قانون الطوارئ في المحكمة الدستورية … بأمر مجلس الدولة


2017-05-24    |   

قانون الطوارئ في المحكمة الدستورية … بأمر مجلس الدولة

في موازاة وقوف مجلس الدولة منفرداً في مواجهة تغوّل كلا من السلطة التنفيذية والتشريعية على السلطة القضائية، أحالت المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 20/5/2017 ثلاث مواد من قانون الطوارئ للمحكمة الدستورية العليا.

لا يمكن النظر إلى هذا الحكم بمعزل عن المشهد العام وموقف مجلس الدولة من المخالفات الدستورية لكلا من السلطة التنفيذية والتشريعية، بداية من تصديه لاتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير وإبطالها، ومرورا بموقف المجلس من تطبيق قانون الهيئات القضائية الجديد وما ترتب عليه من هيمنة رئيس الجمهورية على تعيين رؤساء الهيئات من بين ثلاثة أعضاء ترشحهم كل هيئة قضائية.

إستعادة لمجريات القضية

تعود الوقائع إلى الدعوى التي أقامها كلا من المحاميين محمد شبانة وخالد علي، للطعن على قرار رئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، بإلغاء حكم براءة صادر لأحد المتهمين من محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، وإعادته للمحاكمة مرة أخرى. وكانت محكمة جنايات الزيتون قضت في الجلسة المنعقدة بتاريخ 15/6/2014 ببراءة المتهم وآخرين، إلا أن رئيس مجلس الوزراء أصدر قراراً بإعادة محاكمتهم أمام هيئة أخرى. وبالفعل، أعيدت المحاكمة وصدر حكمٌ بالإعدام في محاكمة أخرى. صدر قرار رئيس مجلس الوزراء استنادا لنص المادة 14 من قانون الطوارئ والتي أجازت لرئيس الجمهورية أو من ينوب عنه "عند عرض الحكم عليه أن يخفف العقوبة المحكوم بها أو أن يبدل بها عقوبة أقل منها أو أن يلغي كل العقوبات أو بعضها، أيا كان نوعها أصلية أو تكميلية أو تبعية أو أن توقف تنفيذ العقوبات كلها أو بعضها، كما يجوز له إلغاء الحكم مع حفظ الدعوى أو مع الأمر بإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى…"

في جلسة 20/5/2017، قضت المحكمة الإدارية العليا بوقف نظر الطعن المقام من محمد فهيم عبد الحليم حماد ضد رئيس الوزراء تعليقاً وبإحالة الأورق إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل في مدى دستورية المواد 12 و14 و20 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 162 لسنة 1985 بشأن حالة الطوارئ للمحكمة الدستورية العليا لما شابها من شبهة عدم الدستورية. بنت المحكمة الإدارية العليا حكمها بإحالة ثلاث مواد من قانون الطوارئ للمحكمة الدستورية العليا، على مخالفة القانون لعدد واسع من مواد الدستور معتديا على استقلال القضاء وحجية الأحكام القضائية، ومنتقصا من حق المحاكمة العادلة والمنصفة. فطبقا لنص المواد المطعون في دستوريتها، تحول العمل القضائي مما يحتويه من تحقيق وإجراءات المحاكمة إلى محض عمل إداري يجوز لرئيس الجمهورية إلغاءه وطلب إعادته مرة أخرى. كما تعامل القانون مع أحكام المحاكم معاملة القرارات الإدارية التي يجوز وقف العمل بها أو تعديلاها.

تغيير النظام الدستوري وضمانات الحقوق والحريات العامة

استندت المحكمة إلى نصوص الدستور الحالي والصادر في يناير 2014 والذي لم يتضمن أي نصّ يجيز تعطيل أي حكم من أحكامه أثناء إعلان حالة الطوارئ على غرار ما نص عليه الدستور الصادر عام 1923 في المادة (155) والدستور الصادر عام 1930 في المادة (144) حيث أجازا تعطيل بعض أحكام الدستور وقتياً في زمن الحرب أو أثناء قيام الأحكام العرفية. وعدم تضمين الدستور الحالي نصّ مماثل لنص المادتين المشار إليهما قصد منه فرض احترام الدستور على جميع سلطات الدولة وعدم التخلي عن تطبيق أحكامه وفي مقدمتها المبادئ الضامنة والحامية لحقوق وحريات المواطنين ولاستقلال القضاء. كما أن الدستور حين ألزم الدولة بمواجهة ومكافحة الإرهاب في المادة (237) قيد سلطتها في هذا الشأن بقيد ضمان الحقوق والحريات العامة. فالدستور لم يضحّ بحقوق وواجبات المواطنين وصانها وحماها في كل الظروف وردّ عنها كل يد تمتد إليها بالانتقاص أو الحرمان أو العدوان في أي وقت ولو عند إعلان حالة الطوارئ .

قانون الطوارئ يهدم مبدأ الفصل بين السلطات

إن منح رئيس الجمهورية الإختصاص بإلغاء حكم قضائي يجعل القضاء بمثابة جهة إدارية تابعة لرئيس الجمهورية ويحوّل الحكم من عمل قضائي إلى عمل إداري.

ذهبت المحكمة إلى أن من شأن منح رئيس الجمهورية الاختصاص بإلغاء الأحكام الصادرة من القضاء، يؤدي إلى تقويض استقلال القضاء ويجعله جهة إدارية تابعة لرئيس الجمهورية الذى يتحكّم في نتيجة عملها. ففي ظل صلاحية كهذه، يتحول الحكم من عمل قضائي إلى عمل إداري من طبيعة أعمال الإدارة التي يجوز للرئيس أن يتدخل لسحبها. وهذا الأمر يخالف قاعدة أساسية مفادها أنه لا يلغي حكم محكمة إلا محكمة مختصة طبقاً لأحكام القانون وبطريق طعن يحدده القانون. وقيام رئيس الجمهورية بإلغاء الحكم على الوجه المشار إليه يتجاوز مرحلة العدوان على حجية الحكم إلى مرحلة إعدام الحكم. كما أن الدستور حجب عن رئيس الجمهورية أي اختصاص يسمح له بطلب إعادة محاكمة شخص بعد صدور حكم ببراءته أو بإدانته. وإقحام المشرع لرئيس الجمهورية في هذا الاختصاص لا يستظل بظل أي نص من نصوص الدستور ويشكل تدخلاً محظوراً في أعمال القضاء وإخلالاً بمبدأ الفصل بين السلطات وعدواناً على استقلال القضاء.

إهدار مبدأ المحاكمة العدلة والمنصفة 

أشارت المحكمة إلى أن سماح النصوص المشار إليها لرئيس الجمهورية بالتصديق على الحكم وبإلغائه وبالأمر بإعادة المحاكمة في ظل نص في قانون الطوارئ، لا يسمح للمتهم بالطعن على الحكم الصادر ضده، يجافي المبادئ الأساسية للعدالة التي تحكم عمل القضاء ويهدر مبدأ المحاكمة العادلة المقرر في المادة (96) من الدستور. وتنص هذه المادة على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه. وتنتفي المحاكمة المنصفة والمحاكمة العادلة إذا كان مصير حكم القضاء وهو حاصل أعمال جهة التحقيق والدفاع والقضاة بيد سلطة غير سلطة القضاء، ويبقى معلقاً غير نافذ حتى يصدق عليه رئيس الجمهورية، وله أن يلغيه وأن يأمر بإعادة المحاكمة بحسب النتيجة التي يريدها ويقبلها دون معيار أو ضابط من القانون وهو أمر ينطوي على تسخير القضاء لرئيس الجمهورية وعلى إخلال بمبدأ المحاكمة العادلة وتشوب نصوص المواد المشار إليها شبهة مخالفة المادة (96) من الدستور .

إهدار مبدأ سيادة القانون

أشارت المحكمة إلى أن المشرع الدستوري نص على أن سيادة القانون أساس الحكم في الدولة وأن تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات وحظر توقيع عقوبة إلا بحكم قضائي وصان حق التقاضي وحظر تحصين أي عمل أو قرار اداري من رقابة القضاء ومنع محاكمة الشخص إلا أمام قاضيه الطبيعي وحظر المحاكم الإستثنائية وكفل حق الدفاع وبين فلسفة إصدار الأحكام وتنفيذها، فهي لا تصدر باسم الحاكم ولا تنفذ باسمه وإنما تصدر وتنفذ باسم الشعب صاحب السيادة وأوجب على الدولة تنفيذ الأحكام وجرم الإمتناع عن تنفيذها أو تعطيل تنفيذها وأن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون وجعل التدخل في شؤون العدالة أو القضايا جريمة لا تسقط بالتقادم وأسند إلى القضاء الاختصاص بالفصل في كافة المنازعات والجرائم عدا ما تختص به جهة قضائية أخرى ولم يمنح رئيس الجمهورية أي اختصاص بالتصديق على الأحكام أو بإلغائها أو بطلب إعادة المحاكمة وألزم الدولة مواجهة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله، لكنه قيدها بوجوب حماية احترام الحقوق والحريات العامة فلا يجوز لسلطات الدولة أن تتخذ من مواجهة الإرهاب ذريعة للتحلّل من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور للمواطنين .

* تم الاطلاع علي حيثيات الحكم من الموقع الإلكتروني لجريدة البداية: حكم تاريخي للإدارية العليا في دعوى خالد علي، إحالة قانون الطوارئ للدستورية.. ولا يجوز للرئيس إلغاء براءة المتهمين وإعادة محاكمتهم.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني