القضاة معتكفون بعد انتزاع صندوق التعاضد منهم… هل تبدأ معركة الإستقلالية؟


2017-07-21    |   

القضاة معتكفون بعد انتزاع صندوق التعاضد منهم… هل تبدأ معركة الإستقلالية؟

لليوم الثاني على التوالي، يستمر القضاة العدليين باعتكافهم. فقد دعا المجلس الأعلى للقضاء في بيان صادر عنه في 19 تموز 2017 "القضاة العدليين إلى الاعتكاف عن العمل القضائي، باستثناء النظر في قضايا الموقوفين، إعتباراً من صباح الخميس الواقع في 20/7/2017". وجاءت هذه الخطوة على خلفية "عدم الأخذ بما أبداه (مجلس القضاء الأعلى) في شأن البنود المتعلقة بالقضاء الواردة في مشروع سلسلة رواتب الموظفين الذي أقره المجلس النيابي(…) لا سيما لجهة وجوب التعامل مع القضاء وفقاً للدستور على أنه سلطة، شؤونها تنظم بقانون خاص، ولجهة وجوب عدم المساس بالمقومات اللازمة لنهوض هذه السلطة بدورها ومنها صندوق تعاضد القضاة ومنها أيضا وجوب عدم تجاوز راتب الموظف راتب القاضي". ويلحظ أن حوالي 50 قاضياً من مختلف الدرجات تداعوا من خلال مجموعة الواتساب للاجتماع في قصر العدل في بيروت وأنهم انتظروا قرار مجلس القضاء الأعلى لأكثر من خمس ساعات.

وكان المجلس النيابي اللبناني، قد أقر في الجلسة التشريعية المنعقدة في إطار دورة إستثنتائية في 18 تموز 2017، قانون "سلسلة الرتب والرواتب" الخاص بموظفي القطاع العام. وضمنه المادة 33 المتعلقة بـ" وضع نظام موحد للتقديمات الإجتماعية". تؤدي هذه المادة وفقاً لبيان صادر عن مجلس إدارة صندوق تعاضد القضاة إلى إلغاء التقديمات الاجتماعية على إختلافها للقضاة، وإفراغ هدف إنشاء صندوق التعاضد من جميع مفاعليه (…) خاصة أن الصندوق يتمتع بالاستقلال المالي والاداري". إلى ذلك، يستنكر المجلس التعرض للقضاء بمعرض قانون خاص بالموظفين، حيث أن الأول هو "سلطة مستقلة بصراحة نص الدستور".

إذن، القضاة في لبنان معتكفون عن العمل القضائي للمرة الثانية في السنة نفسها. قصر العدل في بيروت خال إلا من الموظفين في مكاتبهم وقلة من المواطنين والمحامين. في هذا السياق، اتصلت المفكرة القانونية بعدد من القضاة غالبيتهم امتنعوا عن التصريح بأي رأي تحت عنوان "موجب التحفظ". ف "مجلس القضاء الأعلى يتكلم في هذا المجال. نحن نلتزم بيان مجلس القضاء". البعض الآخر أجاب طالبا عدم ذكر اسمه.

"غير دستوري"

"لقد أعدموا مفهوم السلطة القضائية"، بهذه العبارة تختصر قاضية إلغاء صندوق تعاضد القضاة. تضيف: "عند دمجنا مع الموظفين، فهذا يعني أنهم يعتبروننا موظفين وليس سلطة". وبما أن الدستور اللبناني ينص على القضاء على أنه "سلطة" (المادة 20)، الأمر الذي يجعله  سلطة دستورية، بالتالي يكون "هذا القانون غير دستوي" وفقاً للقاضية. والحال أنه "لا يحق للسلطة التشريعية دمجنا مع الموظفين، فهذا الدمج يعني تلقينا أوامر من السلطة التنفيذية، فلا يعود للقضاء أدنى إستقلالية". بهذا المعنى، فإن ما يحصل هو "أمر خطير جداً كونه لا يساعد في تعزيز نزاهة القضاة بل يدفع القاضي النزيه لمد يده". في هذا السياق تشير مثلاً إلى أن "هناك قضاة جدداً مستتدينون من الإسكان وينتظرون منحة الصندوق ليسددوا". تنتهي القاضية في هذا المجال إلى القول أن "القانون غير دستوري فالدستورية تستوجب أن يحترموننا كسلطة قضائية، فيما هم ينتزعون منا الحد الأدنى".

يعتبر قاض آخر أن "كل ما يجعل من القضاة سلطة نُسف". وفقاً له "القاضي يستمد حريته وسلطته من أطر تؤمن إستقلالية معينة للقاضي". ومن بين الأطر التي يشير إليها القاضي، إستقلالية الصندوق الذي يؤمن له تقديمات كالطبابة والتعليم والتعويضات عن قرارات السلطة التنفيذية، والفصل بين الأنظمة الراعية لعمل القضاة وهم مستقلون وفقاً للدستور عن الأنظمة الراعية للموظفين وهم يخضعون للهرمية الإدارية. من هذا المنطلق، يعبر القاضي عن مدى المخالفة التي ينطوي عليها القانون بخلطه بين القاضي والموظف الإداري بالقول: "بالمقارنة مع امتيازات الموظفين، فقد أصبحت رواتب القضاة تعادل الفئة الثالثة، فرواتب الموظفين زادت تبعاً لزيادة القيمة الشرائية أما نحن فقد أخذوا منا الصندوق".

مطلب أوسع، وتصعيد؟

"محسوبة غلط مع القضاة هالمرة". بهذه العبارة يشير القاضي إلى حساسية موقف القضاة بعد إقرار التعديلات من دون الأخذ بكل إعتراضاتهم السابقة والمساس بآخر المقومات القانونية لإستقلاليتهم. بالتالي "أكيد في حركة تصعيدية" في حال الإستمرار بعدم التجاوب.

أما القاضية فتفصح عن أن "المطالبة شاملة الآن، فقضاة كثر يقولون أن هناك الكثير من الأمور مهمة بالإضافة إلى الصندوق". تذكر منها على سبيل المثال: "تعديل قانون القضاء العدلي والمطالبة بالحق بإنشاء جمعية للقضاة". ولكن يمكن الإستنتاج من كلامها أن هذا التوسع غير متفق عليه من قبل جميع القضاة بعد: "لو كان لدينا جمعية اليوم كان الوضع أفضل، فالجمعية قادرة في بعض الأماكن على التحرك بحرية أكبر من مجلس القضاء الاعلى، لكن للأسف اضطهدنا وتمت محاربتنا لكي لا ننشئ جمعية، وذلك يعود لوجود تدخلات وهذه مشكلة داخل القضاء".

إذن الغاية الأوسع التي تتحدث عنها القاضية هي إستقلالية القضاء. تقول "أن الواقع بالأصل لم يكن كما لو أن القضاء سلطة وفي نص الدستور، فنحن في لبنان لسنا سلطة لأن الذي يعين مجلس القضاء هي السلطة التنفيذية". بالتالي "ورشة كبيرة يحتاجها القضاء يجب أن تفتح". غير أن الأمور ليست سهلة: "فكيف تنتزع الصلاحيات التي تملكها السلطة التنفيذية والتشريعية علينا، منها؟".

رسالة إلى الإعلام والمجتمع المدني

القاضية لا تطلب الدعم "لتحصيل مادي"، إنما "نقول ادعمونا لنكون سلطة مستقلة". أما زميلها يجد أن "جميعنا نقوى ببعضنا الإعلام والمجتمع المدني يجب أن يقف إلى جانبي وأن أوقف بدوري إلى جانبه".

لماذا الصحافيون ممنوعون من الدخول إلى العدلية خلال الإعتكاف؟

 أُبلغ صحافيو المفكرة القانونية ليومين على التوالي عند باب العدلية أن الإعلاميين ممنوعون من الدخول إلى العدلية للقيام بعمل صحافي في ظل الإعتكاف، وأن هذه هي رغبة القضاة وفق الجهاز الأمني العامل على مداخل العدلية.  

عن هذا الأمر، عبرت القاضية عن تعجبها من هذا الأمر، ورفضها له كونها تريد أن توضح للرأي العام من خلال الإعلام أن "القاضي لا يملك امتيازات كما يشاع، وأنه لا يملك إلا معاشه". أما القاضي فعلق على مسألة المنع بالقول "الإعلام غير متعاطف مع القضاة، ولكن لم نطلب هكذا منع أعتقد أن الأمن (قوى الأمن المسؤولين عن أمن العدلية) هم من منع ذلك".

وفي إتصال لـ"المفكرة" مع أمين سر مجلس القضاء الأعلى القاضي جان طنوس، نفى أي علم للمجلس بهذا الإجراء، موضحاً أن هكذا قرار لا يصدر عن جهة واحدة، فيمكن أن يكون بتعليمات من النيابة العامة التمييزية او النيابة العامة الإستئنافية. والحال أنه لا يوجد جهة محددة مسؤولة عن هكذا قرار، لذا فإن منع صحافيين من الدخول إلى العدلية بهدف مراقبة الأجواء في ظل الإعتكاف، هو اليوم بعهدة الجهات القضائية الثلاث المسؤولة عنه.

تضامن القضاة الشرعيين

أعلن كل من قضاة المذهب لطائفة الموحدين الدروز، ومجلس القضاء الشرعي الأعلى التضامن مع  زملائهم القضاة العدليين والإلتزام بكل الخطوات التي يتخذها مجلس القضاء الاعلى وبمضمون البيان الصادر عنه والإعتكاف عن العمل القضائي الى حين إجراء المعالجة التشريعية في ما ورد في قانون سلسلة الرتب والرواتب. وقد علقت الجلسات كلها على أن تستمر المحاكم (بالنسبة للجعفرية والسنية) بالنظر في قضايا الأيتام وفاقدي الأهلية والتدابير الإحتياطية التي لا تحتمل التأجيل.

إضراب المساعدين القضائيين

أعلن المساعدون القضائيون بدورهم أيضاً عن "التوقف عن تلقي المراجعات وكتابة الجلسات وكل ما من شأنه تسيير هذا المرفق باستثناء ما يتعلق منها بالموقوفين". وكان ذلك في إطار إعتصام نفذه المساعدون القضائيون في قصر عدل النبطية ألقى خلاله رئيس قلم دائرة تنفيذ النبطية حسن أيوب بيانا أعلن فيه عن إستمرار امتناعهم حتى "ايجاد الآليات القانونية للحفاظ على الحقوق المكتسبة وحفظ الكرامة وعلى رأسها الحفاظ على الصندوق التعاوني للمساعدين القضائيين" الذي ألغي بموجب السلسلة أيضاً. وقد ناشد المساعدون مجلس القضاء أن "تشمل مطالبتهم بالاضافة إلى القضاة الحفاظ على حقوق المساعدين القضائيين وعلى صندوقهم باعتبارهم جزءاً من القضاء على ما نصت عليه الأنظمة والقوانين وكرامتهم من كرامة القضاء".

بيان المفكرة

بدورها، أصدرت المفكرة القانونية بيان أدانت فيه "الممارسات المزمنة التي تقوم بها السلطات العامة والقوى السياسية والنافذة التي تؤدي الى إضعاف القضاء والمس بجميع جوانب استقلاله وترسيخ ثقافة التدخل في القضاء على أنقاض ثقافة استقلال القضاء". في هذا السياق تدعو المفكرة رئيس الجمهورية ميشال عون الى "إطلاق حوار وطني واسع بالتنسيق مع مجلس القضاء الأعلى وبمشاركة المحامين والجامعيين والنواب والمنظمات الحقوقية والهيئات القضائية لاستشراف الإصلاحات التشريعية والتنظيمية الضرورية لشؤون القضاء ولتعزيز استقلاليته وشفافيته. فقد آن الأوان للتعامل مع استقلال القضاء وإصلاحه على أنه أولوية اجتماعية" هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإنها تدعو "النواب اللبنانيين الرافضين لهذا القانون إلى تقديم طعن أمام المجلس الدستوري بالبند المتصل بتكليف مجلس الوزراء إعادة النظر في صندوق تعاضد القضاة على أساس مبدأ عدم فصل السلطات والمادة 20 من الدستور". كذلك الأمر، توجه الدعوة الى  "نقابتي المحامين في بيروت والشمال ومجمل القوى الاجتماعية ووسائل الإعلام إلى دعم جهود مجلس القضاء الأعلى والقضاة في ضمان حقوقهم المالية لما يصب في مصلحة المواطنين كافة".

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، حقوق العمال والنقابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني