حقّ النفاذ للمعلومة في تونس: مساعٍ حقوقية لضمان احترامه


2017-06-30    |   

حقّ النفاذ للمعلومة في تونس: مساعٍ حقوقية لضمان احترامه

لم يكن من الوارد أن يعتمد المشرع التونسي تصورا تقدميا لحق النفاذ للمعلومة يلائم روح الفصل 32 من الدستور التونسي لو لم تتحرك منظمات مدنية لتفرض ذلك. وذات الدور الإيجابي تواصل منظّمات عدة الإضطلاع به من خلال نضالها من أجل إلزام السلطة السياسية بتطبيق هذا القانون بداية من إرساء مؤسساته الذي تأخر حصوله. ويهم المفكرة القانونية وهي تعاين ما تتعرض له هذه المنظمات الفاعلة من حملات تشويه أن تؤكد مساندتها لها بتوثيق عملها المتميز (المحرر).  

نظم المشرّع التونسي “حق النفاذ للمعلومة” لأول مرة في تاريخه بالمرسوم عدد 44 لسنة 2011 المؤرخ في 26-05-2011[1]. إرتبط الإعتراف التشريعي بهذا الحق في نشأته بالحراك الثوري ومناخ الحريات  الذي فرضه. ولكن يتبين من النظر في النص المؤسس لهذه الثورة المفهومية أن الانتقال من مرحلة حجب المعلومة إلى مرحلة الإعتراف بحق العموم في مراقبة السلطة العامة من خلال وثائقها كان عسيراً.  فقد تضمّن المرسوم إستثناءات موسّعة تؤدّي لإفقاد المبدأ أثره المرغوب[2]، هذا علاوة على أن المنظومة التشريعية الجديدة لم يواكبها إرساء الآليات التي تيسّر ممارسته.  

كان يمكن بالتالي أن يكون إقرار الحق في النفاذ للمعلومة شعارا من شعارات الثورة، شعاراً غير قابل للتطبيق بفعل عيوب النص القانوني أولا وقوة مقاومته ثانيا. إلا أن بروز منظمات مدنيّة فاعلة عملت على تنزيل هذا الحقّ إلى نطاق التطبيق غيّر بشكل جذري من المعطى القائم. وقد برزت في هذا الإطار  أساساً منظمتان لعبتا دورا هاما في تطوير ممارسة حق النفاذ للمعلومة في مرحلة أولى وانتهتا لتطوير منظومته التشريعية في مرحلة ثانية، وهما جمعية بوصلة وجمعية أنا يقظ.

تأسست جمعية بوصلة سنة 2012. وكان هدف نشاطها في بدايته رصد نشاط المجلس الوطني التأسيسي لغاية اطلاع الرأي العام عليه. عارض أعضاء المجلس الوطني التأسيسي فكرة الجمعية التي قدروا أنها مؤامرة سياسية الغاية منها تأليب الرأي العام ضدهم. ووصل الأمر لأن طالب عدد منهم بحلّ الجمعية التي تطاولت على نواب الشعب. رفعت الجمعية في صراعها مع السلطة التأسيسية لواء الدفاع عن حق النفاذ للمعلومة واستفادت من متابعة الإعلام والرأي العام للمعطيات التي كشفتها. فكانت في ذات الحين جمعية تدافع عن هذا الحق وتستفيد من ممارسته. انتهت تجربة بوصلة لأن تحولت الإحصائيات التي تنشرها حول نسب حضور  المجلس الوطني التأسيسي باللجان والجلسات العامة لوثيقة يهتم بها نواب الشعب وأحزابهم لأثرها على نظرة الرأي العام لهم. وتبعاً لذلك، تحولت الجمعية الفتية إلى فاعل أساسي في ساحة المجلس لها القدرة على كشف الإخلالات وفرض إصلاحها وهو أمر أهّلها لأن تعتبر في نظر جانب من المراقبين من الفاعلين المهمين في مسار صياغة الدستور التونسي[3]. صادق لاحقاً أعضاء المجلس الوطني التأسيسي ممن لم يخفوا معارضتهم لنشر المعطيات التي تعلقت بعملهم التشريعي على الفصل 32 من الدستور الذي ألزم الدولة بضمان حق النفاذ للمعلومة. ويلحظ أن هذا المجلس نفسه ولحين نهاية مدة ولايته لم يضمن هذا الحق لجمعية بوصلة التي اضطرت لأن تقاضيه أمام المحكمة الإدارية طلبا لمحاضر جلساته. فكان تكريس الحقّ الدستوريّ نصراً لمن دافع عن هذا الحقّ، فيما كانت مواصلة الممانعة في التسليم به في الممارسة مؤشراً على صعوبة تنزيله على أرض الواقع.

سعى رئيس مجلس نواب الشعب التونسي محمد الناصر لفرض قواعد جديدة لممارسة جمعية بوصلة لنشاطها في ظل ولاية مجلسه، فهاجمها واتهمها بكونها تسيء لنواب الشعب بادعائها أنهم متغيبون عن حضور جلسات مجلسهم[4] وهو هجوم نجحت الجمعية في صده بعدما اختارت أن تهاجم مصدره إعلاميا[5].

من جهتها، تحرّكت في ذات السياق المؤسساتي الذي يشكو إنفصاما بين الشعار والممارسة جمعية أنا  يقظ[6] لتفرض تنزيل حق النفاذ للمعلومة لنطاق الممارسة. واعتمدت في عملها هذا بشكل أساسي على مطالب النفاذ للمعلومة. فتقدمت خلال الفترة الفاصلة بين بداية الشهر التاسع من سنة 2015 والشهر التاسع من سنة 2016 بمائة مطلب نفاذ للمعلومة لهياكل ومؤسسات إدارية وعمومية. واعتمدت الإعلام كجبهة لإبراز أهمية الوثائق التي تطلبها لكشف الفساد وتحقيق شفافية الإجراءات الإدارية. كما التجأت في 18 حالة للقضاء الإداري لتفرض على الإدارة تمكينها من مطالبها.

فرضت حركية المنظمات المدنية على الحكومة المسارعة بإيداع مشروع القانون الأساسي للنفاذ للمعلومة بمجلس نواب الشعب واتجهت في مشروعها لاعتماد استثناءات على المبدأ، كمدخل للحد من مجال نفاذه[7]. واجهت المنظمات المدنية التوجه الحكومي فخاضت طيلة سنة كاملة حربا إعلامية ضد ما اعتبرته سعيا للإنقلاب على الدستور. وكان لانخراط النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في تلك المواجهة أثر بارز على أداء أعضاء مجلس نواب الشعب والحكومة على حد سواء. انتهت المواجهة برضوخ الحكومة والأغلبية النيابية التي تدعمها لمطالب المنظمات المدنية التي نجحت في فرض نصّ تشريعي يحترم التنزيل الأمين للحق في المعلومة. وكانت بالتالي المصادقة على مشروع القانون الاساسي عدد 22 لسنة 2016 المتعلق بالنفاذ للمعلومة انتصارا هاما للحراك التونسي الشبابي الذي ولد في ظل الثورة وناضل لفرض قيمها[8]. إلا أن أهمية المكسب التشريعي وتواصل سعي السلطة للحد من مداه فرضا على المنظمات المدنية مواصلة الحركة من أجل فرض الحق في النفاذ للمعلومة.    

مطالب تفعيل مؤسسات النفاذ للمعلومة:

منح قانون النفاذ للمعلومة للجهات الرسمية سنة كأجل إمهال لإرساء هيئة النفاذ للمعلومة التي ستلعب في منظمته دورا أساسيا في ضمان الممارسة الفعلية لهذا الحق بدوريها الرقابي والقضائي من جهة ولتمكين المؤسسات العمومية في تركيز منظومة نشر المعلومات. لم يلتزم المجلس التشريعي بالأجل الذي فرضه لنفسه، إذ لم ينتخب أعضاء هيئة النفاذ للمعلومة بنهايته. وكان يفترض أن تكون الهيئة بحلول ذلك الأجل قد أعدت نظامها الأساسي وباشرت عملها فعليا. كما لم تبدِ عدد هام من المؤسسات والإدارات العمومية تجاوبا مع ذات القانون ولم تنته بنهاية مدة الإمهال القانوني من إنشاء قاعدة البيانات الخاصة بها والمفتوحة شبكيا للعموم. تحرّك المجتمع المدني مجددا ليفرض على الدولة الإلتزام بقوانينها. اعتمد الإعلام كجبهة للتنبيه لخطورة التجاوز فطالب بالاسراع بإرساء الهيئة. ولم يُكتفَ بذلك إذ تعدت جمعية انا يقظ إلى رصد المؤسسات التي لم تنجز بوابات خاصة بها والتشهير بها. وكان لافتا أن رئاسة الجمهورية كانت في طليعة هذه المؤسسات.

نشر في العدد 8 من مجلة المفكرة القانونية في تونس


[1]  مرسوم عدد 41 لسنة 2011 مؤرخ في 26 ماي 2011 يتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية
[2]   كرس الفصلان 16 و 17 الإستثناءات المتعلقة بوممارسة الحق في النفاذ للمعلومة وورد بالفصل الاول ” يمكن للهيكل العمومي أن يرفض تسليم وثيقة إدارية محمية بمقتضى التشريع الجاري به العمل وخاصة القانون المتعلق بحماية المعطيات الشخصية وحقوق الملكية الأدبية والفنية أو بمقتضى قرار قضائي أو إذا تعلق الأمر بوثيقة تحصل عليها الهيكل العمومي المعني بعنوان سري فيما اقتضى الفصل 17 “ـ يجوز للهيكل العمومي أن يرفض تسليم وثيقة قد تلحق ضررا
ـ بالعلاقات بين الدول أو المنظمات الدولية،
ـ بوضع سياسة حكومية ناجعة أو تطويرها،
ـ بالأمن العام أو الدفاع الوطني،
ـ بالكشف عن الجرائم أو الوقاية منها،
ـ بإيقاف المتهمين ومحاكمتهم،
ـ بحسن سير المرفق القضائي واحترام مبادئ العدل والإنصاف وبنزاهة إجراءات إسناد الصفقات العمومية،
ـ بإجراءات المداولة وتبادل الآراء ووجهات النظر أو الفحص أو التجربة أو المصالح التجارية والمالية المشروعة للهيكل العمومي المعني ”
[3] يراجع  تقرير حول الدستور – عملية صياغة الدستور في تونس 2011-2014 التقرير النهائي – جمعية كارتر والذي تعرض  بالتفصيل لهذه التجربة في إطار إبرازه لدور المجتمع المدني في صياغة الدستور صفحة 71  منه.
[4] سرحان الشيخاوي ، على خلفية نشرها نسب الغيابات حرب كلامية بين مجلس النواب وجمعية بوصلة – الشروق التونسية -25-04-2015
[5] رئيسة جمعية بوصلة تردّ في رسالة مفتوحة على محمد الناصر   – موقع حقائق أون لاين – 25-04-2015
[6]  جمعية تعنى بمكافحة الفساد أعلن تأسيسها  خلال الشهر الثالث من  سنة 2011 والا ان نشاطها تطور بشكل كبير بداية سنة 2014 بعد اعتمادها كنقطة اتصال رسمي لمنظمة الشفافية الدولية بتونس
[7]   نص الفصل 26 من مشروع القانون  على انه ي جوز للهيكل العمومي أن يرفض النفاذ إلى المعلومات التي قد تلحق ضررا  -1- بسرية المداولات -2- بالدفاع الوطني – 3- بالسياسة الخارجية -4-  بأمن الدولة وأمن الأشخاص  -5- بالسياسة النقدية والاقتصادية والمالية للحكومة  -6- بسير الإجراءات أمام المحاكم -7-  بالبحث عن الجرائم والوقاية منها  -8-  بالحريات والحقوق الأساسية للأفراد -9- بالمصالح التجارية و المالية الخاصة والعامة  -10- بسير المهام الرقابية و نتائجها  -11- بالطابع السري لهوية الأشخاص الذين قدموا معلومات إلى الهيكل العمومي بهدف الإبلاغ عن تجاوزات أو حالات فساد
[8] يراجع آمال المكي – المصادقة على قانون النفاذ للمعلومة معركة اخرى ربحها المجتمع المدني – 16-03-2016   – موقع جمعيتي

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني