على خطى قاضيات المغرب.. التونسيات يؤسسن جمعية للقاضيات


2016-12-01    |   

على خطى قاضيات المغرب.. التونسيات يؤسسن جمعية للقاضيات

أعلنت الهيئة التأسيسية لجمعية القاضيات التونسيات يوم الجمعة 25 /11/2016، عن تأسيس جمعية جديدة صدرت بالرائد الرسمي للبلاد بتاريخ 8/10/2016.
وتعتبر فكرة تأسيس جمعية للقاضيات من بين الأفكار التي انتعشت مؤخرا في المنطقة المغاربية، خاصة بالمغرب بعد المصادقة على دستور 2011.
وبين تجربتي المغرب وتونس تبرز العديد من التساؤلات المشروعة حول جدوى المبادرة ومدى امكانية توظيفها من أجل دعم جهود الاصلاحات القانونية والقضائية بالمنطقة.

قاضيات المغرب يواجهن تهميش كفاءاتهن ويخترن التكتل
تجاوز عدد القاضيات بالمغرب حدود الألف، ويمثلن حوالي ربع الجسم القضائي، ورغم قدم تاريخ دخول المرأة المغربية لسلك القضاء (1961)، إلا أن وصولها الى مراكز صنع القرار جاء متأخرا"[1]، خاصة على مستوى الوصول الى تمثيلية القضاة بالمجلس الأعلى للقضاء، اذ لم يسبق لأي قاضية أن فازت بثقة زملائها، وهو ما دفع المشرع الدستوري الى تبني الكوتا لضمان تمثيلية المرأة القاضية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، حيث انتخبت في صيف 2016 ثلاث قاضيات لعضوية المجلس.

أما بخصوص اقبال النساء القاضيات على العمل الجمعوي، فيمكن التمييز بين مرحلتين:

مرحلة ما قبل دستور 2011
كانت المرأة القاضية عضوة نشيطة داخل الودادية الحسنية للقضاة -وهي الجمعية الوحيدة التي كان يسمح للقضاة بالانخراط فيها- لكن حضور المرأة القاضية كان يقتصر على العضوية، ولا يمتد الى التمثيلية داخل أجهزة الجمعية التي ظلت ذكورية بامتياز، واستمر الوضع الى حدود سنة 2010 حينما انتخبت قاضيتان بالمكتب المركزي للودادية بعد اعتماد أسلوب الكوتا في القانون الأساسي للجمعية.

مرحلة ما بعد دستور 2011
وهي المرحلة التي شهدت التعددية الجمعوية، اذ كرس الدستور الجديد حرية القضاة في العمل الجمعوي، وتأسس نادي قضاة المغرب بتاريخ 20/08/2011، وطرحت مسألة اعتماد الكوتا لضمان تمثيلية المرأة القاضية ضمن أجهزة الجمعية الجديدة ولقيت اعتراضا شديدا من طرف القاضيات قبل القضاة. وبرغم عدم اعتماد أسلوب التمييز الايجابي، انتخبت قاضيتان لترأس المكاتب الجهوية للنادي، وحظيت قاضيات بعضوية أجهزة الجمعية، وبرزت صورة جديدة للمرأة القاضية، صورة المرأة المناضلة من أجل الدفاع عن استقلال القضاء، صورة نساء يرتدين زيهن الرسمي إلى جانب زملائهن للاحتجاج والمطالبة بقوانين ضامنة للحقوق والحريات.

في نفس السياق أسست القاضية عائشة الناصري الجمعية المغربية للنساء القاضيات سنة 2012 كجمعية لمناهضة التمييز ضد المرأة القاضية ومواجهة العراقيل التي تحد من فرص وصولها الى مراكز صنع القرار"[2].

وفي سنة 2016 وبعد المصادقة على قوانين السلطة القضائية أسست جمعية اتحاد قاضيات المغرب كفرع للجمعية الدولية للنساء القاضيات"[3]، برئاسة المستشارة مينة سكراتي القاضية بالمحكمة الادارية بالدار البيضاء.  

جمعية القاضيات التونسيات أي جديد داخل المشهد القضائي التونسي؟
أكدت رئيسة جمعية القاضيات التونسيات السيدة سعيدة الشبيلي خلال ندوة صحفية نظمها أعضاء الهيئة التاسيسية، أن الجمعية الجديدة تهدف إلى المساهمة في تعزيز دور المرأة القاضية في القضاء وفي معارفها في ميدان حقوق الإنسان. كما تهدف إلى المساهمة في تشجيع الحكومة على دعم المرأة القاضية والحث على جعلها ممثلة في جميع المستويات بالمحاكم سواء كانت اقليمية او دولية. وأضافت أن الجمعية ستعمل على التواصل مع الجمعية الدولية للنساء القاضيات والتنسيق قصد تشريك القاضيات التونسيات بمختلف البرامج التي تنظمها للتكوين.

ماذا تعلمنا تجربة قاضيات المغرب وتونس ؟
من بين أهم الدروس المعتبرة من تجربتي قاضيات المغرب وتونس امكانية توظيف مقاربة النوع الاجتماعي كنواة لدعم فكرة تجمع القضاة، خاصة في البلدان التي لا تكون فيها فكرة تكتل القضاة قائمة، فالاشتغال على ملف "المرأة القاضية" لمناهضة التمييز، يمكن أن يشكل مدخلا محفزا لفتح ملفات اصلاح كبرى من قبيل ملف تدبير الوضعية الفردية للقضاة، معايير التعيينات، والتشكيلات القضائية، والتنقيلات، والترقيات، اشكالية الهرمية داخل الجسم القضائي، التأثيرات الداخلية والخارجية على القضاة وغيرها من الملفات العالقة التي تثير سؤال استقلال القضاء.

بل ان عددا من الدراسات المهتمة باستقلالية القضاء، تذهب إلى أن الاستقلالية الداخلية للقضاء المتمثلة في الاستقلال عن جماعات النفوذ داخل الجسم القضائي لا تقل أهمية عن الاستقلال الخارجي للقضاء، لذا لا غرابة أن نجد أن بعض التكتلات القضائية عبر العالم وخاصة الشبابية منها، نشأت كرد فعل على هذا النفوذ الداخلي. وهكذا نشأت نقابة القضاة في فرنسا بمبادرة من القضاة الشباب وخاصة خريجي المدرسة الوطنية للقضاء بفرنسا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جمعية القضاة الإيطاليين، التي جاءت كأداة فضلى لنقض مبدأ الهرمية داخل القضاء، وذلك حين أشهرت مجموعة من القضاة الشباب داخل جمعية القضاة مبدأ "صوت لكل قاض" في الانتخابات والقرارات المتصلة بأعمال الجمعية". بل إن بعض الدساتير الأوروبية ونتيجة لهيمنة كبار القضاة على إخوانهم تضمنت مبدأ جاء فيه بأن: "القضاة لا يتمايزون فيما بينهم إلا من حيث وظائفهم"[4].

وفي بعض التجارب القضائية بالعالم العربي يلاحظ أن حراك القضاة انطلق كحراك فئوي بالأساس اذ يمكن أن نستحضر نضال جمعية القضاة الشبان بتونس التي خاضت أول اضراب في منتصف التمانينات، دون أن ننسى تجربة نادي قضاة المغرب الذي أسسه قضاة شباب تخرجوا حديثا من المعهد العالي للقضاء. فالاشتغال على ملفات جزئية قد تشكل حلقة مهمة من حلقات ملفات الاصلاح الشامل. 

من هنا يمكن القول أن فكرة تكتل القاضيات على الصعيد الوطني (مثال اتحاد قاضيات المغرب، جمعية القاضيات التونسيات..)  للظفر بعضوية المنظمات الدولية (الجمعية الدولية للقاضيات نموذجا) قد تدعم فكرة تجمع القضاة، وتشجع فرص تحركهم الجماعي في تعزيز الحراك القضائي على وجه الخصوص والحراك الاجتماعي على وجه العموم.

 


[1]– تراجع المواضيع التالية المنشورة بموقع المفكرة القانونية:

تجربة المرأة القاضية بالمغرب

تحديات تواجه تجربة المرأة القاضية بالمغرب

[2]– حول الجمعية المغربية للنساء القاضيات يراجع نص الحوار الذي نشر في موقع المفكرة القانونية مع رئيسة الجمعية، القاضية عائشة الناصري تحت عنوان: القضاء بصيغة المؤنث، منشور على الرابط التالي:

http://74.220.207.224/article.php?id=1447&folder=articles&lang=ar

[3]– الجمعية الدولية للقاضيات منظمة دولية غير حكومية، وغير ربحية، تضم في عضويتها أزيد من 4000 قاضية، يمثلن أزيد من 100 دولة، تأسست سنة 1991، وتهدف الى توحيد جهود القاضيات بهدف توفير العدالة ودعم حكم القانون. وتركز أنشطة الجمعية على دعم الدور المتميز للقاضيات لتكريس حقوق المرأة وحمايتها عبر دعم عملها في السلطة القضائية، وتوفر الجمعية برامج تدريب متقدمة للقاضيات، وبرامج تعاون لدعم حقوق الانسان ومواجهة كل أشكال التمييز وتيسير الوصول الى المحاكم أمام الجميع.

[4]– د.عبد اللطيف الشنتوف: دور الجمعيات المهنية والمدنية في الدفاع عن استقلال القضاء، جريدة الصباح بتاريخ 22/08/2014.

انشر المقال

متوفر من خلال:

استقلال القضاء ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، لا مساواة وتمييز وتهميش ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني