رئيس الجمهورية وقانون التمديد


2017-04-12    |   

رئيس الجمهورية وقانون التمديد

يبدو أن الأمور تتجه نحو اقرار قانون جديد يمدد ولاية مجلس النواب للمرة الثالثة على التوالي حتى 20 حزيران 2018. ففي حال صحت هذه الفرضية ما هي الوسائل الدستورية التي يمتلكها رئيس الجمهورية لمنع التمديد وكيف يستطيع أن يمارسها؟

وحقيقة الأمر أن رئيس الجمهورية يمتلك مجموعة من الصلاحيات التي تسمح له بتأجيل دخول قانون التمديد حيز التنفيذ لكنه لا يستطيع في حال أصر مجلس النواب على إقراره منع صدوره أو تعطيله. لذلك سنعرض تباعا لتلك الصلاحيات والنتائج الدستورية المترتبة عليها.

أولا: منحت المادة 59 من الدستور اللبناني رئيس الجمهورية صلاحية "تأجيل انعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهراً واحداً وليس له أن يفعل ذلك مرتين في العقد الواحد".· لم يعمد أي رئيس للجمهورية منذ الإستقلال حتى اليوم إلى استخدام تلك الصلاحية. ولكن ذلك لا يعني أنها سقطت بفعل عدم ممارستها. وخلال حقبة الإنتداب الفرنسي، تم استخدام هذه الصلاحية ثلاث مرات، لكن في ظل دستور معلق. فقد عمد المفوض السامي سنة 1932 الى تعليق الدستور ومن ثم أصدر سنة 1934 القرار رقم 1 تاريخ 2 كانون الثاني 1934 الذي ينظم عمل السلطات العامة في لبنان، علما أن أحكام هذا القرار هي مشابهة إلى حد بعيد بمواد الدستور المعلق لا بل أن معظمها هي نقل حرفي من هذا الأخير. فقد استعادت المادة 43 من هذا القرار حرفيا المادة 59 من الدستور المعلق. وهكذا قام الرئيس حبيب باشا السعد بتأجيل العقد العادي الثاني لمجلس النواب في 11 أيلول 1934  (مرسوم رقم 829) بينما قام الرئيس اميل اده بتأجيل دورة المجلس لمرتين سنة 1936 الأولى في 14 أذار والثانية في 12 تشرين الأول (المرسوم رقم 202/E والمرسوم رقم 1032/E) علما أن جميع هذه المراسيم حملت توقيع أمين سر الدولة (مماثل لرئيس مجلس الوزراء) إضافة لتوقيع رئيس الجمهورية.

جراء ما تقدم يتبين لنا أن رئيس الجمهورية يستطيع أن يصدر مرسوما يمنع بموجبه على مجلس النواب الإجتماع طوال شهر على حد أقصى. وبهذا يكون قد أجل إقرار قانون التمديد فاسحا المجال لمزيد من التشاور من أجل الوصول إلى إتفاق حول قانون انتخاب جديد. ولا بد هنا من الاشارة أن تأجيل انعقاد المجلس يتم بمرسوم أي يجب ان يقترن صدوره بتوقيع رئيس مجلس الوزراء أيضا. وإذا كان من المسلم به أن صلاحية رئيس الحكومة هي مقيدة في هذا المجال إذ يتوجب عليه التوقيع على المرسوم في حال قرر رئيس الجمهورية استخدام صلاحيته الدستورية لكن ذلك لا يمنعنا من الأخذ بفرضية تمنع رئيس مجلس الوزراء عن التوقيع في الحسبان.

ثانيا: في حال أقر مجلس النواب قانون التمديد ما هي التدابير التي يمكن لرئيس الجمهورية من خلالها ايقاف العمل بهذا القانون؟

منحت المادة 57 من الدستور اللبناني رئيس الجمهورية صلاحية رد القوانين وهي من الصلاحيات القليلة التي لم تشهد أي تعديل مهم في اتفاق الطائف. وقد نصت المادة 57 صراحة على التالي: "لرئيس الجمهورية، بعد اطلاع مجلس الوزراء، حق طلب اعادة النظر في القانون مرة واحدة ضمن المهلة المحددة لإصداره ولا يجوز أن يرفض طلبه· وعندما يستعمل الرئيس حقه هذا يصبح في حلّ من إصدار القانون إلى أن يوافق عليه المجلس بعد مناقشة أخرى في شأنه، واقراره بالغالبية المطلقة من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً"·

تعد صلاحية رد القوانين التي تقرها السلطة التشريعية من الصلاحيات المألوفة التي تمنحها الدساتير للسلطة التنفيذية عامة ولرئيس الدولة بشكل خاص في النظم البرلمانية والرئاسية على حد سواء. وتكمن فلسفة هذه الصلاحية في مبدأ فصل السلطات إذ ان النصوص التي يقرها البرلمان تحتاج كي تنال صفة القانون إلى إصدارها  (promulgation)من قبل رئيس الدولة الذي يتأكد من مدى دستوريتها وملاءمتها للظرف السياسي.

ولا شك أن هذه الصلاحية هي على جانب كبير من الأهمية إذ هي تسمح لرئيس الجمهورية بتأجيل اصدار قانون ما ريثما يدرسه مجلس النواب ويقره في هيئته العامة مرة ثانية. ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد فالمادة 57 تلزم مجلس النواب أن يقر القانون المعاد بالغالبية المطلقة من أعضائه أي 65 نائبا بينما تفرض المادة 34 من الدستور الغالبية النسبية لاقرار القوانين (أي غالبية الحضور). وهكذا يتبين لنا أن الشروط الدستورية لاقرار قانون ما أعاده رئيس الجمهورية هي أصعب إذ ان هذا الأخير يعود له أيضا أن يستغل مهلة الاصدار الطويلة التي يحددها الدستور (أي شهر) كي يعيد القانون عندما يكون مجلس النواب في خارج دورات الانعقاد وهكذا يتم تأجيل البت بالقانون إلى فترة أطول بكثير.

ولا بد من الاشارة  أن المادة 56 من الدستور تسمح لمجلس النواب باتخاذ قرار باستعجال اصدار قانون ما. وفي هذه الحالة يجب على رئيس الجمهورية أن يصدر القانون أو يرده خلال مهلة خمسة أيام. والظاهر ان التمديد اذا ما حصل فان المجلس سيطلب الاستعجال بإصدار القانون اي ان مهلة الشهر العادية سيتم اختصارها لتصبح خمسة أيام فقط ما يفقد صلاحية رد القانون في حالتنا هذه من فعاليتها. وحتى لو رد رئيس الجمهورية القانون خلال خمسة أيام يمكن لنا أن نتوقع أن مجلس النواب سيصر على قانون التمديد وبالتالي يصبح رئيس الجمهورية ملزما عندها بإصداره وفي حال تمنع عن ذلك يتم نشر القانون حكما في الجريدة الرسمية دون توقيع هذا الأخير.

ثالثا: عند صدور القانون في الجريدة الرسمية لرئيس الجمهورية خلال خمسة عشر يوما تلي نشر القانون أن يتقدم بطعن أمام المجلس الدستوري يطلب بموجبه ابطال القانون لمخالفته للدستور ولمبادئ الكتلة الدستورية. وإذا رد المجلس الدستوري الطعن يصبح القانون محصنا ونافذا.

هذه هي صلاحيات رئيس الجمهورية والدور الذي يستطيع أن يلعبه من الناحية الدستورية لمنع اقرار التمديد أو تأخيره قدر الامكان وكما هو ملاحظ أن هذه الصلاحيات لا تسمح له أن يمنع التمديد في نهاية المطاف في حال توفرت غالبية نيابية تصر على التمديد.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني