وقفة الثامن من فبراير أمام وزارة العدل، حتى لا تتحول الجمعيات المهنية للقضاة الى جمعيات صامتة


2014-01-31    |   

وقفة الثامن من فبراير أمام وزارة العدل، حتى لا تتحول الجمعيات المهنية للقضاة الى جمعيات صامتة

يهدف واجب تحفظ القضاة باعتباره مبدأ أخلاقي الى تدعيم الثقة في السلطة القضائية وأعضائها، و ذلك بالكف عن زرع الشك لدى المتقاضين في حياد المحاكم والقضاة، بعدم اعطاء تصريحات أو القيام بمواقف تؤدي الى هدم هذه الثقة، ونظرا لتعدد قراءات هذا الموضوع بحسب الأفق الحقوقي والوعي المدني السائد في كل دولة، فانه كان دائما يشكل موضوعا للتجاذب بين التكتلات والروابط التي تجمع القضاة وباقي السلط، اذ غالبا ما حاولت السلطة التنفيذية اعتماد هذا المفهوم للطعن في شرعية الروابط التي تجمع القضاة في العديد من التجارب التي عرفتها بعض الأنظمة القضائية. من هنا يطرح التساؤل هل واجب التحفظ هو التزام على عاتق القضاة وأنه لا يتعدى ذلك الى التكتلات والروابط التي تجمعهم، أم أن هذا المدلول كما يسري على القضاة يسري أيضا على هيئاتهم المهنية بكل أنواعها؟

للجواب على هذه التساؤلات يجب تحديد ثلاث منطلقات أساسية تساعدنا على فهم مدلولات وحدود واجب التحفظ، أولها المنطلق الدستوري الذي نص في الفصل 111 على أنه "للقضاة الحق في حرية التعبير، بما يتلاءم مع واجب التحفظ والأخلاقيات القضائية.
يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون".

ويتضح من هذا النص أن المشرع الدستوري كان حريصا على جعل واجب التحفظ التزاما على القضاة، دون الانخراط في الجمعيات المهنية التي حدد لها شرطي التجرد واستقلال القضاء، لأن وضع هذين الضابطين كان بهدف الابقاء على استقلال الجمعيات المهنية حتى لا تتحول الى أصوات سياسية لجهات أخرى.

وثانيهما هو المنطلق الكوني الذي يمثله اعلان بانغالور بشأن قواعد السلوك، والذي نص على أنه ﻟﻠﻘﺎﺿﻲ ﺃﻥ يشكل ﺭﺍﺑﻄﺎﺕ ﻟﻠﻘﻀﺎﺓ ﺃﻭ ينضم ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﻭ يشارك في ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺃﺧﺮﻯ تمثل مصالح ﺍﻟﻘﻀﺎﺓ، والذي لم يضع قيودا أخرى على هذا الحق.

أما المنطلق الثالث فهو الذي تبناه معد مسودة مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة بحسب صيغة 25 دجنبر 2013، وهو الذي تنكر للمنطلقين السابقين ونص في المادة 96 منه على أنه يلتزم القضاة عند انخراطهم في جمعيات أو انشائهم لجمعيات مهنية باحترام واجبات التجرد واستقلال القضاء والتحفظ والأخلاقيات القضائية وفق الضوابط المنصوص عليها في مدونة السلوك، وهو ما يعكس رغبة جعل الجمعيات المهنية للقضاة جمعيات صامتة لا تدافع عن استقلال السلطة القضائية والقضاة ، في محاولة لإفراغ النص الدستوري من محتواه، خاصة أن الصيغة الجديدة شكلت تراجعا حتى على صيغة 23 أكتوبر 2013 والتي كانت تنص في المادة 83 منها على أنه "يمكن للقضاة الانخراط في جمعيات وانشاء جمعيات مهنية مع احترام واجب التجرد واستقلال القضاء"، فالتغيير الذي حصل بين الصيغتين بدمج فقرتين من الدستور لتشكل التزامات على عاتق القضاة والجمعيات المهنية في نفس الوقت يطرح أسئلة الاختلال البنيوي بين مكونات السلط، والتي تترجمها السلطة التنفيذية عن طريق مشاريع النصوص التي تعدها لإبقاء التحكم والصمت والانغلاق داخل السلطة القضائية بكل مكوناتها.

واذا كان مشروع القانون التنظيمي وفق صيغته الحالية لازال أمامه مشوار طويل، فان النقاش البرلماني يعتبر من أهم المحطات الدستورية لإقرار نص ذات حمولة حقوقية يؤسس لمغرب ما بعد دستور 2011، خصوصا أنه سبق لبرلمانيين فرنسيين أن قدموا مقترح قانون في سنة 1982 لإلزام نقابات القضاة بالتقيد بموجب التحفظ الملزم للقضاة، وهو ما لم يتم اقراره آنذاك لكونه اصطدم بممانعة قوية ساهمت في الدفاع عن استقلال السلطة القضائية في مواجهة باقي السلط مجموعات الضغط في دولة أراد لنا القدر أن ننقل منها مختلف تجاربها القضائية. لهذا سنقف يوم الثامن من فبراير أمام وزارة العدل حتى لا تتحول الجمعيات المهنية للقضاة الى جمعيات صامتة.

انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني