قضية هنيبعل القذافي: الخطف على النسب


2016-09-30    |   

قضية هنيبعل القذافي: الخطف على النسب

قبل 38 عاماً، وتحديداً في 1978، اختفى الإمام موسى الصدر بعد تلبيته ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين دعوة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي الى ليبيا. عام 2015، قامت مجموعة من الأشخاص باختطاف نجل القذافي، هنيبعل، اللاجئ في سوريا منذ سقوط نظام والده. الإختطاف حصل داخل الأراضي السورية، ليتمّ نقل هنيبعل إلى لبنان عبر معابر غير شرعية. في لبنان، تسلمه النائب السابق حسن يعقوب، نجل الشيخ يعقوب، لينتهي الامر بتسليمه الى فرع المعلومات. منذ ذلك الوقت، والقذافي موقوف بقرار من المحقق العدلي زاهر حمادة من دون مسوغ قانوني. هكذا تخرج دولة المؤسسات المفترضة عن تطبيق القانون، لتنغمس في الكيدية: الخطف والخطف المقابل.
في الطلب المقدم من قبله لاسترداد مذكرة توقيف هنيبعل، يبين وكيله المحامي أكرم عازوري غياب المستند القانوني لاحتجاز موكله. ويطلب عازوري فيها استرداد مذكرة التوقيف مستبعداً الاكتفاء باخلاء سبيله. وتكشف هذه المذكرة مواقع إنعدام قانونية الإجراءات المتخذة من قبل القضاء اللبناني، في قضية ما زالت تتحكم في مسارها حتى الآن اعتباراتها السياسية. واللافت أن النيابة العامة التمييزية تقف موقف المتفرج. فهي لا تطلب شيئا. والأغرب، هي لا تتدخل لضمان الإفراج عن شخص محتجز تعسفا بموجب قرار صادر عن مرجع غير مختص.

مخطوف، ثم موقوف، فمخطوف
لا ارادة للقذافي في وجوده في لبنان. بهذا المعنى، يسند عازوري طلبه باسترداد مذكرة التوقيف الى كون وجود هنيبعل في لبنان هو "نتيجة إحضار قسري إلى قاضي التحقيق العدلي نتيجة عملية خطف". بالمقابل، يقتضي مثول هنيبعل أمام قاضي التحقيق اللبناني أن يكون مطلوباً للقضاء بصفة محددة كشاهد أو مدعى عليه  قبل اختطافه. وبما أن القذافي أجنبي وغير مقيم في لبنان، فيجب أن "يكون القضاء اللبناني قد تسلّمه بصورة شرعية، إما نتيجة معاملة استرداد قانونية واما بحضوره ارادياً تلبية لإستدعاء سابق للتحقيق والتوقيف من قبل القضاء اللبناني". والواقع أنه "لم يتم استدعاء هنيبعل من قبل القضاء اللبناني بأي صفة كانت لا قبل ولا بعد صدور القرار الاتهامي في قضية الصدر عام 2008، ولا حتى قبل خطفه على يد يعقوب". انطلاقاً من هذه الحيثية، يلقي عازوري الضوء على صلة هنيبعل بملف اختطاف الصدر: "يبدو أن علاقته الوحيدة بملف التحقيق العدلي المنتهي هي فقط خطفه من سوريا وإسمه: هنيبعل معمر القذافي".
إذن، مثول القذافي أمام القاضي اللبناني "حصل نتيجة عمل جرمي حاصل على الأراضي  السورية (خطفه) وأنتج مفاعيله على الأراضي اللبنانية" حسبما جاء في المذكرة. وكان القاضي زاهر حمادة أصدر عندذاك في 14 كانون أول 2015 قراراً بتوقيفه بتهمة كتم معلومات تتعلق بقضية اختفاء الصدر. وقد أتبع وزير العدل المستقيل أشرف ريفي هذه المذكرة برفضه طلب الاسترداد المقدم من النائب العام التمييزي السوري في 16 كانون اول 2015، شكلاً بعدما اعتبر أن طلب التسليم يخرج عن نطاق تطبيق الإتفاقية القضائية المعقودة عام 1951 بين لبنان وسوريا، طالما أن المذكرة لم تتضمن أي اتهام للقذافي بارتكاب جرم معين، مما يجرد مرسليها من الحق بارسالها الى النائب العام التمييزي.[1]

اتهام خارج النص
مذكرة التوقيف التي أصدرها المحقق العدلي بتاريخ 14 كانون الثاني 2015 تسند إلى القذافي جرم كتم معلومات عن قضية اختفاء الصدر (408 عقوبات).[2]تعاقب المادة 408 الشخص الذي يكتم المعلومات خلال شهادته أمام سلطة قضائية بالسجن من 3 اشهر إلى 3 سنوات. والحال أن جرم كتم المعلومات عبارة عن جنحة، لا يجوز التوقيف فيها أكثر من شهرين يمكن تمديدها لشهرين آخرين كحد اقصى. اتباع هذه الحسابات يؤدي الى القول أن المدة الاضافية التي قضاها القذافي موقوفاً هي غير مشروعة.
 خلافاً لهذا الاستنتاج، يعتبر عازوري ان التوقيف بأساسه غير مشروع كونه لا يستند الى فعل مجرم بالنص القانوني. ذلك أن المادة 410 من قانون العقوبات تستثني من تطبيق المادة 408 "الشاهد الذي يتعرض حتماً إذا قال الحقيقة لخطر جسيم له مساس بالحرية أو الشرف أو يعرض له زوجة ولو طالقاً أو أحد أصوله أو فروعه أو أخوته أو أخواته أو أصهاره من الدرجات نفسها".

قضاء غير مختص
الفداحة في "توقيف" القذافي تكمن في انعدام اختصاص المحقق العدلي والمجلس العدلي بالأصل. ذلك أن كل الانتهاكات والاجراءات غير المشروعة سابقة الذكر صادرة عن قاض غير مختص حسبما جاء في مذكرة عازوري. وهذا ما تأكد بحكم قضائي صادر عن غرفة محكمة التمييز برئاسة القاضي جوزيف سماحة. ففي ……، قبلت محكمة التمييز نقل الملف من القاضي حمادة إلى قاضي تحقيق آخر لعدم اختصاص الأول، على خلفية الإرتياب المشروع. وقد أسند قراره أولاً إلى "تصرف حمادة على نحو يبرر الشكوك في حياده ازاء المستدعي"، بالإضافة الى كون "جرم كتم المعلومات الملاحق به القذافي لا يعتبر في عداد الجرائم المدعى بها أمام المحقق العدلي في الدعوى كما لا صلاحية لحمادة بصفته محققاً عدلياً للتحقيق بهذه الجريمة لكونها غير متلازمة مع الجريمة الأصلية التي يتابع التحقيق فيها اي تغييب الصدر[3]. سارعت عائلة الصدر إلى الطعن بقرار سماحة، وطلب وقف تنفيذه، أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز (أي أعلى مرجع قضائي ويرأسها رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد) مدليةً أن للأخير "آراء مسبقة معادية لقضية تغييب الصدر". الهيئة العامة استجابت من جهتها بشكل مفاجئ الى قرار وقف التنفيذ، الى حين البت في طلب الطعن نفسه. وبذلك، يبقى الملف  لدى حمادة الى أن تقرر اما المصادقة على قرار سماحة أو الطعن به. يدفع قرار الهيئة العليا بوقف التنفيذ الى التساؤل عن مدى وجود جدل قانوني فعلي حول اختصاص حمادة. فلو كان انعدام اختصاصه واضحاً وضوح الشمس (كما هي الحال في هذه القضية)، ألا يعد ذلك سببا كافيا للارتياب المشروع وتاليا لنقل القاضي؟ وألا يشكل تدخل الهيئة العامة بما تمثله في هذه الحالة مؤشرا جد مقلق على مدى تغول السياسة في القضاء؟

يستند عازوري الى قرارات سابقة للهيئة العامة لمحكمة التمييز اعتبرت فيها أن اتخاذ أي سلطة قضائية لإجراء أو تدبير خارج عن صلاحيته (وهو حال القاضي زاهر حمادة حسب المذكرة وحسب غرفة محكمة التمييز برئاسة سماحة) يشكل خطأً جسيماً. فـ"الصلاحية للمحاكم الجزائية هي صلاحية تتعلق بالانتظام العام، خصوصاً صلاحية المحاكم الاستثنائية كالمحقق العدلي وهي صلاحية شاذة عن القاعدة تنعقد عن طريق قرار من السلطة التنفيذية وعلى الأفعال الحاصلة زمنياً قبل  صدور مرسوم الاحالة".
مسألة عدم صلاحية المحقق العدلي والمجلس العدلي باجراء استجواب مرتبط بقضية التغييب نفسها قابلة للحسم في برهة، لا سيما أن الأخير "رفع يده عن القضية بصدور القرار الاتهامي منذ عام 2008". بالتالي حتى فرضية وجود تلازم بين التهمة الموجهة الى القذافي مع التهمة الموجهة إلى أبيه باخفاء الصدر، لا يؤدي الى عقد اختصاص المحقق العدلي. وما يؤكد ذلك، هو أن المجلس العدلي يعد محكمة استثنائية مما يفرض التضييق في تحديد صلاحيته، بمنأى عن أي توسع.

ومن البين في قضية هنيبعل القذافي، أن جرم كتم المعلومات المدعى به (المادة 408 عقوبات)، يخرج كلياً عن موضوع الادعاء عام 1981 في جريمة اخفاء الصدر ورفيقيه التي استندت الى المواد (569 معطوفة على 213 و217 من قانون العقوبات وجناية المادة 2 من القانون الصادر في 11/ 1958). كذا التمسك بوجود تلازم بين الجرمين الذي ينتفي بمضمون المادة 133 من اصول محاكمات جزائية، التي تحدد حالات التلازم الجرمي حصراً، وهي لا تنطبق على الحالة الراهنة بالمطلق. [4]
وضع حد لانتهاك الحق بالحرية والعودة الى التزام السلطات بالقانون، أمران معلقان على أجلين: قرار حمادة بالنسبة لطلب استرداد مذكرة التوقيف الصادرة عنه، لا سيما بعد رد عائلة يعقوب ممثلة بمحاميها أنطوان عقل على المذكرة. وقد جاء في متنها أن "الهدف من الشكوى الراهنة هو التقصير من مدة احتجاز الصدر ورفيقيه ومعاقبة المساهمين فيها وليس تبرير توقيف القذافي واطالة مدته". كذا برر عقل صلاحية القضاء اللبناني ولاحقاً القضاء العدلي، مستنداً إلى المادة 19 من قانون العقوبات المتعلقة بالجرائم التي تمس أمن الدولة.[5] أما الأجل الثاني وهو الأهم، فهو يتمثل في قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز بالمصادقة أو فسخ قرار نقل الدعوى للارتياب المشروع. وفي ظلّ كل ذلك، تلزم النيابة العامة التمييزية صمتاً مطبقاً، وكأن ليس لها أي رأي فيما يحصل.
 
 



[1]– أمال خليل: "محامية هنيبعل القذافي: ريفي متورط في الخطف"، جريدة الأخبار، سياسة، العدد 2768، الخميس كانون الاول 2015.
[2]– المادة 408، الفقرة الأولى: من شهد أمام سلطة قضائية أو قضاء عسكري أو إداري فجزم بالباطل أو أنكر الحق أو كتم بعض أو كل ما يعرفه من وقائع القضية التي يسأل عنها عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.
 
[3]– امال خليل: "لجنة الصدر قابلت الساعدي القذافي في ليبيا"،جريدة الأخبار، سياسة، العدد 2914، 18 حزيران 2016
[4]– المادة 133 قانون اصول محاكمات جزائية:تكون الجرائم متلازمة: إذا ارتكبها عدة أشخاص مجتمعين في آن واحد/إذا ارتكبها أشخاص متعددون في أوقات وأماكن مختلفة تنفيذاً لاتفاق بينهم/ إذا كان بعضها تهيئة للبعض الآخر أو تمهيداً لوقوعه أو تسهيلاً أو تنفيذاً له أو لإخفاء نتائجه الجرمية أو لإبقاء              منفذيها دون ملاحقة/ إذا اشترك عدة أشخاص في إخفاء الأشياء الناتجة عن الجريمة كلياً أو جزئياً.
 
[5]– الوكالة الوطنية، قضاء، الفريق القانوني لعائلة يعقوب طلب رد دفوع وكيل هنيبعل القذافي، الاربعاء 28 أيلول 2016. يمكن الاطلاع على المذكرة كاملة على الرابط: https://goo.gl/SQXyLV
انشر المقال

متوفر من خلال:

لبنان ، مقالات ، دولة القانون والمحاسبة ومكافحة الفساد



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني