الخطة الوطنية لحقوق الإنسان: إرتجال حينا وطوباوية حينا آخر


2013-02-04    |   

الخطة الوطنية لحقوق الإنسان: إرتجال حينا وطوباوية حينا آخر

لم يكن حبر الخطة الوطنيَّة لحقوق الإنسان التي أعلنتها لجنة حقوق الإنسان النيابية، قد جفّ، حين خرجت توصية اللجنة الوزارية المكلفة دراسة حق المرأة اللبنانية منح جنسيتها لأسرتها، بمنع هذا الحق، بذريعة إخلاله بالتوازن الديموغرافي الطائفي، وبتناقضه مع المصلحة العليا للبلاد.
وإذا كانت اللجنة الوزارية قد بررت لنفسها زورا وبهتانا الإطاحة بمبدأ المساواة المكرس بالدستور، فكيف نسأل عن توصية الخطة الوطنية التي أعلنت في إحتفال ضخم في المجلس النيابي خلال كانون الأول المنصرم، وطالبت ب”تعديل قانون الجنسية في ما يتعلق بالنساء اللبنانيات المتزوجات من أجانب، وأطفال أولئك النساء”.
وربما يطرح سؤال هنا على معدي الخطة الذين أوصوا بترجمتها إلى لغات عدة “لكي تستفيد دول أخرى من التجربة اللبنانية”، عن أي إفادة وتعميم يتكلمون، فيما الاداء الرسمي يثبت بالوقائع، أن الخطة ليست سوى مجموعة من التمنيات التي لا تمتلك أي بعد تنفيذي إلزامي، برغم غناها بالمثاليات والنوايا الحسنة. وأن العبرة ليست في تحديد الحقوق الواضحة للجميع، وإنما في ضمان التوافق حولها توصلا الى تنفيذها وتاليا فرض تحويل تلك الأمنيات إلى تشريعات مقرّة ونافذة.
ويأتي إعلان الخطة بعد عشرين عاما على تكريس فكرة ومطلب الخطط الوطنية إبان المؤتمر العالمي الثاني لحقوق الإنسان المنعقد بمدينة فيينا بالنمسا عام 1993، فماذا يعني إطلاقها من المجلس النيابي بحضور دبلوماسي رفيع المستوى، وممثلين عن المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الإنسان، إذا كان أداء البرلمان نفسه ينقلب على غالبية الحقوق المكرسة في الخطة، لا بل يشرّع عكسها في أحيان كثيرة؟ فهل المطلوب تكرار وإعادة تلاوة الحقوق المعروفة والمكرسة في الإتفاقيات الدولية التي وقعها لبنان وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أم وضع خريطة طريق بخلفية تنفيذية جدية لتقليص الفارق الهائل بين ما يتنطح له لبنان وبين أدائه السيء على صعيد الحقوق؟
ويبدو الربط الذي كرسه معدو الخطة بين تنفيذ نقاطها و”توفر الإرادة السياسية لذلك في البلاد”، بمثابة اعتراف بالواقع المرّ وتاليا بفشل الخطة، ويعبر عن واقع الحال بشكل أفضل مما نستشفه من الدعوة الى تعميم الإفادة منها لدول كثيرة. إذ، وفعليا على أرض الواقع، لا أمل في ظل التركيبة السياسية الحالية بتكريس أي حق بقانون نافذ، من دون تأمين الإجماع السياسي والطائفي حوله، برغم أن العلاقة بين الإرادة السياسية وإحترام حقوق الإنسان البديهية غير واضحة وغير مبررة في كل مكان، وليس في لبنان فقط.
وإذا كان معدو الخطة التي إستغرقت من العام 2005 ولغاية العام 2012 يفاخرون بإشراك المجتمع المدني في التحضير لها وفي وضعها، فإن جولة سريعة على بعض الجهات والمنظمات التي حضرت سلسلة من الإجتماعات تحضيرا للخطة، تبين عدم الأخذ بكل هذه الملاحظات، وبوضع سقف في عدد من القضايا أقل من السقف المدني المطلوب والمرتجى.
ويبدو المحور المتعلق باللاجئين الفلسطينيين الدليل الساطع على ذلك، إذ تبنت الخطة توصيتين فقط من مطالب المجتمع المدني الفلسطيني. ويؤكد المحور عينه تناغم سقف الخطة في بعض المواضيع مع السقف الرسمي في لبنان، حيث لم تجر الإشارة إلى ضرورة تعديل قانون تملك الأجانب، على سبيل المثال لا الحصر، بما يعيد للفلسطينيين حقهم المسلوب بالتملك العقاري في لبنان. وهنا تضن الخطة على الفلسطينيين حتى بالأمنيات التي أسبغتها على العديد من المحاور الأخرى، وكأنما تتوخى الخطة حتى من خلال الأمنيات التي تعلنها أن تراعي المخاوف لدى الناخبين أو أن تجامل ما لهم من هواجس.
نقطة أخرى يمكن الإشارة إليها بشأن الخطة، وتتمثل بتأثير عامل مرور الزمن ما بين البدء بالتحضير لها وبين الإعلان عنها، إذ أن العديد من النقاط “التمنيات” جرى بتها على الصعيد الرسمي إما سلبا أو إيجابا، ومع ذلك بقيت الخطة في صيغتها القديمة من دون تعديل وكأن شيئا لم يكن. وهذا مثلا ما نقرؤه بشأن التعليم الالزامي والمجاني مع صدور قانون في 2011 أو بشأن التوقيف الاحتياطي مع صدور قانون في 2009 بادخال تعديلات مناقضة لتوجه الخطة أي نحو زيادة الجنايات المستثناة من الحد الأقصى لمدة التوقيف الاحتياطي.
كما تشي بعض المحاور بضعف في معرفة ومتابعة بعض النقاط المطروحة، إذ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر أيضا، تطالب الخطة بتعديل قانون الضمان الإجتماعي لتأمين إخضاع جميع الأشخاص له، مع أن الفقرة المحددة موجودة في القانون الحالي، ولا يحتاج الأمر إلا إلى استكمال تنفيذه. وكما الضمان هناك توصيات أخرى ليس المجال متاحا هنا لذكرها كلها.
وبموازاة عدم متابعة الواقع بدقة يعطي بعض الخبراء في العديد من المحاور ملاحظات حول التعابير والمفاهيم واللغة المستخدمة بما يشي ب”ركاكة فكرية” وفق ما يرى الدكتور عدنان الأمين في محور الحق بالتعليم، على سبيل المثال لا الحصر أيضا.
ومن منطق التساؤل عن مدى الإلمام بواقع الحال، يشار إلى أن الخطة تطالب ب”إلغاء قانون نظام الكفالة” في محور العمال الأجانب، بينما واقعيا لا يوجد شيء إسمه قانون نظام الكفيل في لبنان، بل نحن نطبق إجراء إداريا مستوردا من الخليج، ويتوجب إلغاؤه عبر إجراءات وزارة العمل وعقد العمل الموقع بين العامل/ة ورب العمل، وفق ما ترى الخبيرة في منظمة “كفى” غادة جبور.
الخطة ضخمة، ولا يمكن الإحاطة بها في موضوع واحد. هنا محاولة لقراءة أولية لبعض المحاور بالتعاون مع خبراء ومختصين، على أن تتابع “المفكرة القانونية” مقاربة الخطة تباعا في قراءة تطمح لأن تكون نقدية وموضوعية وأكثر شمولية.
الحق بالتعليم: “التعابير المستخدمة لا تدل على استيعاب الموضوع جيداً”
يلفت الدكتور عدنان الأمين إلى أن واضعي الخطة يعتمدون في محور الحق في التعليم على الدستور ومن ثم التشريعات العادية، ليصف ذلك ب”الخطأ المميت”، لأن الدستور نص على حق الطوائف في تعليم أبنائها، وليس حق الأطفال أو المواطنين بالتعلم، أي أنه أعطى الطوائف حق تخريب عقول الأطفال“. وتأكيدا على كلامه يشير الأمين إلى وجود خمس نقاط خاصة بالتعليم في إتفاق الطائف، ولكن لم يتم إدخالها في الدستور لدى تعديله في التسعينات[1].
أما بالنسبة إلى التشريعات العادية فهناك القانون 686/1998 الذي ينص على إلزامية التعليم ومجانيته (والذي لم تتنبه الخطة الى تعديله بموجب القانون 150/2012 في اتجاه رفع السن الى 15 سنة)، وقد عبر عن إعتقاده أنه أقرّ نتيجة للضغوط الدولية إثر توقيع لبنان على إتفاقية حقوق الطفل والإتفاقيات الدولية الأخرى”. وتوقف الأمين عند استعمال عبارة تعليم إلزامي ومجاني، مفضلاً إستعمال إلزامي لمرحلة الأساسي، حيث انه “يكفي أن يكون التعليم إلزامياً لكي يوفر التعليم الرسمي مقعدا لكل تلميذ، أما كلمة مجانية فهي محبوبة من قبل القطاع الخاص لأنه يصبح بإمكانه أن يطالب الدولة بدفع تكاليف التلامذة”.
ويرى الأمين أن هناك “تركيب مصطنع في الجمل والأفكار الموجودة في الجزء المتعلق بالتشريعات العادية في الخطة، وايضا تعبئة فقرات من دون سبب وجيه، ولا سيما في الإشارة إلى التقارير الرسمية الصادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي والمركز التربوي للبحوث والإنماء، فأنا من عشرين سنة لم اقرأ أو أرى دراسات جدية عن الوزارة والمركز، بل نشر إحصائيات وتقارير إحصائية وليس دراسات”.
ومن التشريعات، يصفالأمين الجزء المتعلق بتوصيف الوضع الراهن  ب”التخبيص”. فمثلاً “هناك معلومات حول توزع الملتحقين بالتعليم العالي على الاختصاصات، فما هي علاقة الاختصاصات بالحقوق؟” السؤال، برأيه، يجب أن يكون عن نسبة الذين يصلون الى التعليم العالي من بين خريجي الثانوي، وعن الفروق بين طلاب المناطق النائية وبيروت بما يرتبط بحقوق الناس بالتعلم وقدرتهم على الوصول إليه”. مثلاً تقول معطيات الخطة “هناك إقبال على الآداب أكثر من غيرها، بينما الأهم أن هناك أربعين في المئة من الثانويين لم يصلوا إلى الجامعة، فما هو السبب، ولماذا لم يتمكنوا من تحصيل حقهم بالتعليم العالي؟..هذا ليس جزءاً من الواقع في الخطة.
وفي الجزء المتعلق ب”جودة التعليم”، يشير الأمين إلى أن معدي الخطة مثلاً لا يشيرون ابداً إلى رصد الاتجاهات العالمية في التعليم عبر دارسة  Timss، والتي تشير إلى أن موقع لبنان هو الأخير بين الدول العربية في العلوم ومتأخر في الرياضيات، ولكن الخطة لا تتحدث أبداً عن المشكلة ولا تخبرنا إن كان هناك مشكلة أم لا.
أما في موضوع الأساتذة والمعلمين، فقد أهمل معدو الخطة، وفق الأمين، الفكرة الأهم، وهي أنه منذ العام 1999، يدخل هؤلاء إلى سلك التعليم عن طريق التعاقد بعدما انتهى الإعداد في دور المعلمين وكلية التربية. ومع ذلك لا يذكرون أي شيء عن هذه المشكلة التي تركت أثرها على تدهور كفاءة المعلمين”. كما ليس هناك أي بحث في السبب الذي يجعل الأهل يرسلون أبناءهم إلى المدارس الخاصة، ولا توقف عند مشكلة إدارة التعليم الرسمي، وهل نحن نحترم حقوق التلميذ. بينما عبر التعاقد والتثبيت الذي يليه، وفق الأمين، “صارت حقوق المعلم هي المعيار على حساب حقوق التلميذ، لقد غيروا القوانين تباعا بصورة تدهورت معها معايير التعيين فأصبح تعيين المعلمين لا يحتاج الى شهادة تربوية ولا يحتاج الى اجازة.”
وتشير الخطة مثلا إلى “غياب سياسة وطنية لرقابة المدارس الرسمية”، ليقول أن “هذه المدارس خاضعة للدولة، ولكن أين الحديث عن الرقابة على المدارس الخاصة والخاصة المجانية؟”
وبالنسبة للجامعة اللبنانية، تتكرر عبارة تعزيز الجامعة اللبنانية، منذ خمسين عاما، كردة”على دلعونة، من دون الغوص في تحديد كيفية هذا التعزيز”.  ويشير الأمين إلى غياب الكلام عن ما هو حاصل من تسييس للجامعة اللبنانية، إن ما يحصل على الأرض هو تأمين حق السياسيين من بعد حقوق الطوائف بالتلاعب بالتعليم الرسمي والجامعة اللبنانية وبالتعليم الخاص
ويخلص الأمين إلى القول أن “نية نص الخطة جيدة وتبرز وتظهر حقوق الناس في 21 ميدانا، ولكن التعابير المستخدمة لا تدل على استيعاب الموضوع جيدا، ولا نضج اللغة المستعملة.وتساءل الأمين عن مفهوم العدالة الإجتماعية التي هي جوهر الحقوق كلها، ليشير إلى وجود ركاكة فكرية وليس لغوية، وكأنه جرى إغراق الناس بمجموعة مصطلحات وصياغات تدل على إستعجال في صياغة النص.
الفلسطينيون: تنصل ورمي المسؤولية على المجتمع الدولي
ترى ليلى العلي (النجدة الإجتماعية) أن ليس هناك ترابطا بين الإستعراض، أي الوضع الراهن للاجئين الفلسطينيين، وبين التوصيات. وتستغرب ذلك في ظل إنجاز  برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريرا تحضيرياً للخطة عن الحقوق الإجتماعية للفلسطينيين في لبنان.
وتشير العلي إلى منحى عام يطبع محور اللاجئين الفلسطينيين يركز على رمي المسؤولية الرئيسية على المجتمع الدولي، من دون أي إشارة إلى مسؤولية لبنان. ويطرح سؤال هنا عن الحقوق الإجتماعية والإقتصادية للفلسطينيين. وتحكي الخطة عن دعوة الحكومة اللبنانية الدول المانحة لتمويل مشاريع لتحسين المستوى المعيشي للاجئين ولضمان عيشهم الكريم، وكأن الدولة هنا غير معنية بضمان كرامة الفلسطيني على أرضها من حيث حرية الحركة أو التنقل أو الحق في العمل وفي الضمان الإجتماعي، وطبعا حق الملكية العقارية
وتقول العلي أن الفلسطينيين يطالبون بتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته، ولكن ذلك لا يلغي مسؤولية الدولة اللبنانية، مؤكدة أنه يدفع الدول المانحة للقول “لسنا مضطرين لدفع أموال طائلة للفلسطينيين في لبنان، مقابل واقع معيشي وإنساني سيء.
وتؤكد العلي أن التوصيات تغفل العديد من المشاكل والإنتهاكات، ومنها ضرورة إيجاد تعريف قانوني لبناني للاجئين الفلسطينيين في لبنان.ويفيد تعريف الأونروا أن “اللاجئين الفلسطينيين هم من الذين نزحوا في الفترة ما بين ال1948 و1957، ولا يشمل اللاجئين إثر عدوان 1967، بل يسمونهم نازحين وهم غير مشمولين بخدمات وكالة الغوث، ويقدر عددهم بثلاثة آلاف نسمة.
وكان المجتمع المدني الفلسطيني تمنى على معدي الخطة التوصية بمنح وثائق مسجلة لفاقدي الأوراق الثبوتية ومساواتهم مع بقية الفلسطينيين المسجلين، لتجنيبهم الإعتقال على حواجز القوى الأمنية، ومع ذلك إقتصرت التوصيات على إيجاد حل مقبول ولم يحددوه. وشملت مطالب الفلسطينيين أيضا حاملي وثائق المرور لمدة عام واحد تجدد منذ ما بعد 1948 وحتى اليوم، ويقارب عددهم الألف تقريبا. ولقيت هذه التوصية مصير شقيقتها.
وترى العلي أن هذه الخطة “لن تحسن أو تغيّر في واقع الفلسطينيين ولا بحقهم بالعيش بكرامة ولا بالتمتع بحقوق إقتصادية وإجتماعية وإنسانية التزم بها لبنان وفق المواثيق الدولية جمعاء”.
وتلفت إلى أن معدي الخطة أخذوا بتوصيتين إثنتين فقط من الورقة الفلسطينية، وهما تخفيف الإجراءات المفروضة على حركة الدخول والخروج من وإلى بعض المخيمات (البارد)، وحرية انشاء الجمعيات الأهلية والمدنية والنقابات العمالية.
وتجاهلت الخطة حق العمل المفتوح ، والإستفادة من الضمان الإجتماعي بما يساوي الإشتراكات التي يدفعها الفلسطينيون، والإسراع بإعادة إعمار مخيم نهر البارد وعودة جميع سكانه. وبخصوص هذه النقطة طالبت الخطة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته بغض النظر عن تعهد لبنان بإعادة إعمار المخيم الجديد.
كما وقفز معدو الخطة عن التوصية الواردة في الورقة الفلسطينية بشأن حق الفلسطيني بالتملك العقاري والمطالبة بتعديل القانون الصادر في 2001 الذي يميز الفلسطينيين سلباً.
ولم يجد معدو الخطة حرجا في القفز عما يتعلق بتأمين السكن اللائق عبر تحسين أوضاع المخيمات، ولا الإشارة إلى قضية حرية الحركة للفلسطينيين، حيث معظم المخيمات مسورة، وإن بأسلاك شائكة.
الضمان الإجتماعي: توصيات في مكان والواقع في مكان آخر
يتوقف مدير الديوان السابق في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي والخبير في شؤون التأمينات الإجتماعية جوزيف خليفة، في محور العمل والضمان الإجتماعي عند نقطتين أساسيتين:
تتعلق الأولى بالجانب المناط بمجلس النواب. إذ توصي الخطة بضرورة تعديل قانون الضمان الإجتماعي لكي تصبح تغطيته شاملة. يقول خليفة أن الخطة يجب أن تطالب بتطبيق قانون الضمان وليس بتعديله، لأن المادة 12 منه تنص على أنه في المرحلة الثالثة (وطبعا تمت مخالفة المراحل) يحدد قانون خاص إخضاع الأشخاص الذين لم يخضعوا بعد للضمان (الفقرة 10 البند 6). ولذا، برأيه، يجب أن يطالبوا بإستكمال القانون وليس تعديله، فالنص موجود ولم يتم تطبيقه. ويستغرب خليفة إدراج هذه التوصية من ضمن ما يجب إنجازه على المدى المتوسط وليس القريب العاجل، فالأمر، بنظره، لا يتعدى ضرورة تطبيق المادة 12 من قانون الضمان.
أما في الشق المتعلق بالمطلوب من مجلس الوزراء، والإدارات العامة لجهة المطالبة ب”وضع أنظمة تقاعد عصريّة كنظام خاص بضمان الشيخوخة بخلاف تعويض نهاية الخدمة عبر إصدار قوانين خاصة بذلك”. بؤكد خليفة أن الموضوع خرج من مجلس الوزراء وصار في مجلس النواب، وبالتحديد في لجنة فرعية، إنبثقت عن اللجان النيابية المشتركة ويرأسها النائب عاطف مجدلاني. وبالتالي، يقتضي أن تصبح التوصية “إقرار نظام التقاعد والحماية الإجتماعية”، حيث أن الخلاف عليه هو سياسي وليس فنياً.
ثم ينتقل خليفة لانتقاد التوصية الواردة في النقاط التنفيذية والتي تقضي ب”إصلاح التوازن المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من خلال تكليف مؤسسة دراسات اقتصادية واجتماعية عالمية متخصّصة لمراجعة حساباته واقتراح الحلول وإصدار المراسيم التطبيقية اللازمة”. فالخبير الإقتصادي كمال حمدان سبق له حسب خليفة ونفذ هذه الدراسة بتمويل من هبة من البنك الدولي للضمان، فلماذا علينا أن ندفع المال ثانية للعمل نفسه؟ ويرى أنه كان عليهم التوصية بوجوب الإستفادة من دراسة حمدان، والبدء بالإصلاح على أساسها، في المباشر.
الحق بالبيئة: “المسألة وجودية وليست حقوقية بحتة”
يرى الخبير في قضايا البيئة، ومسؤول صفحة البيئة في جريدة “السفير” الزميل حبيب معلوف أن “مسألة الحقوق ليست هي المدخل الصحيح لتناول موضوع البيئة، فالقضية هي قضية وجودية أكثر منها قضية حقوقية”. وعليه، يرى أن المطلب الأول يجب أن يكون “إيجاد إستراتيجية وطنية للبيئة أو التنمية المستدامة، تحدد المشاكل والأولويات للمعالجة والمسؤوليات، وتكون شاملة لجميع القطاعات التي تتقاطع مع البيئة”. ويؤكد على وجوب أن تكون الإستراتيجية ملزمة لكل الوزارات على أن تشرف على تطبيقها هيئة وزارية برئاسة رئيس الحكومة.
وينطلق معلوف مما أوصت به الخطة في مجلس الوزراء والإدارات العامة وبالتحديد في نقطة “التشدد في تطبيق المخطط التوجيهي للمقالع والكسارات”، ليقول أن هذا المطلب “لا ينطبق على الواقع حيث تعيد وزارة البيئة النظر بهذا المخطط دائماً، كما يحصل اليوم”. وعليه، يطالب معلوف بأن تصبح التوصية “إيجاد مخطط توجيهي ثابت وإيجاد قانون حديث بدل المراسيم التنظيمية التي يتم الطعن فيها بإستمرار”.
وفي موضوع التشجير، يرى معلوف أن المطلوب إيجاد إدارة متكاملة للغابات والأحراج يكون التشجير جزءاً منها، وليس التوصية بتنشيط خطة إعادة التشجير والحد من تآكل الغابات والأحراج.
أما عندما تطالب الخطة بتطبيق إتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بحماية البحار، فيسأل معلوف عن كيفية التوفيق بين هذا المطلب وإقرار قوانين التنقيب عن النفط والغاز على أعماق بعيدة، وهو الشق الغائب تماماً هنا.
ويتوقف معلوف عند تطبيق الأنظمة النافذة بموضوع البيئة في الخطة، ليقول انه يجب تكريس الحق في المعرفة والوصول إلى المعلومات من المصادر الرسمية والخاصة، ومعها حق الإدعاء للجمعيات الأهلية البيئية المصنفة. بينما تتحدث الخطة عن حق الحصول على معلومات ضرورية للتقصي عن الحالة البيئية، كما الحق باللجوء إلى المراجع القضائية لتحصيل الحقوق (كأفراد).
ويرى معلوف أنه بالإضافة إلى النص على حماية الأملاك البحرية وإزالة التعديات يجب المطالبة ب”إعادة تصنيف المخالفات والإعتداءات بين ما يستوجب هدمه وبين من يجب أن يدفع غرامات إلى حين إزالة المخالفات”.
وتطالب الخطة بتطبيق الخطة الوطنية الخاصة بإدارة النفايات الصلبة والتشدد في منع مكبات عشوائية..بينما يؤكد معلوف على وجوب وضع إستراتيجية وطنية للتخفيف من إنتاج النفايات اولاً والفرز وإعادة التدوير ثانياً.
وفي موضوع تطوير محميات طبيعية وأحراج وحدائق..يسأل معلوف عن سبب تغييب الخطة ل”التغيير اللازم في مفهوم الحماية المتبع وليس عزل الناس عن الأماكن الواجب حمايتها”.
وفي توصيتها التنفيذية رقم 12، تتحدث الخطة عن تقوية القدرات المؤسساتية للجسم القضائي، ويلفت حبيب إلى وجوب إنشاء نيابات عامة بيئية متخصصة وتخريج خبراء متخصصين ومحلفين وتطوير الإختصاصات في الجامعات.
اللاجئين غير الفلسطينيين: إفتقار للحقوق الأساسية
إنطلقت الورقة الخلفية التي كلفت الخبيرة سميرة طراد باعدادهاحول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للاجئين غير الفلسطينيين في لبنان من مبدأ الحق باللجوء الجوهري، كون عدم الإعتراف به لبنانيا، يجرد أفرادها من الحقوق الأخرى كله
وتتوقف طراد بداية عند أثر مرور الزمن منذ اعداد الورقة الخلفية القطاعية للخطة (2005) والإعلان عنها (نهاية 2012) على بعض المعطيات الواقعية والعددية التي بنيت عليها في حينها، حيث لم تعد بعض المعطيات صالحة اليوم، ومنها أعداد اللاجئين غير الفلسطينيين، وفرض التطورات السورية نفسها، مع التشديد على أن هذا الاثر يصل أيضا الى ما يتعلق بالقوانين أو السياسات التي يمكن القول أنها بقيت جامدة.
وتشير طراد الى أن الصياغة النهائية لتوصيات الورقة الخلفية أتت دون تسلسل زمني واضح لتنفيذها، مما يوحي أن جميع الخطوات المقترحة هي للتنفيذ الفوري. فضلا عن أن اختصار الورقة جاء في بعض الأحيان مجتزئا لموضوعاتها واقتراحاتها مما ينعكس لبسا في قراءتها وتفسيرها.
أهالي المفقودين: خطة 2008 نفسها و”لن نصفق لأحد”
تنتقد مسؤولة لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين وداد حلواني نص الخطة على انشاء هيئتين وطنيتين واحدة بموجب قانون وواحدة بمرسوم. وتقول حلواني أن الأهالي لم يفهموا هنا ما هو الفرق بين الهيئتين طالما أن التوصية هي على المدى القريب في الحالتين، لتستنتج أن “هناك صف حكي وإرباك ولا وضوح، وهناك بعثرة للنقاط ما بين مجلسي النواب والوزراء”.
وتعليقا على توصية الخطة بوضع قواعد الزامية لأصول وشروط حماية المقابر الجماعية ونبشها، ترى حلواني أنه ليس واضحا من هي الجهة التي ستتولى تنفيذ العمل، سائلة عن عدم الإطلاع على المعايير الدولية الموجودة والافادة منها.
وتعود حلواني إلى خطة العام 2008 لتقول أن الأفكار هي نفسها وكأنهم لم يستعموا إلى الأهالي والمجتمع المدني، ولذا نحن لا نثق بالخطة ولن نصفق لأي كان بعد اليوم.

نُشر في العدد السابع من مجلة المفكرة القانونية

 

الصورة من أرشيف جريدة السفير

 


[1]وأبرزها توفير العلم للجميع وجعله إلزاميا في المرحلة الابتدائية على الاقلوالتأكيد على حرية التعليم وفقا للقانون والأنظمة العامةوتعزيز رقابة الدولة على المدارس الخاصة وعلى الكتاب المدرسيوإصلاح التعليم الرسمي والمهني والتقني وتعزيزه وتطويره بما يلبي ويلائم حاجات البلاد الانمائية والاعماريةوإصلاح أوضاع الجامعة اللبنانية وتقديم الدعم لها وبخاصة في كلياتها التطبيقية واعادة النظر في المناهج وتطويرها بما يعزز الانتماء والانصهار الوطنيين، والانفتاح الروحي والثقافي وتوحيد الكتاب في مادتي التاريخ والتربية الوطنية.

انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، لبنان ، مقالات ، جندر وحقوق المرأة والحقوق الجنسانية ، دستور وانتخابات ، بيئة وتنظيم مدني وسكن ، الحق في الصحة والتعليم



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني