فتح باب الترشيح لمهمة قاضي التوثيق بالخارج وإقصاء للمرأة القاضية


2017-02-27    |   

فتح باب الترشيح لمهمة قاضي التوثيق بالخارج وإقصاء للمرأة القاضية

أعلنت وزارة العدل والحريات مؤخرا عن انطلاق عملية فتح باب الترشيح لإلحاق قضاة لممارسة مهام التوثيق بسفارات مغربية بالخارج[1].

ورغم أن المبادرة في حد ذاتها تبقى محمودة لأنها تمت في إطار يكفل الشفافية والحق في الحصول على المعلومة ومبدأ تكافؤ الفرص، وقد وضعت حدا للمحاباة التي كانت تتم بها عملية انتداب قضاة للعمل بالخارج. إلا أن الشروط التي تضمنها إعلان وزارة العدل والحريات سيما تلك المتعلقة بالمدة تطرح عدة إشكالات حول مراعاتها لمقاربة النوع الاجتماعي.

الشروط المطلوبة للترشيح لمهمة قاضي التوثيق بالخارج

بحسب الاعلان المنشور بموقع وزارة العدل والحريات حددت شروط الترشيح لمهمة قاضي التوثيق الملحق بالسفارات المغربية بالخارج[2] في ما يلي:

1- أن يكون المرشح مرتبا في الدرجة الثانية على الأقل؛

2- أن يكون قد مارس مهام التوثيق لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات؛

3- ألا يكون قد استفاد من الإلحاق بمصالح وزارة الخارجية والتعاون للقيام بنفس المهام.

ويتكون ملف الترشيح من طلب يتضمن رأي الرئيس المباشر حول الكفاءة المهنية للمرشح، وسيرة ذاتية تتضمن مؤهلاته، ومدة مساره المهني والمهام والوظائف التي زاولها.

شرط المدة اقصاء عملي للمرأة القاضية من مهمة قاضي التوثيق

من بين الشروط الأكثر اثارة للجدل، شرط مدة ثلاث سنوات من الممارسة الفعلية لمهمة قاضي التوثيق، وهو شرط يعني من الناحية العملية إقصاء لكل النساء القاضيات من إمكانية الترشيح لمهمة قاضي التوثيق في سفارات مغربية بالخارج، ذلك أن الواقع العملي يؤكد أن مهمة قضاء التوثيق ظلت وعبر تاريخ ممارسة المهنة مهمة ذكورية[3]. فلم يسبق أن تم تعيين امرأة قاضية للتوثيق مما يجعل توفر هذا الشرط مستحيلا للقاضيات.

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة العدل سبق لها في السنوات الماضية أن فتحت باب الترشيح لممارسة مهمة قضاء التوثيق بالخارج دون اشتراط شرط المدة. وقد أفرزت القرعة التي تم إجراؤها حينئذ عن تعيين أول قاضيتين تم تكليفهما بمهمة التوثيق بسفارتين بالخارج، وهو ما شكل سابقة لاختراق المرأة القاضية هذا المجال الذي ظل لمدة عقود حكرا على زميلها القاضي الرجل[4].

الذكورة هل تعتبر شرطا للقيام بمهمة قضاء التوثيق؟

يمثل قاضي التوثيق جهة قضائية مسؤوليتها تكمن في إضفاء الصبغة الرسمية على الشهادات التي يتلقاها العدول[5] من خلال المخاطبة[6] على العقود، بالإضافة الى مراقبة العدول وتتبع أشغالهم وكيفية مزاولة مهامهم[7]، ويعتبر قضاء التوثيق من أقدم المؤسسات القضائية التي لها رمزية كبيرة ارتبطت بمهام الولاية العامة، حيث كانت تتولى عدة مهام متشعبة. ورغم غياب نص قانوني يمنع المرأة القاضية من القيام بهذه المهام، فإن الممارسة كرست أعرافا تقتضي أن يكون قاضي التوثيق رجلا. ولعل مرد ذلك أن المنصب لم يكن منصبا قضائيا عاديا، بل كان منصبا قضائيا ودينيا في نفس الوقت. فقاضي التوثيق كان هو قاضي المدينة التي ينوب على "الإمام". وهو لا يتولى فقط مراقبة العدول وما ينجزونه من وثائق ورسوم وشهادات عدلية، بل كانت مهامه تمتد لتشمل الولاية العامة على المحجورين، وقضايا الأحوال الشخصية، وإقامة الشعائر الدينية… [8]

لذا شكل مطلب تأنيث هذا المنصب مطلبا رفعته الجمعيات النسائية عند المطالبة بتعديل مدونة الأحوال الشخصية. وهو ما استجاب له المشرع في مدونة الأسرة[9] بشكل جزئي عن طريق تفتيت صلاحيات قاضي التوثيق وخلق مؤسسات جديدة. وقد تم تفويت مهمة النيابة القانونية على المحجورين للقضاة المكلفين بشؤون القاصرين؛ وتفويت قضايا الطلاق إلى أقسام قضاء الأسرة، وتخويل صلاحيات اقامة البيوع القضائية إلى أقسام التنفيذ بالمحاكم الابتدائية، فضلا عن إخراج مهمة إقامة الشعائر الدينية من مهام القاضي المكلف بالتوثيق بعد تنصيب ممثلين لوزارة الأوقاف في مختلف العمالات والأقاليم.

في نفس السياق، يلاحظ أن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا) تصدى في وقت مبكر لمحاولات منع المرأة القاضية من تولي مهام البت في قضايا الأحوال الشخصية. فقد أكد أن: "الفصل 12 من الدستور لا يميز الرجل والمرأة في تولي منصب القضاء، وكذا الظهير المكون للنظام الأساسي لرجال القضاء لا تميز مقتضياته بين الجنسين للانخراط في سلك القضاء". مضيفا بأنه : "بمقتضى الفصل 6 من الظهير المتعلق بالتنظيم القضائي، يمكن لكل غرفة من غرف محاكم الإستئناف، وهي مكونة من قاضيات أن تحكم في كل القضايا المعروضة عليها أيا كان نوعها، وإن تعلق الأمر بقضايا الأحوال الشخصية"[10].

ورغم هذا الاجتهاد القضائي المبدئي لأعلى محكمة في التنظيم القضائي، ظل قضاء التوثيق استثناء يجعله قضاء ذكوريا بامتياز. وجاء بلاغ وزارة العدل والحريات المتعلق بفتح باب الترشيح للقيام بمهمة التوثيق بسفارات مغربية بالخارج ليعيد ترسيخ نفس الاستثناء من خلال فرض شرط أقدمية معينة في ممارسة نفس المهمة، مما يعني بالضرورة إقصاء للمرأة القاضية، إقصاء يضاف إلى عدة عراقيل أخرى تحول دون وصول المرأة القاضية إلى جميع المناصب القضائية[11].
 


[1]-بلاغ منشور بالموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات بتاريخ 2017/02/22.
[2]-يتعلق الأمر بسفارات المغرب في كل من فرنسا، ألمانيا، بلجيكا.
[3]-حول هذا الموضوع، تراجع الدراسات التالية المنشورة بموقع المفكرة القانونية: تجربة المرأة القاضية بالمغرب
تحديات تواجه تجربة المرأة القاضية بالمغرب
[4]– جاء في تقرير لوزارة العدل والحريات ما يلي :"أسندت للمرة الأولى في تاريخ القضاء المغربي مهام التوثيق  بإحدى سفارات المغرب بأوربا لقاضيتين اثنتين".
تقرير بمناسبة مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل والحريات برسم سنة 2016، لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان بمجلس النواب، بتاريخ 2015/11/02، ص 17.
[5]-يقصد بالعدول ممارسوا مهنة التوثيق الشرعي (مأذون) ومن مهامهم توثيق عقود الزواج والوصايا والهبات واحصاء التركات والبيوع..والاشهاد على بعض الوقائع والتصرفات مثل الاقرار بالنسب، واعتناق الاسلام…وهو يخضعون لرقابة قاضي التوثيق.
[6]-يقصد بالمخاطبة اضفاء الطابع الرسمي على الرسوم (العقود) التي ينجزها العدول وتتم بتوقيع قاضي التوثيق عليها بعبارات خاصة تعني أنه صادق عليها.
[7]-المادة 37 من المرسوم رقم 2.08.378 الصادر في تشرين الاول (أكتوبر)  2008 المتعلق بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 الخاص بخطة العدالة تنص على ما يلي: "يكلف وزير العدل بمقتضى مقرر قاضي أو أكثر بشؤون التوثيق في دائرة كل محكمة ابتدائية…".
[8]-من بين الانتقادات التي وجهت لمطالب الحركة النسائية الرامية الى تأنيث منصب قاضي التوثيق أن: "…مجتمعنا لا يقبل أن تجلس قاضية على كرسي التوثيق، وكرسي التوثيق منه يخرج خطيب العيدين (…)، وهو قاضي القاصرين، وولي من لا ولي له".
-نور الدين بوبكر: رأي في مشروع الخطة الوطنية لادماج المرأة في التنمية، وجهة نظر في تعديل مدونة الأحوال الشخصية، طبعة 2000، ص 140.
[9]– قانون رقم 70.03 بمثابة مدونة الأسرة، والذي صدر بتنفيذه ظهير رقم 1.04.22 بتاريخ 3 شباط (فبراير) 2004، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5184، بتاريخ 1 شباط 2004، ص: 418.
[10]– قرار المجلس الأعلى عدد 214، صادر بتاريخ 2001/02/21، في الملف 657/2/1/96
[11]– حول العراقيل التي تحد من وصول المرأة القاضية بالمغرب الى مراكز صنع القرار يراجع بيان المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب الصادر بتاريخ 08 آذار (مارس) 2015، وحوار المفكرة القانونية مع رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات القاضية عائشة الناصري، منشور على الرابط التالي: القضاء بصيغة المؤنث حوار مع رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات

 

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، مقالات ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني