براءة في جنحة ترويج الخمور بالمغرب: مبدأ الشرعية الجنائية أولا


2017-07-18    |   

براءة في جنحة ترويج الخمور بالمغرب: مبدأ الشرعية الجنائية أولا

أصدر القضاء المغربي مؤخرا حكما مثيرا في قضية تتعلق ببيع الخمور، تزامنا مع النقاش العمومي المفتوح بالمغرب حول ضرورة مراجعة منظومة التجريم في اتجاه تكريس حماية الحريات الفردية.

ملخص القضية

بتاريخ 29/01/2016 أوقفت الشرطة شابا أثناء قيادته لدراجة نارية ثلاثية العجلات وهو في حالة سكر. وعندما استمعت إليه في محضر قانوني صرح بأنه احتسى كمية من الخمر اشتراه من طرف بائع في محل لبيع المواد الغذائية، مرخص له ببيع المشروبات الكحولية.

بناء على هذه التصريحات، انتقلت الشرطة إلى محل بيع المواد الغذائية، واستمعت في محضر قانوني للبائع الذي اعترف بأنه باع للمتهم الأول قنينة خمر.

بعد تقديم المتهمينإالى النيابة العامة، أمرت بإحالتهما على المحكمة، حيث تابعت المتهم الأول بالسكر العلني والسياقة في حالة سكر، وتابعت المتهم الثاني بجنحة بيع الخمور للمغاربة المسلمين، طبقا لقانون (قرار) 14/11/1967.

أثناء مناقشة القضية دفع دفاع المتهم الثاني بانعدام العناصر التكوينية لجنحة بيع الخمور للمغاربة المسلمين، طالما أن الملف خال مما يفيد اعتناق المشتري وهو (المتهم الأول)  للديانة الإسلامية.

وقد ردت النيابة العامة هذا الدفع متمسكة بأن الأصل هو الإسلام وبأن على من يدعي خلاف ذلك أن يثبت ادّعاءه، فضلا عن أن ديانة المشتري وهي ركن أساسي من أركان الجريمة المتابع بها واضحة انطلاقا من اسمه، المشتق من أسماء العبودية (لله)، كما أن السواد الأعظم من سكان المغرب مسلمون، وبأن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.

موقف المحكمة

أصدرت المحكمة الابتدائية قرارها القاضي بتبرئة المتهم من المنسوب اليه[1] لكون ملف القضية خاليا مما يفيد أنه مسلم. ورغم أن النيابة العامة استأنفت هذا الحكم متمسكة بالدفوع التي قدمتها في المرافعة، أصدرت غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة سوق أربعاء الغرب بتاريخ 04/05/2017 حكمها المؤيد للحكم الابتدائي القاضي بتبرئة المتهم من جنحة بيع الخمور للمغاربة المسلمين، معتمدة على الحيثيات التالية[2]:

"وحيث إن الحكم المستأنف ارتكز فيما قضى به من براءة المتهم الثاني على عدم ثبوت كون مشتري قنينة الخمر وهو المتهم الأول يعتنق الديانة الإسلامية.

وحيث إنه بتفحص المحكمة لوثائق الملف ومستنداته والتصريحات الواردة به لم يثبت للمحكمة أن المتهم الأول يعتنق الدين الإسلامي طالما ليس بالملف ما يفيد ذلك، خاصة أنه يشترط لقيام جنحة تقديم الخمر للمغاربة المسلمين أن يقوم الفاعل بتقديم خمر لشخص مغربي مع ثبوت اعتناقه للديانة الإسلامية، طالما أن المغاربة ولئن كان أغلبهم مسلمين، فإن فيهم معتنقين لديانات أخرى، وأنه تبعا لذلك فإن المحكمة الابتدائية لما صرحت ببراءة المتهم الثاني لفائدة الشك تكون قد صادفت الصواب ويتعين تأييد حكمها".

الدروس المستفادة من الحكم

يتعلق الحكم بأحد تطبيقات قرار مدير الديوان الملكي الصادر بتاريخ 14/11/1967[3]، والخاص بتنظيم الإتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول، حيث ينص الفصل 28 منه، على ما يلي: "يمنع على مستغل كل مؤسسة تتوقف على رخصة أن يبيع أو يقدم مجانا مشروبات كحولية أو ممزوجة بالكحول إلى المغاربة المسلمين". ويعاقب عن المخالفات للمقتضيات السابقة بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و 1.500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

هذا النص القانوني الذي أصبح اليوم متجاوزا، ليس فقط على مستوى مضمونه، وإنما أيضا بالنظر إلى شكله باعتباره لم يصدر عن البرلمان كجهة تختص بالتشريع في كل الأمور المتعلقة بالقانون الجنائي، وإنما صدر عن مدير الديوان الملكي وهو جهة غير تشريعية بحسب دستور 2011.

من جهة ثانية يعيد هذا الحكم تسليط الضوء على جدوى استمرار القانون المغربي في تجريم استهلاك الخمور وبيعها للمواطنين (المسلمين)، رغم أن الاحصائيات الوطنية الرسمية، تفيد الارتفاع المتزايد لمعدلات استهلاك الخمور والتي يعد المغرب بلدا منتجا ومصدرا ومستهلكا لها. وقد سبق لعدة منظمات غير حكوميةأان طالبت برفع التجريم عن بيع الخمور للمغاربة المسلمين واستهلاكها نظرا لأن هذا المنع يمس بالحريات الفردية.

من جهة ثالثة، يشكل الحكم الصادر عن محكمة سوق أربعاء الغرب (ابتدائيا واستئنافا)، تحولا في الاجتهاد القضائي في قراءة النصوص القانونية، حيث قطع مع اجتهادات سابقة استقر عليها القضاء مند حوالي نصف قرن من الزمان، وكانت تكتفي بافتراض الإسلام انطلاقا من بعض القرائن الموجودة في الملف، وتعتبر أن مجرد كون الطرف المغربي الذي اشترى مشروبا كحوليا، يحمل الجنسية المغربية فإنه مسلم، باعتبار أن الإسلام هو دين الغالبية من المغاربة، ومن ثم تكون جريمة بيع الخمور للمغاربة المسلمين قائمة. لكن الجديد في هذا الحكم هو عدم توقف المحكمة على ظاهر النصوص وتمسكها بقرينة البراءة التي تبقى أصلا. حيث أصدرت قرارها بتبرئة المتهم من المنسوب إليه لفائدة الشك، وإعمالا لمبدأ التفسير الضيق للنص الجنائي.

 


[1] – المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب، حكم ابتدائي صادر بتاريخ 24/03/2016 في القضية عدد 141/16 ، غير منشور.
[2] -المحكمة الابتدائية بسوق أربعاء الغرب، قرار استئنافي صادر بتاريــخ: 04/05/2017، في ملــف جنحي رقــم: 256/2016، غير منشور.
[3] – يتعلق الأمر بقرار للمدير العام للديوان الملكي رقم 3.177.66، صادر بتاريخ 17 /07/ 1967 بتنظيم الاتجار في المشروبات الكحولية أو الممزوجة بالكحول، منشور بالجريدة الرسمية عدد 2856 بتاريخ 26/07/1967، ص 1658. صدر هذا القرار بناء على المرسوم الملكي رقم 76.66 بتاريخ (31 /01/ 1966) بالتفويض في المسائل المتعلقة بالكحول والمشروبات الكحولية والخمور وألعاب القمار والمهن المرتبطة بها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، محاكمة عادلة وتعذيب ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني