أهالي الكورة: شركات الإسمنت تقتلنا منهجياً بالسرطان


2017-05-02    |   

أهالي الكورة: شركات الإسمنت تقتلنا منهجياً بالسرطان

بتاريخ 29/4/2017، نفذت مجموعة من أهالي الكورة وشكا اعتصاماً على مقربة من سلسلة مقالع وكسارات تقضم جبال الكورة وتحوّلها إلى تلال قاحلة. ليس خافياً على أحد من أهالي الشمال عموماً المخاطر التي تسببها مصانع الأتربة والإسمنت الموجودة في منطقة شكا. ومن المعلوم أن المناطق القريبة من هذه المصانع تُعد بؤر سرطانية من الدرجة الأولى. إلاّ أن مخاطر هذه المصانع لا ينحصر بمحيطها بل يمتد الغبار السام ليطال معظم قرى الكورة.

أما التحرك الميداني هذا فجاء بعد أن تقدّم رئيس لجنة البيئة في “التجمع الديموقراطي” جورج العيناتي بإخبار إلى النيابة العامة البيئية في الشمال، بتاريخ 23/3/2017 حول “الاعتداءات البيئية الخطيرة التي تقوم بها مصانع إسمنت شكا” والتي تترجم من جهة أخرى أوبئة وأمراض تقتل الأهالي على نحو “ممنهج”. وقد طالب النيابة العامة بإستدعاء أصحاب هذه المصانع والتحقيق معهم، والطلب إليهم أن يبرزوا الرخص التي بموجبها يحفرون بموجبها المقالع ويزيلون الجبال. وإلى الآن لم تقدم هذه الشركات أية رخص أو تصاريح.

اذاً عند الساعة الثالثة والنصف من بعد الظهر، توجهت مجموعة من الأهالي على مطل يكشف على سلسلة من الجبال التي نهشتها المقالع والكسارات والتي “تمتد إلى أكثر من 10 كيلومترات يعمل فيها أكثر من 300 جرافة وشاحنة تزيل يوميا ً أكثر من 30 ألف طن من تراب الكورة”. وقد رفع الأهالي يافطات تعبر عن معاناتهم ومنها “كشفوا على البتروكوك حرقوا زبالة وكاوتشوك. وإذا متنا بالسرطان بيقولوا السبب مشكوك”؛ “مصانع الإسمنت حصدت مليارات الدولارات مقابل آلاف الضحايا والمرضى”، وأكدوا “لن نقبل أن تبقى المصانع القاتلة ومقالعها بين بيوتنا”.

وعبّرت سمر نجار عن مطالب الأهالي، سكان منطقة فيع قضاء الكورة قائلة: “نحن لدينا الكثير من المطالب. فمعاناتنا كبيرة إن كان من الغازات التي تخرج من المصانع أو من الغبار الذي يتسبب بالسرطان ويدخل إلى الرئات والدم. فضلاً عن عملية تصحير منطقة الكورة ومحاصرة الأراضي الخضراء فيها، الأمر الذي يؤدي إلى فقدانها قيمتها المادية دون أن ننسى التفجيرات التي تؤدي إلى تصديع بيوتنا”.

ولفتت إلى أنها قامت وبمساعدة من مجموعة من الناشطين بإحصاء نسبة السرطان في منطقتها. الاحصاء شمل 100 عائلة، وكشفت الدراسة عن “40 حالة سرطان رئة فيما توزعت النسب الأخرى على أنواع مختلفة من السرطان كالدم وغيرها”.

وأوضحت أن الدولة اللبنانية استجابت متأخرة لفكرة وضع آلات لمقياس نسب التلوث في ثلاث مناطق هي فيع والبلمند وكفرحزير. وقالت: “المضحك أن أكثر واحدة متطورة بينها وضعت لدينا ولكنها لا تقيس الغبار الذي يتسبب بالسرطان”. وطالبت بأن “يكون هناك قوانين للمقالع والكسارات عوضاً عن المراسيم، كذلك أن تعود ملكيتها إلى الدولة لا أن تكون مملوكة من قبل أشخاص يشغلونها أغلب الأحيان دون رخصة”.    

وأكد سايد النكد أن أهالي الكورة “لن يسكتوا عن المطالبة بأبسط حقوق الناس كالحق بالحياة قوامها الهواء والماء”. وقال: “إذا تسمم الهواء والماء ماذا يبقى لنا؟ لطالما اشتهرت الكورة بخضارها. اليوم لم يبقَ منها شيء. الحرب الأهلية زهقت العديد من أرواح الأبرياء ثم تمّت المصالحة وعفا الله عما مضى. لكننا نجد أنه في زمن السلم تستمر المجزرة بحق الناس ونحن ندفن أبناءنا بالعشرات”. ورأى أنه وبالتوازي مع التحركات الشعبية، يجب الضغط على أصحاب النفوذ والسلطة في البلد من أجل اقفال هذه المصانع التي تهدد أرواح الناس”.

وفي حديث مع رئيس لجنة البيئة في “التجمع الديموقراطي” جورج العيناتي اعتبر أن “الاعتصام امام مقالع شركات إسمنت شكا يأتي بمناسبة عيد العمال. فهذه الشركات حرمت أهالي الكورة من العمل في بساتينهم وحقولهم حين دمرتها ودمرت معها حياتهم”. وقال:”إن هذه الشركات قضت على حق الإنسان بالعمل الشريف في مهنته الأساسية، الزراعة ودمرت مقومات وجوده واقتلعت جباله وأشجاره ونشرت الأوبئة الزراعية إلى جانب الأوبئة الصحية”. 

وأضاف: “إن ما يحصل هو أكبر جريمة إرهاب بيئي ممنهج تقترفه هذه الشركات التي استولت على مليار طن من رمل الكورة الأبيض والأحمر وأطلقت حوالي نص مليار طن من اوكسيد النايتروجين واوكسيد الكبريت واول اوكسيد الكاربون وثاني اوكسيد الكاربون. وحصدت مليارات الدولارات مقابل آلاف الضحايا والمرضى”.

وعن الأخبار الذي تقدم به أكد: “نحن لن نقبل بأيّ رخصة إن لم تكن صادرة عن المجلس الأعلى للمقالع والكسارات. فهناك استحالة لإعطاء هذه الرخص بين البيوت والينابيع والغابات وفوق المياه الجوفية وبين القرى الآهلة. نحن نضع الدولة اللبنانية أمام مسؤولياتها الوطنية والانسانية ونحذر من عودة العمل بأي من مقالع هذه الشركات التي أوقفت عن العمل منذ أيام بموجب قرار صادر عن وزير الداخلية والبلديات القاضي بإيقاف المقالع والكسارات لمدة شهر”.

ولفت إلى أن هناك محاولات من قبل “شركات الإسمنت إلى تغيير تصنيف الأراضي الزراعية إلى أراضي مقالع وبناء أفران جديدة وزيادة إنتاج هذه الشركات وانشاء أحزمة نقل أتربة جديدة، الأمر الذي ينسف أي إمكانية للحياة في المنطقة”.

وبسؤاله عن موقف بلديات الكورة ودورها في هذه القضية لاسيما أنها كانت غائبة عن الاعتصام، أجاب العيناتي: “أنه جرى التواصل مع معظم البلديات ومواقفها متفاوتة. البعض متضامن والبعض الآخر لديه مصالح مع هذه الشركات”.  

إذاً الأعمال متوقفة حالياً في معامل إسمنت شكا التي تعود إلى شركتي “الترابة الوطنية” و”Holcim” وذلك بموجب قرار وزير الداخلية. لكن سرعان ما سيعود العمل وتستمر هذه الجريمة البيئية التي مضى عليها سنوات والتي مع العلم بوجودها نادراً ما يؤتى على ذكرها نظراً لما تلقاه هذه الشركات من دعم من قبل جهات سياسية نافذة معروفة للجميع. على أنّ هذا التحرك للأهالي لن يكون الأخير بانتظار نتيجة الإخبار. وتوّعدوا بالتصعيد في حال عدم الاستجابة لمطالبهم “حتى الانتصار على الحقد الهمجي والإرهاب البيئي وتطهير الكورة من جرائم هذه الشركات”.

انشر المقال



متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني