مشروع تعديل قانون “العنف الأسري” يتجه إلى مجلس النواب


2017-04-07    |   

مشروع تعديل قانون “العنف الأسري” يتجه إلى مجلس النواب

ثلاث سنوات مرت على إقرار القانون رقم 293/2014 المتعلق بـ "حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري". ونظراً للشوائب التي أحاطت به، أطلقت منظمة "كفى عنف واستغلال" بالتعاون مع وزارة العدل مسودة تعديلات للقانون خلال مؤتمر رعاه وزير العدل سليم جريصاتي. وقد جاءت هذه التعديلات، نتيجة دراستين قامت بهما "كفى" سلطتا الضوء على الشقين الجزائي والحمائي لهذا القانون. فقد عايشت المنظمة النساء اللواتي واجهن صعوبة لدى محاولتهن الاستفادة من القانون، والحصول على قرارات الحماية في مراحل تطبيق تلك القرارات. كما عُقدت طاولة مستديرة مع القضاة المعنيين بتطبيق القانون تحت رعاية وزارة العدل بتاريخ 7 تشرين الأول 2016. في المؤتمر، لخصت المديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري التعديلات المقترحة على القانون، وذلك بحضور وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسابيان، ورئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كلودين رزق، وممثل عن وزير الدولة لشؤون الانسان أيمن شقير وعدد من القضاة والمحامين.

من ناحية التعديلات المقترحة على قانون الحماية من العنف الأسري، فهي تنطلق من مفاهيم المصطلحات الأساسية الواردة فيه. فمفهوم الأسرة التي ينطبق عليها هذا القانون، لا يعود مرتبط بوجود رابطة زوجية قائمة، بل هو يشمل "الزوجين أثناء قيام الرابطة الزوجية وبعد انحلالها". أهمية هذا التعديل تبرز بشكل أساسي بالنسبة للنساء من الطوائف المسلمة، اللواتي يواجهن "الطلاق التعسفي" بفعل ربط هذا الحق بالرجل وتمكينه في ظل قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية من تطليق زوجته بغض النظر عن إرادتها. ففيما تبيّن من التطبيق العملي للقانون، أن هذا الأمر يؤدي إلى تفلت الزوج المعنّف من مفاعيل قرارات الحماية الصادرة لصالح الزوجات، بمجرد تطليقهن. ظهرت الحاجة إلى تعديل مفهوم الأسرة لتشمل الزوجين حتى بعد انفصالهما، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار مفاعيل قرارات الحماية في هذه الحالة. أبعد من ذلك، يذهب اقتراح التعديل إلى "معاقبة كل من يحرّض أو يشترك أو يتدخل في جريمة العنف الأسري بنفس عقوبة الجريمة المرتكبة حتى لو لم يكن من أفراد الاسرة". والأهم على صعيد المصطلحات الأساسية في القانون، هو تعديل تعريف "العنف الأسري" نفسه. فالصيغة التي أقرها مجلس النواب أخيراً كانت محلّ انتقاد حقوقي واسع، وبشكل خاص في ظلّ تعديل اسم القانون من "حماية النساء من العنف الأسري إلى الحماية من العنف الأسري". والحال أن حجة مجلس النواب وقتها كانت أن "هناك رجال يعنَّفون أيضاً". وهي حجة لا تتوافق مع الواقع الذي استوجب تحديد الفئة التي تحتاج الحماية وحصرها بـ “النساء"، باعتبارهن من الفئات الاجتماعية الهشة في ظل النظام القانوني والاجتماعي القائم. هذه الثغرة التي كرست في القانون النافذ حالياً تستدعي بالتالي تعريف العنف انطلاقا من الظروف المسهلة لارتكابه من طرف ضد آخر. ليصبح بهذا المعنى العنف الأسري هو" أي فعل أو امتناع أو التهديد بهما، يعكس سوء استعمال للسلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها…".

بالإضافة إلى تشديد العقوبات المنطبقة على جرائم العنف الاسري، يعود اقتراح التعديل إلى إثارة مسألة الاغتصاب الزوجي. ففيما يعلق القانون 293 أمر معاقبة "استيفاء الحقوق الزوجية في الجماع" تحت العنف، على تأديته لـ “تشويه في معالم الجسم أو أي عطل جسدي دائم". فإن اقتراح التعديل يذهب إلى تشديد العقوبة على العنف الذي يحصل بهدف ممارسة الجماع أو بسببه سواء أدّى إلى ضرر معنوي أو جسدي.

أما عن الاطفال، فشأنهم شأن النساء، تقلص قوانين الاحوال الشخصية في صيغتها الراهنة مساحة الحماية التي يمكن تقديمها لهم. ما يفاقم الأمر هو صراحة هذا النص في تحديد الأطفال المشمولين بالحماية مع أمهاتهم فقط بمن هم "في سن الحضانة وفق قوانين الأحوال الشخصية وسائر القوانين المعمول بها". خلافاً لذلك، يذهب اقتراح التعديل إلى تحديد هذا الأمر إلى "المرجع القضائي المختص بإصدار قرار الحماية". على أن هذا المرجع أصبح من الممكن أن يكون "قاضي الأحداث" بالإضافة إلى كل من "قاضي التحقيق أو قاضي الأمور المستعجلة".

في هذا السياق رأت مديرة منظمة "كفى" زويا روحانا، أن "إقرار القانون، رغم الشوائب التي اعترته، قد شكل خرقاً جدياً لمنظومة الثقافة الذكورية السائدة"، مشيرةً إلى أنه "أحدث صدمة إيجابية لدى النساء المعنّفات اللواتي لطالما عانين من تجاهل المجتمع بأجهزته الثقافية والقانونية لمعانتهن". هذا وأوضحت ان ذلك "تُرجم في أعداد النساء اللواتي توافدن إلى مركز الدعم في منظمتنا والتي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق بلغ الـ 275 بالمئة". كما أشارت إلى أن المنظمة تمكنت من جمع قرارات الحماية الصادرة في مختلف المحافظات اللبنانية، وقد تجاوز عددها الـ 350 قرار حماية وفقاً للقانون 293. وطالبت روحانا "الإسراع في تطبيق البنود التي ما تزال غير مطبقة، مثل إنشاء القسم المتخصص بالشؤون الأسرية في قوى الأمن الداخلي"، مشددةً على "الإسراع في بت التعديلات المقترحة على القانون، كي لا يأخذ سبع سنوات أخرى كالمدة التي استغرقها إقرار القانون". وأضافت "نعلم بأن إقرار القانون وحده ليس كافياً لإنقاذ النساء من كافة أشكال العنف التي يتعرّضن لها، خاصة في نطاق قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها لدى مختلف الطوائف. أكان في القوانين المتعلقة بالسن الأدنى للزواج وشروطه أو بالطلاق أو الحضانة أو النفقة أو غيرها." هذا وطالبت مجلس الوزراء "بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة العنف الأسري، تنخرط فيه جميع الوزارات المعنية، بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني".

في سياق متصل، أعلن جريصاتي أنّه سيتقدّم "بمشروع اقتراح تعديل القانون إلى مجلس الوزراء، لإقراره وإحالته إلى المجلس النيابي"، متأملاً أن "تساهم هذه التعديلات في القضاء على ظاهرة العنف والحد من الآثار السلبية لهذه الظاهرة التي يعاني منها الأطفال والنساء بصورة خاصّة في مجتمعات العالم بأكملها". ومن جهته، اقترح أوغاسابيان "إنشاء مراكز خاصة في المناطق لاستقبال النساء المُعنّفات وتلقّي ما يتقدّمن به من شكاوى مع إيوائهنّ مؤقتًا في حال دعت الحاجة". وأوضح أن "هذه المراكز يتواجد فيها عناصر أمنية ومرشدين اجتماعيين متخصصين في مجال العنف الأسري".

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني