المظالم القضائية: براكة الساحل نموذجا


2016-07-11    |   

المظالم القضائية: براكة الساحل نموذجا

يعرف الفصل 102 من الدستور التونسي القضاء بأنه السلطة التي تضمن إقامة العدل. ويضع هذا التعريف القضاء في خانة النقيض للظلم. يؤسس هذا التعريف لما يجب أن تكون عليه الأمور، فيما  يكشف التقليب في صفحات المحاكمات عن مظالم قضائية تخرج عمل القضاء عمّا يفترض به أن يكون. ومن المظالم القضائية التي عرفتها تونس محاكمات عسكرية انطلقت بداية تسعينات القرن الماضي وأعيد فتح ملفها بعد الثورة وعرفت باسم محاكمات براكة الساحل نسبة لقرية في تونس ادعت السلطة السياسية حينها أنه تم عقد اجتماعات في أحد منازلها لغاية تنفيذ انقلاب عسكري. اختارت المفكرة القانونية في بحثها عن هذه القضايا توثيق شهادة حية لإحدى ضحايا القصة التي انطلقت بداية الشهر الخامس من سنة 1991 في أقبية وزارة الداخلية التونسية بإجازة من القضاء وإنابة منه. قبل العميد أحمد الغيلوفي أن يجيب على أسئلتنا في هذا المجال، فكشف لنا الحوار معه أن المظالم القضائية ليست جزءاً من فعل الماضي كما قد نعتقد، ولكنها فعل يستمر باستمرار الصمت حوله (المحرر).

المفكرة: حضرة العميد، كيف انطلقت علاقتك ببراكة الساحل؟

العميد:حتى 21-05-1991، كانت “براكة الساحل” بالنسبة لي قرية صغيرة تقع حذو منطقة الحمامات لا غير. وفي مساء ذلك اليوم، تغيرت الدلالة. حوالي الساعة الرابعة مساء، أعلمني مسؤول الأمن العسكري بمعهد الدفاع الوطني أن مدير الأمن العسكري العقيد موسى الخلفي يطلب أن أتحول للقائه في مقره. في البدء، ظننت أن زميلي يرغب في استشارتي في أمر ما. بمجرد وصولنا هنالك ودون مقدمات، غادر مرافقي فيما اصطحبني مدير الأمن العسكري إلى مكتبه. بعدئذ، تركني هذا الأخير في مكتبه. بدأ حينها القلق يساورني، خصوصا وأن الوسط العسكري تداول في تلك الايام أخبار ايقافات شملت عسكريين. بعد عشرين دقيقة، عاد الخلفي ليعلمني أن وزارة الداخلية تطلبني. سألت وما علاقتي بوزارة الداخلية، أجابني “المطلوب ايصالك لوزارة الداخلية لا غير”
امتطيت سيارة مدير الأمن العسكري بطلب منه في اتجاه مقر وزارة الداخلية. توجه مرافقي مباشرة للباب الخلفي للوزارة حيث دخلنا إلى مكتب في الطابق الأول. عرفت مباشرة أنه مكتب مدير أمن الدولة حينها “عز الدين جنيح”. ودون مقدمات، غادر الخلفي المقر. بقيت واقفا لا يسمح لي بالجلوس. عند سؤال “جنيح” عن القصد من استدعائي، قال لي: “الأفضل لك الاعتراف”. لم أعرف ماذا أجيب. صمت دون وعي مني بما يجري حولي   بعد أقل من خمس دقائق من الصمت، دخل المكتب مدير عام المصالح المتخصصة بوزارة الداخلية محمد علي القنزوعي مصحوبا بأربعة أعوان. توجه محمد علي القنزوعي بقوله “انت مشارك في عملية الإنقلاب”. تفاجأت. شعرت بحجم الكارثة التي تنتظرني. استحضرت في تلك اللحظة الإعدام باعتباره حكم من يحاول الإنقلاب. أجبت: أنا لا أعلم بحكاية الانقلاب. لم يهتم مدير الوحدات المختصة بردي وسألني: “من كان معك في الانقلاب؟” تمسكت بعدم تورطي في أي محاولة انقلاب. انفعل وقال لي حرفيا “أنت ما تفهمشي اللغة هذي”. وبإشارة من يديه للاعوان الذين كانوا يقفون خلفي مباشرة، بادر هؤلاء لسحبي واخراجي من المكتب.
تم نقلي لدورة مياه حيث سلمني أحد الأعوان بدلة رياضية عسكرية طالباً مني نزع زيّي العسكري. فهمت حينها أن المؤسسة العسكرية شاركت فيما أتعرض له، إذ وفر الجيش الزي الذي يجب أن أرتديه. أيقنت بعدها أن علاقتي بالعالم الخارجي انتهت. كما انتهت صفتي كمسؤول عسكري لتنطلق رحلة طويلة لم أفهم سبب بدايتها هي رحلتي كمتهم في قضية براكة الساحل.

المفكرة: كيف كانت رحلة براكة الساحل في أقبية وزارة الداخلية؟

العميد:كانت الرحلة في بدايتها سريعة. فبعد نزع زيي العسكري، نقلني مرافقي إلى غرفة بالطابق الأول من إدارة أمن الدولة. في الغرفة، كان هناك مكتب خشبي بسيط وأدوات ملقاة أرضاً، اتضح لاحقا أنها أدوات تعذيب. كان في انتظاري بتلك الغرفة “بوكاسا” و”زو” وهما من جلادي وزارة الداخلية الأكثر شهرة، وكان معهما المشرف عليهما والذي لم يذكر اسمه أمامي.
بعد سؤال يتيم: “من كان تحت أمرتك في الإنقلاب؟”، ومن دون انتظار جوابي، أمسكني جلادا الوزارة وشدا وثاقي في وضع الدجاجة المصلية. وانطلقا في تعذيبي لمدة ساعتين كاملتين. لم يتوقفا خلالها إلا لثوانٍ معدودة استقدم فيها أعوان آخرون ضابطين عسكريين كنت أعرفهما لكونهما من تلاميذي بالأكادمية العسكرية إلى غرفة التعذيب. كان الضابطان عاجزين تماما عن المشي ويتم نقلهما. وكان لا يسمح لهما بدخول الغرفة بل يتم ابقاؤهما بالباب ويطرح عليهما السؤال هل تعرف هذا. أجاب كلاهما: نعم، إنه العقيد الغيلوفي. يبدو أن هذا الجواب كان كل ما يطلبه الجلادون، فتم إخراج الضابطين في إثره مباشرة دون ترك فرصة لهما أو لي لتحديد المقصود بأنهما يعرفانني.
بعد ساعتين من التعذيب الذي لم أكن مستعداً له لا نفسيا ولا بدنيا، أغمي علي. شعرت بالجلادين اللذين رافقتني صورتهما وملامحهما لسنوات طويلة لاحقا ينقلاني إلى غرفة أخرى بالطابق الأول فيها سرير. شدّا وثاقي إلى السرير وغادرا. بمجرد استعادتي لوعيي حوالي الساعة الثامنة ليلا، عاود أحدهما دون انتظار تعذيبي مجددا وسبّي وشتمي الى أن أغمي علي للمرة الثانية.
في تلك الأثناء، وأنا شبه فاقد لوعيي، تفطنت لحضور طبيب. تولى الطبيب فحصي دون أن يكلمني ويبدو أن دوره كان تحديد إن كنت اقدر على مواصلة تحمل التعذيب أم لا. وبتوصية من الطبيب الذي لم أتبين وجهه، تم الكف عن تعذيبي .أفقت لاحقا. لم يكن معي شخص آخر بالغرفة، لكن كان يصلني صراخ أشخاص آخرين تحت التعذيب. شعرت ليلتها بنهايتي. اعتقدت أني سأعدم. وبدا القلق يساورني على أفراد عائلتي، أبنائي زوجتي زيادة على الألم الجسدي.

في يومي الأربعاء والخميس المواليين، لم أتعرض لأي تعذيب. يوم الجمعة حوالي الخامسة صباحا، تولى “بوكاسا” و”زو” وشخص ثالث حملي وتم تعليقي بالباب رأسي للاسفل ويتدلى في سطل ماء ملوث بالقذورات البشرية.  كانوا في حالة سكر وتم تعذيبي حوالي ساعة كاملة. يتم تبليل الجسد بالماء ويتم لاحقا الضرب ببلاستيك لكي لا يبقى أثر لاحقا. أنزلوني أرضاً وتولوا ركلي بأرجلهم. استمرت حصّة التعذيب تلك قرابة الساعتين وانتهت بمجرد قدوم المشرف على المجموعة الذي يبدو أنه طلب من الجلادين التوقف عن تعذيبي. إثر ذلك، تغيرت المعاملة معي اذ تم نقلي للطابق الأول حيث قدم لي لأول مرة بعد ثلاثة أيام كاملة أكل هو عبارة عن ساندويش وبعض الحليب كما سمح لي بالصلاة. وتم بعدئذ نقلي لزنزانة انفرادية بالطابق الرابع حيث مكثت ليومين متتالين. لم يكن يزورني بالطابق الرابع إلا عون الأمن الذي يجلب لي الطعام. ولكن الإيجابي أن هذا العون قال لي حرفيا: “اصبر ستفرج”. هذا القول وتوقف التعذيب كان مؤشرا على تغيّر في المعاملة، وقد تم تمكيني فضلا عن ذلك من أدوية تساعد على معالجة الانتفاخ وآثار الكدمات. وفي اليوم 47 من اعتقالي، تم نقلي لغرفة المكتب بالطابق الأول حيث وجدت “زو” الذي أعلمني أنه سيستنطقني.
في آخر جلسة الاستنطاق، توجه نحوي زو بقوله “عقيد ومن الحامة وتصلي وتظن أنه يمكن أن يتم ترك سبيلك، أنت واهم”. حينها، فهمت أن انتمائي لذات مسقط رأس راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة كان مبرر اتهامي، هذا الاتهام الذي كان لالتزامي باداء الصلاة دور في تدعيمه. و ذات الأمر تأكد لي في اليوم الموالي عند تحويلي لقاضي التحقيق العسكري.

المفكرة: يعني هذا أن مرحلة الإعتقال الأمني انتهت عند هذا الحد؟

العميد:أجل. بنهاية تسعة وأربعين يوما من الاعتقال، تم تحويلي يوم 08-07-1992من فرقة أمن الدولة التي كانت تتعهد بالأبحاث بموجب إنابة قضائية لقاضي التحقيق العسكري “الرائد عياد”. لم يدم لقائي بقاضي التحقيق أكثر من دقيقتين. سألني عن علاقتي بحركة النهضة وبالضباط المتهمين وان كنت أتمسك بافاداتي لدى الباحث،تلك الافادات التي تضمنت انكاري لكل التهم المنسوبة لي. تمسكت بأقوالي طبعا. لم يحرر محضر استنطاق اذ لم يكن كاتب التحقيق بالمكتب. كما لم يهتم قاضي التحقيق لآثار التعذيب التي كانت ظاهرة على يديّ.
بعد هذا الاستنطاق الأول إن صح التعبير، أمضى قاضي التحقيق بطاقة إيداع في حقي بالسجن المدني ب 09 أفريل. لم أخرج منه مدة عام وشهرين. ماتت خلالهما أمي، ولم أحضر جنازتها. وكانت علاقتي بالعالم الخارجي محدودة في زيارة محامي وأفراد أسرتي. وبنهاية تلك المدة، تولى قاضي التحقيق العسكري إخراجي من محل إيقافي لاستنطاقي، وذلك دون حضور محام. كان الاستنطاق مختصرا كالعادة وتعلق بالسؤال حول علاقتي براشد الغنوشي الذي أكدت عدم معرفتي الشخصية به. ويومها فقط مكنني قاضي التحقيق من محضر استنطاق رسمي لأمضيه.
مع بداية النصف الثاني من الشهر التاسع من سنة 1992، زارني المحامي الذي تطوع للدفاع عني بحكم الصداقة التي كانت تجمع بيننا، وأسرّ لي بأنّ الحكم الذي سيصدر بحقي ستكون مدته 18 شهراً أي مدة الايقاف التي مكثتها. ونصحني بعدم إثارة إشكالات أثناء الجلسة تطيل المحاكمة. لا أعلم لماذا قال لي ذلك، لكن يبدو أنها كانت رسالة لي من المحكمة التي مثلت أمامها في 21-10-1992.

المفكرة: كيف كانت جلسة المحاكمة؟

العميد:لم يتوجه رئيس الجلسة ولا ممثل الادعاء لي بأي سؤال. لكن ولأول مرة، سمح لي يومها بالحديث مدة نصف ساعة دون مقاطعة تحدثت عن المظلمة التي  تعرضت لها. وبمجرد إنهائي لاقوالي وبعد أن تمسك المحاميان اللذان يمثلانني بمرافعتي ودون مداولة، تولى رئيس المحكمة النطق بالحكم. وكان الحكم كما تم إعلامي سلفا ثمانية عشر شهراً. أحد أعضاء المحكمة من الضباط السامين كان من أصدقائي وقد ذكر لي صديق مشترك بيننا لاحقا أنه بكى بمحضره يومها وكان يقول “اليوم حضرت مظلمة وأن الحكم ورد مكتوباً في ورقة بقلم رصاص لرئيس الدائرة القاضي العدلي بشير كدوس”.
مع انتهاء معاناة السجن والحكم الجائر، باطلاق سراحي يوم 05-09-1992 بدأت معاناة أخرى مردها ما عاينته من أثر الظلم الذي تعرضت له صحبة أفراد أسرتي. استمرت تلك المعاناة طيلة عشرين سنة. كنت اتقاضى خلالها تقاعد نسبي بسيط لا يفي بحاجياتي العائلية إلى أن جاءت الثورة. وعندها، قررنا أي نحن ضحايا قضية براكة الساحل تأسيس جمعية إنصاف قدماء العسكريين التي من أهدافها تحقيق العدالة التي حرمنا منها. قد يكون طريفا ومؤلما في ذات الوقت أني أنا الذي اتهمت بكوني قائد المحاولة الانقلابية لم أتعرّف إلى عدد المجموعة التي اتهمت معي إلا بعد الثورة. فعند لقائي لأول مرة بعد الثورة بوزير الدفاع حينها “عبد الكريم الزبيدي”، بادرني هو بالسؤال: “هل تعرف عدد ضحايا براكة الساحل؟” حاولت أن أضخّم العدد الذي أعرف لامكانية وجود ضحايا لم اتعرف لهم فقلت مائة. ضحك الوزير وقال لي: 244.

المفكرة: هل نجحت مجموعة 244  في الوصول للعدالة بعد الثورة أو هل انتهت مظالم القضاء في حقهم؟

العميد:اعترفت المؤسسة العسكرية بعد الثورة بالمظلمة التي تعرضنا لها وتولت بطلب منا الاستجابة لبعض المطالب الاجتماعية العاجلة من أهمها ضمان حق العلاج خصوصا. كما أثمر نضالنا وتجاوب رئيس الجمهورية السابق الأستاذ المنصف المرزوقي معنا أن تم رد الاعتبار العسكري لنا باعادة تمكيننا من الزي العسكري والرتب العسكرية وبتمتيعنا بحقنا في جراية التقاعد كاملة. وظلّ في المقابل الملف القضائي والذي يشمل الحق في التعويض وتعهد به القضاء الاداري والحق في العدالة الجزائية في مواجهة من عذبونا عالقاً.

المفكرة: هل يمكننا معرفة المزيد عن الإجراءات الحاصلة أمام المحكمة الادارية؟

العميد:المحكمة الادارية لم تنصفنا بعد، وتأخرها في فصل القضايا ظلم كبير لنا. أنا مثلا توليت التقدم بقضية التعويض منذ سنتين. ومنذ ذلك التاريخ، لم تتقدم اجراءات القضية ولم يصدر أي حكم. وهذا الأمر مؤسف. أذكر لكم هنا أن من العسكريين الضباط من دفعته الخصاصة لاشتغال العمل اليدوي، وكانت زوجته تشتغل معينة منزلية. وبالتالي، يكون طلب التعويض مهما بالنسبة إلينا ضماناً لحاجياتنا الأسرية، وباعتبار أن أغلبنا تجاوز الستين من العمر وأننا جميعاً نعاني من الآثار الصحية للسجن والتعذيب و ضيق الحال.

المفكرة: وماذا بشأن العدالة الجزائية؟

العميد:تقدمنا مباشرة بعد الثورة بشكاية جزائية تعهد بها القضاء العدلي ضدّ من مارسوا التعذيب وضدّ القيادة العسكرية السابقة التي تواطأت مع النظام وسلمتنا طوعاً للتعذيب وتولت لاحقا التغطية على المعذبين. تخلى لاحقا القضاء العدلي عن القضية لفائدة القضاء العسكري بدعوى تعلقها بعسكريين وضرورة سماعهم. قاضي التحقيق العسكري اعتبر بشكل مفاجئ أن الأفعال المدعى بها هي “عنف شديد من موظف” أي جنحة لا غير، ولم يتم اعتبار ما تعرضنا له تعذيباً رغم أن الاختبارات أثبتت أن عدداً من الضباط أصيبوا بسقوط بدني ترواح بين 20 و50%. ذات التهمة اعتمدتها المحكمة العسكرية الجناحية رغم تعدد الشهادات التي أكدت أن ما مورس في حقنا كان تعذيبا ممنهجا. وقد اصدرت هذه المحكمة بتاريخ 29-10-2011 أحكاماً في حق المتهمين ومنهم عدد من الجلادين الذين توصلنا بمساعدة المنظمات الحقوقية لمد القضاء بهوياتهم الكاملة. تراوحت العقوبات بين أربع سنوات سجن لمن كان الحكم حضورياً في حقهم وخمس سنوات سجن في حق من كانوا بحالة فرار. وهو الحكم الذي تأيد لدى محكمة الاستئناف العسكرية سنة 2012 لجهة مبدأ الادانة مع مع الحط في مدة العقوبات [1]
لم تحقق المحاكمة العدالة التي كنا نعتقد. فقد اقتصرت التهمة على اعتداء موظف عمومي بالعنف ولم تشمل القيادة العسكرية. ولكن كانت محاكمة مهمة بالنسبة لنا خصوصا وأن “محمد علي القنزوعي” والذي يعد أحد رموز النظام الأمني بتونس خلال عشرية التسعينات التي شهدت أهم انتهاكات حقوق الانسان وحالات التعذيب التفت عند استنطاقه من المحكمة نحونا، ليعترف أن براكة الساحل لم تكن إلا فبركة أمنية وطلب الإعتذار. هذا الاعتراف بالذنب وطلب الاعتذار ترك لدي ولدى بقية الضحايا أثراً نفسياً طيباً بما يؤكد أهمية مسار العدالة الانتقالية.
شعوري بالظلم تعزز في 2015 بعدما اختار عز الدين جنيح الذي تعرضنا جميعا للتعذيب في مقر إدارته الامنية وبتعليمات مباشرة منه والذي كان بحالة فرار خارج البلاد التونسية العودة لتونس. كنت أنتظر أن يتم إيقافه باعتبار أن الحكم الذي صدر في حقه كان خمس سنوات مع النفاذ العاجل. لكن علمت كما علم كل التونسيين لاحقا أنه عاد لتونس ودخل مطارها الجوي بحالة سراح. وتولت المحكمة لاحقا قبول اعتراضه، كما رفضت السماح لمحامينا بالترافع في القضية متابعة اجراءاتها بحجة ان القضية لا تتعلق بنا[2]   لتصدر في حقه بتاريخ 16-04-2016 حكما بالسجن مدة ثلاث سنوات مع اسعافه بتأجيل التنفيذ[3].
هذا الحكم ومسار المحاكمة الجزائية أكد لي أن المظلمة القضائية استمرت في حقنا. كما أن بطء المحكمة الإدارية عزز هذا الشعور، وأظن بالتالي أن حكاية محاكمة براكة الساحل عنوان هام لمظلمة قضائية تحتاج أن تدرس لمنع استمرارها و تكرارها.

نشر هذا المقال في العدد 5 من مجلة المفكرة القانونية في تونس.

نشر في العدد الخاص حول المحاكم العسكرية في دول المنطقة العربية.

النسخة اللبنانية

النسخة التونسية


[1] بعد ان كانت المحكمة العسكرية الابتدائية  الدائمة الابتدائية بتونس اصدرت بتاريخ 29-11-2011 احكاما غيابية بالسجن مدة خمس سنوات مع النفاذ العاجل في حق كل من زين العابدين بن علي وعز الدين جنيح وأحكام حضورية بالسجن مدة أربع سنوات في حق عبد القلال – وزير الداخلية – و محمد علي القنزوعي وأحكام بالسجن مدة ثلاث سنوات في حق عبد الرحمان القاسمي  ومحمد الناصر العليبي  وهما من الجلادين، أقرت المحكمة العسكرية الاستئنافية الدائمة بتونس الحكم الابتدائي من جهة مبدأ الادانة وأنزلت العقوبات في حق جميع المحكوم عليهم حضوريا لمدة عامين اثنين وهو حكم سمح لاحقا لكل المحكوم عليهم بالتمتع بالسراح لقضاء نصف مدة العقوبة (المحرر).
[2]اعتبرت المحكمة ان المتهم المعترض لم يناقش الفرع المدني من الدعوى الغيابية وان هذا الفرع يمس وحده حقوق الضحايا و انتهت تبعا لذلك لكونه لا يحق لهم ان ينيبوا محامين في الدعوى لكونهم ليسوا طرفا من أطرافها. فالاعتراض يتعلق فقط بالحكم الجزائي (المحرر).
[3]يشترط الفصل 53 من المجلة الجزائية التونسية لمنح تأجيل تنفيذ العقاب أن تكون العقوبة المحكوم بها لاتتجاوز مدتها العامين، بما يطرح السؤال حول  قانونية العقوبة المحكوم بها (المحرر).
انشر المقال

متوفر من خلال:

مجلة لبنان ، تونس ، مجلة تونس



لتعليقاتكم


اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشوراتنا
لائحتنا البريدية
اشترك في
احصل على تحديثات دورية وآخر منشورات المفكرة القانونية
لائحتنا البريدية
زوروا موقع المرصد البرلماني