“مأتم مدني” في أسبوع الطفل مؤمن بين وزارة الصحة وقصر العدل: فك الارتباط للمواطن، والمحاسبة لنظام الأخطبوط


2013-02-27    |   

“مأتم مدني” في أسبوع الطفل مؤمن بين وزارة الصحة وقصر العدل: فك الارتباط للمواطن، والمحاسبة لنظام الأخطبوط

إلتقى عدد من الناشطين مساء الثلاثاء 26-2-2013 في تحرك سُمي بـ "مأتم مدني"، وجاء بدعوة حملة "حقي عليي" من وزارة الصحة إلى قصر العدل، رفعوا سقف مطالبهم، قالوا إن الوزير علي حسن خليل مسؤول عن مأساة وفاة الطفل مؤمن المحمد على أبواب المستشفيات وأنه يشارك في إفشال طرح مشروع التغطية الصحية الشاملة وطالبوه بالإستقالة.
كان الخطاب عالي اللهجة، فالتحرك نُظّم في أسبوع وفاة الطفل وللسؤال أيضاً عن ملف الأدوية المزورة. المطالبة باستقالة الوزير أو إقالته شكلت بادئ الأمر صدمة لرئيس بلدية برج العرب عارف شخيدم الذي كان في الوزارة مع وفد من القرية (وهي قرية الطفل الراحل) وراح شخيدم يتحدث للإعلام رافضاً ما اعتقده تسييساً للقضية، متحدثاً عن تعاون تبديه وزارة الصحة مع "قضية الطفل"، دار النقاش بينه وبين أعضاء الحملة، نقاش "تقليدي" بين أي مواطن غير عارف بحقوقه كاملة وبالقراءات النقدية للمشاريع الحكومية التي تحاول الإلتفاف على المطالب الشعبية. فهم أنه لو أُقرت التغطية الصحية الشاملة لما مات الطفل، هكذا انتقل وفد قرية "برج العرب" من موقع المتحفظ على التحرك إلى المشارك فيه لينتهي الأمر الى كلمة يلقيها رئيس البلدية أمام قصر العدل يثني فيها على الحملة.
ويندرج هذا التحرك في إطار سلسلة من التحركات للمطالبة بالتغطية الصحية الشاملة، وهذا العنوان بدوره جزء من "سلة مطالب" يتحدث عنها ناشطو الحملة، ويشددون على ضرورة انتزاعها انتزاعاً من السلطة السياسية الحاكمة.
بدأ التجمع عند الخامسة والنصف أمام وزارة الصحة، رفع الناشطون لافتات وأطلقوا الشعارات ضد الوزير وضد السياسة الصحية في لبنان، ومنها "يا خليل يا خليل يللا يللا استقيل"، ذكر ناشطو الحملة في بيان ألقوه أن تعميماً أصدره الوزير الخليل يعلن فيه وقف استقبال المرضى على حساب وزارة الصحة اعتباراً من الأربعاء 20 شباط الجاري "نظراً لعدم صدور مرسوم تخصيص اعتمادات الاستشفاء للمستشفيات الخاصة والحكومية". ورأى منظمو الحملة أيضاً أن الوزير الحسن لم يعد ممسكاً بوزارته "بدليل فضيحة الأدوية، حيث تم تزوير توقيعه" على طلب الاسترحام لادخال الأدوية التي نُقلت – بطريقة غير سليمة- في كونتنرات حديد تصل حرارتها إلى 50 درجة مئوية. ومن هنا كانت المطالبة باتخاذ اجراءات "للحد من طغيان مافيا الدواء"، وتوقيف عدد من الإجراءات المتبعة كاعتماد توقيع وزير لإدخال أدوية إلى لبنان (حيث لا حالات مرضية طارئة تستدعي ذلك)، وفرض ابراز شهادة بلد المنشأ والمصنع كما شهادة السعر على كل مستوردي الأدوية، والعمل من أجل إنشاء مختبر وطني. وذكّر المشاركون في الحملة في كلمات عفوية بفضائح لم تتم المحاسبة الجدية بشأنها، كقضية اعتماد أكياس الماء بدل الدواء لمرضى السرطان.
لم ينزل الوزير من مكتبه للتحدث الى الناشطين في ساحة التحرك، رغم تأكيد بعض الخارجين من الوزارة  أنه متواجد فيها.
منظمو الحملة رأوا أن الوزير "بات يشكّل خطرا جسيما على صحّة وحياة اللبنانيين" وفق منظمي الحملة والتحرك، والتذكير بأن التغطية الصحية الشاملة حق لكل اللبنانيين والمطالبة بتحقيقها وبتحرك القضاء بأسرع وقت، لكشف المسؤولين عن فضائح تزوير الادوية، وهي فضائح متكررة أو متلاحقة.
من الوزارة انطلقت المسيرة نحو قصر العدل، حيث رمى البعض "دهان بويا" باللون الأحمر على الطريق كتدليل على الدماء التي تُنزف عند أبواب المستشفيات، إذ يُحرم فقراء من العلاج المستعجل لأنهم لا يملكون المال الكافي لذلك. الحملة وجهت رسالة دعم "لكل قاضٍ نزيه يحاول أن يؤدي مهمته بإخلاص" وسألت عن المسؤولين عن وفاة الطفل مؤمن – الذي حُملت صوره في المسيرة- ومحاسبتهم، كما سأل قارئ كلمة الحملة محمد حمدان "أين صار ملف طفلة من آل كنج ماتت على باب مستشفى في حلبا قبل نحو عام؟"، وكان تأكيد على ضرورة التحرك لمحاسبة كل المسؤولين عن فضيحة الأدوية الأخيرة.
يرى منظمو التحرك أن وزير الصحة "يستميت في الحفاظ" على النظام الحالي للتأمين الصحي، ويكون بذلك "أكثر من مليوني لبناني رهن “مساعدات” وزارة الصحة – من خارج صلاحيّاتها – أي رهن الحاجة للزعيم ولشبكة المصالح الحاكمة". كما يرون أن الوزير الخليل أفشل قيام مشروع جدي للتغطية الصحية الشاملة بـ "ادّعاءه اقتراح انشاء – من خارج صلاحياته – صندوق جديد لتغطية أكثر من مليوني لبناني غير مشمولين بأي تغطية صحّية اليوم، صندوق يجسد الهدر". ويلفت منظمو "حقي عليّي" إلى أن قضية التغطية الصحية الشاملة ليست من صلاحيات وزارة الصحة بل وزارة العمل.
رغم المطالبة باستقالة الوزير الحسن، يلفت محمد حمدان من الحملة إلى أن المشكلة ليست مشكلة شخصية مع مسؤول ما، إنها قضية مواجهة مع نظام أخطبوطي، يسهر على استمراره المسؤولون. ومن الملفت، وفق منظمي الحملة، أن أسماء بعض المتورطين تتكرر في عدد من الفضائح.
كانت مسيرة أول من أمس محطة جديدة في حراك حملة "حقي عليّي"، وهي تندرج كغيرها في إطار السعي للنضال من أجل تحقيق الحقوق الإجتماعية لكل المواطنين، "فهذه الحقوق هي ما يحرر المواطن من التبعية" لهذا الزعيم أو ذاك.
تحركات "حق عليّ" ليست احتجاجية فقط، رغم أهمية هذه النقطة، بل إنهم يطرحون المبادرات والدراسات التي يوثقون من خلالها، علمياً وحقوقياً مطالبهم، فقضية الإستشفاء يمكن أن تحل من جهة بالتغطية الصحية الشاملة، وباعتماد وإفتتاح المستشفيات الحكومية. وهنا يتساءل لماذا لم يتم مثلاً افتتاح مستشفى عكار الحكومي وتجهيزه وفتح أبوابه أمام كل الحالات المرضية؟ ألم تكن هذه الخطوة – وهي من واجبات الدولة- لتنقذ حياة الطفل مؤمن؟
أما قضية التأمين الصحي الشامل، ففي دراسات الحملة بالتعاون مع متخصصين، تأكيد على ضرورة تأمين حدّ أدنى من التغطية الصحيّة لجميع اللبنانيّين يوازي مستوى التقديمات الحالية لصندوق الضمان الاجتماعي ووفقا لنفس المعايير. وكان قد أُقيم مؤتمر صحافي في آب الماضي لتفنيد البنود الخاصة باقتراح الحملة، حيث أن التغطية تصير ممكنة من خلال اعادة هيكلة النظام الضريبي. وخلال المؤتمر، تم انتقاد مشروع علي حسن خليل الذي يدعو الى إنشاء صندوق جديد لتغطية حوالي مليوني لبناني غير مكفولين اليوم بأي تغطية صحية، عبر استحداث جدول خدمات تدعمه وزارة الصحة من خارج صلاحياتها القانونية. فتساءلوا عن وجود أي قيمة مضافة في مشروع الوزير، مقارنة مع ما هو قائم الآن لجهة التزام وزارة الصحة بتغطية غير المشمولين. وشككوا بجديّة العمل على تمويل المشروع، فالموازنة لا تشير الى مشروع للتغطية الصحية من قريب أو بعيد، ولا تلحظ أي مخصصات للانفاق على مثل هذا المشروع، فضلا عن خلوّها من أي تعديلات جذرية في النظام الضريبي. كما أضافوا أن هذا المشروع لا يؤمن التغطية الصحيّة الشاملة بنفس المعايير. بل قد يعيق الوصول الى مشروع تغطية صحية شاملة حقيقية كون المشروع يكرّس إنعدام المساواة القائم حاليا ويشرعن الأمر الواقع المختل والقائم على المصالح الفئوية. كما اعتبروا أن كلفة هذه الخطة مقارنة بجدواها يشكل هدرا للمال العام.

انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني