تدخل وزير العدل في دعوى الريف يبطئها


2017-06-15    |   

تدخل وزير العدل في دعوى الريف يبطئها

بتاريخ 13/6/2017 أرجأت محكمة الجنايات في بيروت برئاسة القاضي هاني عبد المنعم الحجار، وللمرة الثانية  جلسة المرافعة في قضية مقتل جورج الريف إلى 4 تموز 2017. فقد وجدت المحكمة نفسها أمام سابقة تمثلت بانسحاب وكيل المدعى عليهم المحامي أنطوان طوبيا من الجلسة، رداً على ما حصل في الجلسة السابقة. وكانت جهة الإدعاء قد توجهت مع وسائل الإعلام إلى وزير العدل سليم جريصاتي للطلب منه بالتدخل لتسريع الملف، فاتصل بالقاضي الحجار ليلفت نظره الى ما سمي حينها ب hot files. وكانت المفكرة قد نقلت كل مجريات الحوار الدائر بين الوزير والقاضي.

كان من المفروض أن ينتهي كل شي، أن يترافع الطرفان ثم ترفع الجلسة إلى الحكم. وبالفعل، ترافع المحامي زياد بيطار عن الجهة المدعية ثم ترافع ممثل النيابة العامة مطالباً بتجريم المتهم إلى أن وصل دور وكيل طارق يتيم المحامي أنطوان طوبيا فرفض الأخير الترافع، معلنا استنكاره ما جرى أعقاب الجلسة السابقة ومطالباً باعتذار علني من وزير العدل. بل أن المحامي طوبيا لم يتردد في التهديد بأن يترك القضية مفتوحة الى أجل غير مسمى وانسحب فارضاً تأجيل الجلسة.

وللتذكير، بتاريخ 15 تموز القادم، يكون مضى عامان على الجريمة المروعة التي، قضى جورج الريف على إثرها، متأثّراً بجراحه بعدما تعرّض لعدة طعنات على يد المدعو طارق يتيم على خلفية إشكال حول أحقية المرور في منطقة الصيفي في بيروت أمام أعين الناس وفي وضح النهار. وقد اهتم الرأي العام بهذه القضية بعدما ثبت أن طارق يتيم كان تورط في جرائم أخرى لا تقل خطورة من دون أن يؤدي ذلك إلى إدانته. وعليه، علقت المفكرة آنذاك على القضية بأن “التدخل في القضاء يقتل”.

تقاصيل الجلسة

قرابة الواحدة تقريباً نادى القاضي على طرفي الإدعاء. وقبل ذلك كان طارق يتيم يجلس غير مرتاح في قفص الإتهام. وقد غابت عن سحنته التي صبغت باللون البرونزي بفعل الشمس، الإبتسامة التي اعتاد أن يوزعها على الحضور ولا سيما وسائل الإعلام، ربما لانه كان من المفروض أن تكون هذه الجلسة الأخيرة. ولعله حاول تبديد قلقه بالحديث الى الظنينة لينا حيدر من بعيد قدر المستطاع والتي كانت كعادتها تبتسم له وتحاول طمأنته. بالمقابل كانت رولى أبو صالح تجلس الى جانب ابنتها الصغيرة أنجولينا الريف والتي كانت تحاول بين الفينة والفينة أن ترمي بنظرها على قاتل والدها بشيء من الخوف. أما الجو العام في القاعة، فبدا مشحوناً بعض الشيء وكان شيئاً سيحدث، زحمة وسائل إعلامية، وتشدد مفرط من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي ليفرض على الاعلاميين إطفاء الهاتف دون باقي الناس. وعندما تسأل عن السبب يرد أحدهم أن هكذا هو النظام، وإن حاولت أن تناقشه بأن باقي الأيام يطلب فقط جعل الهاتف صامتاً يأتيك الرد أن جلسة اليوم ميزة لان فيها قضية “جورج الريف”

ثم حان الوقت، فمثلت زوجة الريف رلى أبو صالح برفقة وكليها زياد بيطار والمحامي حنا بولس. فيما حضر عن الجهة المدعى عليها المحامي أنطوان طوبيا ومعه محاميان آخران. وذكّر القاضي الحجار بأن هذه الجلسة مخصصة للمرافعة، طالباً من  جهة الإدعاء البدء بمرافعتها.

بدأ بيطار كلامه بلفت النظر الى انه “لم يحضّر للمرافعة، لأن الجمهور اللبناني والشعب اللبناني  شاهد عبر شاشات التلفزة جريمة بشعة جداً”. لكنه قدم مختصراً لما حصل في ذلك النهار وقال:” توجه جورج لإحضار زوجته من عملها في المطار، ليتفاجأ أثناء سيره بسيارة بيكانتو صغيرة، “تزمر” خلفه وتحاول تخطيه من خلال القفز أمامه وتدفعه، من جهة اليمين وهو في نفس الوقت الجانب اليسار الخلفي لسيارة البيكانتو. مما أدى الى برم هذه السيارة ثلاثة إلتفافات وهذا أمر طبيعي، ولو أن جورج هو من ضرب السيارة من الخلف لكانت “تكسرت”،لأن البيكانتو سيارة صغيرة وكانت تصطدم بسيارة مرسيدس كبيرة. من بعدها كاد جورج وزوجته يتعرضان للقتل ومع ذلك حاولا، اللحاق بأصحاب البيكانتو، ليقولا لمن فيها أن لديهما تأمين وبإمكانه ان يغطي الأضرار فلماذا تهربون. لكن يتفاجآن بالظنينة لينا حيدر التي اخترعت المشكلة وهي على علم مسبق بخطورة طارق يتيم، وهذا ما اعترفت به أثناء التحقيق معها وهي على علم مسبق أن بحوزته سكين وهي على علم مسبق بجرائمه ومع ذلك بقيت تلحق بجورج إلى حين الوصول إلى بيئة حاضنة بناية السنترال حيث أجهز يتيم على الضحية”.

ثم استفاض بيطار بذكر تنفيذ الجريمة خطوة بخطوة من الضربات التي وجهها يتيم الى الضحية الى كلمات المغدور الريف “دخيلك خلص”، هذا الرجاء الذي لم يمنع يتيم من تحطيم جمجمة الريف بحسب بيطار. ودخيلك عندي أولاد.. دخيلك أنا عم موت “. يتابع بيطار: “يمسكه من رجله ثم يلبط له نخاعه، هو لم يعرف أنه قتل جورج الريف انما هو قتل مارسيلينو زماطا وقتل زوجة الريف وقتل كل الناس، وهو من جعل الجريمة تحدث كل يوم في لبنان”.

وعاد بيطار وأكد أن يتيم كان واعٍ تماماً أثناء تنفيذ الجريمة  مستنداً الى تقارير الأطباء الذين عاينوه وقال:”هذا ما ذكر في التقارير الأولية، الدكتور ايلي كرم والدكتور رامي أبو خليل قالا الحقيقة. أما الدكتور أحمد عياش الذي جاء الى هنا وقال أعطوني التقرير لأرى ما كتب فيه. شخص كتب تقريرا وقام بمعاينة انسان يطلب ان يرى ما كتب فيه. لا اعرف شخصا كهذا الى أي مدى هو مطلع على الحالة المرضية خلال ربع أو نصف ساعة”. وسأل بيطار إن كان كل الإجرام المتفلت الحاصل اليوم هو حالة مرضية؟” وقال:”هناك حالة واحدة فقط لم يطبق قانون الاعدام. لان هذا القانون اذا طبق سيعلم جميع الأشخاص ألا يرتكبوا القتل أبدا. أنا اليوم باسم الشعب اللبناني، باسم ربيع كعيو، باسم مرسيلينو زماطا، باسم شادي الحاج، باسم جميع الذين قتلوا، باسم الجمهورية اللبنانية والشعب اللبناني الذي يبكي في كل يوم دما، وما عاد يتحمل، أطلب من رئاسة المحكمة أن تثبت للرئيس ميشال سليمان الذي قال لي مرة “دكتور بيطار أنا مش قوي بالقضاء، في ناس أقوى مني بالقضاء”، باسم ايلي نعمان باسم كل واحد حاول أن يتعدى عليه هو و”المجرم تبعه”، أن احكموا بالإعدام فهو الحكم الوحيد الذي يعطينا حقنا.الإعدام ليس غاية إنما وسيلة لردع الزعران”.

ثم سأل بنبرة مرتفعة وحادة “ماذا سأقول لأنجلينا والدك ذهب؟ والدك غير موجود وقتله رجل على الطريق لأنه محمي وكل مرة يدخل السجن يخرج منه”. ثم بأعلى صوته وعد أنجولينا أن”الإعدام سيطبق، وأنا أعدك أن آخذ حقك وأن القاتل سينال جزاءه.وانه لن يتجرأ بعد اليوم أن يقتل أحداً (..) ولن يكون هناك أسباب تخفيفية لأنها غير موجودة لا بالتقارير ولا بشهود الحق العام ولا الشهود الشخصية مع أنو المنطقة لهم”.

ثم ترافع المحامي بولس حنا بالمطالب القانونية طالباً إدانة المتهم طارق يتيم بجرم المادة 549 من قانون العقوبات. وإنزال عقوبة الاعدام بحقه. وإدانة المدعوة لينا حيدر بجرم على أساس المواد 549/217 و549/219 و549/220 من ق.ع. وإنزال أشد العقوبات بها. كما طالب إلزام المدعى عليهما بالتكافل والتضامن بالتعويض على الجهة المدعية بمبلغ لا يقل عن مليار ليرة لبنانية وتضمين المدعى عليهما الرسوم والمصاريف”.

ثم طلبت رلى أبو صالح من القاضي الإذن بالكلام وتوجهت الى طارق ولينا قائلة:”أنا اليوم مواطنة عائدة من المطار ولدي أربعة أطفال، ولا أعرف طارق يتيم ولا لينا حيدر، لم أتعرض لهما بشيء، أنا أم أربي أطفالي مثلما كل الناس تعرفني. وزوجي كل الأشرفية تعرفه ويحلفون بحياته  ويعرفون أنه آدمي. عندما توسلت طارق يتيم أن لدى جورج أربعة “طفالى” أطفال، “يا مارشربل”،  “يا عدرا دخيل اجريكن اتركولي ياه” لماذا لم يسمعني؟ علماً أنه كان واعٍ والمناطق التي ضرب عليها جورج تدل على ذلك”.

وسألت:”اليوم عندما تعود انجولينا من المدرسة وتقول لي أنها تشم رائحة والدها على المقعد بماذا أجاوبها؟ عندما تسألني كيف بإمكانه أن يرانا ونحن لا يمكننا رؤيته، أنت تأخذيننا الى الكنيسة ولكن كيف سأرى والدي ماذا أقول لها؟ لماذا قامت لينا حيدر بما قامت به في حين أنها أم ولديها طفل. عندما اتصلت بي لينا وقالت لي اترجاك انا لدي ولد لماذا لم تحس بقيمة الولد حين كان يتيم يسلب أنجولينا والدها؟ لماذا تكذب وتدعي أني ضربتها لماذا؟”.

هنا علق المحامي أنطوان طوبيا على مداخلة رلى معتبراً أنها بمثابة مرافعة. فردت عليه رلى: “أنت أب وتعرف”. فأجابها بجفاصة: “أنا بيّ وأم وجدّ… وعشت ما مررت به قبل أن تولدي..”. فتدخل القاضي، لافتاً الى أنه لم يسمح لطوبيا بالكلام. كما قاطع رلى موضحاً أنه سمح لها “بعدة كلمات وانتهينا”. ثم ترافع ممثل النيابة العامة طالباً تجريم المتهم وتطبيق مواد الإتهام دون أن يحدد عقوبة محددة .

طوبيا يرفض الترافع

ثم جاء دور وكيل طارق يتيم المحامي أنطوان طوبيا فبدأ مرافعته المفترضة بالقول “ليس بالحق أوالقانون يحيا القضاء، ليس بالمداخلات وبالتهويل من معالي الوزير على هيئتكم…” فقاطعه القاضي الحجار سائلاً إن كان يترافع. فأجاب طوبيا بأنه يريد أن يسجل موقفاً وينسحب وقال “أريد أن أسجل موقفا، وأستنكر  ما حدث في الجلسة من قبل وزير العدل الذي قام بمداخلة علنية حول ملفنا”.

فقاطعه القاضي الحجار قائلا:”أستاذ طوبيا، هذه الجلسة مخصصة للمرافعة” لافتاً إلى أنه كان عليه أن يعترض قبل أن يبدأ المحامي بيطار بمرافعته. فرد طوبيا: “أنا ما خصني فيه يترافع.. انا لن أترافع قبل أن يتعهد معالي الوزير بعدم المداخلة والتدخل في هذا الملف وبغيره”.

إصرار طوبيا شكل صدمة لهيئة المحكمة، وكذلك للحاضرين في القاعة وعلى رأسهم طارق يتيم الذي دون أن يفهم ماهية الخطوة التي قام بها وكيله بدأت تنفرد أساريره التي كانت مقيدة في البداية.

القاضي الحجار رد بأن “هذه ليست أصول”.

فجاوب طوبيا بكل ثقة:”لا إنها أصول ونص. لما نشوف معالي الوزير عم يحكي مع حضرتك ويهدد بالتشكيلات القضائية. أنا كيف سأطمئن على الملف؟ أنا لدي كرامتي ولن أعود الى الجلسة قبل أن يتعهد معالي الوزير بعدم التدخل في الملف علناً مثلما تحدث علنا أمام الناس وأؤيد ان يستقيل”. واستنكر عدم تمكنه من تقديم  تقرير مرضي واعتذار من المحاكمة. وكرر:”لن أعود لحضور الجلسات الا في حال تعهد الوزير أمام الملأ. نحن بإنتظار التشكيلات القضائية منذ  10سنوات”. وأعلن انسحابه قائلاً:”أدع مرافعتي الى حين العودة، عندما يتعهد الوزير بعدم التعاطي لا بهذا الملف ولا سواه”.

وتدخل القاضي عماد سعيد معلقاً بقوله: “أنت تربط الملف بشيء مستحيل”. فرد طوبيا: “أكيد بدي اربطوا القصة فيها حياة أو موت ليش ما اربطو” لافتاً أنه لم يحصل في السابق مثل هذا التدخل الواضح من قبل وزير.

وعلق المحامي بيطار على ما أعلنه طوبيا معتبراً أن كل ذلك هو نتيجة إفلاس الجهة المدعى عليها مبرراً تدخل الوزير بأنه حق طبيعي له وليس تدخلاً في عمل القضاء وقال:”إننا في جلسة مرافعة وأقترح إعتبار الدفوع بمثابة مرافعة بغض النظر عما قاله، فالمعروف أن هذا الامر هو تغطية للعجز أمام هول الجريمة، وأن التدخل في أي ملف هو من اختصاص وزير العدل في كل المحاكم لتصويب الأمور دون أن يتدخل في مضمون الملف. أما ما حصل فهو نتيجة العجز عن المرافعة أمام هول الجريمة”.

ورد طوبيا على بيطار قائلاً:” لو بياخد الملف وبعطي الحكم كان أحسن. لن أترافع. لماذا سأترافع حضرة القاضي إن كان الوزير قد أخذ القرار مسبقاً”. وأعلن انسحابه من الجلسة.

هنا سأل القاضي طارق يتيم إن كان يقبل بالمضي بالدعوى  دون محام، فأصر الأخير على وجود محام للدفاع عنه. وكذلك فعلت الظنينة لينا حيدر. وسأل القاضي “يتيم” إن كان يريد تعيين محام آخر فرد: “على المدى المنظور لاه”، وكذلك أصرت لينا حيدر على طوبيا.

وأمام الحيرة التي وقعت فيها هيئة المحكمة إزاء الخطوة المفاجئة من قبل طوبيا أرجئت الجلسة الى تاريخ 4/7/2017 على أن يتم تسطير كتاب الى نقابة المحامين للطلب إليها تعيين محام لكل من يتيم وحيدر.

خرج المحامي زياد بيطار من قاعة المحكمة وتحدث الى وسائل الإعلام معتبراً أن  ما جرى هو “تحقير للمحكمة فعندما كانت جماعتهم تتدخل في الامور والقضاء كان عاجزاً عن الكلام وكان يبرؤهم من الكثير من الأمور والجرائم سابقاً نسألهم ماذا كانوا يفعلون”.

وبسؤالنا له عن رأيه، أجاب: “نحن نعتبر المحكمة اساءت الى جهة الادعاء بانتظاره وخصوصا انه تمت المرافعة. وبالتالي لا تستطيع من بعد ذلك ان ترسل الى نقابة المحامين بتعيين محامين آخرين. هذه قضية رأي عام ولن تمر مرور الكرام. ما حصل مماطلة لانه لم يبق لديهم حجة الا الهروب. رأوا أن هناك قضاء عادل وهناك رئيس متربص لأن تكون الأحكام عادلة وتربي “الزعران” لذا هم يحاولون المماطلة والهروب بهذه الطريقة. أنا اقول لهم لن تنجحوا خصوصاً ان حكم الاعدام يجب ان ينفذ ويطبق ولن تستطيعوا الهروب من سيف العدالة”.

كما كانت كلمة لرلى أبو صالح أكدت فيها على ثقتها بالقضاء والوزير واستنكرت سلوك طوبيا مدافعةً عن الوزير جريصاتي بقولها ” انا من توجهت الى وزير العدل ولجأت اليه كون لدي ثقة عمياء وكبيرة بالقضاء الممثل بوزير العدل سليم جريصاتي فيأتي “شقفة” محام ويطالبه بالاعتذار! ما الذي فعله وزير العدل؟ لم يتدخل بالملف أبداً فلو أنه تدخل لكانت القضية قد انتهت واخذنا الحكم وانتهينا لتروا حجم الضغط على القضية. يماطلون لكن لست ادري كيف سيخدمهم الوقت بزمن رئيس الجمهورية الذي لدي كامل الثقة به”.

يذكر أنه  بتاريخ 19/5/2017، أصدر المكتب الإعلاميّ لمجلس القضاء الأعلى بياناً تضمن موقفاً أدان فيه المنحى الذي اتخذه وزير العدل سليم جريصاتي في التعامل مع قضية الريف.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني