المسألة ليست شخصية: من حق المواطن أن ينتقد السلطان، فلماذا اعابة “المواطن” اذا انتقد؟


2013-03-05    |   

المسألة ليست شخصية: من حق المواطن أن ينتقد السلطان، فلماذا اعابة “المواطن” اذا انتقد؟

لطالما كان الخليج العربي يشكل غموضا معرفيا حول أوضاعه الاجتماعية والسياسية للمتابعين، ولطالما عُرف عنه الترف والرخاء، وأن المواطن الخليجي ابن النفط، لكثرة تدفق الموارد المالية عليه، لم يعد في حاجة للاهتمام بقضايا بلده السياسية أو في مسألة نظام الدولة والحكم والدستور.
ولكن وبعد سقوط بن علي في تونس، تغيّرت أمور كثيرة في عدد من دول الوطن العربي، بما فيها دول الخليج ولو بدرجات متفاوتة. فلأول مرة منذ ما يقرب الـ31 عاما، أي بعد قيام مجلس التعاون الخليجي، تشهد المنطقة حراكا سياسيا على نطاق واسع، تمركز في البحرين وعمان، وتبعته عدد من الظواهر الإصلاحية التي نادى بها عدد من الناشطين الخليجين في الإمارات والسعودية، لينتهي المطاف بمسيرة كرامة وطن في الكويت، والتي صدم الحراك الحقوقي فيها العالم أجمع لكون هذا البلد أكثر الدول الخليجية ترفيها لمواطنيها.
ومن هذا المنظار، أردنا تسليط الضوء على الحراك العماني، وتوثيق أبرز محطاته وتجلياته فضلا عن كيفية تعامل السلطات العامة معه، علما أن هذا الحراك بدأ في يناير 2011، وتحديدا في 17 يناير، أي قبل بدء الثورة المصرية. وقد ووجه الحراك الذي اتصف بالإصلاحي لا أكثر، من قبل السلطات العمانية بشيء من الليونة والتفهم، أو ربما السعي الى الاستيعاب بداية. وهذا ما تجلى من خلال حركة التوظيف الواسعة وبعض القرارات الإصلاحية مثل توسيع صلاحيات مجلس الشورى (البرلمان) وإقرار إنشاء مجالس بلدية وانتخابات لها، إلا أن السلطات سرعان ما ضاق صدرها في يونيو 2012 بأي حراك حقوقي، وبأي مطالبة بالتغيير والإصلاح، لتشهد البلاد أكبر عملية اعتقالات لكتّاب وشعراء وناشطين حقوقيين ومدونيين وناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، والذي عملوا سابقا على انتقاد عمل الحكومة والمطالبة بضرورة التغيير والإصلاح، وهي المجموعة نفسها التي ساهمت في الحراك الاحتجاجي 2011 في مسقط وصحار وصور وصلالة وعبري.
وفي محاولة منا لتوضيح الصورة أكثر للمتابعين للقضية العمانية، سنعمل على كتابة حلقات متواصلة، توّثق الحراك العماني منذ بدايته، الأشخاص الذين تجرأوا وظهروا للعامة من الناس ودعوا للحراك، ظروف المضايقات الأمنية التي تعرضوا لها، طبيعة ردود الفعل التي تلقوها من الشارع العماني، سبب توسع رقعة الحراك لاحقا لتكون في أكثر من منطقة عمانية، مطالب هذا الحراك السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية..إلخ. وسنتحدث كذلك من خلال هذه الحلقات عن تدخل المؤسسة العسكرية في فضّ الاعتصامات في مايو 2011 في كافة مناطق السلطنة، وطريقة الاعتقالات العنيفة للمعتصمين كذلك.
وسوف نتعرض بعدها لأهم الحراكات التي شهدتها 2012، مرورا بالذكرى الأولى للحراكات في عمان (18 فبراير) وكذلك (26 فبراير) ومحاولة السلطات الأمنية كبت أي حراك للاحتفال بالذكرى، واضراب عدد من معتقلي أحداث صحار 2011 في إثر الحراك الاحتجاجي وقتها عن الطعام في السجن المركزي في سمائل وعدم تعاون اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان لتهدئة الوضع، انتهاء بموضوع اضراب عمّال النفط والذين بلغ عددهم 4000 عامل في مايو 2012، لنبدأ من بعدها الحديث عن حملة الاعتقالات الواسعة بحق الناشطين والكتّاب والتي ابتدأت في يونيو 2012 واستمرت حتى يوليو 2012، وما صاحب ذلك من أحداث فضلا عن مجريات المحاكمة وأوضاع السجناء، وآخرها اضرابهم الثاني عن الطعام مطالبين المحكمة العليا ببت قضاياهم.
والنقد الذي وجهه الشباب محركو الاحتجاجات إلى السلطان، انما يتأتى من يقينهم المطلق بأن السلطان هو الحاكم والمسيّر لكافة أمور البلاد، وأن انتقادهم لسياسة إدارته انما هو حق وواجب مواطني ليس فيه بحد ذاته أي انتقاص من قيمته أو التقليل من شأنه أو الحط من كرامته. فالانتقاد مشروع للجميع، طالما أنّ الحاكم يتصرف بثروات بلد ويتحكم في مستقبل شعبه، لا بد أن يكون معينه وسنده في الإدارة والحكم هو المساءلة والنقد لا التطبيل والنفاق ولا المعلقات ومطولات المدائح. فالحكومات الجيدة لا تعمل رغبة بالمدح فتغضب ضد من لا يمدح أو ضد من ينتقد أو يسائل فتنكر عليه حقه بالحرية، انما يجدر بها أولا أن تعمل على نفي أسباب المشقة والفساد لدى كل مواطن. لهذه الأسباب، اعتمدت أن أكتب دفاعا عن حقي وحقوق أصدقائي المعتقلين بتهمة اعابة السلطان، وبالنتيجة دفاعا عن حراك مواطني ثمة مصلحة وطنية عليا أن لا يخمد.
 
غدا، الحلقة الأولى: الربيع العماني..وثورة النخيل (1)

انشر المقال

متوفر من خلال:

مقالات ، بلدان عربية أخرى



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني