تدريب الأطباء شأن عسكري في مصر: نشاطات القوات العسكرية تتمدد ومعها صلاحيات القضاء العسكري


2017-08-30    |   

تدريب الأطباء شأن عسكري في مصر: نشاطات القوات العسكرية تتمدد ومعها صلاحيات القضاء العسكري

في تطور جديد للعلاقات المدنية العسكرية بعد 30 يونيو، استدعت النيابة العسكرية أمين عام نقابة الأطباء رشوان شعبان، للتحقيق معه بسبب قيام الموقع الإلكتروني الرسمي للنقابة على شبكة الإنترنت بنشر المخاطبة التي تم توجيهها لرئيس الأكاديمية الطبية العسكرية، للإستفسار عن البورد الطبي العسكري.[1] وقد عادت وأخلت سبيله بضمان محل عمله[2]. ويأتي هذا الاستدعاء بعد أيام قليلة من إحالة 235 من مشجعي نادي الزمالك للنيابة العسكرية، للتحقيق معهم في اتهامات متعلقة بإتلاف استاد برج العرب المملوك للقوات المسلحة، الأمر الذي يفتح مجددا مسألة توسع صلاحيات المحكمة العسكرية تبعا لتوسع نشاطات الجيش الاقتصادية والاجتماعية.

ما هو البورد المصري: تدريب الأطباء شأن عسكري؟

في البداية، يجب أن نعرف ماهية هذا البورد المصري الذي تدور حوله التحقيقات.

ولفهم ذلك، يقتضي الرجوع إلى قرار لرئيس مجلس الوزراء بإنشاء هيئة عامة تتبع له تحت تسمية "الهيئة المصرية للتدريب الإلزامي للأطباء"[3]. وقد اعتبر القرار إدارة الخدمات الطبية للقوات المسلحة "الأكاديمية الطبية العسكرية، كلية الطب للقوات المسلحة" أحد فروع تلك الهيئة.

وتهدف الهيئة إلى تطوير مستوى التدريب الطبي السريري لخريجي كليات الطب وامتحانهم للتحقق من استيفائهم للتأهيل الكافي للممارسة الطبية الآمنة. وتقوم الهيئة بالآتي:

  1. وضع المواصفات القياسية لمحتوى التدريب الطبي التخصصي على مختلف المستويات مع مراعاة المواصفات القياسية لمستوى التدريب بمستشفيات القوات المسلحة،
     
  2. وضع المواصفات الطبية الواجب توافرها في المؤسسات الطبية واعتمادها ومراقبة مستوى التدريب بها، على أن تكون إدارة الخدمات بالقوات المسلحة هي المسؤولة عن المراقبة المنظمة لمستوى التدريب بمستشفيات القوات المسلحة.
     
  3. الإشراف على عقد الامتحانات القومية لقياس استيفاء التدريب التخصصي، ويحصل من يجتاز هذه الامتحانات على شهادة تخصصية تسمى "البورد المصري"، مع عدم الإخلال بأي شهادات أو درجات علمية أو مهنية تمنح من الأكاديمية الطبية العسكرية وكلية الطب بالقوات المسلحة.
     
  4. تعتبر الشهادات التي تصدرها الهيئة في هذا الشأن من مسوغات الترقية من مستوى إلى مستوى ومن وظيفة إلى أخرى مع الاحتفاظ بمعايير القوات المسلحة في الترقي والتعيين في الوظائف المختلفة.

 

وبذلك نجد أن قرار إنشاء الهيئة لم يجعل من القوات المسلحة شريكا رئيسيا في إدارة الهيئة وحسب ولكنه جعلها – أي القوات المسلحة- مسيطرا فعليا على إدارة وتطوير المنظومة الطبية في مصر، فنص القرار على أربعة تحفظات جعلت من خلالها معايير القوات المسلحة أقوى من معايير هذه الهيئة. كما نصت المادة الخامسة على تشكيل مجلس إدارة الهيئة والذي تمثل فيه القوات المسلحة بثلاثة أعضاء من أصل 15 عضوا.

وعلى الرغم من أن قرار إنشاء الهيئة نص في مادته الخامسة على عضوية نقابة الأطباء في مجلس إدارة الهيئة، إلا أن نقابة الأطباء اتصل علمها بما أعلنت عنه الأكاديمية الطبية العسكرية باعتبارها فرعا للهيئة من الصحف، ما دفعها إلى إرسال مخاطبة للأكاديمية للاستفسار عن هذا البورد. ثم قامت بنشر هذه المخاطبة على الموقع الرسمي للنقابة ليتصل علم الجمعية العمومية للأطباء بما تقوم به النقابة، وهو اجراء طبيعي واحد الأدوار المنوطة بالنقابة من أجل تنظيم مهنة الطب في مصر. لكن النقابة فوجئت بقيام النيابة العسكرية بالتحقيق مع أمينها العام بتهمة النشر دون الحصول على إذن من وزارة الدفاع. وقد أكد راجح السياجي عضو نقابة الأطباء في مقابلة تلفزيونية أن النقابة فوجئت بـالإعلان عن البرنامج التدريبي باسم "البورد العسكري"[4]، ف "أبدينا نقط تحفظاتنا عليه، أولها مثلًا أنه يُحمل الطبيب تكلفة الدراسة بمبالغ ضخمة جدًا بالنسبة لطبيب يفترض أنه لا يزال في مرحلة تدريب في بداية حياته المهنية". وفي نهاية اللقاء، أبدى السياجي اندهاشه من أن يصبح فجأةً "شأن تدريب الأطباء في مصر شأن عسكري … المنطق يقول إن ذلك الأمر صلب الحياة المدنية"

هل النشر عن مخاطبة الأكاديمية العسكرية شأن عسكري؟

في صباح يوم 24/8/2017، توجه أمين عام النقابة إلى النيابة العسكرية، وتم التحقيق معه بسبب قيام الموقع الإلكتروني للنقابة بنشر المخاطبة التي تم توجيهها إلى رئيس الأكاديمية الطبية العسكرية والتي أرسلتها النقابة للاستفسار عن حقيقة ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة عن إنشاء بورد عسكري ومصروفات سنوية 15 ألف جنيه. ووجهت النيابة العسكرية للأمين العام، بصفته المشرف على لجان النقابة بما فيها اللجنة الإعلامية، تهمة النشر دون الحصول على إذن من وزارة الدفاع.

وأوضح شعبان " أن المخاطبة كانت تساؤلًا عن طبيعة البورد العسكري الذي نشرت عنه عدد من الجرائد والمواقع الإخبارية، وأضاف أن النقابة علمت عن إقرار الشهادة الإكلينيكية من الجرائد، لذلك سعت إلى معرفة تفاصيل".

النشاط الاقتصادي للجيش يهدد أمن المدنيين

تعد وقائع هذه القضية رابع الحالات المسموع عنها، والتي تصدى فيها القضاء العسكري لجرائم بسبب النشاط الاقتصادي لوزارة الدفاع. الحالة الأولى كانت في أغسطس 2014 حيث تم تحويل مواطن للقضاء العسكري في إثر شجار بسبب أسبقية تموين السيارة، في إحدى محطات الوقود التابعة لوزارة الدفاع. والثانية كانت محاكمة 26 عاملا بالترسانة البحرية بالإسكندرية بسبب مطالبهم العمالية غير المتصلة بأي نشاط عسكري. والثالثة كانت إحالة 235 من مشجعي كرة القدم بسبب اتهامهم بإتلاف استاد برج العرب المملوك للقوات المسلحة والتي تقوم بتأجيره لاتحاد الكرة لإقامة مباريات رياضية غير عسكرية عليه.

تأتي هذه التوسعات في صلاحيات القضاء العسكري لتؤكد المخاوف التي أطلقتها القوى السياسية اعتراضا على نص المادة 204 من الدستور المصري المعدل، الذي تم تمريره في استفتاء يناير 2014، حيث أثبت الواقع أن القوات المسلحة والقضاء العسكري أخذوا في توسيع تفسيرات النص الذي أجاز محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري في الجرائم التي تمثل اعتداءً مباشراً على المنشآت العسكرية أو معسكرات القوات المسلحة أو ما في حكمها.[5]

وتعدّ هذه القضايا نماذج كاشفة لسيئات النص الدستوري، الذي سمح بمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، لا سيما في ظل التوسع الاقتصادي لوزارة الدفاع من خلال أجهزتها المختلفة. ففي مقابل كل توسع اقتصادي لوزارة الدفاع، تزيد المخاوف من مضاعفة حالات محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري بزعم الإعتداء على المنشآت العسكرية أو من في حكمها، أو أموالها العامة.

فأيّ اعتداء على هذه الكيانات "الاقتصادية" التابعة لوزارة الدفاع أو مقدّمي الخدمات فيها قد يعدّ وفق المادة 204 من الدستور بمثابة اعتداء على أحد أفراد القوات المسلحة، مما يعرّض "المشتبه به" بالقيام به للمحاكمة العسكرية. في ظل كل ذلك، يبدو تحقيق مبدأ القاضي الطبيعي أمرا بعيد المنال.

 


[1]  استدعاء من المدعي العام العسكري http://www.ems.org.eg/our_news/details/5175 
[2]  النيابة العسكرية توجه الاتهام لأمين عام النقابة http://www.ems.org.eg/our_news/details/5179
[3]  قرار إنشاء هيئة التدريب الإلزامي للأطباء  http://www.vetogate.com/2028034
[4]  النيابة العسكرية تخلي سبيل أمين عام «الأطباء» بعد اتهامه بنشر معلومات دون إذن من وزارة الدفاع http://tinyurl.com/ybdrkcuu
[5]  المحاكمات العسكرية في مصر: هل قلت عدالة سريعة مؤكدة؟ https://legal-agenda.com/article.php?id=1759

انشر المقال

متوفر من خلال:

محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني