تقريب القضاء من المتقاضين في المجالين المدني والاداري بالمغرب


2016-10-14    |   

تقريب القضاء من المتقاضين في المجالين المدني والاداري بالمغرب

يثير موضوع تقريب القضاء من المتقاضين في المغرب عموما نقاشات متشعبة تتحكم فيها عدة مقاربات، منها ما ينطلق من ضرورة توفير خدمة قضائية قريبة من المتقاضي وفي آجال معقولة بغضّ النظر عن أية مفاهيم أخرى كالتخصص والجودة وغيرهما، ومنها ما ينطلق من ضرورة تحقيق هذه العناصر الأخيرة في المنتوج القضائي. وقد عكس مشروع قانون التنظيم القضائي الذي لا زال معروضا على البرلمان هذا النقاش وحسم الأمر تقريبا باتجاه توفير خدمة قضائية قريبة من مسكن المتقاضي، وأنهى ،تقريبا، في سبيل ذلك تجربة التخصص التي عرفها المغرب لعقدين من الزمن في المجالين الاداري والتجاري[1].
لكننا في هذا المقال، اخترنا أن نعالج الموضوع من زاوية أخرى تهمّ تقريب القضاء من المتقاضين كمحدد أولي من محددات المحاكمة العادلة في المجالين الاداري والمدني، انطلاقا مما يمكن أن نسمّيه بالتقريب الوظيفي للقضاء من المتقاضين وما يرتبط به من عوائق تحدّ من فعاليته.
حاول المشرع المغربي أن يقرّب القضاء المدني وظيفيا من المتقاضين وذلك عبر ايجاد آليات قانونية تسمح بتصنيف القضايا إلى قضايا كبرى وأخرى أقل أهمية، بحيث جعل الأولى من اختصاص قضاء القرب المنظم بمقتضى القانون رقم 42/10[2] الذي  يختص بالنظر في الدعاوى الشخصية والمنقولة التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم، عدا النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة والعقار والقضايا الاجتماعية والإفراغات. وتكون المسطرة أمام قضاء القرب شفوية ومجانية ومعفاة من الرسوم القضائية بخصوص الطلبات المقدمة من طرف الأشخاص الذاتيين. كما تطيق المقتضيات المنصوص عليها في قانوني المسطرة المدنية والجنائية ما لم يتعارض مع القانون المنظم لقضاء القرب[3]. وأما باقي القضايا المدنية فقد جعلها المشرع من اختصاص المحكمة الابتدائية بمقتضى الفصل 18 من قانون المسطرة المدنية.
وأما القضايا الادارية فقد جعلها المشرع من اختصاص القضاء الاداري المحدث بمقتضى القانون رقم41.90 [4]، بحيث تختص هذه  المحاكم كما تنص على ذلك المادة الثامنة من قانون إحداث المحاكم الإدارية، ومع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من نفس القانون، “بالبتّ ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدارية بسبب تجاوز السلطة وفي النزاعات المتعلقة بالعقود الإدارية ودعاوي التعويض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام، ماعدا الأضرار التي تسببها في الطريق العام مركبات أيّا كان نوعها يملكها شخص من أشخاص القانون العام”.
وتختص المحاكم الإدارية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي إدارة مجلس المستشارين وعن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين، وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون.
وتختص المحاكم الإدارية أيضا بفحص شرعية القرارات الإدارية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 44 من هذا القانون”.
لكن السؤال الجوهري الذي يمكن طرحه ومناقشته عند حديثنا عن التقريب الوظيفي للقضاء من المتقاضين يتعلق بمساءلة المشرع نفسه وما إذا كانت المقتضيات التشريعية في المجالين المدني والاداري على سبيل المثال تسمح بإقامة محاكمة عادلة فعلا. وبمعنى آخر، نتساءل: هل النصوص القانونية التي يصدرها المشرع تعطي للقاضي أو المحكمة  حرية التصرف وصولا إلى المحاكمة العادلة [5]؟
طبقاً للنظام القانوني المعمول به في المغرب، يبقى دور القاضي محكوماً بعدة قواعد تجعل أطراف الدعوى موجهين أساسيين للدعوى بشكل يكاد يجعل دوره سلبيا. ولا يتضح دوره وبشكل محتشم إلا عند لجوئه إلى وسائل تحقيق الدعوى. أما دون ذلك فإن القاضي محكوم  بعدة مقتضيات من قبيل أن المحكمة لا تصنع حجة لأحد وأنها تبت في حدود طلبات الاطراف وغيرها من القواعد التي أفرزها النظام القانوني المتبع مما يعجل المحكمة محكمة مساطر وقواعد بالدرجة الاولى وليس محكمة الوصول إلى العدالة. وطبعا، هذا الأمر يتناقض مع حتى مع الدستور المغربي لسنة 2011 الذي نص في فصله 110 على ما يلي: “لا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا أساس التطبيق العادل للقانون”. لذلك نرى أنه بناء على هذا الفصل من الدستور يجب إعادة النظر في الكثير من القوانين المسطرية وقواعد الموضوع المنظمة لعمل الهيئات القضائية وطرق الاثبات أمامها.
وأما على مستوى العوائق التي تحد من فعالية الحق  في الولوج إلى العدالة كمحدد أولي من محددات المحاكمة العادلة، فقد حددتها بعض الدراسات المنجزة في الموضوع في المصاريف القضائية المرتفعة والتي لا تتناسب مع دخل العديد من المواطنين. كما أن نظام المساعدة القضائية المعمول به هو نظام متداخل ومعقّد، ولا يساعد على استفادة المتقاضين المعوزين منه [6].
على أن أهم إشكال قانوني وبنيوي يرتبط بحقّ الولوج الى العدالة المغربية، في نظرنا، يبقى هو تعقد المساطر القانونية وعدم تبسيطها للمتقاضين وانعدام بنية مؤسساتية للاستقبال والتوجيه بالمحاكم المغربية. فهذه الأمور تؤدي إلى انعدم الشعور بالأمان داخل المحاكم والسقوط أحياناً في يد السماسرة ومحترفي النصب والاحتيال وأحيانا التخوف والعدول عن الولوج للعدالة من أجل حماية الحق الشخصي أو الجماعي. وهذا طبعا يدخل في إطار انعدام ضمانات المحاكمة العادلة، لأن هذه الأخيرة كما هو معلوم مفهوم شمولي يبدأ من التشريع القانوني إلى تسيير سبل اقتضاء الحق بشكل سلس وسلامة الاجراءات أثناء سريان الدعوى والحكم فيها وضمان الطعون وكذا فعالية التنفيذ حينما يصير الحكم نهائيا. فكل هذه المراحل يجب أن تتحدث فيها ضماناً للمحاكمة العدالة.

 


[1] – يعرف المغرب نظام القضاء الاداري الذي أحدث بمقتضى القانون رقم41.90  المنشور بالجريدة الرسمية عدد 4227 وتاريخ 3 -11- 1993  ونظام القضاء التجاري  المنظم بواسطة  القانون رقم 95-53 القاضي بإحداث محاكم تجارية المنشور بالجريدة الرسمية عدد4482 وتاريخ 15-05-1997. وقد نص مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد الذي لم تتم المصادقة عليه من طرف البرلمان بعد على اعادة ادماج القضاء المتخصص (التجاري والاداري ) في أقسام داخل المحاكم الابتدائية العادية  مع الاحتفاظ بمحاكم متخصصة  في بعض الاقطاب  الاقتصادية والإدارية  الكبرى  كمدينتي الدار البيضاء والرباط  وهو الامر الذي كان معمولا به قبل اصلاحات سنتي 1993 بالنسبة للقضاء الاداري و1997 بالنسبة للقضاء التجاري   للاطلاع على مشروع قانون التنظيم القضائي يراجع  الموقع الرسمي لوزارة العدل والحريات  المغربية: http://www.justice.gov.ma/lg-1/documents/doccat-4.aspx تاريخ الاطلاع هو 15-09-2016

[2] –  القانون رقم 42/10  المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5975 بتاريخ 6 شوال 1432 (5 سبتمبر 2011)، ص 4392.

[3] – المواد 5 و6 و10.

[4] – الجريدة الرسمية عدد 4227 بتاريخ 18 جمادى الأولى 1414 ( 3 نوفمبر 1993)، ص 2168.

[5] – هذا دون الحديث عن الجانب السياسي للموضوع والتي أشار إلى بعض منه النقيب عبدالرحمان بنعمرو في مداحلة له بعنوان : مقومات المحاكمة العادلة وقانون المسطرة الجنائية  والتي استهلها بقوله : ” تحقيق المحاكمة العادلة يجب ان ننظر إليه نظرة شمولية، فلا تكفي المسطرة الجنائية بما تتضمنه من ضمانات لكي تتحقق المحاكمة العادلة، لان هذه الأخيرة مرتبطة بعدة مكونات وعناصر ومتطلبات منها ما يهم القانون، واقصد القانون الجنائي، خاصة ان الموضوع مرتبط بالمحاكمة العادلة في ظل المسطرة الجنائية رغم ان المحاكمة العادلة هي مطلوبة أيضا أمام القضاء الإداري والقضاء المدني.

فالمحاكمة العادلة لها عدة مقومات مرتبطة بالمسطرة الجنائية ومنها ما يتعلق بالقانون الموضوعي الجنائي.. ذلك ان القضاء الجنائي انما يطبق القانون الجنائي، فاذا كان هذا الأخير غير عادل، فان القضاء الجنائي لا يمكن الا ان يكون غير عادل حتى لو افترضنا فيه النزاهة والكفاءة على أساس ان القضاء ملزم بتطبيق القانون وليس تشريعه”. مقال منشور بالموقع الاليكتروني الآتي : http://www.press-maroc.com/t4707-topic تاريخ التصفح هو 23/07/2016.

[6] – تراجع الدراسة التي أنجزتها جمعية عدالة حول موضوع : الحق في الولوج إلى العدالة ومعايير المحاكمة العادلة – مطبعة دار القلم بالرباط 2013 ص : 21 وما بعدها.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني