تعديل قانون مجلس الدولة في مصر: تنازع بين هيئتين قضائيتين على حساب المتقاضين


2016-08-20    |   

تعديل قانون مجلس الدولة في مصر: تنازع بين هيئتين قضائيتين على حساب المتقاضين

وافق مجلس النواب المصري على إدخال بعض التعديلات التشريعية على قانون مجلس الدولة المصري، وهي التعديلات التي اقترحها مجلس الدولة نفسه. ومن ضمن هذه التعديلات اقتراح بإضافة مادة جديدة تحت رقم 50 مكرر والتي نصت على اختصاص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالنظر في إشكالات التنفيذ ومنازعات التنفيذ المتعلقة بالأحكام الصادرة عنها، فيما أن محكمة الأمور المستعجلة (التابعة للقضاء العادي) كانت هي التي تنظر سابقا بهذه الاشكالات عملا بقانون المرافعات. وقد جاء هذا التعديل تفعيلا لنص المادة 190 من الدستور المصري والتي نصت على أن "مجلس الدولة جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه…". ولم يكتفِ التعديل في حصر الصلاحية بمحاكم مجلس الدولة، إنما تضمن أحكاما قد تسيئ استخدامها السلطات العامة بهدف المماطلة والنيل من حقوق المتقاضين، ومن أبرزها عدم إلزام الإدارة بمهلة لتقديم إشكالها واعتبار الاشكال موقفا لتنفيذ الحكم المستشكل، على أن تفصل المحكمة المعنية فيه خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه.

وعلى الرغم من أهمية فكرة التعديل الذي كان على رأس مطالب قضاة مجلس الدولة، وكذلك عموم المهتمين بشأن العدالة واستقلال القضاء طوال الأعوام السابقة على ثورة يناير واستمرار هذا المطلب حتى الآن، إلا أن من شأن تلبيته بهذا الشكل أن يفرغ النص الدستوري من مضمونه، ويفتح الباب مجدداً للإلتفاف على أحكام مجلس الدولة والمماطلة في تنفيذها. وقد بدا قضاة مجلس الدولة وكأنهم يغلبون رغبتهم في إقصاء صلاحية القضاء العادي عن النظر في إشكالات تنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري، على صون حقوق المتقاضين. وسنسوق هنا بعض الأسباب التي تجعلنا نرفض هذا التعديل بمعزل عن الجهة التي طرحته.

إقصاء محكمة الأمور المستعجلة كإشكالية أساسية لتعديل القانون
بداية، نؤكد أن طرح هذا التعديل لا يمت بصلة بحكم مجلس الدولة في قضية تيران وصنافير ولم يأتِ كتدخل من الحكومة في هذه الدعوى. فالتعديل تم اقتراحه وعرضت مذكرته الإيضاحية على مجلس الوزراء في 23/2/2016 أي قبل أربعة أشهر من صدور حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان توقيع الاتفاقية. ورغم أن المذكرة أشارت إلى أن هذا التعديل يأتي تنفيذا لأحكام الدستور، فإنه من البين أنه أتى كردّ فعل على ما تقوم به الحكومة من الطعن على أحكام القضاء الإداري امام محاكم الأمور المستعجلة، وكذلك نظر هذه المحاكم للإشكالات والفصل فيها وهو، ما حدث في عدد لا بأس به من القضايا. وتبياناً على ذلك، نشير هنا إلى مثلين:

الأول، تمثل بإشكالات التنفيذ التي رفعت أمام محاكم الأمور المستعجلة لوقف تنفيذ أحكام القضاء الإداري بإلغاء بعض قرارات الحكومة بالتحفظ على أموال الإخوان المسلمين بالفترة الماضية،
والثاني تمثل بإشكالات التنفيذ التي دأبت حكومات الحزب الوطني المنحلّ على إقامتها أمام الأمور المستعجلة لوقف تنفيذ الأحكام المتعلقة بالانتخابات ولتفويت الفرصة على المرشحين في وقف بعض الإجراءات الباطلة أو إعادة الانتخابات في بعض الدوائر.
وكان يترتب على رفع هذه الإشكالات من جهة، وقف تنفيذ الأحكام حتى الفصل في الإشكالات المقامة، طبقا لقانون المرافعات المصري[1] والذي نصّ على أن الإشكال يوقف التنفيذ في المنازعات المدنية، ومن جهة ثانية، تصدي محكمة الأمور المستعجلة لإشكالات وقف تنفيذ أحكام القضاء الإداري، وهو ما كان يمثل تعديا على مبدأ المشروعية واستقلال مجلس الدولة من وجهة نظر هذا الأخير.
وفي ضوء هذا الواقع غير المتّزن، خرج هذا التعديل كرد فعل من مجلس الدولة، لمواجهة محكمة الأمور المستعجلة. وقد أوقع استخدام التشريع بهذا الشكل الدفاعي معدّ التشريع في أخطاء جسيمة، حيث انحرف مساره من تأدية دوره في خدمة العدالة إلى استخدام التشريع للدفاع عن نفسه من منطلق فئوي، بمنأى عن مصالح المتقاضين.

التعديل أغفل الطبيعة الخاصة للمنازعات الادارية
يعرف القضاء الإداري وقضاء مجلس الدولة ككل بأنه قضاء المشروعية وذلك لاعتباره الجهة القضائية المنوط بها الرقابة على جهة الإدارة ومدى احترامها لمبدأ المشروعية وسيادة القانون وما يترتب عليهما من احترام تدرج القاعدة القانونية. وهو ما أدى إلى تخصيص القضاء الإداري بقانون خاصّ، ينظّم عمله ويحكم طرق رفع الدعوى أمامه، على نحو يختلف عن قانون المرافعات. ففي حين أن القضاء المدني هو المختص بالفصل في النزاعات المدنية التي تقع بين الأفراد وبعضهم البعض، وبين الافراد والدولة حينما تتعامل كشخص من أشخاص القانون الخاص، نجد أن القضاء الإداري هو المختص بالفصل في المنازعات التي تنشأ بين الأفراد والإدارة عندما تظهر الأخيرة بصفتها صاحبة السلطة وتتمتع بامتيازات لا يتمتع بها الأفراد ويطبق القضاء الإداري على المنازعة إذ ذاك قواعد القانون العام.
ولم يتوقف الأمر فقط على طريقة رفع الدعاوى، لكن أصبح هناك اتجاهات فقهية للإثبات تختلف عن طرق الإثبات في القضاء المدني، وذلك كله من أجل مواجهة الإدارة عندما تتصرف كصاحبة سلطة، بحيث لا يستطيع الافراد مواجهتها أو اثبات رأي يخالف ما تعلنه عن طريق طرق الاثبات في القضاء المدني.

لكن ورغم هذا الإختلاف، بدا قضاة مجلس الدولة وكأنهم يسلمون من خلال التعديل المقترح منهم بانطباق قانون المرافعات باعتباره الشريعة العامة، متناسين الطبيعة الخاصة للقضاء الإداري. فما نص عليه قانون المرافعات متعلق بتنفيذ حكم صادر لفرد في مواجهه فرد آخر لا يتمتع أيّ منهم بسلطة من أي نوع على طرف الثاني. لكن في حالة القضاء الادري، ثمة حكم صدر لصالح فرد في مواجهة الادارة أثناء وبسبب استخدام الاخيرة لسلطتها. أي أن هذا الفرد قد تعرض لتطبيق خاطئ للقانون من قبل أجهزة الدولة باعتبارها صاحبة السلطة. وعندما لجأ للقضاء ليحصل على حكم لصدّ هذا الاعتداء، يفاجأ بأن جهة الإدارة استشكلت في التنفيذ لتزيد من التنكيل به. فلماذا يؤدي الاستشكال إلى وقف تنفيذ الحكم في هذه الحالة؟
 
دور مجلس الدولة هو في مواجهة انحراف الإدارة بسلطتها
كان من الأحرى ان يترك مجلس الدولة اقتراح تعديل القانون لمواجهة محكمة الأمور المستعجلة لأي من أساتذة القانون من غير أعضاء المجلس حتى يتم هذا التعديل لخدمة العدالة والصالح العام، وليس دفاعا عن المجلس في مواجهه جهة قضائية أخرى. فخروج التعديل بهذا الشكل، اثناء هذه المعركة بين جهتين قضائيتين أهدر الغرض من التشريع وهو صون المجلس وحماية حجية أحكامه.
 
التعديل لم يحدد موعدا ملزما للإدارة لرفع الاشكال
نص قانون المرافعات على أنه إذا عرض عند التنفيذ إشكال وكان المطلوب فيه إجراء وقتي، فلمعاون التنفيذ أن يُوقف التنفيذ مع تكليف الخصوم في الحالتين الحضور أمام قاضي التنفيذ ولو بميعاد ساعةوفي منزله عند الضرورة. ونجد أن التعديل لم يراعِ أن تنفيذ أحكام المجلس لا تتم عن طريق معاون تنفيذ، ولكن يتعين على جهة الإدارة تنفيذها بمجرد إعلانها بها، وعلى الرغم من هذا الاختلاف، لم يحدد التعديل موعدا لإقامة الاشكال منذ وقت الإعلان واكتفى بالزام مجلس الدولة بالفصل في الإشكال خلال ثلاثين يوماً من تاريخ رفعه. إلا أنه لم يحدد مدة زمنية لرفع الإشكال تبدأ من تاريخ إعلان جهة الادارة بالحكم، وهو ما يعني أن جهة الإدارة يمكن أن تترك الحكم دون تنفيذ لأطول مدة ممكنة. فإذا لجأ من صدر الحكم لصالحه لتنفيذه بالقوة الجبرية، تقوم جهة الإدارة برفع إشكال في التنفيذ يعفيها طبقا لهذا النص من تنفيذ الحكم لفترة ثلاثين يوما آخر.
 
التعديل المقترح أهدر قيمة الاحكام المستعجلة
وسنسوق هنا مثلين لتوضيح الأمر:
المثل الأول، هو صدور الحكم لصالح أحد موظفي الدولة تبعا للطعن على قرارات الإدارة بإنهاء العمل أو الوقف عن العمل. فبموجب التعديل الجديد، أصبح بإمكان جهة الإدارة أن تتقاعس عن تنفيذ هذه الأحكام، حتّى إذا ما طلب صاحب الحكم حبس المتقاعس عن تنفيذ حكم نهائي، تقوم جهة الإدارة بالاستشكال في الحكم لكسب مزيد من الوقت طالما أن التعديل لم يضع مدة زمنية يجب الاستشكال فيها منذ تاريخ اتصال علمها بالحكم،
والمثل الثاني، هو الطعن في قرارات العلاج على نفقة الدولة والتي كان يلجأ إليها المرضى بعد استنفاذ كافة طرق المطالبة بالعلاج أمام الجهات الإدارية، وهي دعاوى كثيرة جداً. وقد أعطى هذا التعديل الإدارة فرصة لإذلال المرضى لفترات أطول عن طريق استخدام هذا التعديل والاستشكال في الأحكام.
ولهذه الأسباب، نرى ضرورة لمراجعة التعديل والذي ترتب عليه وقف تنفيذ الأحكام الصادرة في الشق المستعجل بمجرد رفع الاشكال لتفويت الفرصة على جهات الإدارة في استغلال سلطتها للتنكيل بالمواطنين ولإغلاق الباب أمام محاولاتها الدؤوبة للهروب من تنفيذ أحكام مجلس الدولة.



[1] نص المادة 312 من قانون المرافعات "إذا عرض عند التنفيذ إشكال وكان المطلوب فيه إجراء وقتيا فللمحضر أن يوقف التنفيذ أو أن يمضى فيه على سبيل الاحتياط مع تكليف الخصوم فى الحالتين بالحضور أمام قاضى التنفيذ"
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، استقلال القضاء ، مصر



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني