سحب قانون التحرّش في المجلس النيابي: شماتة واستهزاء وخوف من فتح الأبواب


2017-01-20    |   

سحب قانون التحرّش في المجلس النيابي: شماتة واستهزاء وخوف من فتح الأبواب

“الفوضوية” هي السمة الأبرز التي وسمت جلسات مجلس النواب خلال يومي 18 و19/1/2017. وقد نوه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى ذلك بقوله تكرارا “أنا استغرب ناسيين التشريع وأصول النظام”. ومع الوصول إلى البند 52 على جدول الأعمال وهو “اقتراح القانون المعجل المكرر الرامي الى تجريم التحرش الجنسي والإساءة العنصرية”، المقدم من النائب غسان مخيبر بتاريخ 14/5/2014“، بلغت الفوضى حدها الأقصى بعدما تعالت من جميع أرجائه صيحات الإستهزاء.

يتألف إقتراح القانون من مادة وحيدة: وما كاد الرئيس بري ينهي كلامه في الإشارة إلى القانون المزمع مناقشته حتى إرتفع الصوت في قاعة المجلس عالياً”لا”. رافق ذلك التعليقات الساخرة والضحكات العريضة. وطُلب من صاحب الإقتراح أي النائب غسان مخيبر تقديم اقتراحه والأسباب الموجبة له، فخرق أحد النواب الصيحات مخاطباً مخيبر بالقول “نيالك يا غسان شو بالك مرتاح”.

بهدوء وقناعة تامة خرقت الضجة، وقف النائب مخيبر ليعرض إقتراحه ونوبات السخرية مستمرة، فخاطب زملاءه بالقول: “لا حاجة للإبتسام، فهو قانون جدي ويدخل ضمن أعمال العنف الممارس ضد النساء والفتيات ويمثل أموراً وأفعالاً شائنة في وقت لا يوجد في لبنان قانون يحمي بأي أحكام مناسبة”. أما السبب الأساس لوضعه موضع العجلة فيعود بنظره إلى أن”كل يوم يحصل أفعال شائنة من هذا النوع ونحن صوتنا على حماية المرأة من العنف. جاء قانون العنف الأسري غير مكتمل ونحن وعدنا نساء لبنان أن نستكمل العمل عليه”. تابع:”هذه الأفعال لا تطال النساء والفتيات في الأماكن العامة وحسب وإنما أماكن العمل وهناك هيئات نسائية مختلفة ترى أنه ضروري” طالباً الموافقة عليه. ورغم رصانة كلام مخيبر وجدية المسألة، فإن نوابا عدة لم يتمالكوا أنفسهم من نوبات السخرية. وقد ذهب أحدهم إلى التعليق: “بدنا قانون يحمينا من النساء”.

من جهته، أوضح وزير الدولة لشؤون المرأة “جان أوغاسابيان” أن “الوزارة تُعد قانوناً في هذا الخصوص” وأن هذا الإقتراح يتطلب “تعديلاً في قانون العمل والعقوبات لاعتبار التحرش من الجرائم الشائنة”.

أما التأييد المباشر على هذا القانون فجاء على لسان نواب كتلة الوفاء للمقاومة فتحدث النائب نواف الموسوي مؤيداً ما ذكره مخيبر من أسباب موجبة طالباً تعديلاً يتعلق بإضافة “الإساءة القائمة على أسباب عنصرية” وقال:” إن المجلس يعبر عن كل اللبنانيين لذا نرى أن هذا الإقتراح له صفة العجلة”. كذلك رأى النائب حسن فضل الله أن “هذا القانون له أهمية كبيرة” وقال:”كنت أريد أن أطرح موضوع التحرش في العمل خاصة في الإدارات الرسمية، إذ تأتينا شكاوى كثيرة في بعض الإدارات الرسمية والمدارس”.

عندها طلب الرئيس بري من مخيبر وأوغاسابيان، الدخول إلى قاعة جانبية ودمج الاقتراحين سوياً ثم عرضهما على التصويت. وبعد فترة من الوقت عاد مخيبر ومعه إقتراحه معدلاً وقرأ التعديل الذي نص على التالي:

 1– يعاقب بالحبس من ثلاثة اشهر الى سنة وبالغرامة من ضعفي الى عشرة أضعاف الحد الادنى للاجور، كل من اقدم بشكل صادم او ملّح او متكرر على فرض أقوال أو افعال أو كتابة أو ايحاءات ذات طابع جنسي أو ذات طابع عنصري، على شخص دون رضاه او من دون ايحاء بالترحيب، فأدى ذلك الى الاعتداء على كرامته اما بسبب طبيعتها او ظروفها المهنية أو الضاغطة أو المحرجة.

2- تشدد العقوبة اذا وقع جرم التحرش الجنسي:

– على قاصر
(وهنا قاطعه النائب نديم الجميل بإبتسامة عريضة سائلاً “لماذا على القاصر”).
-على شخص مصاب بإعاقة أو بمرض مقعد،
– على شخص في وضع تابع اجتماعيا او اقتصاديا او مهنيا او وظيفيا، في هذه الحالات يستثنى توجب انتفاء الرضى، ويمكن الحكم بالمنع من مزاولة المهنة وفق أحكام المادتين 94 و 95 من قانون العقوبات.
– اذا اقترف موظف الجرم المنصوص عنه في المادة 521 مكرر بمعرض الوظيفة او بسببها، تعتبر خطأ جسيما فيحال الى الهيئات الرقابية والتأديبية ذات الصلاحية.

وأضاف فقرتين هنا: “لا تستوجب ملاحقة الموظف في هذه الجريمة موافقة الإدارة

تعتبر جريمة التحرش الجنسي والعنصري من الجرائم الشائنة ويحظر اللجوء الى الكلام أو الكتابة بهدف سوء المنفعة أو منفعة الغير”.

ثم تابع تلاوة باقي الاقتراح في صيغته الأصلية (تجدونه مرفقاً قبل التعديل).

عرض الاقتراح على النواب للتصويت فصوتوا بالموافقة. وما أن قال الرئيس بري أن الإقتراح صُدّق حتى وقف رئيس لجنة حقوق الانسان النائب ميشال موسى وتحدث قائلاً أن هذا القانون يعد “هدية كبيرة للبنانيين” لانه قانون حضاري ويواكب الدول المتقدمة.

لكن يبدو أن التحضر سمة ازعجت عدداً من النواب، ومن التعليقات على هذا الإقتراح ما جاء على لسان النائب سيرج طور ساركيسيان “ماذا لو أن موظفة ما أرادت الإنتقام من مديرها فذهبت واشتكت عليه بتهمة التحرش؟” وسأل آخر”هل أن كل رسالة واتس آب تجيز التقدم بشكوى تحرش. إن كان كذلك فنحن سنفتح علينا باباً لن يغلق”. فيما اعترض النائب سامي الجميل معتبراً أن هذا الكلام غير مقبول وأن هناك ضرورة لإقرار القانون.

ومع تكرار الأسئلة على هذا النسق والتي تخلو من الحرص والدراية والمغلفة بطابع السخرية، ومع طلب وزير الشباب والرياضة  محمد فنيش ان يشمل الإقتراح آية للمحاسبة تم التراجع عن التصديق.

تجدد النقاش حول كيفية التثبت من إدعاء المرأة بتعرضها للتحرش، فطالب عدد من النواب سحبه وعرضه على للجان لمراجعته ووضع آلية تطبيق له. كذلك تحدث وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسبيان طالباً سحبه إلى الحكومة التي أعطيت مهلة 10 أيام لدرسه وإرساله إلى مجلس النواب.

هذا ما جرى أثناء البحث في قانون يعد حاجة ماسة لحماية المرأة. وقد عكست المناقشات حجم الذكورية لدى عدد من نواب الأمة، ذكورية نجحت في نهاية المطاف إلى إرجاء المصادقة على القانون إلى موعد قريب يؤمل أن يكون قريبا.

بقي أن نذكر أن المفكرة القانونية كانت تبنت مشروع قانون كانت أعدته جمعية نسوية بشأن التحرش في أماكن العمل والفضاء العام ونشرته على موقعها.

انشر المقال



متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، لبنان ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني