جدل قانوني بالمغرب حول اعتقالات حراك الريف


2017-06-12    |   

جدل قانوني بالمغرب حول اعتقالات حراك الريف

أثار قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض إحالة الموقوفين على ذمة الاحتجاجات المتصاعدة التي تشهدها منطقة الريف شمال المغرب[1]، من محكمة الإستئناف بالحسيمة إلى محكمة الإستئناف بالدار البيضاء جدلا واسعا حول دواعي هذا القرار الذي يخالف قواعد الاختصاص المكاني ومدى تأثيره على شروط المحاكمة العادلة.

ملخص القضية

بتاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر 2016، تعرض شاب مغربي في مقتبل العمر يدعى محسن فكري لعملية سحق داخل شاحنة لتجميع النفايات بمدينة الحسيمة في شمال المغرب، حينما كان يحاول إنقاذ بضاعته من الأسماك التي صادرتها السلطات. حادث مروع أعاد للأذهان حادث مقتل التونسي محمد البوعزيزي الذي أطلق شرارة الربيع العربي، وقد أدّى الحادث إلى انطلاق سلسلة من الإحتجاجات في عدد من المدن المغربية التي تطالب بمحاسبة المتورطين في القضية.

غضب سرعان ما تم احتواؤه بعد تدخل مسؤولين أمنيين أكدوا فتح تحقيق قضائي دقيق، لتحديد ظروف وملابسات الحادث وتقديم الجناة للعدالة. وبعد ستة أشهر من التحقيقات، أصدرت الغرفة الجنائية في محكمة الاستئناف بالحسيمة أحكاما ببراءة بعض المتهمين وإدانة آخرين، بعقوبات سجنية تراوحت بين خمسة وثمانية أشهر وغرامات مالية.

أثارت الأحكام القضائية المخففة غضب أبناء مدينة الحسيمة الذين دخلوا في سلسلة جديدة من الإحتجاجات السلمية بدأت عفوية في شوارع المدينة الكبرى وبعض القرى المجاورة، قبل أن تأخذ شكلا منظما تحت ما بات يعرف بحراك الريف حيث رفعت شعارات للمطالبة بمحاربة الفساد والبطالة ورفع التهميش عن المنطقة، وهي الإحتجاجات التي سرعان ما انتقلت الى كافة المدن المغربية ووصفت بأنها الأضخم مند احتجاجات 20 شباط 2011.

اعتقالات في صفوف المحتجين وتحريك متابعات استثنائية

بتاريخ 26 أيار 2017 أظهر تسجيل فيديو على هاتف محمول ناصر زفزافي وهو أحد أبرز وجوه الحراك يقاطع إمام مسجد خلال خطبة الجمعة احتجاجا على الإتهامات التي كالها هذا الأخير للحراك. وقد أعلنت النيابة العامة عن صدور قرار باعتقال زفزافي من أجل جنحة تعطيل عبادة[2].

بتاريخ 29 أيار 2017، ألقي القبض على زفزافي بمدينة الحسيمة، ومعه عدد من الناشطين، وتمّ نقلهم للتحقيق معهم بمقر الفرقة الوطنية بالدار البيضاء، قبل أن تتم إحالتهم على النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالحسيمة، والتي قررت إحالتهم على قاضي التحقيق بنفس المدينة، للإشتباه في ارتكابهم جنايات تمسّ بالسلامة الداخلية للدولة[3] وأفعالا أخرى تشكل جرائم بمقتضى القانون. وبتاريخ 02/05/2017، وبناء على طلب الوكيل العام بمحكمة النقض، أصدرت الغرفة الجنائية بمحكمة النقض قراراً بنقل الدعوى إلى هيئة التحقيق بمحكمة الإستئناف بالدار البيضاء كما سبق بيانه.

جدل قانوني حول قرار نقل المحاكمة

خلّف قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض بنقل ملف زفزافي ورفاقه جدلا كبيرا بين الحقوقيين.

فمن جهة، اعتبرت النيابة العامة أن هذا القرار مطابق لقانون المسطرة الجنائية الذي يجيز سحب القضية وإحالتها على محكمة أخرى من أجل مصلحة عامة طبقا للمادة 272 من نفس القانون[4].

وبالمقابل، اعتبرت هيئة دفاع المعتقلين على ذمة القضية أن نقل الإختصاص غير مبرر ويخالف التطبيق السليم للقانون، لعدة اعتبارات[5] من بينها:

  • أن المادة 270 من قانون المسطرة الجنائية[6] حدّدت حصراً مرحلة إمكانية تقديم طلب سحب القضية في مرحلة التحقيق أو المحاكمة، والحال أن المسطرة تم إجراؤها في وقت ما زالت فيه القضية في مرحلة البحث التمهيدي الذي تجريه الشرطة، وهو ما يعني أن الوكيل العام للملك بمحكمة النقض قدم طلب الإحالة في غير أوانه؛
  • أن هذا القرار سيؤدي إلى حرمان المعتقلين على ذمة قضية حراك الريف من المحاكمة أمام قاضيهم الطبيعي ونقل أطوار محاكمتهم إلى محكمة لا تعد المحكمة المختصة طبقا للقانون.
  • أنه سيحمّل عائلاتهم أعباء التنقل مئات الكيلومترات ما بين مدينتي الحسيمة في أقصى شمال المغرب ومدينة الدار البيضاء،
  • إلى جانب ما يمكن أن يشكله هذا القرار من تشكك حول أسباب صدوره وتوقيته وإمكانية تأثيره على حياد المحكمة، يضاف إلى العديد من المؤاخذات التي سجلها دفاع المتهمين بخصوص الإجراءات الإستثنائية التي اتبعتها النيابة العامة في تعاملها مع ملف المعتقلين على خلفية حراك الريف.

 


[1] -لمزيد من التفاصيل حول حراك الريف بالمغرب، يمكن زيارة الروابط التالية: احتجاجات الحسيمة من مقتل محسن فكري إلى حراك شعبي واسع // كرونولوجيا.. "حراك الريف": من مصرع "بائع السمك" إلى توقيف "قائد الحراك" // محتجو الريف المغربي… من هم وماذا يريدون؟ // ما الذي ينبغي أن تعرفه عن احتجاجات المغرب؟ // في المغرب: هل سيأتي الربيع من الريف؟ // عن حراك الريف في المغرب
[2]– ينص الفصل 221 من القانون الجنائي على ما يلي: "من عطل عمدا مباشرة احدى العبادات، او الحفلات الدينية، او تسبب عمدا في احداث اضطراب من شانه الاخلال بهدوئها ووقارها، يعاقب بالحبس من ستة اشهر الى ثلاث سنوات وغرامة  من مائة الى خمسمائة درهم".
[3]– ينص الفصل 201 من القانون الجنائي على ما يلي: "يؤاخذ بجناية المس بسلامة الدولة الداخلية، ويعاقب بالاعدام من ارتكب اعتداء الغرض منه اما اثارة حرب اهلية بتسليح فريق من السكان او دفعهم الى التسلح ضد فريق اخر واما باحداث التخريب والتقتيل والنهب في دوار او منطقة او اكثر. ويعاقب بالسجن من خمس الى عشرين سنة من دبر مؤامرة لهذا الغرض اذا تبعها ارتكاب عمل او الشروع فيه لإعداد تنفيذها".
[4] – تنص المادة 272 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي: "يمكن للغرفة الجنائية بالمجلس الاعلى (حلت تسمية محكمة النقض محل المجلس الأعلى طبقا لدستور 2011)، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى وحده، أن تامر بالاحالة من أجل الأمن العمومي. ويمكن ايضا لنفس الغرفة، بناء على ملتمس من الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى أو من الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف المعنية، تلقائيا أو بناء على طلب الاطراف، ان تامر بالاحالة لتحقيق حسن سير العدالة، بشرط الا ينتج عن ذلك أي ضرر يعرقل ظهور الحقيقة أو يمس بممارسة حقوق الدفاع".
[5]– صبري الحو : تعليق على قرار الغرفة الجنائية بمحكمة النقض القاضي بسحب ملف قضية الزفزافي ومن معه من محكمة الاستئناف بالحسيمة ونقل اختصاص النظر فيها الى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، موقع هسبريس، بتاريخ 06/06/2017.
[6] -تنص المادة 270 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي:  "يمكن للغرفة الجنائية بالمجلس الأعلى ان تسحب الدعوى من اجل تشكك مشروع من أي هيئة للتحقيق أو هيئة للحكم، وتحيلها إلى هيئة قضائية من نفس الدرجة".

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، حراكات اجتماعية ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني