منح الأمنيين حقّ انتخاب السلطة المحلية: مقايضة الحقّ بالخوف من ممارسته


2017-02-03    |   

منح الأمنيين حقّ انتخاب السلطة المحلية: مقايضة الحقّ بالخوف من ممارسته

بتاريخ 31-01-2017، صادق مجلس نواب الشعب التونسي على مشروع القانون الأساسي عدد 01 لسنة 2016 المتعلق بإتمام وتنقيح القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المتعلق بالإنتخابات والإستفتاء. تعطل قبل هذا التاريخ تمرير مشروع القانون الذي يخص تنظيم القواعد الانتخابية لانتخابات السلطة المحلية لاختلاف الكتل الكبرى بمجلس نواب الشعب حول عديد المسائل الخلافية في أحكامه ومن أهمها الإعتراف بحقّ القوات الحاملة للسلاح بالإنتخاب.

تمسكت كتلة  نواب "حركة نداء تونس" بمجلس نواب الشعب مدعومة بكتلة "الحرة لحركة مشروع تونس" وكتلة "الحزب الوطني الحر" بموقف يدعم الإعتراف بحقّ الأمنيين والعسكريين في المشاركة في أي انتخابات بلدية أو جهوية. وقد أسندت موقفها هذا على الفصل 21 من دستور الجمهورية التونسية الذي يفرض المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.

بالمقابل، تمسكت كتلة نواب حركة النهضة بسحب تحجير المشاركة في العملية الإنتخابية المقرر قانونا في الإنتخابات التشريعية والرئاسية على الإنتخابات البلدية الجهوية. وقد بررت حركة النهضة موقفها بخشيتها من أن تؤدي ممارسة الأمنيين والعسكريين للحق الانتخابي إلى المس بحيادهم السياسي. واعتبرت أن الدستور التونسي يؤيد رأيها  لكونه يفرض في الفصلين 19 و20 منه "الحياد التام"على العسكريين والأمنيين وهو حياد يتعارض مع دعوات تشريكهم في الصراع الانتخابي.

لم يُحسم الصراع وفق الآليات الديمقراطية كما كان يفرض منطق الأشياء وترك أمره لمفاوضات بحث عن حل توافقي للمسألة الخلافية. إنتهت التوافقات إلى نصّ قانوني منح الأمنيين حق الإنتخاب، في موازاة وضع ضوابط له من شأنها أن تجرّد الإعتراف به من الكثير من مفاعيله.

الأمني والعسكري ناخبان لأول مرة في تاريخ تونس

حاولت المعارضة بالمجلس الوطني التأسيسي ممثلة في الكتلة الديمقراطية تضمين أول قانون انتخابي يصدر في ظل الجمهورية الثانية اعترافاً بحق القوات الحاملة للسلاح بالإنتخاب، بما يقطع مع المنظومة الإنتخابية التي سادت في ظل الجمهورية الأولى. رفضت آنذاك الأغلبية هذا الطرح وصوتت لفائدة تواصل تحجير الانتخاب على الأمنيين. وإذ طعنت المعارضة بالتحجير، تجنبت الهيئة الوقتية للرقابة على دستورية مشاريع القوانين الفصل فيه[1].

غيرت نتائج أول انتخابات تشريعية تجرى في ظل الجمهورية الثانية تركيبة المجلس التشريعي. فباتت مجمل القوى السياسية التي تساند الحق الانتخابي للأمنيين تشكل أغلبية في المجلس. سمح تغير موازين القوى بإعادة طرح المسألة بمناسبة النظر في التعديلات التشريعية الواجب إجراؤها لملاءمة القانون الإنتخابي مع الإنتخابات البلدية و الجهوية بإلحاح أكبر. وتمكنت في نهاية المطاف الأغلبية الجديدة من فرض وجهة نظرها. فكان أن اعترف المشرع لأول مرة في تاريخ الجمهورية التونسية بحق الأمنيين في التسجيل بالقوائم الإنتخابية  للإنتخابات البلدية والجهوية. وهذا الإعتراف يقطع ليس فقط مع التصورات التشريعية السابقة ولكن أيضا مع طرح سياسي يربط الحفاظ على مدنية الدولة بمنع الأمنيين من إبداء الرأي بأي شكل من الأشكال في الشأن العام. ويتلاءم هذا التطور مع إقرار الدستور التونسي بالحق النقابي للأمنيين كما يتماهى جزئيا مع توجه التشريعات الحديثة التي باتت تقر بالحقوق السياسية لهذه الشريحة المهنية من المواطنين.

ويبدو مشروع القانون من هذا المنظار ثوريا، رغم أنه لم يصل إلى درجة الإعتراف بحق الأمنيين في الترشح للمجالس المحلية، أو في الإنتخاب في الإنتخابات التشريعية والرئاسية. إلا أن إيجابية النص التشريعي تبدو فعليا محدودة بالنظر لما فرضه من قيود على ممارسة الحق قد تؤول عمليا إلى ثني المستفيدين منه عن ممارسته.

ممارسة الحق الانتخابي تحت سلاح التهديد بالعزل: إرهاب المشرع

أدى إصرار كتلة نواب حزب نداء تونس على البحث عن حلول توافقية للموضوع الخلافي لأن اتهم حزبها بالعمل على استعمال المطالبة بحق الأمنيين الإنتخابي لتأجيل الإنتخابات البلدية. ومن هذه الزاوية، يظهر قبول نواب حركة النهضة بهذا الحق الذي عارضوه طويلا، تنازلا منهم غايته التعجيل بإجراء انتخابات يقدرون أنها ستؤكد قوتهم السياسية. وهو تنازل تكشف القيود التي نجحت الحركة في فرضها أنه سيكون محدود الأثر على مستوى تطور تصور حيادية الأمن والجيش السياسية.

فقد ربط مشروع القانون ممارسة الأمنيين والعسكريين للحق الانتخابي بشرط "عدم مشاركتهم في أي نشاط له علاقة بالإنتخابات". وبذلك، اقتصر الحق لمعترف به على حق التصويت. ولم يكتفِ القانون بذلك، بل فرض على مجالس التأديب إنزال العقوبة الأقسى (العزل) في كل من ثبت لها مخالفة أحكامه[2] الصارمة، مجرّدا إياها من صلاحية تفريد العقوبات في هذا المجال. وهو بذلك جانب مبدأ التناسب بين العقوبة التأديبية والخطأ الذي ينسب للموظف، مانعا المجالس التأديبية ومن ثم القضاء من إمكانية البحث عن العقوبة الأكثر ملاءمة للخطأ المرتكب.

وعدا عن خطورة هذا التوجّه لتعميم العقوبة بما يمس ضمانات المؤاخذة العادلةـ، فإن أخطر ما فيه أن من شأنه أن يثني عمليا الأمنيين عن ممارسة حقهم منعا لأي ملاحقة تعسفية قد تقصيهم عن عملهم.

وإذ يؤمل أن يطرح السؤال حول دستورية هذه الأحكام على القضاء الدستوري، فإن التوافقات والحسابات السياسية ستؤول في الغالب إلى منع ذلك. وهذا ما نستشفه من تصريحات متتالية لمن صوتوا ضد مشروع القانون بأنهم لن يرفعوا عريضة طعن فيه بدعوى حرصهم على سرعة إجراء الإنتخابات البلدية. وينتظر بالتالي ان يكون هذا النص التشريعي نافذا بمضي الآجال القانونية وبعد نشره بالجريدة الرسمية.

 


 [1] للكاتب يراجع مقال "بداية متعثرة للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين في تونس: وعنوانها غياب الجرأة" 27-05-2014 موقع المفكرة القانونية
[2] ينص الفصل 52 مكرر من مشروع القانون كما تمت المصادقة عليه : 
لا يشارك العسكريون وقوات الأمن الداخلي في الحملات الانتخابية والاجتماعات الحزبية وكل نشاط له علاقة بالانتخابات يعزل كل عسكري أو أمني يشارك في الأنشطة المبينة بالفقرة السابقة بقرار لمجلس الشرف أو التأديب بعد السماح له بممارسة حقه في الدفاع 

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، تونس ، دستور وانتخابات



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني