هي ملاك أراضٍ، توجه العديد منهم لاستثمار ثرواتهم في عالمي المال والأعمال، مما أدى إلى تغير كيفية تصنيفهم. وعليه، انخفض حضور ملّاكي الأراضي في البرلمان مقابل ارتفاع نسب المحامين وأصحاب الأعمال فيه كما يظهر هذا الأمر في الجدول أدناه.

جدول: مهن البرلمانيين بين 1920 و1972 بالنسب المئوية

تضم “المهن الأخرى” نسبا قليلة لمهن كثيرة هي الطب والصيدلة وكتاب العدل والمهندسين والصحافيين والموظفين والضباط المتقاعدين والمعلمين والكتاب ورجال الدين والمحاسبين
Source: Le livre précité de Messarra (1977), p.165

باحتساب معدلات الجدول السابق وعلى امتداد سني ما قبل الحرب، إنّ معدّل نسبة ملّاك الأرض هو 40% وأصحاب الأعمال 11% والمحامين 28% والمهن الأخرى 21%.

وإن كان المعدّل الأكثر ارتفاعاً بين نواب ما قبل الحرب هو لملّاكي الأرض، فهذا لا يعني أنّ “زعامتهم” المناطقية مستمدة بشكل كامل من ملكية الأراضي. إذ يوجد كثيرون كآل الخوري والصلح والخليل (وإلى حد ما آل الأسعد) ممن استمدّوا نفوذهم من العلاقات التي نسجوها مع العثمانيين أو الفرنسيين والخدمات التي أدّوها عبر هذه العلاقات. ولكنّ الدور النيابي وطبيعتا الخدمات والعلاقات مع الناخبين لا تختلف بين “زعماء” قبل الحرب (مالك الأرض أو إبن العائلة النافذة أو المحامي أو صاحب الأعمال /المليونير). فمعظم هؤلاء “الزعماء” قبل الحرب لم يمثلوا أحزاباً بل كانت لهم قواعد مناطقية؛ باستثناء حزبي التقدمي الإشتراكي والكتائب (لا سيما كمال جنبلاط وبيار الجميل) اللذين تجاوزا الحاجز المناطقي، لكن حواجز أخرى واجهتهم أهمها الحاجز الطائفي.

إذا أخذنا بعين الإعتبار أنّ نصف البرلمانيين المحامين (مهنة أساسية) الذين درسوا الحقوق (دون ممارسة المهنة) هم أيضاً ملّاكو أراضٍ أو أصحاب أعمال[5]، وإذا لم نميّز بين مهنتين رئيسية وثانوية، يمكن تصنيف الغالبية الساحقة من نواب قبل الحرب كملّاكي أراضٍ وأصحاب أعمال. ما يطرح التساؤل عن السبب الفعلي لوجود الحقوقيين وارتفاع نسبهم تدريجياً في مجالس قبل الحرب.

قبل الإجابة على هذا السؤال، لا بد من الإشارة إلى أمرين. أولاً بالنسبة للحزبيين، كانت مجالس ما قبل الحرب تحتوي على عددٍ قليلٍ منهم (باستثناء التقدمي الإشتراكي والكتائب). فعلى سبيل المثال بين 287 مرشحاً لإنتخابات عام 1968، 49 منهم ينتمون لأحزاب (17%). وفي انتخابات العام 1972، كان مرشحو الأحزاب 65 من أصل 382 (17%)[6]. فقد كان المرشح قبل الحرب “يفتخر” بعدم انتمائه لحزب (“غير حزبي وغير متحزّب” بحسب النائب بيار دكاش وكما ردد بمعنى قريب عدد كبير من المرشحين)[7]. ثانياً يمكن تصنيف بعض البرلمانيين مهنياً ك “سياسيين محترفين”. ويجب التمييز بين هذا المصطلح وتعبير “محترفي السياسة” (الذي له طابع سلبي).

حقوقيون ونواب أم محامو الشركات والمصارف؟

بين ال 425 برلمانياً قبل الحرب، 186 منهم من حملة الشهادات الجامعية، أي 43%. أما 239 منهم، فدراساتهم ثانوية أو أقل. وقد ارتفعت نسبة حملة الشهادات الجامعية من 18% عام 1920 إلى 68% عام 1972.[8] وكما في مختلف المجالس الغربية كذلك في لبنان، فإنّ النسبة الأكبر للجامعيين بين برلمانيي المرحلة كانت للحقوقيين. فمن ال 425 نائب (1920–1972) يوجد 27% من حملة شهادة الحقوق، 6% طب، 3% علوم سياسية وإقتصادية وإدارية، 3% آداب وفلسفة، 2% هندسة، 1.5% تجارة ومشتقاتها و0.5% صيدلة[9] (المجموع: 43% من الجامعيين). وقد ارتفعت نسبة النواب الحقوقيين بين النواب من حملة الشهادات الجامعية من 33% عام 1920 إلى 55% عام 1972[10]. وبما أن 118 نائباً من ال 186 الجامعيين هم من الحقوقيين وبما أنّ جامعة القديس يوسف (اليسوعية) هي الوحيدة التي احتضنت كلية حقوق حتى العام 1959، فكان الحقوقيون بين النواب من خريجيها، باستثناء 11 نائباً درسوا الحقوق في القاهرة أو دمشق.[11]

إنّ زيادة تمثيل المحامين في المجالس المتعاقبة قبل الحرب ليست مرتبطة فقط بالصفة الحقوقية بل هي أيضاً تمثيل سياسي للمصالح المالية والمصرفية. فتمثيل مصالح المال والأعمال (قبل الحرب) لم يكن يتم بشكلٍ مباشرٍ في مجلس النواب بل بالواسطة عن طريق محامي الشركات والمصارف وبالتوافق مع “الزعماء” السياسييين التقليديين فيقوم أصحاب الأعمال بتمويل اللوائح. على سبيل المثال، مكتب الرئيس إميل إده للمحاماة كان وكيلاً للمفوضية السامية وشركات النقل البحري والـتأمين الفرنسية وشركة مياه بيروت التي يملكها آل صباغ. حتى أنّ الرئيس إده كان عضواً في مجلس إدارة الشركة المذكورة[12]. أما المنافس التقليدي لإده، أي الرئيس بشارة الخوري (الذي تدرّب في مكتب إده)، فكان وكيلاً لبنك فرعون-شيحا (النافذ في عالمي المصارف والسياسة في حينه)[13] وللمصالح المصرية والسعودية، وأبرزها “البنك المصري لسوريا ولبنان” الذي تأسس برؤوس أموال عربية وإنجليزية عام 1929[14]. ولما تولّى الخوري رئاسة الجمهورية، استلم ابنه خليل المكتب الذي استمر بتمثيل الشركات الفرنسية ذات الامتياز. وأيضاً، كان رئيس مجلس النواب، حبيب أبو شهلا، ممثلاً لشركة التابلاين الأميركية، ورئيس الوزراء عبدالله اليافي وكيلاً لبنك سوريا ولبنان (الذي كان يخلق النقد في حينه قبل تأسيس مصرف لبنان)، والوزير حميد فرنجية وكيلاً لمجموعة “سيرياك” وهكذا دواليك.[15] وكان شقّ من الصراع بين إده والخوري صراعاً للمصالح السياسية والإقتصادية بين فرنسا وإنجلترا ومصر وغيرهم. ويُظهر دليل الشركات المساهمة اللبنانية عام 1970 ثقل هذه الأخيرة في مجلس النواب، إذ أنّ 35 نائباً هم أعضاء في مجالس إدارة 46 شركة مساهمة (20 تجارية، 17 صناعية و7 عقارية) و15 مصرفاً[16]. أي أنّ رأس المال كان يؤدي دوراً في السياسة وفي النيابة وفي الإنتخابات إنما من خلف الستار وعن طريق المحامين. وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان بطرس الخوري (مؤسس الهيئات الإقتصادية لاحقاً) ممولاً ل “زعماء” شماليين عدة، والياس طرابلسي ممولاً للوائح الرئيس أحمد الأسعد في الجنوب، وهنري فرعون وموسى دو فريج إلى جانب لوائح الرئيس الخوري وهكذا دواليك…[17] فكانت المصالح المالية خلف الصورة والحقوقيون من محامي الشركات في المجلس التشريعي و”الزعماء” المناطقيون (وغالبيتهم من الحقوقيين) على رؤوس اللوائح.

يُشار إلى أنّ وجود ساسة ونواب في مجالس إدارة المصارف والشركات لا يعني بالضرورة أنهم من المساهمين والمستثمرين فيها؛ فوجودهم في مجالس الإدارة هو win-win situation للطرفين.

التصنيف المهني لنواب ما بعد الحرب

دخلت على الطبقة السياسية بعد الحرب تغيّرات عدّة أهمها اثنان. التغيّر الأول (لدى الشيعة والموارنة) هو دخول “قيادات” الحرب إلى السلطة السياسية على مرحلتين:

  • المرحلة الأولى (لا سيما لدى الشيعة) هي بعد اتفاق “الطائف” (1989) والتسوية الإقليمية الناتجة عن حرب الخليج (العراقية-الكويتية (1990) وسقوط الإتحاد السوفياتي وانعكاسها في لبنان عبر تطبيق التسوية السورية-السعودية والغطاء الأميركي،
  • والمرحلة الثانية (لا سيما لدى الموارنة) هي بعد انهيار هذه التسوية بفعل الإحتلال الأميركي للعراق (2003) وما استتبعه من تطورات عراقية وسورية وخليجية ولبنانية (2004-2005). التغيّر الثاني (لدى السنة وعموم المسيحيين) هو الدخول الظاهر لأصحاب الأعمال وللمتمولين إلى السياسة في مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب. ولا بد لهذين التحولين السياسيين أن ينعكسا في مجالس النواب بعد الحرب لجهة التصنيف المهني.

انحسار “الزعامات” التقليدية

في مجالس ما بعد الحرب، ارتفع التمثيل السياسي للأحزاب (لا سيما “أحزاب الحرب”) ولأصحاب الأعمال والمصارف وذلك على حساب “الزعماء” التقليديين قبل الحرب. فقد تقلّصت نسبة ممثلي “الزعماء” المناطقيين من ملاكي الأراضي، ومن بقي منهم في العمل السياسي والنيابي هو من ساهم في الحرب أو من تنظّم حزبياً وأيضاً كأحد من استفاد مالياً من الحرب (بشكلٍ مباشر أو غير مباشر). فيما فُقد تماماً التمثيل السياسي لعائلات سياسية لا سيما لدى الطائفتين الشيعية والسنية، ك “الزعماء” الجنوبيين والبقاعيين (آل الأسعد والخليل وحماده) و”الزعماء” البيارتة والطرابلسيين والصيداويين (كآل الصلح وسلام وكرامي وسعد). ومن حافظ من هذه العائلات على مقعده النيابي (بنفوذٍ أقل من مرحلة ما قبل الحرب) كان له علاقاته بأحد أطراف التسوية الإقليمية أو بأصحاب الأعمال والمصرفيين. واللافت أنّ من ورث الأسرتين الأسعدية والأحمدية ليسوا “وجهاء” الصف الثاني، كما أيام العهد الشهابي، بل أبناء عائلات متواضعة (أي لم يكن لها دور سياسي سابقاً) وصلوا إلى الندوة النيابية وبنوا النفوذ السياسي من خلال العمل السياسي والحزبي والعسكري.

التمثيل السياسي للأحزاب وللمصالح المالية

تعتبر مرحلة ما بعد الحرب، مرحلة توسّع في تمثيل الأحزاب السياسية في المجالس عبر نوابٍ يمتهنون المهن الحرة (محاماة، صحافة، هندسة، طب …) وآخرين قادمين من العالم الأكاديمي-الجامعي وأيضاً مرحلة توسّع في التمثيل المباشر لأصحاب الأعمال والمصرفيين بدلاً من التمثيل بالواسطة الذي كان قائماً قبل الحرب عبر محامي الشركات. في التمثيلين السياسيين للأحزاب وللمصالح المالية أمران لافتان. أولاً وفي التمثيل الحزبي، يلاحظ وجود نواب يمتهنون مهناً حرة وأكاديمية، ولكن لا تعود نيابتهم لمهنهم ولا لعائلاتهم بل تعود لترشيحهم من قبل الأحزاب والتيارات السياسية. فقد تمكّنت الأحزاب من تجاوز الحاجز المناطقي الذي تأطّرت فيه “زعامات” ما قبل الحرب. ثانياً وفي تمثيل أصحاب الأعمال، يظهر التراجع النسبي لممثلي الأسر المالية لمرحلة ما قبل الحرب (حلو، فرعون، دُ فريج، كتانة، بسترس، عسيلي، ضومط…) لمصلحة أصحاب أعمال قادمين من الخليج وإفريقية وأميريكا[18] أو ممن راكموا الثروات عبر الحرب و”نشاطاتها”.

يعبّر مجلس 2009 الحالي عن النقلة في الإنتماء المهني للنواب. إنّ عدد النواب من ملاكي الأراضي هو 4 نواب، عدد أصحاب الأعمال هو 36، عدد أصحاب المهن الحرة هو 49 نائباً (21 محامياً و17 طبيباً و7 مهندسين، و4 إعلاميين)، عدد المنتمين للقطاع التعليمي هو 15 نائباً وعدد موظفي الدولة والقطاع الخاص هو 8. أما اللافت فهو بروز فئة من النواب، وهم 11 نائباً، لم يعرف عنهم سوى العمل في “السياسية” والنشاط الحزبي؛ وهذا الأمر ليس بالغريب في برلمانات العالم، ولكنّ اللافت أن ينحصر “النشاط الحزبي” لبعض النواب بالعمليات القتالية والأمنية زمن الحرب[19]. وبالمجمل وبالنسبة للأحزاب، فقد وصل عدد الحزبيين في العام 2009 إلى نصف أعضاء المجلس النيابي، وهذا الرقم غير مسبوق في تاريخ المجالس[20].

النيابة والثروة بالميزان الأميركي

مع حصول عدد ممن جنوا الأرباح في الحرب أو في الإغتراب على النيابة، بات للمقعد النيابي أدوار تتجاوز التمثيل السياسي (والطائفي) كما التشريع والرقابة. ويمكن تلخيص تمثيل المصالح المالية بثلاث نقاط هي التبييض والتثبيت والتوسيع.

أولاً، لدخول الندوة النيابية دورٌ هامٌ في “تبييض” صاحب الأعمال الذي يصبح نائباً وحمايته، عبر الحصانة، من الملاحقة القانونية. ويذكر الكاتب فواز طرابلسي[21] 4 من العاملين في المخدرات ممن دخلوا المجلس النيابي ولما اختلف اللواء غازي كنعان مع أحدهم رفع عنه الحصانة وأدخله السجن. وبحرفية نصّ طرابلسي[22]يضم المجلس الحالي (…) على الأقل ثمانية نواب (…) تحوم حولهم شبهة تبييض أموال“.

ثانياً، يساهم دخول الندوة البرلمانية في تثبيت ثروة الأغنياء الجدد فيحصلون على الجاه لهم ولعائلتهم ولبلداتهم، أي يبنون النفوذ السياسي عبر الثروة.

ثالثاً، يؤدي المقعد النيابي دوراً في توسيع المصالح المالية السابق تأسيسها والانطلاق بمصالح جديدة في القطاع الخاص عبر الإستفادة من القطاع العام (ولعل هذا ما يمكن أن يُعتبر الدور “التقليدي”). وتصبح هذه الأمور الثلاثة أكثر علنية في الوزارت، فيعيّن عدّة وزراء تربية من أصحاب الجامعات الخاصة فيما يكون وزير الدفاع الوطني مقاولاً في حقل المقاولات العسكرية.

في الخلاصة، إذا كان التمثيل السياسي للمصالح المالية غير مباشر وأقل علنية قبل الحرب، أي عبر المحامين، فالتمثيل السياسي لقطاعي الأعمال والمصارف بات مباشراً ومرافقاً للتمثيل السياسي للأحزاب بعد الحرب. فبفعل الحرب وإعادة الإعمار، توسّع التمثيل السياسي للأحزاب ولأصحاب المال والأعمال. وحصل تغيّر في مفهوم “الزعيم” الذي كان سائداً قبل الحرب: فلم يعد “الزعيم” هو إبن الأسرة صاحبة النفوذ المستمد من ملكية الأرض أو من علاقات سياسية بدول خارجية (مع دور غير مباشر لقطاع الأعمال)؛ فقد أصبح “الزعيم” الحالي هو السياسي-الحزبي أو صاحب الأعمال أو الإثنين معاً أو الحزبي المحتضِن لأصحاب الأعمال والمحتضَن منهم بالتزامن مع الصلات الخارجية، الإقتصادية منها والسياسية.


[1] Messarra Antoine Nasri, La Structure Sociale du Parlement Libanais 1920-1976, Publication du centre de recherche de l’Institut des Sciences Sociales de l’Université Libanaise, Beyrouth, 1977, p.46
[2] Messarra précité (1977), p.184-190
[3] Messarra précité (1977), p.276
[4] Messarra précité (1977), p.164
[5] Messarra précité (1977), p.141
[6] Messarra précité (1977), p.59
[7]  يمكن مراجعة صحف الحقبة والحملات الإنتخابية لعدد كبير من النواب في انتخابات 1968 و1972.
[8] Messarra précité (1977), p.231-235
[9]  مسرة (1978) السابق ذكره، ص.232
[10]  مسرة (1978) السابق ذكره، ص.239
[11]  بالنسبة للتعليم الثانوي، سبع مدارس لها الحصة الأكبر: عينطورة، الآباء اليسوعيين، الحكمة، الفرير، المقاصد، الشق الثانوي في الأميركية والليسي فرانكو-ليباني.(مسرة، 1978، ص.233)
[12]  فواز طرابلسي، الطبقات الإجتماعية والسلطة السياسية في لبنان، دار الساقي، 2016، ص.172
[13]  للمزيد حول ثقل بنك “فرعون وشيحا” والمصارف عموماً يمكن مراجعة مقالي السابق ذكره القطاع المصرفي بلا قناع .
[14] طرابلسي (2016) السابق ذكره، ص.172
[15]  فواز طرابلسي، عكس السير، رياض الريس للكتب والنشر، بيروت، 2002، ص.186-187
[16]  ثابت (1972)، ص.12-22؛ ضمن طرابلسي (2016)، ص.172
[17]  طرابلسي (2016) السابق ذكره، ص.88
[18]  المرجع السابق نفسه، ص.174
[19]  المرجع السابق نفسه، ص.176
[20]  النهار، 9 حزيران 2009؛ والمركز العربي للمعلومات، تموز 2009.
[21]  بحسب طرابلسي (2016)، ص.74
[22]  تحديداً ص.174

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني