قانون لحلّ أزمة المجلس الأعلى للقضاء في تونس: انتكاسة في معركة استقلال القضاء


2017-03-29    |   

قانون لحلّ أزمة المجلس الأعلى للقضاء في تونس: انتكاسة في معركة استقلال القضاء

صادق مجلس نواب الشعب التونسي مساء يوم 28-03-2017 على مشروع القانون الأساسي عدد 27 لسنة 2017 المتعلق بتنقيح أحكام القانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء بأغلبية 122 صوتا في مقابل معارضة نائبين واحتفاظ 22 نائبا بأصواتهم. وخلافا لما توحي به نتيجة التصويت، كشفت جلسة نقاش مشروع القانون عن انقسام حاد بين نواب المجلس التشريعي فيما تعلق بتصورهم لمسببات أزمة انعقاد المجلس الأعلى للقضاء وتقييمهم للتدخل التشريعي كمخرج لها.

اتهم نواب المعارضة رئيس الحكومة بالوقوف وراء أزمة المجلس الأعلى للقضاء، وعزوا تعطل انعقاد المجلس الأعلى للقضاء أربعة أشهر بعد الإعلان عن نتائج انتخابات مجلسه لرفضه إمضاء ترشيحات الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. وربط هؤلاء النواب بين منطلق الأزمة والمخرج الذي اقترح لها ليؤكدوا أن المبادرة التشريعية محاولة من الأغلبية الحاكمة لتدعيم موقف الموالين لها داخل المجلس الأعلى للقضاء.

دعمت الوقفة الإحتجاجية التي دعت لها جمعية القضاة التونسيين أمام المجلس التشريعي يوم انعقاد جلسة نقاش مشروع القانون موقف نواب المعارضة. كما دعمهم الإضراب عن العمل الذي دعت له جمعية القضاة يوم انعقاد مجلسهم واليوم الذي سبقه وذاك الذي يليه. فذكّر هؤلاء النواب أن المصادقة على مشروع القانون لن ينهي أزمة المجلس الاعلى للقضاء ولكنه سيؤدي لتعطيل مرفق القضاء. ووجد ذات النواب في القرار الذي صدر عن المحكمة الإدارية في مادة إيقاف التنفيذ ليلة نقاش مشروع القانون سندا قضائيا لموقفهم إذ أكدت المحكمة في قرارها موقفهم الذي يربط انعقاد المجلس الأعلى للقضاء بإمضاء رئيس الحكومة لترشيحات الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي.

بالمقابل، ردّ نواب الأغلبية تهمة التسبب في اندلاع أزمة المجلس الأعلى للقضاء عن رئيس الحكومة وحمّلوا وزرها للهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي ورئيسها. فذكروا في تدخلاتهم أن الهيئة أحدثت شغورات بمناصب الأعضاء الحكميين بالمجلس الأعلى للقضاء العدلي لم تكن قائمة عند إعلان نتائج انتخابات المجلس الأعلى للقضاء بحثا عن منع انعقاده. وهو أمر انتهى رئيسها لفرضه بعدما امتنع عن دعوة المجلس الأعلى للقضاء لعقد أول جلساته احتجاجا على رفض رئاسة الحكومة التمديد له في مدة العمل بعد بلوغ سن التقاعد القانوني. كما نفوا تهمة التدخل في عمل المجلس الأعلى للقضاء، وذكروا أن نص مشروع القانون يتعلق بشروط ونصاب انعقاد أول جلسة للمجلس الأعلى للقضاء ويهدف فقط لحل أزمة انعقاد المجلس بعدما فشل أعضاء المجلس عن إيجاد حل توافقي فيما بينهم ينهيها. وذهب نواب الأغلبية في جوابهم على حجة خصومهم القضائية إلى أن شككوا في حيادية الحكم القضائي الذي ذكروا أنه صدر ليلة انعقاد المجلس في إطار توظيف سياسي للقرارات القضائية.

لم يلتجئ أعضاء المجلس التشريعي للتوافق لحسم خلافهم رغم دعوة عدد منهم رئاسة المجلس لإرجاء التصويت لإتاحة مجال أمام التوافق. ويبدو هذا الأمر إيجابيا في التصور الديمقراطي لأداء المجلس التشريعي[1]. وبالنتيجة، تمكن أنصار الأغلبية الحاكمة ممثلين في نواب حزبي نداء تونس وحركة النهضة في حسم التصويت لفائدة مشروع الحكومة، فيما إختار نواب المعارضة تسجيل انسحابهم من جلسة التصويت احتجاجا على ما ذكروا أنه اعتداء على استقلالية القضاء. وقد نجح المنسحبون في أن يجمعوا  في كواليس المجلس وبمجرد انتهاء جلسته النصاب القانوني الواجب ليتمكنوا من تقديم لائحة طعن بعدم الدستورية في مشروع القانون[2].

وتبدو عند هذا الحد مصادقة مجلس نواب الشعب على مشروع القانون المنقح للقانون الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء نقطة تحول هامة في أزمة المجلس الأعلى للقضاء وإن دلّت المؤشرات على أنها لن تؤدي إلى حسمها.

نزعت مصادقة مجلس نواب الشعب على المبادرة التشريعية عن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء والهياكل القضائية الداعمة لهم صفة الفاعلين الأساسيين في إدارة الأزمة. وأدت تلك المصادقة لأن تحوّل هؤلاء إلى مساندين لأطراف الصراع السياسي المتحكمين الحقيقيين في مجريات أزمة المجلس الأعلى للقضاء.   و يسيئ هذا التطور لقيم استقلالية القضاء التي يفترض أن  يكون المجلس الأعلى للقضاء الضامن لها.

وتأمل المفكرة القانونية أن يعى أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وهياكل القضاء المساندون للمبادرة التشريعية والمعارضون لها خطورة المنزلق الذي أدت له  خصوماتهم العبثية، وأن يبادروا للإستفادة من الآجال الإضافية التي سيوفرها لهم النزاع حول دستورية مشروع القانون ليبحثوا عن حلول توافقية للأزمة القائمة  خصوصا وقد تبينوا من مجريات جلسة نقاش مشروع القانون أن أزمة مجلسهم أدت للمس بصورتهم وبمكتسبات القضاء التونسي ونضالاته من أجل فرض ضمانات استقلاليته.

 


[1] شكل التوافق أحد أسرار نجاح تجربة الانتقال الديموقراطي في تونس لكن مع تطور التجربة تبين أن البحث عن حلول توافقية لكل المسائل الخلافية يؤدي لامرين اولها العدول عن الحسم الديموقراطي للمسائل الخلافية وثانيهما الابتعاد عن التصورات الواضحة للمسائل المعروضة في مقابل تصورات تحمل صلبها تناقضات كبرى. ويحسب لجمعية بوصلة انها كانت اول من كشف خطورة التوافق كفكرة على الانتقال الديموقراطي.
[2] امضى اللائحة 32 نائبا ليلة  المصادقة على مشروع القانون  فيما يفرض القانون أن يقدم طعن عدم الدستورية 30 نائبا.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني