الأدوار الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب


2016-08-23    |   

الأدوار الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب

المجلس الأعلى للسلطة القضائية في المغرب هي التسمية الجديدة التي جاء بها الدستور المغربي لسنة 2011 والتي حلت محل تسمية المجلس الأعلى للقضاء الذي لا زال يمارس مهامه بصفة انتقالية في انتظار تشكيل هذا المجلس الجديد. وتبعا لمصادقة المجلس الدستوري على القانون التنظيمي لطريقة عمل المجلس بتاريخ 15 -03-2016[1]، يتوقف بدء عمل المجلس الجديد على استكمال تشكيل أعضائه. ويجد التذكير  هنا أن المجلس يتألف حسب الفصل 115 من الدستور المغربي من عشرين عضوا، منهم عشرة منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف القضاة بالمملكة وخمسة أعضاء يستمدون عضويتهم بحكم مناصبهم كالرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام ورئيس الغرفة الأولى بذات المحكمة ثم رئيس مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الانسان والوسيط [2]وخمسة أعضاء آخرين يعينهم الملك من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى[3]. وقد جرت انتخابات يوم 23 – 07-2016 لانتخاب ممثلي القضاة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وننتظر الآن فقط إعلان تعيين باقي الأعضاء وأدء قسمهم ليبدأ المجلس في ممارسة مهامه كما تنص على ذلك المادة التاسعة من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

ورافق هذا التغيير الحاصل على مستوى تشكيلة المجلس الاعلى للسلطة القضائية[4]،تغير على مستوى الاختصاصات أيضا. فلم يعد هذا المجلس مجرد لجنة للبت في الوضعيات المهنية للقضاة كما كان عليه الامر في ظل المجلس الأعلى للقضاءالملغى دستوريا، وإنما اصبح له أدوار أخرى جديدة أتى بها الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 وانتقل بموجبها من مجلس للقضاة إلى مجلس للسلطة القضائية. ويمكن ابراز أهم أدوار المجلس الجديدة كما يأتي:

أولا: مبدأ حماية استقلال القاضي:
جعل الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 من استقلال القضاء قضية مركزية في الباب السابع منه المتعلق بالسلطة القضائية، بحيث جعل هذا الباب تحت عنوان “استقلال القضاء”. وأتى على ذكر مجموعة من الضمانات المعززة لهذا الاستقلال، كمبدأ عدم قابلية قضاة الأحكام للنقل والعزل والذي يمكن القول أنه مبدأ تقليدي منصوص عليه في الدساتير التي عرفها المغرب منذ استقلاله وإلى غاية سنة 2011[5]. لكن الجديد الذي أتى به الفصل 109 من الدستور الحالي هو إقراره  لآلية واضحة لحماية هذا الاستقلال متمثلة في كونه فرض وبشكل إلزامي على القاضي الذي يعتبر أن استقلاله أصبح مهدداً، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية[6]. وطبعا، فإن هدف هذه الإحالة هو حماية استقلال القاضي بدليل أن المادتين 104 و105 من القانون التنظيمي أجازتا للقاضي أن يحيل الأمر الى المجلس بشكل مباشر، من دون أن يكون مرغما على اتباع الطريق الاداري التقليدي للمراسلات. كما أنه وتماشيا مع هذا التوجه، جعل المشرع الدستوري من التدخل في القضاء والتأثير عليه جريمة وذلك من خلال النص في الفقرة الاخيرة من الفصل 109 على أن القانون يعاقب  “كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة”. وبالتالي، فإننا ننتظر من المشرع الجنائي المغربي أن يجسد هذا التوجه في نصوصه في أقرب وقت لكي يحدد وصف الجريمة وأركانها وعقوبتها تماشيا مع مبدأ الشرعية الجنائية.

ثانيا : دور رصد وتشخيص واقع القضاء والعدالة:
من الأدوار الجديدة التي تم منحها للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ، بمقتضى الفقرة الثانية من  الفصل 113 من الدستور، هي وضع التقارير وإصدار التوصيات حول وضعية القضاء ومنظومة العدالة بشكل عام . ويأخذ دور الرصد والملاحظة هذا كما تم تفصيله في المادة 108 من القانون التنظيمي رقم 13-100 المشار اليه قبله ، شكلين: فمنها ما يصدره المجلس من تقارير وتوصيات وتتعلق برؤيته الخاصة اعتماداً على مصادره ووسائله، ومنها ما يتلقاه من تقارير حول القضاء والعدالة من مؤسسات وهئيات أخرى بما يعكس رؤية هذه الأخيرة.
وهكذا نصت الفقرة الثانية من المادة 108 من القانون التنظيمي للمجلس على أن التقارير التي يعدها المجلس يمكن أن تكون من بين المواضيع التالية :

  • “دعم حقوق المتقاضين والسهر على حسن تطبيق قواعد سير العدالة؛
  • تحسين أداء القضاة؛
  • دعم نزاهة واستقلال القضاء؛
  • الرفع من النجاعة القضائية؛
  • تأهيل الموارد البشرية؛
  • تحسين الأوضاع المادية والاجتماعية للقضاة “.

وطبعا فإن هذه المجالات تبقى محددة على سبيل المثال وليس الحصر كما هو واضح من بداية الفقرة الثانية من المادة 108 أعلاه.
كما ان المجلس الأعلى للسلطة القضائية  يتلقى، وبشكل متواز كما أشرنا إلى ذلك أعلاه، تقارير حول منظومة العدالة وفق ما نصت عليه المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس من طرف كل من:

  • “الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك لديها، كل في مجال اختصاصاته؛
  • الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة حول تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة، قبل عرضه ومناقشته أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان؛
  • الوزير المكلف بالعدل حول سير وأداء الإدارة القضائية، وحصيلة منجزاتها وبرامج عمليها، وكذا وضعيات المهن القضائية؛
  • المفتشية العامة للشؤون القضائية؛
  • مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة المنصوص عليها في الدستور؛
  • الجمعيات المهنية للقضاة؛
  • جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية المهتمة بقضايا العدالة والمؤسسة بكيفية قانونية منذ ثلاث (3) سنوات على الأقل”.

ثالثا : الدور الاستشاري والاقتراحي :
يقوم المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفقا لنص المادة للفقرة الثالثة من الفصل 113 من الدستور الجديد، بإصدار آراء مفصلة حول العدالة وذلك بطلب إما من الملك أو رئيس الحكومة أو رئيس أحد مجلسي البرلمان[7].وقد حددت المادة 112من القانون التنظيمي بعض النماذج من المجالات التي يمكن للمجلس أن يعطي فيها رأيه كما بينت مسطرة ذلك. فيمكن للمجلس وفق هذه المادة أن يبدي رأيه في مشاريع ومقترحات القوانين المتعلقة بوضعية القضاء ومنظومة العدالة واستراتيجيات وبرامج الإصلاح، في مجال العدالة، التي تحيلها الحكومة إليه.

رابعا : دور الانفتاح والتعاون مع المؤسسات الاجنبية :
يعد هذا الدور كذلك من الأدوار الجديدة التي كانت محتكرة سابقا من طرف وزارة العدل. وهكذا يمكن للمجلس وفقا لنص المادة 113 من القانون التنظيمي أن ينفتح على المؤسسات الأجنبية ويعقد معها شراكات للاستفادة من خبراتها في مجال العدالة.
وعلى سبيل الختم، بإمكاننا القول أنه إذا ما أحسن المجلس الجديد استغلال هذه الأدوار، فإنه يمكننا بها التأسيس لتجربة رائدة قد تشكل منطلقا وحافزا لمواصلة المطالبة بإعادة النظر في القوانين التنظيمية باتجاه المزيد من الاستقلال المؤسساتي للسلطة القضائية بالمغرب.



[1]– يتعلق الأمر بالقرار رقم رقم: 16/991 م. د وتاريخ 15-03-2016 الذي صادق بموجبه المجلس الدستوري على القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية- للاطلاع على القرار كاملا يراجع موقع المجلس الدستوري على الرابط التالي :
http://www.conseilconstitutionnel.ma/AR/Decision/affiche_content_hightlight.ar.php?link=decisionHTML2016
وللاطلاع على النص الكامل لهذا القانون يراجع الموقع الالكتروني لوزارة القطاعات العامة وتحديث الادارة على الرابط التالي:
http://bdj.mmsp.gov.ma/Ar/Document/10075-Dahir-n-1-16-40-du-14-joumada-II-1437
[2]– الوسيط اسم يطلق على رئيس لمؤسسة رسمية تحمل نفس الاسم وقد كانت تسمى بديوان المظالم ، وتختص في تلقي شكايات المواطنين ضد الادارات العمومية غير المعروضة على القضاء – يراجع النص القانوني المنظم لهذه المؤسسة في موقعها على الرابط التالي : http://www.mediateur.ma/index.php/ar/decouvrirar/textes-ar/dahir-ar
[3]– مؤسسة المجلس العلمي الأعلى هي من بين المؤسسات الدستورية بالمغرب وهي عبارة عن تجمع لعلماء الدين المسلمين وتختص بدراسة القضايا الدينيىة واصدار الفتوى – تراجع اختصاصات وأنشطة المؤسسة في النافذة المخصصة لها بموقع وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية على الرابط التالي :  http://www.habous.gov.ma/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%B3-
[4]– بالمقارنة مع المجلس الأعلى للقضاء ، الذي سيلغى بمجرد دخول القانون التنظيمي رقم 100.13 المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية حيز التنفيذ، نجد أنه كان يتكون من عشرة اعضاء فقط تسعة منهم قضاة ستة منتخبين وثلاثة بحكم منصبهم وهم الرئيس الأول لمحكمة النقض والوكيل العام للملك ورئيس الغرفة الاولى ، فيما يترأس أشغاله وزير العدل نيابة عن الملك .
[5]– يتعلق الامر بدستاتير أقرت سنوات : 1962و1970و1972و1992و1996
[6]– جاء الفصل 109 من الدستور ما يلي : ” يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء؛ ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات، ولا يخضع لأي ضغط.
يجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية  “.
[7]– يتكون البرلمان المغربي منذ دستور 1996 من مجلسين واحد يقترع بالاقتراع العام المباشر من الشعب يسمى مجلس النواب وآخر يمثل الفئات المهنية والنقابية يسمى مجلس المستشارين ويقترع بالاقتراع غير المباشر.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد القضائي ، استقلال القضاء ، مقالات ، المغرب



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني