خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء في مصر: الإدعاء على صحافي على خلفية تقارير عن التوريث والمحسوبية


2017-05-09    |   

خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء في مصر: الإدعاء على صحافي على خلفية تقارير عن التوريث والمحسوبية

على مدى 15 ساعة استمرت من الساعة الثانية ظهر يوم الأحد حتى الساعة الخامسة فجر يوم الإثنين 8 مايو، حققت نيابة أمن الدولة العليا مع الصحافي المصري طارق حافظ، بناء على بلاغ من المجلس الأعلى للقضاء، لتوجه له في ختام التحقيقات ثلاثة اتهامات هي: 1) خدش الرونق العام للمجلس الأعلى للقضاء بقصد النيل من اعتباره، 2) تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالسلطة القضائية عن طريق نشر أخبار كاذبة 3) تعمد إزعاج ومضايقة الغير بإساءة استعمال أجهزة الاتصالات.

وتأتي هذه الإتهامات على خلفية تحقيق صحفي نشره حافظ بعنوان "إنفراد بالأسماء.. تعيين أبناء القضاة والقيادات الأمنية بالنيابة العامة واستبعاد أوائل الكليات والمتفوقين"[1] نشر على الموقع الإلكتروني لجريدة الفجر في 20 أبريل. وعرض طارق حافظ خلال تحقيقه وثائق تؤكد استحواذ 47 قاضي على نسبة 26% من إجمالي التعيينات لأبنائهم، وهو ما وصفه بتوريث القضاة لأبنائهم وأقاربهم لكعكة النيابة العامة. كما أشار من خلال تحقيقه المدعوم بالمستندات إلى احتواء كشوف المعينين على ضابط سابق كان متهما رسميا بقضية التعذيب الشهيرة بالأقصر والخاصة بتعذيب المواطن "طلعت شبيب" حتى الموت… وذلك حين كان معاون مباحث بقسم الأقصر وقد حوكم بمقتضاها. وقد أثار الأمر ضجة كبيرة دفعت المجلس الأعلى إلى استبعاد الضابط السابق من كشوف التعيينات بالنيابة العامة، في حين أبقت علي باقي التعيينات كما هي بما احتوته من تعيين لأبناء قضاة.

وكان مجلس القضاء الأعلى أصدر قبل حوالي 14 شهراً بلاغاً ضد القاضيين هشام رؤوف الرئيس بمحكمة الاستئناف وعاصم عبد الجبار نائب رئيس محكمة النقض بزعم الإشتغال بالسياسة والتعاون مع مؤسسة غير شرعية "المجموعة المتحدة للاستشارات القانونية والمحاماة"، على خلفية إشتراكهم في مراجعة مشروع قانون لمكافحة التعذيب واتهامهم بالضغط على رئيس الجمهورية لإصداره.

انتهاك حقوق الصحفي أثناء التحقيق

ثبت من القضية أن المجلس الأعلى للقضاء استخدم سلطته الإداريّة في توجيه الخصومة وتسريع وتيرتها. فقد تقدم المجلس ببلاغ ضد حافظ إلى النائب العام –عضو المجلس- ليحوّل الأخير البلاغ إلى نيابة أمن الدولة العليا التي شرعت في استدعاء الصحافي واستجوابه بشكل عاجل. في حين أن بلاغات نقابة الصحفيين المقدمة ضد وزارة الداخلية في العام الماضي لم يتم التحقيق فيها حتى الآن. وهذا الأمر يوضح مدى تحفز المجلس والنيابة العامة ضد الصحافي، ولم يتوقف الأمر على ذلك بحيث تم التنكيل بحافظ أثناء التحقيق معه. فخلال 15 ساعة هي عمر التحقيقات لم يسمح له أو لأي من فريق الدفاع المرافق له الحصول على أي راحة، في أمر متعمد للإكراه "البدني والنفسي والمعنوي". ويروي حافظ ما حدث "كنا لكي نحصل على "ثواني معدودة" للاستراحة، نطلب دخول "الحمام" فقط، ودون السماح بتناول أي أطعمة أو وجبات خفيفة أو أي شيء".كما أشار حافظ أن  "المحقق حاول بطرق عديدة "ترهيبية" تارة، و"ترغيبية" تارة أخرى، التعرف على المصادر التي أمدتني وأطلعتني على المستندات الخاصة بالتحقيق الصحفي المنشور، أو طبيعتها، أو أماكن عملها، أو أماكن لقائي بها، وكان هذا المحور هو المجور الرئيسي للتحقيق، حتى وصل الأمر إلى "الترهيب" عن طريق طرح المحقق لتصور أن تكون المستندات تم اختلاسها من مكان حفظها، وأن أكون أنا شريكا في هذا الأمر، إلا أنني أصررت على حقي القانوني طوال التحقيق في عدم الإفصاح عن مصادري".

القضاء من حكم إلى خصم

يشير حافظ من خلال تدوينته إلى أن المحقق قال له نصا "إحنا والمجلس بنحييك وبنقدر ده على رأسنا لكشفك موضوع ضابط التعذيب المعين في دفعة النيابة العامة الأخيرة وهو أمر حقيقي"، ومع ذلك لم تتطرق التحقيقات نهائيا إلى "المتن" الخاص بموضوع التحقيق والأسماء المنشورة فيه والخاصة بأسماء أبناء القضاة والقيادات الأمنية المعينة في الدفعة، واقتصرت التحقيقات على ما يتعلق بشأن ذكر ألفاظ مثل "توريث القضاة" أو "كعكة التعيينات" في العناوين الخاصة بالتحقيق المنشور، والتي اعتبرها مجلس القضاء الأعلى تمثل "خدشا لرونقه العام بقصد النيل من اعتباره".

ما قام به المجلس الأعلى للقضاء من تحريك بلاغ ضد صحفي كشف حجم المحسوبية في تعينات النيابة العامة، لا يعد تضييقا على حرية الصحافة وحسب ولكن يعكس حجم الخصومة بين القضاء والعمل العام، إبتداء من إحالة القاضيين السابق الإشارة اليهما للتأديب، والآن إحالة صحفي على خلفية توضيح وكشف طريقة تعيين أعضاء السلك القضائي للتحقيق، مع الأخذ في الاعتبار صحة المعلومات التي ذكرها التحقيق الصحفي المنشور. وهو ما يطرح شكوكا عدة حول مدى نزاهة القضاء والقضاة فيما يتعلق بالأمور التي تمس طريقة عملهم. فنزول القضاء من منصة الحكم إلى حلبة الخصومة أمر جديد على منظومة الحكم في مصر. كان النظام المصري اعتمد خلال السنوات الماضية السابقة على ثورة يناير على التنكيل بخصومة من الصحافيين والنشطاء عن طريق دفع أحد الموالين للنظام بتقديم بلاغات في الصحافيين أو النشطاء. أما ما يحدث الآن فهو تحرك مباشر للمجلس الأعلى للقضاء نفسه ستنعكس آثاره ليس فقط على ما يتعلق بمبدأ حياد القاضي وتجرده، ولكن أيضا على نظرة المواطنين للقضاء بشكل عام. ففيما انتفض المجلس عن بكرة أبيه وقرر تقديم بلاغ في الصحفي معد التقرير، إلا أن أيا من أعضائه لم يجد في فحوى التقرير الصحفي ومحتواه لجهة وجود وساطة ومحسوبية في تعيينات أبناء القضاء والقيادات الأمنية بالسلك القضائي، أي شبهة تستدعي التحقيق. بل الأكثر من ذلك، اعتبر المجلس حافظ مروجا لأخبار كاذبة لعدم وجود "توريث" أو "كعكة"، وفقا لرؤية مجلس القضاء، رغم عدم نفيه بأي شكل من الأشكال لصحة الأسماء والمناصب الوظيفية المنشورة في التحقيق لآباء المعينين من أبناء القضاة والمستشارين.  

 


[1] http://www.elfagr.org/2556867

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، مقالات ، حريات عامة والوصول الى المعلومات ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني