الأمازيغية في مشروع التنظيم القضائي الجديد


2016-07-11    |   

الأمازيغية في مشروع التنظيم القضائي الجديد

الأمازيغية “هوية، لغة، ثقافة وحضارة مغربية عريقة في حاجة إلى حماية تشريعية، وآليات مؤسساتية وإجراءات عملية ترد الاعتبار إليها وتنهي عقود التهميش والإقصاء وفق منطق للمصالحة يعيد تشكيل الهوية واللغة والثقافة الوطنية عبر منظومة العدالة والمدرسة والإدارة والإعلام العمومي”. بهذه الكلمات انطلقت حملة ترافع واسعة دشنها ناشطون حقوقيون[1]بالمغرب بمناسبة مناقشة مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد أمام البرلمان للمطالبة بإقرار الأمازيغية كلغة للتقاضي أمام المحاكم المغربية إلى جانب اللغة العربية[2].
الحملة اعتبرت أن دولة ما بعد الاستقلال بالمغرب كانت تسعى إلى جعل الهوية المغربية تتركب من ثنائية العروبة والإسلام في تهميش وإقصاء واضحيْن لباقي المكونات اللغوية والدينية، وطمسٍ مقصود لروافد تكوين الشخصية المغربية. وقد انعكس هذا الأمر سلبا على وضعية اللغة الأمازيغية أمام القضاء بشكل واضح بِجعل اللغة العربية وحدها لغةً للتقاضي بالمغرب من خلال قانون المغربة[3]الذي ينص فصله الخامس على: “أن العربية هي وحدها لغة المداولات والمرافعات والأحكام في المحاكم المغربية”، وما تلاه من نصوص قانونية وقرارات متفرقة من بينها:

  • القرار الوزاري الصادر سنة 1965 الذي ينص في فصله الأول على أنه: “يجب أن تحرر باللغة العربية ابتداء من فاتح يوليوز (تموز) 1965 جميع المقالات والعرائض والمذكرات المقدمة أمام مختلف المحاكم”[4].
  • المادة 18 من قانون المحاماة والتي تنص على أنه: “و..يتعين على المحامين المنتمين لهذه الدول[5]، إن لم يكونوا حاصلين على شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة المنصوص عليها في المادة 5 أعلاه اجتياز امتحان لتقييم معرفتهم باللغة العربية وبالقانون المغربي قبل البت في طلباتهم”.
  • المادة الثالثة من قانون مهنة النساخة والتي تطرقت لشروط ولوج هذه المهنة، حيث اشترطت التوفر على الإجازة في اللغة العربية كمؤهل علمي لولوج المهنة في استثناء واضح للإجازة في الدراسات الأمازيغية أو غيرها من اللغات المتداولة بالمغرب.
    فالتطبيق العملي لهذه النصوص استبعد بشكل جدلي كل إمكانية لاستحضار التعدد اللغوي في فضاءات العدالة. كما رَبط ممارسة المهن القضائية بإتقان اللغة العربية كامتداد لفلسفة تعريب حقل العدالة، الشيء الذي أوجد حالة من التمييز ضد الناطقين بالأمازيغية أمام مرافق القضاء. وزاد من حدة هذه النصوص التمييزية انتشار ظاهرة الامية داخل اوساط المتقاضين من الفئات الأكثر هشاشة.

لماذا المطالبة الآن بإدماج اللغة الامازيغية أمام المحاكم؟
ثمة عوامل عدّة تحتّم ضرورة الشروع في إدماج اللغة الأمازيغية داخل منظومة العدالة، على رأسها العامل الدستوري. فدستور 2011 ينص في فصله الخامس على أنه: “تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء”.
كما أن الحكومة تعهدت بإعطاء الأولوية لهذا الموضوع إبان التصريح الحكومي عند تنصيبها أمام البرلمان والذي جاء في بعض فقراته ما يلي: “لقد أقرّ الدستور توجهات في هذا المجال تقتضي تنزيلا تشاركيا يرتكز على تقوية اللغتين الوطنيتين الرسميتين العربية والأمازيغية في إطار يحفظ الوحدة ويضمن التنوع وذلك بالعمل على تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية عبر وضع قانون تنظيمي يحدد كيفيات إدراج الأمازيغية وإدماجها في التعليم والحياة العامة، مع صيانة المكتسبات المحققة ووفق جدولة زمنية تراعي المجالات ذات الأولوية، واعتماد منهجية تشاركية مع مختلف الفاعلين في مجال النهوض باللغة والثقافة الأمازيغيتين”. يُضاف إلى ذلك التزامات المغرب أمام المجتمع الدولي حيث يمكن الاشارة في هذا الصدد إلى توصيات اللجنة الأممية المكلفة بالقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري المنبثقة عن اجتماعها المنعقد في غشت 2010، وعلى توصيات اللجنة الأممية المكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 2006 و2015، والتي توصي الدولة المغربية صراحة بوضع وتبني إجراءات ذات طابع قانوني ومؤسساتي لإخراج الأمازيغية من وضع الدونية.
وقد أثار الاعلان عن مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد فرصة مناسبة لإعادة طرح مطلب ادماج اللغة الأمازيغية أمام المحاكم. فالمادة 14 من المشروع الجديد نصت على ما يلي:

“تظل اللغة العربية لغة التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام القضائية أمام المحاكم مع العمل على تفعيل اللغة الأمازيغية طبقا لأحكام الفصل 5 من الدستور، ويجب تقديم الوثائق والمستندات للمحكمة باللغة العربية أو مصحوبة بترجمتها مصادق على صحتها من قبل ترجمان محلف. كما يحق للمحكمة ولأطراف النزاع أو الشهود الاستعانة أثناء الجلسات بترجمان محلف تعينه المحكمة أو تكلف شخصا بالترجمة بعد أن يؤدي اليمين أمامها.”

الاعتراضات
تركزت اعتراضات الناشطين بخصوص نص المادة 14 من مشروع قانون التنظيم القضائي على نقطتين:

  • طريقة صياغة المادة: استعمال عبارات من قبيل “تظل”، “أيضا”، “مع العمل”.. كلها عبارات تؤكد وجود نية في تأخير التنزيل الفوري لمقتضيات النص الدستوري، وكأن هذا النص وضع لكي لا يطبق أو كدعوة صريحة لتعليق العمل بالأحكام الدستورية المتعلقة بدسترة الامازيغية كلغة رسمية.
  • تقييد استعمال اللغة الأمازيغية بمرافق القضاء بتعيين ترجمان، وهو بمثابة اعتبارها لغة أجنبية. وعليه، تعامل المشروع تعامل مع الأمازيغ كأجانب في وطنهم. ويأتي هذا التوجه خارج السياق الدستوري الذي اعتبر الأمازيغية جزءاً أساسياً من مكونات الهوية الوطنية.

المقترحات
وجهت الفيدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب FNAAمذكرة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان ورؤساء الفرق البرلمانية بالغرفة الأولى للبرلمان ضمنتها عدة مقترحات:

  1. تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية حتى تتمكن من أداء أدوارها كاملة في فضاءات العدالة موضوعاتيا ومؤسساتيا،
  2. ملاءمة القوانين العادية والتنظيمية مع توصيات اللجان الأممية ذات الصلة ومع مقررات الفصل الخامس من الدستور بما يضمن المساواة بين اللغتين الرسميتين،
  3. مراجعة نص المادة 14 من مشروع القانون رقم 15/38 المتعلق بالتنظيم القضائي، وذلك بشكل يضمن استعمال اللغة الأمازيغية أمام مرافق السلطة القضائية بدون أي شكل من أشكال التمييز،
  4. نسخ أحكام قانون المغربة والتوحيد والتعريب وذلك بباب الأحكام الختامية والانتقالية من مشروع التنظيم القضائي،
  5. تنقيح الترسانة القانونية المغربية من كافة النصوص المكرِّسة للتمييز العنصري على أساس اللغة أو العِرق أو الدين أو غيره، واستصدار مقتضيات تشريعية جديدة أو معدلة لتلك المذكورة أعلاه، تأخذ بعين الاعتبار التعدد اللغوي والتنوع الثقافي بالمغرب، وتجعل من الأمازيغية لغة رسمية لها وظائفها المَنوطة بها في المجتمع والدولة،
  6. فتح المجال في مواد المشروع للموروث القانوني والعرفي الأمازيغي ليكون مصدرا من مصادر التشريع بما لا يتعارض مع المرجعية الأممية لحقوق الإنسان وحقوق الشعوب،
  7. جعل استعمال وإتقان اللغة الأمازيغية، مجالا للتنافس بين القضاة وأطر المهن القانونية المساعدة للقضاء خِدمة لكافة المواطنين والمواطنات دون تمييز.
  8. ربط مسألة تعيين القضاة بشرط معرفة وإتقان التعابير اللسانية للغة الأمازيغية السائدة بالمنطقة التي سيتم تعيينهم بها.

نشر هذا المقال في العدد 5 من مجلة المفكرة القانونية في تونس.

  • لتحميل الملحق التوضيحي لمقترح التعديل المقدم من طرف الفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب، النقر على العنوان أدناه.

 



[1]-يتعلق الأمر بالفدرالية الوطنية للجمعيات الأمازيغية بالمغرب وهي ائتلاف يضم 115 منظمة غير حكومية امازيغية تعنى بالدفاع عن اللغة الأمازيغية ، تقدمت بمذكرة للبرلمان بمناسبة مناقشة مشروع قانون التنظيم القضائي الجديد بتاريخ 22/03/2016.
[2]-سبق للمفكرة القانونية أن أثارت اشكالية الصعوبات اللغوية التي تواجه العديد من المتقاضين الذين يتحدثون اللغة الامازيغية فقط دون العربية أمام المحاكم بالمغرب، ومدى مساس ذلك بشروط المحاكمة العادلة.
لمزيد من التفاصيل، “هل تصبح الأمازيغية لغة مقبولة للترافع والمناقشات أمام المحاكم المغربية؟”، المفكرة القانونية- تونس، العدد 3، نوفمبر 2015.
[3]-يتعلق الأمر بالقانون رقم 3.64 الصادر بتاريخ 26/01/1965 والمعروف بقانون المغربة والتوحيد والتعريب.
[4]-يتعلق الأمر بقرار وزير العدل رقم 414.65 الصادر بتاريخ 29/06/1965، لتطبيق قانون المغربة والتوحيد والتعريب.
[5]-المقصود بها الدول الأجنبية التي أبرمت مع المغرب اتفاقية دولية تسمح لمواطني كل من الدولتين المتعاقدتين بممارسة مهنة المحاماة في الدولة الأخرى.
انشر المقال

متوفر من خلال:

المرصد البرلماني ، استقلال القضاء ، محاكمة عادلة وتعذيب ، مقالات ، المغرب ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني