أمّ تدافع عن حقها بالحضانة بعد وفاة زوجها: أي قانون للعائلات المختلطة؟


2017-05-22    |   

أمّ تدافع عن حقها بالحضانة بعد وفاة زوجها: أي قانون للعائلات المختلطة؟

بعد توقيفها لمدة ثمانية أيام، خرجت ريتا شبلي من السجن الذي دخلته بجرم عدم الإمتثال لقرار المحكمة الجعفرية الذي يقضي بتسليم أولادها إلى عائلة زوجها المتوفي. ريتا التي تصدرت عناوين التقارير الإخبارية الأسبوع الفائت، خرجت لتتكلم باسم جميع الأمهات المظلومات بفعل "قانون الأحوال الشخصية الناشز" كما تصفه جمعية كفى عنف واستغلال. في المؤتمر الصحافي الذي دعت اليه "كفى" بتاريخ 18 أيار 2017، حاولت ريتا أن تختصر معاناتها بهذه العبارات: “المرأة هي الأحق بأولادها… هؤلاء من لحمي ودمي، وأنا التي سهرت لأجلهم". لتسأل "فكيف يمكن إذا توفي الزوج، أن تكون الحضانة لأهله؟"

بيان كفى، جاء ليعكس المرارة التي تعيشها المرأة اللبنانية، إذ جاء فيه أن "قضية ريتا هي قضيتنا جميعاً كنساء، تحكمنا قوانين أحوال شخصية تمييزية وذكورية، تضع المرأة في موقع التبعية والخضوع للرجل وإلا اعتبرت ناشزاً". يتابع البيان، "مستمرين لرفع غلاف القدسية الدينية التي تتستر خلفه ذكورية القوانين". "هذه القوانين التي تسمح بتزويج الأطفال، وتحرم الأم من حضانة أطفالها، ولا تعتبرها أهلاً للوصاية أو الولاية عليهم. فهذه الإمتيازات هي حكرٌ على الذكور حتى لو كان هذا الذكر غير أهل لهذه الولاية". بالإضافة إلى أن القوانين الحالية "تشكل منبع التمييز والعنف ضد النساء". لينتهي البيان بالمطالبة "بوضع قانون مدني خاص بالأحوال الشخصية يساوي بين جميع المواطنات والمواطنين ويكون إلزامياً، لتبقى قوانين الطوائف إختيارية لمن يرغب اللجوء اليها".

تفاصيل القضية

 ريتا ليست الأم الأولى التي تدخل السجن متحديةً قرار المحكمة فقد سبقتها فاطمة حمزة. إلا أن ما واجهته ريتا يعد استثنائياً إذ أن القضية تتعلق بالزواج المختلط، وهو ما يرتبط بإشكالية تعدد قوانين الأحوال الشخصية اللبنانية. كذا فانه ينطوي على شق جزائي يتعلق بحصول تواطؤ على تزوير مستندات رسمية تصل عقوبتها إلى السجن. تروي ريتا تفاصيل قضيتها، مشيرةً إلى أنها تابعة إلى طائفة الروم كاثوليك، وزوجها الراحل وسيم شحادة شيعي الأصل، وقد توفي في العام 2013. "تزوجنا في الكنيسة الكاثوليكية. وبعدها قام زوجي بتوقيع تعهد أمام كاتب العدل يفيد بأن زواجه يخضع لأحكام وشروط نظام الطائفة التي عقد عليها الزواج أي الكاثوليكية". وقد أثمر هذا الزواج طفلين (فتاة خمس سنوات، وصبي تسع سنوات)".

بعد وفاة زوجها جراء إطلاق نار عشوائي في أحد الأعراس بتاريخ 22-9-2013، استمرت ريتا بالعيش في نفس المبنى مع أهل زوجها. أرادت مرةً أن تستحصل على إخراج قيد عائلي ليتبين معها أن "العائلة أصبحت تندرج في جداول الطائفة الشيعية في دائرة النفوس"، الأمر الذي حثها على طلب الوثائق العائلية من دائرة النفوس، فقابلها مأمور النفوس بالرفض. كما هي الحال في لبنان، اضطرت أن تستخدم طرقا غير تقليدية للحصول على تلك الوثائق. تؤكد شبلي "حصلت على الأوراق وقد ظهر أن زوجي قد أبدل مذهبه بعد وفاته بسبعة أيام، كما تم تزوير تاريخ الوفاة أيضا ليصبح 5-10-2013". والدليل على ذلك، أن خبر الوفاة كان قد نشر في جريدة "النهار" بعد يوم من وفاته[1]. بعد اكتشافها الوثائق المزورة، قررت ريتا الرحيل عن المنزل هي وأولادها إلى مكان ناء عن عائلة زوجها. عندها قام الجد برفع دعوى حضانة أمام المحكمة الجعفرية في شمصطار-بعلبك، فأصدرت المحكمة قرار تسليم الحضانة إلى عائلة الزوج. وتبع هذا القرار، قرار آخر يقضي بسجن ريتا شبلي لمدة شهرين، لعدم التزامها بقرار المحكمة. تعلق ريتا على هذا الأمر قائلةً: "اتهمت بخطف الأولاد"، سائلةً "في أي مجتمع تتّهم الأمّ التي حملت بأولادها أنها خطفتهم؟".

توضح شبلي أنها "اجتمعت مع أهل زوجها في المحكمة الروحية بهدف الوصول إلى حل. وعندها تعهد الجد أن يتنازل عن قرار التبليغ بحقها"، معترفاً "بقيامه بتزوير وثائق القيد، بذريعة أنه يريد توريث الأولاد". عندها أشارت ريتا إلى أنه "لو أراد صراحةً أن يورث الأولاد لكان أثبت ذلك بإعطائهم ما يريد من الميراث بدلاً من التزوير". بعد خروج ريتا مع محاميتها من الإجتماع، اتّضح أنه تم خداعها إذ تؤكد أنه "تمت مطاردتهما بالأسلحة من قبل أشقاء زوجها". الأمر الذي استدعى لجوءها إلى أقرب مخفر حيث تم توقيفها. اللافت أن لجوء ريتا للمخفر كان بهدف الاحتماء من المسلحين، لكن العناصر الأمنية لم تحرك ساكناً، بل اكتفوا بحجزها. وهنا تبين أن وعد الجد بإسقاط قرار التبليغ كان إيهاماً فقط. وكان شقيق الزوج أسامه شحادة قد صرح للإعلام أن مطالب العائلة تقتصر على "الحق بمشاهدة الطفلين كما ينص القانون[2]".

المشكلة في القانون وليس المحاكم

تؤكد المحامية ليلى عواضة من منظمة "كفى" أن قرار المحكمة الجعفرية لم يكن يتعلق بالوصاية فقط". وتضيف: "في بادئ الأمر، اعتقدنا أنهم يطلبون الوصاية فقط. لكن عند حصولنا على قرار وقف تنفيذ القرار، تبين أن المستند قد أشار إلى التوقيف الذي كان بناء على الحضانة". تؤكد عواضة "الآن، ننتظر أن تصدر المحكمة الروحية قراراً يضمن وصاية ريتا على أولادها". في هذا السياق تلفت إلى أنه "في لبنان 19 طائفة يقابلهم 15 قانون للأحوال الشخصية"، مشيرةً إلى أن "تلك القوانين تشترك في بعض النقاط وتختلف في غيرها. إنما الواقع أن جميع الطوائف عندها قوانين تمييزية بحق المرأة". هذا وتشير عواضة إلى أن "المشكلة الأساس في القانون نفسه وليس مع أي محكمة معينة"، إذ تؤكد أنه "في قضية ريتا لم نواجه عرقلة قضائية" في إشارة منها إلى تعاون المحكمة الجعفرية في وقف تنفيذ قرار تسليم حضانة الأولاد.

في الحضانة حسب كل طائفة

لا يوجد قانون عند الطائفة الشيعية، انما تستند المحاكم الجعفرية لنص دليل المحاكم الجعفرية. وهو الذي يشير إلى أن "الحضانة تثبت للأم بشرط أن تكون مسلمة"، وأنه لا حضانة لغير المسلمة على ولدها المسلم". وهو الأمر الذي من المرجح أن تكون المحكمة الجعفرية في شمصطار قد استندت عليه، لتحويل حضانة أولاد ريتا إلى أهل الزوج.  فالمرأة غير المسلمة المتزوجة من مسلم، لا يحق لها حضانة أولادها في حالة الطلاق أو وفاة الزوج. وأما في حالة المرأة المسلمة، فهي ملزمة بتسليم الزوج أولاده عند الطلاق، الصبي عند عمر السنتين والبنت عند السبع سنوات. وأما في حالة وفاة الزوج، فالحضانة للأم والولاية للجد أب الزوج.

من ناحية الطائفة الكاثوليكية، فهي تختلف إيجابياً في بعض النقاط، إذ تشير المادة 119 من قانون الأحوال الشخصية وأصول المحاكمات عند الطوائف الكاثوليكية إلى أن "السلطة الوالدية أو الولاية الأبوية هي مجموع حقوق الوالدين على أولادهم وواجباتهم نحوهم، إلى أن يدركوا سن الرشد، سواء أكان هؤلاء الأولاد من زواج شرعي أم من تبنٍّ صحيح". لتثبت هذه المادة أن لا فرق بين الرجل والمرأة في ولايتهم على أولادهم عند المذهب الكاثوليكي. أما المادة 138 من القانون نفسه فتشير إلى أنه "من يحق له بموجب المادة 135 أن يقيم دعوى حرمان السلطة الوالدية يحق له أيضاً التدخل في دعوى استعادتها في أي درجة من درجات المحاكمة". وبموجب هذه المادة، يكون لأحد طرفي العلاقة رفع دعوى حضانة أمام المحكمة التي بدورها أن تنظر بمصلحة الطفل.

عليه، يُضاف إسم ريتا إلى لائحة طويلة من أسماء الأمهات المناضلات، وأمهات لمعت أسماؤهن في الإعلام في قضايا اندرجت تحت عناوين مختلفة اتجهت نحو مطلب محق وحيد، ألا وهو قانون مدني موحد وإلزامي للأحوال الشخصية. فكم من أم ظلمت بفعل "قانون الأحوال الشخصية العتيق"؟ هل سننتظر كل يوم ريتا جديدة حتى نتكلم صراحة عن حاجة هذه القوانين لإعادة النظر؟

 


[1] رصاصة طائشة تحول الزفاف مأتماً، جريدة النهار، 23 أيلول 2013، https://goo.gl/niQ4qF.
[2]  علي عواضة، طالبت ريتا بحضانة ولديها فأوقفت… وثيقة مذهب زوجها المتوفي أثارت الجدل، جريدة النهار، 12 أيار 2017، مجتمع ومناطق، https://goo.gl/GdPgb8.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني