العقوبة الجماعية لقضاة لبنان 2017 أو “تطهير القضاء” من أفضل قضاته (تساؤلات على هامش أطول اعتكاف لقضاة لبنان)


2017-08-03    |   

العقوبة الجماعية لقضاة لبنان 2017 أو “تطهير القضاء” من أفضل قضاته (تساؤلات على هامش أطول اعتكاف لقضاة لبنان)

ما نشهده اليوم هو أطول اعتكاف لقضاة لبنان في تاريخه. وقد بدأ هذا الاعتكاف بتاريخ 20/7/2017 غداة إقرار مجلس النواب مشروع قانون يجيز للحكومة إعادة النظر بتقديمات صندوق تعاضد القضاة وموارده ويجعل رواتب موظفين في الفئتين الأولى والثانية أعلى من رواتب القضاة من الدرجة نفسها. واللافت أن هذا الاعتكاف المديد يحصل في ظل رؤية ضبابية لأهمية الحدث وأبعاده. فبخلاف العديد من الدول حيث تلقى تحركات القضاة للدفاع عن استقلالهم تأييداً واسعاً من خارج القضاء، يبقى قضاة لبنان شبه وحيدين في مواقفهم وعاجزين عن اجتذاب اهتمام الرأي العام.

وثمة عوامل عدة أدّت إلى تغبيش الرؤية في هذا الخصوص، منها حالة عدم الرضى العام عن أداء القضاء وإنتاجيته، والتي يعضدها فضائح قضائية عدة. ومن هذه العوامل أيضا مواقف نقابتي المحامين المتراجعة نسبيا واللتين تعاملتا مع الأمر على أنه انتقاص من حقوق القضاة العادلة من دون ربطه بحال من الأحوال باستقلالية القضاء، أو حتى بالشروط الصحية لممارسة مهنة المحاماة. وعليه، بدا البيان التضامنيّ الصادر عن هاتين النقابتين بمثابة بيان مجاملة ليس إلا. وقد ذهبت نقابة المحامين في بيروت أبعد من ذلك بحيث أعلنت بالتوازي مع اعتكاف القضاة إضرابا مفتوحا بتاريخ 27/7/2017 على خلفية اعتراضها على شؤون ضريبية خاصة بالمحامين، من دون ربطه بحال من الأحوال باعتكاف القضاة أو أسبابه، على قاعدة أن "لهم مطالبهم ولنا مطالبنا"[1].  

كما ساهم مجلس القضاء الأعلى نفسه في تغبيش هذه الرؤية. فعلى الرغم من قوة موقفه في إعلان الاعتكاف، فإنه اكتفى بفتح قنوات تفاوض مع القوى السياسية من دون الاهتمام بتساؤلات الرأي العام أو بفاعلياته. وقد تعامل مع المسألة وكأنها مسألة نظرية تتصل باستقلال القضاء أو فصل السلطات، من دون أن يكلف نفسه عناء الإجابة على تساؤلات الناس أو أن يوضح للرأي العام أسباب الاعتكاف المديد والأهم مشروعه لتجاوز عوامل الخلل القضائي والعوائق التي تحول دون تحقيقه. وما فاقم الأمر هو غياب جمعية للقضاة قادرة على مخاطبة الرأي العام والتفاعل مع الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

ومن دون التقليل من أهمية أيّ من العوامل سابقة الذكر، فإن العامل الأبرز هو معطى اجتماعي تمثل في تراجع ثقافة استقلال القضاء، مقابل تطبيع شبه عام مع سبل التدخل في القضاء على اختلافها. فهذا المعطى الثقافي أفقد إشكاليات استقلالية القضاء الكثير من مكانتها ووقعها لدى الناس وجعلها مسائل نافلة أو ثانوية بالنسبة لاهتماماتهم العامّة. وما زاد من حدة هذا التطبيع هو أن الكثير من القضاة أسهموا فيه من خلال تقربهم من القوى السياسية رغبة بمكسب وظيفي أو بحماية وظيفية عملا بالواقعية. ومن هنا، قلل عدد من الإعلاميين من أهمية تحرك القضاة الذي لا يعدو كونه بنظرهم هبّة للدفاع عن مصالح مالية، طالما أن القضاة لم يتحركوا يوما ضدّ تعرضات أخطر لاستقلاليتهم، ومن أبرزها التعطيل المتكرر لمشاريع التشكيلات والمناقلات القضائية منذ 2010.[2]

وما نريده في هذا المقال هو إعادة تصويب الصورة. فمن دون التقليل من عوامل الخلل في الأداء أو التنظيم القضائيين (وقد عملت المفكرة على مدّ وجودها على الإضاءة عليها واستشراف الحلول لها)، فإن كيفية مقاربتهما من النواب تخطئ من جهتين:

فهي تخطئ أولا في تحديد المسؤوليات عن هذا الخلل، بحيث تبرأت القوى السياسية من آثامها الكثيرة والكبيرة المرتكبة سواء في تنظيم القضاء أو في التدخل الممنهج والمنتظم في أعماله،

وهي تخطئ في مطلق الأحوال، في تحديد دروب الإصلاح الصحيحة لمعالجة عوامل الخلل هذه. فعدا عن أن إصلاح القضاء يفترض أولا تعزيز استقلاليته، فإن الانتقاص من الضمانات الاجتماعية لعموم القضاة إنما يشكل في عمقه عقوبة جماعية، أسوأ ما فيها أنها تزيد قسوة ووقعا بالنسبة إلى القضاة الأكثر تعويلا على هذه الضمانات، أي القضاة الأكثر التزاما بأصول ومقتضيات المهنة والذين لا مداخيل لهم إلا مداخيل عملهم المشروعة. وهذا ما يفسر العنوان الذي اخترناه لهذا المقال وهو "تطهير القضاء" من أفضل قضاته. وهو عنوان يعكس بالطبع موقفا نقديا إزاء السلطات السياسية التي بعدما فشلت في إعمال المحاسبة داخل القضاء وتاليا في تطهيره من عناصره المتورطين بالفساد أو المخلين بأعمالهم، أتت تكلل فشلها في اعتماد تدابير من شأنها قلب دفة التطهير، ليشمل على العكس من ذلك تماما عناصره الأكثر كفاءة ونزاهة واستقلالية. ومن هذه الوجهة، تحولت عملية الإصلاح هذه إلى عملية تدميرية لما بقي من استقلالية ودوائر مضيئة داخل القضاء اللبناني.   

ونأمل من خلال ذلك أن نعطي صورة أكثر وضوحا عن أسباب هذا الاعتكاف المديد وأبعاده، صورة من شأنها أن تدعم مطالب القضاة التي تشكل لزوما ضمانة أساسية لاستقلاليتهم وتاليا لحق كل مواطن باللجوء إلى قاض كفوء ومستقل ومحايد.

خطورة التعديل التشريعي

كما سبق بيانه، يؤدي هذا التعديل إلى تخفيض مكاسب القضاة الاجتماعية بشكل كبير. وما يزيد من خطورته، هو بعده الرمزي، طالما أنه يمسّ بإنجازات أساسية في تاريخ نضالات القضاة منذ الستينيات لها موقعها في تصوراتهم الجماعية ويشكل من هذه الزاوية رسالة إحباط. وهذا ما سنحاول شرحه تفصيليا بشأن المسألتين المطروحتين:

صندوق تعاضد القضاة: 
شكل هذا الصندوق أحد المطالب الأساسية لنضالات القضاة في بداية الثمانينات، وتحديداً في 1980 و1982. وقد أدى عدد من القضاة الراحلين أو السابقين ومنهم القاضيين الراحلين كبريال المعوشي وحسن قواس والقاضي السابق منيف حمدان دورا أساسيا في هذه التحركات من خلال إنشاء لجنة قضائية تولت تنظيم عدد من اللقاءات والاعتصامات ووصلت حدّ إعلان الإضراب المفتوح الأول من نوعه في 1982 بحضور مئات من القضاة.[3]

وقد نجحت هذه التحركات التي دعم مجلس القضاء الأعلى مطالبها رغم تنديده بأساليبها، في إنشاء الصندوق بموجب مرسوم اشتراعي صدر في 1983. وقدّر فيما بعد لهذا الصندوق أن يكتسب أهمية مضاعفة، بحيث بات العامل الأساسي لضمان حقوق القضاة الاجتماعية رغم تدني القيمة الشرائية لرواتبهم تبعا لانهيار العملة اللبنانية، وثني مزيد من القضاة عن تقديم استقالاتهم. كما يذكر أن حراك "الاستقالات المعللة" لعدد كبير من القضاة في أوائل التسعينيات نجح فيما بعد في انتزاع مساهمة هامة للدولة في هذا الصندوق بحيث بلغت أربعة مليارات ليرة لبنانية في عهد الوزير طبارة (سنة 1994). وبفعل هذه المساهمة، توسعت تقديمات الصندوق لتكفل للقضاة تغطية كاملة للأعباء الصحية على اختلافها والأقساط المدرسية والجامعية لأبنائهم وكفالات قروضهم المصرفية، فضلا عن دفعات تكميلية لرواتبهم.

وقد جاء إقرار مشروع القانون سبب الاعتكاف بتفويض الحكومة مهمة توحيد الصناديق والتقديمات التي تكفلها، ليفتح الباب لإغادة النظر في كل ما اكتسبه القضاة على هذا الصعيد. والمفاعيل السلبية لهذا الأمر ليس فقط تهديد المصالح المادية الأساسية للقضاة، إنما إعطاء الحكومة سلاحا إضافيا لابتزاز القضاة والتأثير في مواقفهم وعند اللزوم الإنقضاض على حقوقهم. ومن النافل القول أن هذا التعديل يشكل مسّاً بمبدأ فصل السلطات وبضمانات استقلال القضاة، وفق اجتهاد المجلس الدستوري الذي يمنع المس بأي من ضمانات القضاة من دون إعطائهم ضمانات موازية لها وذلك عملا بمبدأ استقلال القضاء[4].

رواتب الموظفين أعلى من رواتب القضاة   
الأمر الثاني الذي تم المس به هو تناسب رواتب للقضاة مع نبل وظيفتهم، وهو أمر تحدده موازنة كل دولة ولكن أيضا الرواتب المعتمدة منها للوظائف العامة المختلفة فيها. وقد تمّ التعرض لهذا التناسب بعدما أقر النواب أحكام مشروع القانون والتي جعلت رواتب فئات من الموظفين أعلى من رواتب القضاة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا التوجه أتى مناقضا للتوجهات التي عبر عنها المشرع منذ 1993 تحت وطأة حراكات القضاة، والتي ذهبت إلى فصل سلسلسة الرتب والرواتب للقضاة عن السلسلة الخاصة بالموظفين العامين. وهذا ما نستشفه من الأسباب الموجبة لقانون فصل سلسلة القضاء الصادر في 1993 والذي أكد على وجوب تقريب رواتب القضاة من رواتب أعضاء السلطات السياسية. وفيما استفاد القضاة من هذا الفصل في سنتي 1998 و2011، جاء إقرار سلسلة الرتب والرواتب في 2017 ليحوّل فصل الرتب من مناسبة لتقريب رواتب القضاة من رواتب أعضاء هذه السلطات إلى مناسبة لرفع رواتب الموظفين إلى مستويات تتجاوز رواتب القضاة، مع ما يستتبع ذلك من نظرة دونية لوظيفة القضاء ومكانته.

الأداء القضائي، المسؤولية والحقوق المالية

بمراجعة الخطاب السياسي المعتمد لتبرير التدابير المذكورة أعلاه، يتحصّل أن عددا من النواب ربطوا صراحة بين المس بحقوق القضاة والأداء القضائي عموما. وهذا ما عبر عنه بشكل واضح النائب أحمد فتفت في الجلسة المنعقدة في 21 تموز 2017. فبعدما ذكر فتفت بوعود وزير العدل الأسبق قرطباوي بأن زيادة رواتب 2011 ستؤدي إلى إصلاح حقيقي في القضاء، أكد أن شيئا من ذلك لم يحصل. كما استهجن ما صرح به رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد قبل أسبوعين في لجنة المال، لجهة أن الامكانيات التي وضعت بالقضاء هي لأن القضاء سلطة مستقلة ولا علاقة لذلك لا بالاصلاح ولا غيره.

وقد ذهبت هذه التصريحات في نفس اتجاه المداخلات الصادرة عن عدد من النواب أثناء مناقشة مشروع السلسلة نفسه في جلسات سابقة في 15 نيسان و14 أيار 2014. فبتاريخ 15 نيسان 2014، صرح النائب فؤاد السنيورة بأن زيادة رواتب القضاة في 2011 من قبل الحكومة الماضية كانت متسرعة وغير مدروسة، ليذهب إلى حد المطالبة بإعادة النظر في هذه السلسلة. وفي جلسة 14 أيار 2014، وصف السنيورة تقديمات صندوق التعاضد القضائي بالهدر والمزاريب طالبا بتخيير القضاة بين زيادة الإنتاجية والاستقالة. ف "يا تمشي بإصلاح أو تمشي علبيت". وقد اتفق معه النائبان أحمد فتفت وسيرج طورسركسيان على ذلك، مؤكدين وجوب إعادة النظر في مكاسب القضاة والتشديد في شروط عملهم[5].  

ومن دون التقليل من أهمية الخلل في العمل القضائي وضرورات الإصلاح، فإن الخطاب المذكور الذي لم يلقَ أي تصويب داخل المجلس النيابي وانتهى إلى إقناع العدد الأكبر من النواب بدليل إقرارهم لمشروع القانون، يستدعي عددا من الملاحظات:

أولا، أنه يستند على انطباعات عامة، بمعزل عن أيّ معطى موضوعي في قياس عوامل الخلل في الأداء القضائي وأشكاله،

ثانيا، أنه يستغلّ غياب المعطيات الموضوعية لإلقاء كامل المسؤولية على القضاة وعلى نحو يبرئ السلطات السياسية من آثامها الكبيرة في مجال القضاء. وإلقاء المسؤولية على هذا الوجه إنما يشكل تزويرا كبيرا للحقائق وتجاهلا لحقيقة التنظيم القضائي الذي يبقى خاضعا بدرجة كبيرة لأهواء القوى السياسية والتجاذبات الحاصلة فيما بينها، سواء مباشرة أو من خلال من تعينه هذه القوى في أعلى المراكز القضائية. ولفهم ذلك، يكفي التذكير أن القوى السياسية هي التي تعين 8 من أعضاء مجلس القضاء العشرة كما تعين كامل أعضاء هيئة التفتيش القضائي، وأنها هي التي تعين عمليا القضاة في غالبية المراكز الحساسة وأنها لا تجد حرجا في تعطيل التشكيلات القضائية بفعل التجاذبات فيما بينها حول عدد من هذه المراكز. كما يجدر التذكير بأن القوى السياسية أبقت في خضم تجاذباتها بين 2005 و2009 أكثر من 100 قاضيا (أي ما يقارب خمس لقضاة) تخرجوا من المعهد واستحقت رواتبهم عاطلين عن العمل لفترات وصلت إلى أربع سنوات بفعل منع صدور مراسيم تشكيلهم في مراكز قضائية وأن مراسيم التشكيلات القضائية تبقى معطلة منذ 2010، مع ما يستتبع ذلك من موانع أمام تطور القضاة مهنيا. ومن ثم، من يكون المسؤول عن سوء توزيع الأعمال بين المناطق والمحاكم؟ من يكون المسؤول عن إحباط القضاة من خلال تدخلات شبه يومية في أعمالهم؟ والأهم، من يكون المسؤول عن النقص في محاسبة القضاة؟ وبكلمة أكثر وضوحا، هل بإمكان القوى السياسية أن تصارح الرأي العام بأسماء القضاة الذين تدعمهم وتعمل لتنصيبهم في أعلى المراكز في النيابات العامة وقضاء التحقيق والمحاكم والمعايير التي تعتمدها لاختيار هؤلاء؟ من دون الدخول في لعبة الأسماء، نكتفي هنا بالقول أن ظاهرة استمرار القاضي المتورط بالفساد أو الذي لا يعمل في القضاء ما كانت لتحصل أصلا لولا دعم القوى السياسية للكثير منهم وتدخلها لوقف الملاحقات التأديبية ضدهم في مرحلة أو أخرى وفق كل ظرف وأن وراء غالبية الفضائح القضائية، يرتسم اسم شخصية سياسية نافذة.     

وبالطبع، لا تهدف هذه الاعتراضات بشكل من الأشكال إلى  مجاملة القضاة أو رفع المسؤولية عنهم، ولا إلى  إنكار الحاجة إلى إصلاحات جذرية في مجال تنظيم القضاء برمته، لكنها تهدف إلى تعرية حجج السلطة السياسية وباطنيتها والتي غالبا ما تستغل عدم رضى المواطنين عن أداء القضاء للتوغل فيه ولتحقيق مزيد من الاستباحة في شؤونه لتعود من ثم وتختبئ خلف القضاء محملة إياه كامل المسؤولية.

ثالثا، أن المسّ بالضمانات المالية للقضاة إنما يشكل بطبيعته عقابا جماعيا تطول مفاعيله جميع القضاة بما فيهم القضاة الذين يتفانون في أعمالهم. وأسوأ ما في هذه العقاب الجماعي، هو طابعه العبثي المزدوج.

فمن جهة، يزداد هذا العقاب قسوة بالنسبة إلى القضاة الأكثر التزاما بأصول ومقتضيات المهنة والذين لا مداخيل لهم إلا مداخيل عملهم المشروعة، فيما يتضاءل وقعه بشكل كبير بالنسبة إلى القضاة المتورطين في أعمال فساد إداري أو مالي والذين يجدون مصادر رزق مختلفة ربما تغنيهم عن ضمانات الصندوق. وتاليا، وبكلام آخر، هو عقاب جماعي ميزته أنه يشتد كلما انتفى سبب استحقاقه ليصبح رحيما في الحالات الأخرى، في اتجاه يخالف أدنى مقومات العدالة.

أما الوجه العبثي الثاني لهذا العقاب، فهو أنه في عمقه عقاب من أجل العقاب، عقاب مجرد عن أي نية أو مسعى لتحسين الأداء القضائي وتطويره، بل الأسوأ من ذلك عقاب ذات مفعول تدميري من شأنه أن يطهر القضاء من أفضل عناصره بفعل تراجع ضماناتهم بشكل محسوس وأن يحول في الآن نفسه دون جذب  العناصر الجيدة في عالم القانون أو في الجامعات إلى القضاء. وأكثر ما يخشى هو أن يشكل الإنتقاص من حقوق القضاة سابقة تسمح بالنتيجة للقوى السياسية ليس فقط باستتباع القضاة ولكن أخطر من ذلك ببدء عملية تطهيره (تطهيره ليس من عناصره المتورطين بالفساد أو الذين لا يعملون كما تعج به التصريحات السياسية) إنما –وهنا قمة الكارثة- من عناصره الأفضل وهم الكنز الحقيقي للبنان والذي يجدر الدفاع عنهم بكل قوة. ومن هذا المنطلق، يكون تخيير القضاة الذي اقترحه السنيورة في حقيقته ليس تخييرا بين "المشي في الإصلاح أو المشي للبيت" كما ورد في مداخلته، إنما تخييرا بين الانسجام الكامل مع مقتضيات النظام السياسي وعمليا الدخول إلى بيت الطاعة أو الاستقالة من القضاء.   

أمام هذه المعطيات، يكون جميع الطامحين لإصلاح القضاء وتعزيز استقلاله محكومين بمقاومة هذه المقررات. ولكن كيف؟ وما هي وسائل القوة التي يملكها القضاة الذين تم تجريدهم طوال عقود من حريتي التعبير والتجمع؟ وما هي وسائل المناصرة الاجتماعية معهم؟ وما هو الخطاب الذي يجدر تبنيه لاستيلاد مزيد من التأييد الاجتماعي؟ هذا ما أودّ درسه في مقال ثانٍ. يتبع.  

 


[1]الهام برجس,إضراب"خاص" لمحامي بيروت: زيادة الضرائب أخطر من المس باستقلال القضاء، موقع المفكرة القانونية، تموز 2017.    
[2] مثالا على ذلك، آمال خليل، العدالة المعتكفة، الأخبار، 31/7/2017.
[3] عندما اضرب القضاة في لبنان :تجارب من سنوات الحرب الأهلية و ما قبلها(١٩٧٠ -١٩٩٠),موقع المفكرة القانونية,تموز 2017  
[4] ميريام مهنا,لهذه الأسباب التعرض لصندوق تعاضد القضاة غير دستوري,موقع المفكرة القانونية,تموز 2017 
[5]   "نواب يصنعون هشاشة القضاء، والقضاة يردون بالحراك والمواجهة"، المفكرة القانونية، العدد 17، نيسان 2014.

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني